بدعم إماراتي.. ما دوافع محمد الحلبوسي من مهاجمة الإخوان المسلمين في العراق؟

يوسف العلي | منذ ١٦ ساعة

12

طباعة

مشاركة

على وقع إخفاق حزبه، في الحصول على منصب رئيس البرلمان، يشن السياسي العراقي، محمد الحلبوسي، هجوما حادا على الإخوان المسلمين في العراق، ويتهمهم بمحاولة فرض مرجعية دينية على المكون السني في البلاد.

وفشل حزب تقدم برئاسة زعيم البرلمان السابق محمد الحلبوسي باستعادة هذا المنصب الذي أقيل منه الأخير بقرار قضائي في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لإدانته بتزوير طلب إقالة أحد النواب.

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، فاز النائب العراقي محمود المشهداني بمنصب رئيس البرلمان، رغم محاولة الحلبوسي اختيار أحد نواب حزبه للمنصب. 

شيطنة مستمرة

الحلبوسي السياسي السني، ظهر في مقطع فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي في منتصف نوفمبر 2024، قال فيه إن "الإخونجية (الإخوان) أثاروا موضوع المدونة السنية ليس لأغراض قانون الأحوال الشخصية، بل يريدون إثبات أنفسهم مرجعية سنية".

وأضاف: "إذا تمت كتابة مدونة سنية، فمن المفترض كتابتها من قبل أهل دين، وهم يُعرّفون أنفسهم على أنهم المرجعية السنية، لكن الذي أعرفه، أن السنة مرجعيتهم القرآن والسنة والسلف الصالح وما ينقل عنهم، ولا توجد مرجعية حالية".

وتابع: “لكن (الإخونجية) يريدون فرض أنفسهم بكتابة المدونة السنية لغرض الإشارة إليهم عندما يتم السؤال عن الجهة التي كتبت المدونة، وبهذا يصبحون مرجعية وفق اعتقادهم، أي يستغلون أحوال الناس وقوانينهم ووجدانهم ومقتضيات حياتهم لأغراض سياسية”.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 31 أكتوبر، قال الحلبوسي: "لا نرضى أن يكون المجمع الفقهي العراقي مرجعية للسنة، لا هم ولا غيرهم من الإخوان المسلمين في البلاد".

لكن الحلبوسي خالف نفسه فيما أكده عام 2020، عندما زار مقر المجمع الفقهي في بغداد، والتقى بكبير علمائه العلامة أحمد حسن الطه، وأكد خلالها مكانة المجمع بوصفه "مرجعية شرعية لها حضورها المتميز في المشهد العراقي".

وعمد المكتب الإعلامي للحلبوسي إلى حذف البيان من وسائل التواصل التابعة للأخير، الذي يصف فيه المجمع الفقهي بالمرجعية الشرعية، وذلك بعدما التقط ناشطون صورة له من "فيسبوك" ونشروه على نطاق واسع.

ولم يكن هجوم الحلبوسي على الإخوان في العراق، هو الأول، بل سبق أن اتهمهم بمحاولة السعي إلى "الاستحواذ على استحقاقات المكوّن السني"، في إشارة إلى المناصب الحكومية المخصصة للسنة في البلاد.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 10 مارس 2024، اتهم الحلبوسي الإخوان المسلمين في العراق، بالوقوف وراء تلفيق اتهامات له بمحاولة إنشاء إقليم سني جديد، ودخوله في مشروع إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية.

وقال الحلبوسي إن "الإخوان يريدون العودة لإدارة محافظة الأنبار، لكننا لن نسمح بذلك، فهم كانوا سببا في تردي الأوضاع في المدينة، لذلك بعدما فشلوا في العودة إلى السلطة بالمحافظة عبر الانتخابات، بدأوا يثيرون مثل هذه الأخبار عن الإقليم السني، وقضية فلسطين وغيرها".

"طريقة للاستجداء"

ردا على ذلك، قال سليم الجبوري، القيادي السابق في الحزب الإسلامي العراقي (الذراع السياسي السابق للإخوان في العراق) إن "الحلبوسي يطرح قصة يحاول من خلالها صناعة الوهم وحالة من العدائية".

وأضاف الجبوري وهو رئيس أسبق للبرلمان العراقي، خلال مقابلة تلفزيونية في 21 نوفمبر، أن "رسائل الحلبوسي ليست للداخل فقط وإنما للخارج، بأنه الشخص القادر على مواجهة تحدٍّ تخشونه ولطالما تحدثتم عن خطره".

وتابع: “الحلبوسي يريد القول إنه يستطيع أن يواجه هذا التحدي وإنه رجلكم في هذا المضمار، وهي قصة سردية ليس لها أساس، بدليل أنه في انتخابات عام 2021 تحالف مع الإخوان ضمن قائمة انتخابية واحدة، فهل خطرهم زال حينها، إذا كان لهم خطر؟”

وربط الجبوري طرح الحلبوسي بالانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق والمقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وأشار إلى أن فلسفة الحلبوسي بطرحه هذا هو "إذا ليس لك عدو، فبالإمكان أن نخلق عدوا وتظهر حالة العداء له حتى تستقطب من يؤيدك".

ووصف ما يطرحه الحلبوسي بأنه "مثار للاستغراب، لأن الإخوان لم يتحدثوا عن رغبتهم بإيجاد مدونة سنية لقانون الأحوال الشخصية، أو أن المجمع الفقهي من الإخوان، لذلك هذه القضية للتسويق وظاهرها وباطنها غير دقيق، وهي ليست سوى عملية استجداء لدعم لمرحلة محددة قادمة".

وفي هذه النقطة تحديدا، يبين السياسي العراقي، مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية مطلع يناير/ كانون الثاني 2023، أن الإمارات منحت الحلبوسي 120 مليون دولار، ذهبت منها مئة مليون إلى الانتخابات البرلمانية عام 2021، و20 مليونا إلى أغراض أخرى.

الجبوري أكد، أن الحلبوسي كان يمنح جزءا من تلك الأموال إلى المرشحين في قائمته لتمويل حملتهم الانتخابية، ومقابل ذلك يوقع كل واحد منهم على طلب استقالة حتى تبقى تحت تصرفه (يتحكم بهم ومن ورائه الإمارات)، باستثناء مرشحين اثنين رفضا تلقي أي مبالغ.

وبحسب الجبوري، فإن محمد الحلبوسي جاء في ولايته الأولى لرئاسة البرلمان (2018 إلى 2021) بقطار إيراني، لكن في ولايته الثانية (2021 إلى 2023) بدعم إماراتي سعودي.

وخلال مقابلة تلفزيونية، أكد الحلبوسي في 10 مارس 2024، أنه يتمتع بعلاقة جيدة مع دولة الإمارات، وأنه "يعتز" بهذه العلاقة، وكذلك مع المملكة العربية السعودية، ودول عديدة في المنطقة.

ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، كشرت دولة الإمارات عن أنيابها تجاه معاداة تنظيم الإخوان المسلمين الذي تصدر المشهد في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، فضلا عن المقربين منهم في دول الخليج.

ومن خلال هذه السياسة، تقدم الإمارات الدعم اليوم بمختلف أشكاله إلى الحلبوسي بهدف شيطنة الجماعة ومريديها في العراق.

رجل الإمارات

وبخصوص الدوافع وراء هجوم الحلبوسي على الإخوان العراقيين بالوقت الحالي، قال الباحث في الشأن العراقي، أياد ثابت، إن "رئيس حزب تقدم يحاول تقديم نفسه على أنه رجل الإمارات في البلاد، وبالتالي إذا لم يقدموا له الدعم فإن الإخوان سيكونون البديل عنه لقيادة السنة بالعراق".

وأوضح ثابت لـ"الاستقلال" أن "الحلبوسي يفترض عداوة لا أصل لها مع الإخوان في العراق، لكنه يريد وضع كل القوى والأحزاب السياسية السنية في خانة الإخوان وشيطنتهم، مغازلة للأنظمة الخليجية، وتحديدا الإمارات، التي تدعمه في كل انتخابات برلمانية".

وأشار الباحث إلى أن "الحلبوسي جاء إلى رئاسة البرلمان في ولايته الأولى، بعد أن أدى القسم أمام الجنرال الإيراني (قائد فيلق القدس السابق) قاسم سليماني بأن ينفذ كل ما يطلب منه، وهذا الأمر كشفه السياسي مشعان الجبوري".

وخلال مقابلة تلفزيونية في 15 نوفمبر 2023، قال مشعان الجبوري إن "إيران هي من صنعت الحلبوسي، وأن الأخير أدى القسم أمام سليماني وأبو مهدي المهندس (نائب رئيس الحشد الشعبي في العراق) حتى أصبح رئيسا للبرلمان".

وأضاف السياسي العراقي أن نجله “يزن مشعان الجبوري” (قيادي سابق بالحشد الشعبي) "هو من اصطحب الحلبوسي معه إلى بيت أبي مهدي المهندس، وهناك أدى القسم أمام قاسم سليماني حتى يجعله رئيسا لبرلمان العراق".

ونقلت "الاستقلال" في 9 يناير/ كانون الثاني 2020، عن مصادر عراقية (لم تكشف عن هويتها)، قولها إن "حديثا يدور في الأروقة السياسية عن دعم تقدمه الإمارات للحلبوسي، لإعادة إعمار محافظة الأنبار وتهيئتها لتكون إقليما منفصلا".

ووقتها، أكدت المصادر، أن "الحلبوسي زار الإمارات عبر الأردن، ثم انطلق إلى الولايات المتحدة بشكل سري، والتقى بكبار المسؤولين في الدولة الخليجية، دون الكشف عن تفاصيل الزيارة".

وفي 18 يونيو/حزيران 2021، كشف البرلماني العراقي السابق عبد الله الخربيط عن تحالف “تقدم” أن المتصدرين للمشهد السياسي السني والجمهور حسم أمره باتجاه إقامة إقليم الأنبار، وبقي فقط الاستفتاء رسميا على الموضوع حسب الدستور.

وأكد الخربيط خلال مقابلة تلفزيونية أن "تشكيل إقليم الأنبار الفيدرالي يجرى العمل عليه من تحالف تقدم، وأن رئيس الإقليم سيكون زعيم التحالف محمد الحلبوسي، ونحن اخترناه مقدما".

ومن أبرز أسباب دعم الإمارات للحلبوسي، هو دفع الأخير نحو تشكيل إقليم في غرب العراق، يكون هو رئيسه، وذلك في وقت كان يشهد فيه البلد حراكا شعبيا واسعا في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وفي تصريح سابق لنائب رئيس حزب "السيادة" (السني) عبد الخالق العزاوي، أكد أن "الحلبوسي وعددا من النواب ورؤساء الكتل في (اتحاد القوى) الذي يرأسه، اجتمعوا في دولة ما وتباحثوا في موضوع إنشاء إقليم سني".

وأكد العزاوي خلال تصريح لصحيفة "عربي 21" في 19 يناير 2020، أن "وضع البلد السياسي وما يشهده من حراك شعبي لا يسمح بطرح مثل هذا المشروع على الرغم من أن الدستور يكفل إنشاء الأقاليم، لكن الحديث في مثل هذا التوقيت لن يقبل به أحد، فهو تقسيم وتجزئة للبلد".

وأشار النائب العراقي السابق إلى أن "الأمر جاء بدفع من دولة خارجية، والدليل على ذلك أنهم كانوا يتباحثون في الموضوع في هذه الدولة، ولم يتجرؤوا على تبنيه أو طرحه بشكل علني".

يأتي ذلك، بعدما كشفت وكالة "السومرية نيوز" في 15 يناير 2020، أن "الحلبوسي وعددا من النواب والسياسيين العراقيين السنة اجتمعوا في أبو ظبي من أجل إنشاء إقليم سني".

ولم يعرف الحلبوسي المولود في الأنبار عام 1981، في الوسط السياسي مبكرا، حيث كان يعمل في مجال المقاولات ويمتلك شركة خاصة اسمها "بيت الحديد المحدود" ونفذ عددا من مشاريع البنية التحتية بالفلوجة بطريقة أثارت جدلا كبيرا.

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 واتساع نشاط الحلبوسي التجاري مع  قوات الاحتلال، أطلق عليه بعض سكان الأنبار لقب "مقاول الأميركان" ودارت حوله شبهات فساد مالي.

الحلبوسي حاصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية في العام الدراسي 2001 /2002، ودرجة الماجستير في الهندسة عام 2006 ودبلوم اللغة الإنجليزية من الجامعة نفسها.

كانت أول تجربة سياسية له، حين انتخب نائبا في البرلمان عام 2014 إلى 2017، عندما عُين محافظا للأنبار خلفا لصهيب الراوي الذي أقيل من منصبه، جراء خلافات سياسية بين الكتل المتنافسة في المحافظة.

ورغم صغر سنه وحداثة عهده بالسياسة، فقد فاجأ الحلبوسي الجميع بانتخابه رئيسا للبرلمان عام 2018، وذلك قبل أن يكشف مشعان الجبوري قصة اتفاق الأخير مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني على توليه المنصب مقابل تنفيذ ما يُطلب منه.