الحوثيون يهجرون عشرات الأسر اليمنية من شريط الحديدة الساحلي.. ما القصة؟

يوسف العلي | in 31 minutes

12

طباعة

مشاركة

في حملة غير مسبوقة، تشن جماعة الحوثي اليمنية، عمليات تهجير قسري بمناطق وقرى سكنية عدة قرب الشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر في الحديدة غرب اليمن، وذلك بالتزامن مع استحداث مواقع عسكرية وحفر خنادق وزرع للألغام في المدينة ذاتها.

التدابير الأمنية والتهجير القسري للسكان في الحديدة التي تنفذها مليشيا الحوثي منذ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أثارت تساؤلات عدة عن أسباب ما تقوم به الجماعة المدعومة من إيران، وإلى أي مدى يمكن أن تكون هناك عملية عسكرية ضدها لانتزاع المدينة من قبضتها؟

تهجير متواصل

في 13 نوفمبر، أدانت السلطات المحلية بمحافظة الحديدة "عمليات التهجير القسري التي تقوم بها مليشيات الحوثي لسكان عدد من القرى في المديريات الساحلية جنوبي وشمالي المحافظة منذ نهاية أكتوبر الماضي، ضمن مسلسل جرائمها وانتهاكاتها اليومية الجسيمة لحقوق الإنسان".

ونقلت وكالة "سبأ" الرسمية، بيانا عن السلطة المحلية، قولها إن "مليشيات الحوثي أُجبرت سكان خمس قرى جنوب مديرية الجراحي، تضم 350 أسرة، أي نحو 1750 نسمة، على إخلاء منازلهم تحت تهديد السلاح، للشروع في حفر أنفاق وبناء تحصينات عسكرية في تلك المناطق السكنية".

بحسب البيان، فإن "سكان تلك القرى باتوا يعيشون في العراء بعد أن هُجِّروا بالقوة من منازلهم ومزارعهم ومصادر عيشهم، في ظل تجاهل وصمت مطبق من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تجاه هذه الممارسات والانتهاكات السافرة".

وأوضحت السلطة أن "عمليات التهجير القسري هذه تأتي بعد أيام من عمليات تهجير مماثلة نالت المئات من سكان مدينة المنظر الساحلية الواقعة في أطراف الحديدة؛ إذ قامت المليشيات ببناء سور حول المدينة التي يبلغ عدد سكانها 4500 نسمه تقريبا، وإغلاق جميع المنافذ والطرقات المؤدية اليها، وإجبار قاطنيها على النزوح".

وناشدت السلطة "المجتمع الإقليمي والدولي وهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية بالوقوف أمام هذه الانتهاكات التي ترتكبها مليشيات الحوثي بحق سكان محافظة الحديدة".

وأكدت السلطة المحلية أن "هذه الانتهاكات وما سبقها من استهداف للمدنيين تعد جرائم حرب"، داعية "الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان إلى إدانة هذه الجرائم".

وفي مايو 2024، أقدمت مليشيا الحوثي، على تهجير سكان قرية الدقاونة التابعة للحديدة، البالغ عدد سكانها 70 أسرة، أي نحو 350 نسمة، إضافة إلى تحويل ميناء الخوبة السمكي إلى منطقة عسكرية مغلقة بعد منع الصيادين من إرساء قواربهم وممارسة نشاطهم.

وفي حينها، وثق فيديو نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، اقتحام المليشيا الحوثية لقرية الدقاونة واختطاف عدد من شباب القرية والاعتداء عل النساء والأطفال على خلفية رفض أبناء القرية إخلاء منازلهم ومزارعهم لصالح متنفذين مدعومين من الجماعة لموالية لإيران.

استعداد للهروب

وفسّر الإعلام المحلي اليمني ما تقوم به مليشيا الحوثي، بأنه "استعداد من أجل الهجرة من الحديدة، ولذلك بدأت عناصرها في تصفية ما نهبته، إضافة إلى نقل أسرها إلى خارج المحافظة، حسبما ذكرت قناة "الجمهورية" اليمنية في 13 نوفمبر 2024.

ونقلت القناة المحلية عن مصادر خاصة (لم تكشف هويتها) أن "مليشيا الحوثي نقلت خلال الأيام الماضية بيانات ووثائق وأرشيف الجمارك إلى خارج محافظة الحديدة، وذات الأمر استخدمته في التعامل مع صندوق النظافة والتحصين لذي نقلت بياناته إلى وحدات خزن خارجية".

وأشارت إلى أن "عمليات النقل هذه تزامنت مع تسجيل نشاط مكثف لقيادة مليشيا الحوثي ذاتها في بيع المنازل والأراضي التي نهبتها من أملاك الأوقاف والمواطنين خلال السنوات الماضية".

وبحسب معلومات القناة، فإن "معظم القيادات الحوثية قامت بتصفية المنازل والأراضي، في حين لجأ آخرون منهم إلى تسجيل عقارات مملوكة لهم بأسماء مواطنين من أبناء الحديدة". 

ولفتت إلى أن "المليشيا الحوثية تجري مساومة مع التجار والشخصيات التي نهبت منازلها وأراضيها في وقت سابق، مضمونها أن تعلن الأولى إعادة المنازل والممتلكات مقابل تسليمها مبالغ مالية".

وبيّنت القناة أن "هذا التحرك الأوسع يأتي مع شروع المليشيا في توسيع عملية زراعة كميات كبيرة من الألغام في مديرية الدريهمي في ريف المحافظة الجنوبي، وإخضاع المواطنين بالقوة لدورات طائفية وحشد الشباب واختطاف كل من يرفض الخضوع إلى أفكارها".

وتوحي التحركات أن "مليشيا الحوثي لا تضمن البقاء في المحافظة حال اندلاع  أي معارك فيها. وأنها تتحرك مبكرا للحفاظ على ما راكمته من ثروة مصدرها نهب أموال المواطنين والدولة في محافظة الحديدة"، وفقا لمعلومات القناة المحلية.

من جهتها، كشف موقع "المشهد اليمني" في 19 نوفمبر، عن "هروب جماعي لقيادات مليشيا الحوثي من محافظة الحديدة، وبيع ممتلكاتها التي قامت بنهبها، وتحويلها إلى قيمة نقدية بعملة أجنبية، ونقلها إلى محافظات صنعاء وصعده وحجة".

وبحسب معلومات الموقع، فإن "تزامن هروب قادة المليشيات على وقع مخاوف من تحرك عسكري دولي ومحلي لإنهاء سيطرتها على الحديدة وطردها من سواحل البحر الأحمر".

ولفتت إلى أن "الحوثي بدأ بعملية المقايضة بالعقار من خلال التبادل بين الملاك بحيث يمنح قيادات المليشيات رجال أعمال وتجارا عقاراتهم في الحديدة، مقابل الحصول على مساحات في صنعاء حتى لو كانت العقارات التي حصلوا عليها في صنعاء أقل قيمة".

وذكر الموقع اليمني أنه "توسعت في أوساط قيادات مليشيات الحوثي وعناصرها مخاوف من تحرك عسكري دولي لتحرير الحديدة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية".

زرع الرعب

وفي المقابل، قال أصيل السقلدي، مدير المركز الإعلامي لـ"ألوية العمالقة الجنوبية"، إن "انتهاكات مليشيا الحوثي بحق المواطنين وتهجيرهم من منازلهم وتحويلها إلى ثكنات وأنفاق وخنادق وحقول ألغام ليس للاستعداد لمعركة كما يروج الحوثيون".

ورأى السقلدي أن "هذا أسلوب حوثي لزرع الرعب والخوف في قلوب أبناء مناطق سيطرتهم هروبا من استحقاق شعبي يطلبونه بعد نهبه لحقوقهم المشروعة عشر سنوات. أما في المعارك فأول من يهرب هم قادة ومشرفو الحوثي مهما هجروا من سكان ومهما حفروا من خنادق".

وأكد المتحدث أن "هذه الانتهاكات تأتي ردا على المطالب الشعبية المتزايدة بإنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الحقوق المسلوبة"، مشيرا إلى أن "المليشيا تلجأ إلى هذه الأساليب البائسة هربا من مواجهة الاستحقاق الشعبي".

وتُعد الحديدة من أهم المدن الإستراتيجية، فهي تضم ثلاثة موانئ؛ هي ميناء الحديدة التجاري الذي يتمتع بأهمية اقتصادية ويعد ثاني أكبر ميناء في البلاد بعد ميناء عدن، يليه ميناء الصليف المخصص لإنتاج الملح وتصديره، ثم ميناء رأس عيسى النفطي.

وكذلك، فإن لمحافظة الحديدة أهمية كبرى لدى الحوثيين كونها منفذا بحريا وحيدا للمليشيا من أجل تهريب الأسلحة ومنصة لإطلاق الصواريخ والطائرات المفخخة على السفن المارة في المياه الدولية.

وعلى الصعيد ذاته، كشف تحقيق أمني عن "استخدام جماعة الحوثي مطار الحديدة الدولي الواقع في محافظة الحديدة لأعمال عسكرية وتنفيذ تدريبات ومناورات حربية داخل المطار المدني وداخل قاعدة الحديدة الجوية، إحدى أهم القواعد الجوية العسكرية التي تقع بجوار المطار بمدينة الحديدة".

وبحسب التحقيق الذي أجرته منصة "ديفانس لاين"، اليمنية، في 16 نوفمبر، فإن "الحوثيين استحدثوا وأنشأوا تحصينات وأنفاقا وملاجئ داخل المطار المدني والقاعدة الجوية، وفي المناطق القريبة والمقرات والمؤسسات التعليمية، وبدأت الجماعة بإعادة تأهيل مدرج المطار خلال مدة الهدنة في محاولة لإعادة تشغيله لاستقبال رحلات مدنية وعسكرية".

وتراجعت حدة القتال في الأراضي اليمنية بشكل ملحوظ بعد اتفاق على وقف إطلاق النار، الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة، ودخل حيّز التنفيذ في أبريل/ نيسان 2022، إذ لا تزال هذه الهدنة سارية إلى حد كبير حتى بعد انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.

وفي أبريل/نيسان 2023، توجه سفير السعودية في اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، ووصفه بأنه مسعى لـ"تثبيتها". أعقبها في 14 سبتمبر من العام ذاته، وصول وفد من الحوثيين إلى الرياض، وأجرى محادثات مع المسؤولين السعوديين بوساطة عُمانية، استمرت 5 أيام.

ووصف الوفد الحوثي الذي عاد إلى صنعاء في 19 سبتمبر 2023، محادثاته مع المسؤولين السعوديين في الرياض بأنها "كانت جدية وإيجابية"، رغم أنه لم يتم خلالها إعلان أي تقدم، وتوقفت المحادثات عند هذا الحد منذ ذلك الحين، خصوصا بعد دخول الجماعة على خط الحرب على غزة في أكتوبر2024، وإعلان استهدافه السفن الإسرائيلية التي تمر في البحر الأحمر.