تحديات إستراتيجية وفرص واعدة.. لهذا يجب على أنقرة تعزيز قدراتها السيبرانية
تشمل الاستخبارات السيبرانية عمليات جمع المعلومات وتحليلها
في عصر يتّسم بالتحول الرقمي المتسارع، أصبح الأمنَ السيبراني والاستخبارات الرقمية عنصرين أساسيين لتحقيق الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي للدول.
وتُعدّ تركيا نموذجا بارزا في هذا المجال، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز وأهميتها الإستراتيجية على الساحة الدولية، وفق ما ترى صحيفة ستار التركية.
وبينت في مقال للكاتب التركي "فاروق أونالان" أن هذا الوضع يفرض على تركيا ضرورة تعزيز قدراتها السيبرانية لمواجهة التهديدات المتزايدة واغتنام الفرص التي تتيحها التطورات التكنولوجية.
خطوات إستراتيجية
وتشمل الاستخبارات السيبرانية عمليات جمع المعلومات وتحليلها واستخدامها ضمن البيئات الرقمية، بهدف حماية الدول والمؤسسات والأفراد من التهديدات.
وتمنح هذه القدرات الدول ميزة إستراتيجية كبيرة، خاصة في ظل التنافس الدولي المتزايد، وفق الكاتب.
وأضاف: الجغرافيا السياسية لتركيا تعزّز أهمية تطوير قدراتها في هذا المجال لضمان حماية مصالحها الوطنية.
ويمكن تناول الجهود التركية في مجال الأمن السيبراني من خلال ثلاثة محاور رئيسة: حماية البنى التحتية والبيانات الحيوية، وتنفيذ عمليات سيبرانية هجومية ضد أنظمة محددة، والكشف عن التهديدات المحتملة ومنعها.
وأردف الكاتب: اتخذت تركيا خطوات ملموسة في تعزيز الأمن السيبراني من خلال وضع إستراتيجيات وطنية متعاقبة.
وبين أنها شملت خطط الأمن السيبراني الوطني للفترات 2013-2014، 2016-2019، و2020-2023. وقد أطلقت أخيرا إستراتيجية جديدة للفترة 2024-2028.
وتهدف هذه الخطط إلى حماية البنية التحتية الحيوية وتطوير قدرات التصدي للتهديدات الرقمية.
ومن بين الإجراءات المُهمّة المُتّبَعة؛ نقل أنشطة الاستخبارات الإشارية من القوات المسلحة إلى جهاز الاستخبارات الوطني عام 2011، وإنشاء مركز الاستجابة الوطنية للحوادث السيبرانية التابع لهيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كما تلعب الأقمار الصناعية مثل "توركسات" و"جوكتورك-1" و"جوكتورك-2" دورا حيويا في دعم الدفاع السيبراني الوطني.
وقد لفت الكاتب التركي النظر إلى أن الافتقار إلى الموارد البشرية المتخصصة في الأمن السيبراني في تركيا تعد مشكلة كبيرة.
ولحل هذه المشكلة يرى أنه لا بد من زيادة الاستثمار في الجامعات والتعاون مع القطاع الخاص.
وفي هذا الاتجاه، تكتسي مشاريع البرمجيات المحلية والوطنية في تركيا أهمية حاسمة للحد من التبعية الأجنبية، حيث تبرز مشاريع مؤسسات مثل "أسيلسان" و"هافيلسان" و"توبيتاك" في هذا المجال، وهي شركات تركية تعمل في قطاعي الدفاع وتكنولوجيا المعلومات والفضاء.
المقاومة السيبرانية
واستدرك الكاتب: في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا على جميع جوانب الحياة، أصبح تعزيز مقاومة القطاعات الحيوية ضد الهجمات السيبرانية ضرورة ملحّة.
وتعد قطاعات الطاقة، والصحة، والتمويل، والاتصالات من بين الأهداف الأكثر عرضة لهذه الهجمات، ما يجعل حمايتها أمرا بالغ الأهمية لضمان الاستقرار والأمن الوطني.
إذ تواجه الدول اليوم تهديدات سيبرانية متزايدة، سواء من جهات حكومية معادية أو من قبل جماعات الجريمة المنظمة.
وتُعدّ تركيا هدفا إستراتيجيا نظرا لموقعها الجغرافي ودورها المؤثر في النظام الدولي.
إذ تُستهدف البنى التحتية الحيوية، خاصة أنظمة الطاقة والدفاع، بشكل متكرر من خلال هجمات معقدة تهدف إلى تعطيل الخدمات أو سرقة معلومات حساسة.
وتشمل التهديدات السيبرانية الرئيسة برمجيات الفدية وتسريب البيانات وسرقة الهوية، والتي تُشكّل مخاطر كبيرة على المؤسسات والأفراد على حد سواء.
فقد شهدت تركيا أخيرا عملية نوعية بالتنسيق مع الاستخبارات، حيث جرى الكشف عن شبكات تبيع معلومات مسروقة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأظهرت التحقيقات أن هذه البيانات كانت تُباع لمنظمات بعضٌ منها جماعات إرهابية.
وبعد هذه الاكتشافات، حظر جهاز الاستخبارات الوصول إلى 18 موقعا تستخدمها عصابات الجريمة لابتزاز المواطنين، مما يبرز خطورة التهديدات السيبرانية على الأمن الاجتماعي.
وأشار الكاتب إلى أن الهجمات السيبرانية قد أصبحت جزءا من الحروب الحديثة، حيث يمكن استخدامها بالتزامن مع العمليات العسكرية التقليدية لتحقيق تأثير مزدوج.
وأكدت التجارب التي خاضتها تركيا في مناطق الصراع مثل سوريا والعراق وليبيا على أهمية تعزيز الدفاعات السيبرانية لمواجهة هذه التهديدات بشكل فعّال.
التهديدات والتحديات
واستدرك الكاتب: في ظل التهديدات السيبرانية المتزايدة، أصبحت التدابير الفعّالة ضرورة ملحّة لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة.
من هذا المنطلق، يمثل تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص وإنشاء مراكز الابتكار خطوة جوهرية لتفعيل النظام البيئي الوطني للأمن السيبراني.
وتابع: ينبغي على تركيا أيضا أن تلعب دورا أكثر فعالية في المنصات الدولية؛ مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.
ويهدف هذا الدور إلى تعزيز الأمن المشترك والشراكات الدولية لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.
وأضاف الكاتب: يتطلب تعزيز الأمن السيبراني تنفيذ برامج تعليمية شاملة تبدأ من المدارس، وذلك لنشر الوعي بأهمية هذا المجال.
كما أن تشجيع برامج تدريب الخبراء في الجامعات وإطلاق عمليات منح الشهادات المتخصصة يمثل ضرورة ملحّة، وفق تقديره.
ومن المهم تطوير حلول وطنية خاصة في مجالات عديدة؛ مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، بالإضافة إلى ذلك يجب الاستثمار في التكنولوجيا المحلية ودعم أنشطة البحث والتطوير.
إذ يمثل تبني نهج إستراتيجي في مجالَي الاستخبارات والأمن السيبراني ضرورة حيوية لحماية المصالح الوطنية وضمان الاستقرار الاقتصادي.
ولتعزيز القدرة التنافسية على الساحة الدولية، ينبغي زيادة الاستثمارات في هذه المجالات وتطوير نظام بيئي مستدام.
من جهة أخرى، يتوقع أن يصبح الأمن السيبراني في المستقبل عنصرا أساسيا في الدبلوماسية والقوة، وليس مجرد خط دفاعي.
فقد وصف رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين، الذكاءَ الاصطناعي بأنه "قنبلة ذرية رقمية"، وأشار إلى التهديدات الكبرى التي يطرحها بجانب الإمكانات التي يوفرها.
وأكد على أن مصطلح "الوطن السيبراني" بات عنصرا أساسيا من عناصر الأمن القومي، بل وشدّد على أن حماية الفضاء السيبراني أصبح بنفس أهمية حماية الحدود المادية.
وفي عرض قدّمه كالين إلى رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزيل، جرى التطرق إلى إستراتيجيات مكافحة الإرهاب ضد منظمات مثل "فتح الله غولن"، "حزب العمال الكردستاني"، وتنظيم الدولة. كما شمل العرض عمليات مكافحة التجسس السيبراني والجريمة المنظمة.
وفي أغسطس/آب 2024، نظّم جهاز الاستخبارات عملية مشتركة مع القيادة العامة لقوات الدرك والمركز الوطني للاستجابة للحوادث السيبرانية، حيث جرى استهداف شبكة تجسس سيبرانية دولية.
وأعلنت الاستخبارات الوطنية أن عمليات مكافحة التجسس السيبراني ستتوسع ولن تقتصر على تركيا فحسب، بل ستشمل أيضاً الشبكات الخارجية.