"الوقود القذر".. صحيفة إسبانية: أوروبا ترسل فضلاتها إلى إفريقيا

2 hours ago

12

طباعة

مشاركة

لم يعد من المستغرب سماع خبر عن إرسال أوروبا قمامتها إلى البلدان النامية؛ حيث تتخلص القارة من كل ما عندها من “فضلات” وترسله للقارة الإفريقية.

وعن هذه القضية، تقول صحيفة الباييس الإسبانية إن هذه الفضلات لا تقتصر على الأمتعة والأجهزة الإلكترونية، بل أصبحت تشمل أيضا الوقود المحظور في أوروبا الذي يباع في البلدان الإفريقية.

مليء بالكبريت

وبينت الصحيفة أن مكونات إنتاج الوقود الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت تمر عبر الموانئ الأوروبية، وكذلك الإسبانية، إلى نيجيريا. 

وفي مدينة لاغوس بالتحديد، تمتلئ الشوارع بالدخان بمجرد سير السيارات فيها، وهي مدينة يقدر عدد المركبات فيها بحوالي خمسة ملايين سيارة. 

وبعد فترة وجيزة من غروب الشمس، انقطعت الشبكة الكهربائية الوطنية، وجاء دور الملايين من مولدات الديزل. وفي هذه المرحلة، يزداد الضباب الدخاني كثافة.

 ونظرا لأن الرائحة مزعجة، أرادت الرياضية المحترفة السابقة في الوثب الثلاثي “أوتوني إيوريما”، إغلاق النافذة لتتنفس بشكل أفضل، لكن الحرارة في الخارج تتجاوز 30 درجة. 

وقالت الرياضية السابقة، التي تتعاون الآن في حملة من أجل الهواء النظيف: "هناك الكثير من غازات العادم، يمكن أن يكون الأمر خطيرا للغاية". 

وأوردت الصحيفة أن ردود الفعل التحسسية تجاه التلوث يمكن أن تؤدي إلى التهابات الحلق المتكررة ونوبات الالتهاب الرئوي. 

ويعاني العديد من أقارب الرياضية النيجيرية أو ماتوا بسبب أمراض مرتبطة بـ "الجسيمات العالقة"، وهو خليط قاتل من السخام والكبريت ينتج عن حرق الوقود. 

وقد حصلت أوتوني على ميداليتها الفضية في ألعاب الكومنولث 2006 لأنها قررت إجراء التدريبات خارج المدينة.

ونوهت الصحيفة بأن المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في إفريقيا تختنق بالوقود الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت؛ ويرتبط الأمر بشكل كبير بأوروبا، التي ترسل الوقود المحظور على أراضيها إلى هذه المدينة.

وفي الحقيقة، تعمل المصافي على تقسيم النفط الخام إلى سلسلة من المنتجات، ويباع أنظفها في أوروبا، بينما يصدّر الجزء القذر منه.

تحقيقات حديثة

وبحسب تحقيقات، تحتوي العينات المأخوذة من لاغوس على مستويات كبريت تصل إلى 800 جزء في المليون، أي ثمانية أضعاف الحد القانوني في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

لكن حقيقة أن هذا الوقود محظور في أوروبا لا تمنع من أن تكون القارة نفسها منطقة عبور لبيعه إلى البلدان الإفريقية.

ونقلت الصحيفة أن تحقيقا مشتركا مع وسائل الإعلام البريطانية المتخصصة، سورس ماتيريال، وشركة داتا ديسك الاستشارية لتحليل البيانات، والعديد من وسائل الإعلام الإقليمية الأوروبية؛ بيّن أن العديد من الموانئ في أوروبا، وكذلك في إسبانيا، هي نقاط مرور وتخزين وخلط المكونات.

وهذه النقاط تعمل معا على تقليل الجودة وتنتج هذا الوقود الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت.

في سنة 2023، كان واحد من كل ستة براميل من النفط المشحون إلى نيجيريا متأتية من مصنع مزج في أنتويرب ببلجيكا، والذي ينتج هذا النوع السام للغاية من الوقود، وفق الصحيفة الإسبانية.

من جانب آخر، جاءت خمسي المنتجات الممزوجة في هذا المصنع من المملكة المتحدة، مع وجود مصفاتين تتصدران القائم، واحدة في إمينغهام، المملوكة لشركة براكس وفيليبس 66، والأخرى في إليسمير، المملوكة لشركة إيسار أويل. 

ويؤكد مصدر مجهول في إمينغهام أن المكونات سامة للغاية؛ حيث تصل مستويات الكبريت إلى 10 آلاف جزء في المليون، بحيث "لا يمكن خلطها" ضمن القوانين الأوروبية. 

ويقول: “إنه أمر فظيع. إنهم يرسلونها إلى إفريقيا، إنها طريقة لبيع النفايات”، وفق ما نقلت الصحيفة.

وأشارت إلى أن تصدير الوقود الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت ليس أمرا غير قانوني.

لكنه "ممارسة غير شريفة"، بحسب مارتن بلانت، الباحث في أسواق النفط في إمبريال كوليدج لندن. 

ويكشف أن "المصافي مضطرة إلى أن تدفع مبالغ لإزالة الكبريت، لذا فإن الطريقة الأرخص هي صنع وقود بمستوى متوسط ​​من الكبريت، وثانِِ بمستوى منخفض، وآخر بمستوى مرتفع، يتم بيعه في أسواق مختلفة".

حلقة وصل

وبحسب بيانات داتا ديسك، تعمل الموانئ الإسبانية كحلقة وصل بين المملكة المتحدة، حيث يتم تكرير النفط الخام، ونيجيريا. ويعرف هذا الوقود باسم "وقود ذي جودة إفريقية" أو "عصير الغابة". 

وهنا، تلعب موانئ برشلونة وهويلفا دورا محوريا، إلى جانب جهات أخرى، في صناعة الوقود السام للغاية. 

ومنذ بداية عام 2024، حتى أكتوبر/تشرين الأول، وصلت إلى نيجيريا أكثر من خمسة ملايين برميل وقود سام، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما كان عليه في سنة 2023. 

وفي سنة 2024، دخلت البلاد 20 سفينة قادمة من إسبانيا، مقارنة بتسع في العام السابق.

أمام هذه الحقائق، تنفي إحدى شركات برشلونة المُدرجة على أنها تتلقى هذه المكونات، والتي تملك محطة تصفية في العاصمة الكتالونية وأخرى في ميناء تاراغونا، بشكل قاطع خلط الوقود الذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت أو تخزينه في مصنعها. 

وفي الوقت نفسه، يرى شخص عمل لمدة 20 سنة في قسم العمليات بالشركة، - فضل عدم الكشف عن هويته - أنه من "الممكن" فعل شيء كهذا، قائلا: "داخل المحطة، يفعلون ما يريدون، لقد فعلوا ذلك دائمًا".

ومنذ فترة، تشهد الموانئ الإسبانية زيادة في حركة مرور هذه المكونات. ويعود ذلك إلى أن دولتين أوروبيتين، بلجيكا وهولندا، وضعتا حدودا لمستويات الكبريت في الوقود الذي تصدرانه. 

لكن المصافي والتجار يتكيفون بسرعة، حيث يشير تحليل داتا ديسك إلى أنه سجّلت تغييرات سريعة في مسارات السفن، بما في ذلك تلك التي طلبتها شركتا ترافيجورا وفيتول، أكبر موردي النفط.

ودون انتظار بروكسل لاتخاذ إجراء، فرضت نيجيريا في أكتوبر 2024، حدا أكثر صرامة للكبريت، بحيث يكون في حدود 50 جزءا في المليون، لكن التغيير بطيء. 

ويحذر باسكوت تونكاك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالمواد السامة وحقوق الإنسان، من أن الدول الأوروبية يمكن أن تنتهك القانون الدولي.

وذلك من خلال السماح للشركات بتصدير الوقود القذر، في إشارة إلى اتفاقية باماكو لسنة 1998، التي وقعتها 17 دولة إفريقية، بما في ذلك نيجيريا. 

وحتى لو تمكنت نيجيريا من تحرير نفسها من الواردات السامة، فإن المنتج سيجد طريقه إلى دول إفريقية أخرى إذا لم تتخذ الحكومات إجراءات لمنع هذا الأمر، تخلص الصحيفة.