ثاني أكبر مورد سلاح لإسرائيل.. هل يدعم الألمان سياسة حكومتهم بشأن غزة؟
تظهر استطلاعات الرأي أن الشعب الألماني بات ينتقد مواقف حكومته الداعمة لإسرائيل
لدورها الكبير في دعم الكيان الإسرائيلي في إبادته للفلسطينيين بقطاع غزة، تتعرض الحكومة الألمانية لانتقادات واسعة حول العالم.
وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأناضول مقالا للكاتب التركي “كمال إينات” سلط فيه الضوء على موقف الشعب الألماني من سياساتِ حكومته تجاه إسرائيل.
حيث تظهر استطلاعات الرأي أن الشعب الألماني بات ينتقد مواقف حكومته الداعمة لإسرائيل.
ثاني أكبر داعم
وقال الكاتب التركي: تعد ألمانيا من الدول الداعمة بشكل كبير لإسرائيل، وتعد من أكبر الموردين للأسلحة إليها، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في هذا المجال.
ورغم المعارضة الشعبية الواسعة لهذه السياسة، يواصل مسؤولو حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس تأكيد دعمهم المستمر لإسرائيل في مختلف المحافل الدولية.
فنجد أن ألمانيا أعلنت دعمها إسرائيل في محكمة العدل الدولية بشأن القضية المرفوعة بشأن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة من قبل جنوب إفريقيا.
وفي خطوة مثيرة للجدل أصدر البرلمان الألماني قرارا يسمح بتصنيف أي انتقاد لجرائم إسرائيل على أنه معاداة للسامية.
ويمكن القول إن الحكومة الألمانية ليست الوحيدة في تقديم هذا الدعم؛ فنجد وسائل الإعلام الألمانية تقدم دعما لإسرائيل من جهة وتغض الطرف عن المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية ولبنان من جهة أخرى.
كما أنها تتجنب تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن هذه الجرائم، الأمر الذي يعكس سياسة حكومية واضحة تبتعد عن مواقف الشعب الألماني.
استطلاعات رأي
وتكشف استطلاعات الرأي العامة في ألمانيا بوضوح عن الفجوة بين مواقف الحكومة والشعب فيما يتعلق بسياسة دعم إسرائيل.
فرغم تأييد الحكومة المستمر لإسرائيل في سياق الحروب والهجمات العسكرية، يظهر الشعب الألماني اعتراضا قويا على هذه السياسة، خاصة فيما يتعلق بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل.
فوفقا لاستطلاع "نبض برلين 2024-2025" الذي تمّ نشره من قبل مؤسسة كوربر قبل أيام، والذي يبحث نظرة الجمهور إلى السياسة الخارجية الألمانية، كانت نسبة من يؤيّدون دعم إسرائيل عسكريا في الحرب 19 بالمئة فقط، بينما كانت نسبة المعارضين لذلك 70 بالمئة.
وتظهر هذه النتيجة التباين الكبير بين موقف الحكومة التي تصر على دعم إسرائيل وموقف الشعب الألماني الرافض لهذا الدعم العسكري.
وعلى الرغم من المعارضة الشعبية الصريحة هذه، تواصل الأحزاب السياسية الألمانية باستثناء الأحزاب اليسارية تقديمَ الدعم لحكومة بنيامين نتنياهو.
بل وتستمر في تبرير المجازر الإسرائيلية على أنها "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وهذا الموقف يعكس انفصالا كبيرا بين الحكومة والشعب الألماني.
ولفت الكاتب التركي النظر إلى أن الاستطلاع لم يكن موضوعيا تماما في صياغته، حيث تم طرح السؤال حول "دعم إسرائيل عسكريا في الحرب ضد حماس فقط"، غير أن إسرائيل لا تحارب حماس فقط، بل تستهدف الشعب الفلسطيني بأسره.
ولو كانت الأسئلة أكثر دقة وموضوعية، فإن نسبة المعارضين لهذا الدعم كانت ستتجاوز بكثير ال 70 بالمئة.
وتابع: في استطلاع آخر أجرته مؤسسة "فورسا" لصالح مجلة "شتيرن" ظهر أن 60 بالمئة من الألمان يعارضون تزويد إسرائيل بالأسلحة، بينما وافق 31 بالمئة فقط على هذه السياسة.
وأظهر الاستطلاع أن حزب الخضر سجل أقل نسبة معارضة لمبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، حيث رأى 50 بالمئة من ناخبيه أن بيع الأسلحة لإسرائيل كان خطأً، بينما أيّد 39 بالمئة ذلك.
ويُعزى هذا الموقف إلى السياسات المتطرفة الموالية للولايات المتحدة التي تتبناها قيادة الحزب، رغم تناقضه مع مبادئ حقوق الإنسان التي يزعم الحزب الدفاع عنها.
فيما أظهر الاستطلاع أن أنصار الحزبين اليساري "تحالف سارة فاجنكنشت" واليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" كانوا الأكثر اعتراضا على بيع الأسلحة لإسرائيل، حيث أبدى 85 بالمئة من مؤيدي تحالف سارة فاجنكنشت و75% بالمئة من مؤيدي الحزب البديل من أجل ألمانيا رفضهم لهذه السياسة.
ويُلاحظ أن موقف ناخبي حزب تحالف سارة فاجنكنشت يتماشى مع نهج قادة الحزب الذين ينتقدون عدوانية إسرائيل، في حين أن ناخبي حزب البديل من أجل ألمانيا يظهرون موقفا مختلفا عن قيادة الحزب التي تدعم إسرائيل بشدة.
فقد دافع قادة حزب البديل من أجل ألمانيا خلال أحداث 7 أكتوبر عن تدخل ألمانيا لدعم إسرائيل متجاهلين المجازر التي ارتكبتها إسرائيل.
بل ودَعَوا إلى الاستمرار في دعمها بالسلاح. كما رأوا أن انتقاد الصهيونية بصفتها الأيديولوجية الوطنية لإسرائيل، معاداة للسامية.
ويبدو أن قادة حزب البديل من أجل ألمانيا منفصلون عن توجهات ناخبيهم في هذا الموضوع، وأن محاولاتهم لاستغلال العداء للإسلام لتحويله إلى دعم للصهيونية لم تحقق النجاح المطلوب.
وفي استطلاع آخر أُجري في أكتوبر 2024 عبّر 52 بالمئة من الشباب الألمان عن ضرورة أخذ ألمانيا معاناة الفلسطينيين نتيجة الهجمات الإسرائيلية على غزة في الحسبان، بينما أيد 32 بالمئة فقط فكرة أن هناك مسؤولية خاصة تقع على ألمانيا تجاه إسرائيل.
وعندما ننظر إلى الوضع التعليمي للمستطلعين، نجد علاقةً طردية بين ارتفاع مستوى التعليم وارتفاع نسبة أولئك الذين يعتقدون أن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل.
وأخيرا، كشف استطلاع في أغسطس 2024 أن 68 بالمئة من الألمان يعارضون تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، في حين وافق 19 بالمئة فقط على هذه السياسة.
الأمر الذي يعكس الرفض الواسع من قبل الشعب الألماني لدعم إسرائيل العسكري في الوقت الحالي.
وفي هذا الاستطلاع وُجِدَ أن المجموعات الأكثر شيوعا من الناخبين الذين رفضوا الدعم العسكري الألماني لإسرائيل هم ناخبو تحالف سارة فاجنكنشت (80 بالمئة) وناخبو حزب البديل من أجل ألمانيا (77 بالمئة).
بينما أظهر الاستطلاع أن حزب الخضر كان ثاني أكبر داعم للمساعدات العسكرية لإسرائيل بين الأحزاب، وكانت نسبة رفض ناخبيه الدعمَ العسكري هي 62 بالمئة فقط.
بينما احتل الحزب الديمقراطي الحر المرتبة الأولى في تأييد الدعم العسكري لإسرائيل؛ حيث كانت نسبة المعارضين من أعضائه للدعم هي 56 بالمئة فقط.
وبذلك تكون نسبة الذين يدعمون المساعدات العسكرية في هذين الحزبين بالمقارنة مع حزبي سارة فاجنكنشت وحزب البديل من أجل ألمانيا أكثر.
وتُظهر هذه الاستطلاعات أن هناك فجوة متزايدة بين مواقف الحكومة والشعب الألماني، وأن الشعب يعبر بوضوح عن رفضه تورط ألمانيا في سياسات إسرائيل العسكرية.
غياب الثقة بالإعلام
وأشار الكاتب التركي إلى أن الحقيقة المتمثلة في وجود 18 بالمئة من الألمان الذين يرون أن قتل المدنيين من قبل إسرائيل مبرر هي حقيقة مقلقة.
لكن من جهة أخرى، فإن الغالبية العظمى من الشعب الألماني معارضة للهجمات الإسرائيلية على المدنيين، وهو ما يظهر أن الشعب يقف في الجانب الصحيح رغم تأييد الإعلام والسياسيين في البلاد لإسرائيل.
ففي استطلاع أجري في يوليو 2024 سُئل المشاركون عن مدى ثقتهم في تغطية الإعلام الألماني لأحداث غزة، وقد أظهر الاستطلاع أن 33 بالمئة من المشاركين أعربوا عن ثقتهم المنخفضة في التقارير.
بينما قال 15 بالمئة إنهم لا يثقون بها على الإطلاق. وكانت أبرز أسباب عدم الثقة هذه هي اعتقاد الكثيرين بأن الأخبار تميل لصالح إسرائيل.
في الواقع، فإن 31 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع وصفوا تغطية الإعلام الألماني بأنها "متحيزة بشكل مفرط لصالح إسرائيل"، بينما رأى 5 بالمئة فقط أنها "متحيزة بشكل مفرط لصالح فلسطين".
وإذا نظرنا إلى توزيع هذه الآراء حسب الانتماءات الحزبية، نلاحظ أن أنصار الأحزاب اليسارية المتطرفة مثل "تحالف سارة فاجنكنشت" واليمينية المتطرفة مثل "البديل من أجل ألمانيا" كانوا الأكثر انتقادا للصحافة الألمانية.
حيث أبدى 76 بالمئة من مؤيدي تحالف سارة فاجنكنشت و74 بالمئة من مؤيدي البديل من أجل ألمانيا عدم ثقتهم في الإعلام الألماني فيما يخص الأخبار عن غزة، في حين كانت هذه النسبة أقل بكثير بين أنصار حزب الخضر حيث كانت 20% فقط.
وفي استطلاعات أخرى أُجريت في عام 2024 تبيّن أن الشعب الألماني يعارض دعم حكومته لإسرائيل على الرغم من مواقف الحكومة المؤيدة لإسرائيل.
ففي استطلاع أُجري في مارس أشار 69 بالمئة من المشاركين إلى أنهم لا يؤيدون الهجمات الإسرائيلية على غزة حتى مع وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
وفي استطلاع آخر في أبريل قال 57 بالمئة من المشاركين أن على الحكومة الألمانية أن تنتقد إسرائيل بشكل أقوى.
وفي نهاية مايو أظهر استطلاع آخر أن 61 بالمئة من الألمان يعارضون الهجمات العسكرية الإسرائيلية في غزة ضد حركة حماس، وهو ما يبرز انقساما حادا بين الحكومة والشعب.