بشائر ومخاوف.. ما "الحلقات المفقودة" التي يعد أردوغان باستكمالها في سوريا؟
بعد تصريحات الرئيس أردوغان تزايدت التساؤلات حول هذه "البشائر" المتعلقة بأمن الحدود مع سوريا
تمتد الحدود التركية السورية على طول 911 كيلومترا، ويقسمها نهر الفرات إلى قسمين، ينتشر وجود تركي في كل قسم منهما، وهو واقع تريد أنقرة تغييره عبر ربط المناطق التي طهرتها بالشمال السوري وطرد الجماعات الكردية المسلحة منها.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “حرييت” مقالا للكاتب التركي سِيدات أرجين، تناول فيه تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الأخيرة خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية.
حيث أشار أردوغان في حديثه إلى "بشائر جديدة" تتعلق بمكافحة الإرهاب، وذلك عقب الهجوم الذي نفذه حزب العمال الكردستاني ضد مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش).
وخلال كلمته ذكر الرئيس التركي كلّاً من العراق وسوريا، وأكّد على عزم بلاده على "القضاء التام على التهديدات الإرهابية بغض النظر عن مصدرها".
وأضاف قائلا: “بإذن الله ستكون لدينا خلال الفترة المقبلة بشائر جديدة تضمن أمن حدودنا الجنوبية بالكامل، وسلامة أرواح وممتلكات مواطنينا”.
وبعد تصريحات الرئيس أردوغان تزايدت التساؤلات حول هذه "البشائر" المتعلقة بأمن الحدود مع سوريا.
الحلقات المفقودة
وقال الكاتب التركي: في العاشر من نوفمبر ألقى أردوغان مزيدا من الضوء على تصريحاته خلال كلمته في مراسم الذكرى السنوية لوفاة مصطفى كمال أتاتورك، حيث أشار إلى "المناطق الآمنة" أثناء حديثه عن مكافحة الإرهاب.
فذكر الرئيس التركي، أن “محاولات تطويق الحدود الجنوبية لتركيا قد أُحبطت بشكل كبير بفضل العمليات العسكرية والمناطق الآمنة التي تم إنشاؤها”.
وأضاف: بإذن الله سنكمل في الفترة المقبلة الحلقات المفقودة في المنطقة الآمنة الممتدة على طول حدودنا. وبعبارة أخرى سنقطع تماما الاتصال بين المنظمات الإرهابية وحدود بلادنا.
والسؤال هو: ماذا يقصد أردوغان بعبارة "الحلقات المفقودة"؟
وللإجابة على هذا السؤال في سياق سوريا يجب النظر أولا إلى خريطة الحدود بين تركيا وسوريا.
حيث تنقسم الحدود التركية السورية، التي تمتد على طول 911 كيلومترا، إلى قسمين بواسطة نهر الفرات الذي يعبر من جرابلس إلى داخل الأراضي السورية.
وقد تمّت السيطرة الكاملة على الجزء البالغ طوله 442 كيلومترا غرب جرابلس من الحدود من قبل القوات المسلحة التركية، حيث تدير أنقرة هذه المنطقة داخل الأراضي السورية.
وفي هذا الجزء من الحدود غرب الفرات تعمل القوات المسلحة التركية في ثلاث مناطق عملياتٍ داخل سوريا بالتعاون مع الجيش الوطني السوري (وهو الاسم السابق للجيش السوري الحر).
وتشمل هذه المناطق:
- منطقة "درع الفرات"
- منطقة "غصن الزيتون"
- منطقة "إدلب"
أما بالنسبة للمنطقة الممتدة من جرابلس شرقا باتجاه العراق، فإن الجزء البالغ طوله 469 كيلومترا من الحدود لم يتم تأمينه بالكامل بنفس طريقة "السيطرة المتقدمة".
وفي منتصف هذا الخط الحدودي توجد "منطقة عملية نبع السلام" التي تمتد على طول 155 كيلومترا، وبعرض متوسط يبلغ 30 كيلومترا بين تل أبيض ورأس العين.
أما القسم الذي يمتد من الفرات إلى منطقة العملية ويشمل مدينة كوباني، فهو بطول 81 كيلومترا ويعد ضمن "الحلقة المفقودة" التي أشار إليها أردوغان في حديثه.
كما يمكن تضمين الجزء الشرقي من منطقة عملية نبع السلام، الممتدة إلى الحدود العراقية والتي يبلغ طولها حوالي 233 كيلومترا، كجزء من الحلقة المفقودة التي ذكرها أردوغان في تصريحاته.
هدف أردوغان
وأردف الكاتب: على الرغم من أن تركيا لا تحتفظ بقوات عسكرية في هذه المناطق، إلا أنها تنفذ بشكل متكرر عمليات دقيقة لاستهداف عناصر حزب العمال الكردستاني وأذرعه بالمنطقة من خلال الطائرات المسيّرة، كما تشن القوات الجوية عمليات عسكرية على هذه المناطق من حين لآخر.
وبالنظر إلى هذا الوضع الميداني وعند تحليل تصريحات أردوغان حول "استكمال الحلقات المفقودة في المنطقة الآمنة" أيضا، يبدو من الواضح أنّ أردوغان يشير بشكل رئيس إلى المنطقتين الواقعتين شرق وغرب "منطقة نبع السلام" المفتوحتين لنشاط حزب العمال الكردستاني.
وأضاف الكاتب: لقد ناقش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال تنفيذ عملية عسكرية جديدة في سوريا بشكل علني، وأكد على أهمية استمرار هذه القضية في الواجهة الإعلامية والسياسية.
فخلال حديثه مع الصحفيين أثناء عودته من زيارة للسعودية وأذربيجان في 12 نوفمبر صرح أردوغان أن "العمليات عبر الحدود دائما ضمن أجندتنا. إذا شعرنا بتهديد، فنحن مستعدون لبدء عملياتنا عبر الحدود في أي لحظة."
وأضاف لاحقا: "إنّ الخطوات التي سنتخذها مستقبلا ستركز على المناطق الحدودية التي لا تزال تشكل خطرا بسبب وجود الإرهابيين". وشدد على أن الهدف هو "التخلص منها بشكل كامل".
ولفت الكاتب النظر إلى أن أردوغان يحافظ باستمرار على إمكانية القيام بعملية تركية جديدة في سوريا على جدول الأعمال، وبالتالي يهدف إلى الضغط على جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في هذه القضية.
عملية برية جديدة
وتابع: بعد أيام قليلة من تصريحات أردوغان، صرّح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية النائب عمر تشيليك في مقابلةٍ معه بشأن احتمالية عملية برية قريبة فقال: "إن القوات المسلحة التركية في حالة تأهب دائم، ومستعدة للتحرك فور تلقي التعليمات من رئيسنا."
وأشار تشيليك إلى أن تركيا لا تريد رؤية أي وجود لتنظيمات إرهابية ضمن عمق 30 كيلومتراً من حدودها في سوريا والعراق، وهو الأمر الذي يعكس سياسة تركيا الواضحة في هذه المسألة.
بالإضافة إلى ذلك، أرسل أردوغان رسالةً حساسةً لروسيا حول احتمالية القيام بعملية جديدة في شمال سوريا.
فقال: "إن تركيا مستعدة للتعامل مع الوضع الحالي في سوريا وكذلك مع التداعيات التي قد تترتب على انسحاب الولايات المتحدة من هناك. ونحن نعمل مع روسيا لتحويل الأوضاع في المنطقة لصالحنا."
واستدرك الكاتب: تعود أهمية روسيا إلى اتفاق سوتشي، والذي تمّ توقيعه بعد انتهاء عملية "نبع السلام" بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 22 أكتوبر 2019.
وينص البند الخامس من الاتفاق على أن الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري يتولون مسؤولية السيطرة على الجانب السوري من الحدود، خارج منطقة عملية "نبع السلام".
ويتضمن الاتفاق أيضا ضمان انسحاب عناصر وحدات حماية الشعب وأسلحتهم إلى ما وراء عمق 30 كيلومترا من الحدود، إضافة إلى بدء دوريات مشتركة تركية - روسية على عمق 10 كيلومترات.
بمعنىً آخر، فإن مسؤولية معالجة الوضع في "الحلقات المفقودة" تقع بالدرجة الأولى على عاتق روسيا، وهو ما يفسر ردود الفعل الروسية المتحفظة أخيرا على تصريحات تركيا بشأن العمليات العسكرية الجديدة.