نشر نتائج تعداد السكان لأول مرة منذ 37 عاما.. لماذا أثار القلق في العراق؟
هذه الخطوة هي الأولى من نوعها بعد أول تعداد سكاني شامل عام 1987
لأول مرة منذ 37 عاما، شهد العراق إجراء تعداد سكني شامل، أثار الكثير من الضجة عن تداعياته وعما إذا كان أداة للاستقرار أم فتيلا لأزمات جديدة.
وسلطت وكالة الاناضول التركية في مقال للكاتب "بيلجاي دومان" الضوء على هذا التعداد وأسبابه وتداعياته المحتملة على المجتمع العراقي.
وشهد العراق إجراء تعداد سكاني عام في 20 و21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، دون طرح أسئلة على المواطنين حول عرقهم ومذهبهم “لتجنب حدوث أي انقسام داخل المجتمع”.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن النتائج الأولية للتعداد أظهرت أن عدد سكان البلاد بلغ 45 مليونا و407 آلاف و895 نسمة.
وهذه الخطوة هي الأولى من نوعها بعد أول تعداد سكاني شامل عام 1987، وبعد تعداد 1997 الذي لم يشمل محافظات إقليم كردستان، لأنها كانت شبه مستقلة عن العراق في عهد النظام السابق.
وقال الكاتب: آخر تعداد سكاني أعلنت نتائجه بالتفصيل كان عام 1957. وعلى الرغم من تكرار التعداد كل 10 سنوات بعدها، لم تنشر النتائج مفصلة.
على سبيل المثال، أُجري آخر تعداد سكاني عام 1997 خلال فترة حكم صدام حسين، ولكن لم تُعلن نتائجه أيضا، وبعد 37 عاما أجري التعداد الأخير.
وتابع: في تعدادات ما قبل عام 2003، كان يجرى تحديد الهويات العرقية والدينية والطائفية، وكانت سياسات الفترة الديكتاتورية تُدار بناءً على هذه المعلومات.
تصميم أميركي
ومع غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 وإقامة نظام جديد أصبح الوضع أسوأ من النظام الديكتاتوري الذي أسسه صدام حسين.
وأردف الكاتب: جرى بناء الهيكل السياسي والإداري على أساس الهويات العرقية والدينية والطائفية، وذلك وفقا لنسب سكانية محدّدة من قبل الولايات المتحدة.
وحتى إن مجلس الحكم العراقي المؤقت الذي أُسس خلال فترة الاحتلال، كان قد تشكل بناء على هذه التقديرات الأميركية أيضا.
ومع ذلك، فقد أدى هذا النظام إلى فوضى وصراعات، وهو ما تسبب في اضطرابات ديمغرافية لا تعكس البنية الاجتماعية الحقيقية للعراق.
ومن الأمثلة على ذلك ما يحصل في كركوك، حيث إن التعداد السكاني يؤدي إلى اختلال التوازن لصالح طرف معين، وهو الأمر الذي يمكّن من حدوث توترات وصراعات جديدة في المستقبل.
وفي ظل هذه الظروف، شهد العراق أزمات كبرى، أبرزها نزوح سكاني واسع بسبب الاحتلال الأميركي، بالإضافة إلى الصراعات الطائفية بين عامي 2006 و2009، وسيطرة تنظيم الدولة بين عامي 2014 و2017 وما تلاها من دمار.
لاحقا في عام 2017 استعادت الحكومة العراقية السيطرة على كركوك وعدد من المحافظات بعد استفتاء إقليم كردستان.
وفي عام 2019 اندلعت احتجاجات أدت لأول مرة إلى استقالة رئيس الوزراء وقتها عادل عبد المهدي.
وهذه الأحداث المتتالية أثارت موجات متواصلة من النزوح الداخلي والهجرة الخارجية، حيث يُقدَّر أن نحو 25 بالمئة من سكان العراق قد غيروا أماكن إقامتهم.
أهمية التعداد
ولفت الكاتب إلى أن تعداد 2024 يعد خطوة نحو استقرار البلاد، لكنّه قد يتسبب بأزماتٍ جديدة خاصةً في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.
ويعيد هذا التعداد تسليط الضوء على الهشاشة في البنية الاتحادية التي أنشأتها الولايات المتحدة.
إذ يجرى اختيار نواب البرلمان العراقي وفقا لنِسَب السكان في كل محافظة، كما تُوزع ميزانية الحكومة المركزية بناء على هذه الأرقام.
وأوضح الكات أن أحد المسائل المتعلقة بالتعداد السكاني في العراق هي قضية الميزانية.
فقد أصبحت مسألة الميزانية واحدة من أبرز نقاط الخلاف بين الحكومة المركزية العراقية وإقليم كردستان العراق.
وبالنظر إلى الصعوبات التي تحدث بشكل شبه شهري في توزيع الميزانية، قد يُعتقد أن التعداد السكاني الذي سيحدد أعداد سكان المحافظات سيحل هذه المشكلة.
ومع ذلك، فقد تؤدي معالجة هذه القضية من منظور سياسي أكثر من كونها مجرد مسألة أرقام إلى إثارة نقاشات جديدة. وتُعد التطورات الأخيرة التي شهدتها كركوك دليلاً واضحاً على ذلك.
واستدرك الكاتب التركي: أثارت التحركات السكانية الكبيرة من إقليم كردستان العراق تجاه كركوك، والتي كانت قد تزايدت خلال فترة إجراء التعداد، ردودَ فعل واسعة خاصة في تركي، حيث أشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى هذا الأمر.
وفي ظل أزمة الإدارة الحالية في كركوك وتقييم القضية من قبل المحكمة الإدارية العراقية، فإن أي محاولة لتغيير التوازن الديمغرافي لصالح طرف واحد بذريعة التعداد السكاني قد تؤدي إلى توترات وصراعات جديدة مستقبلا.
توترات محتملة
وأشار الكاتب التركي إلى أن أي توترات جديدة في مناطق حساسة مثل كركوك قد تعرقل التقدم والاستقرار النسبي الذي حققه العراق منذ عام 2021 بقيادة محمد شياع السوداني.
وتابع: لقد شهدت كركوك تغييرات في حدودها الإدارية عبر التاريخ؛ بما في ذلك سياسات التعريب في عهد صدام حسين.
وأيضا التوطين الكردي في الفترة بين 2003 و2017، والتحركات السكانية التي حدثت بعد عمليات الحكومة المركزية في 2017.
وهو الأمر الذي أدى إلى اختلال التوازن الديمغرافي، وأثّر سلبا على وضع التركمان.
ولفت الكاتب إلى موقف المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كتشلي، والذي كشف عن حساسية الوضع بالنسبة لأنقرة.
وأوضح كتشلي أن سلامة وأمن التركمان في كركوك، الذين يشكلون جسر صداقة بين العراق وتركيا، تعد من أولويات علاقات أنقرة الثنائية مع بغداد.
وبين أن تركيا تتوقع أن يتم احترام التركيبة الديمغرافية التاريخية لكركوك، وأن يعيش سكانها وفقا للتفاهم المشترك بين المكونات الأساسية للمدينة.
وختم مقاله قائلا: مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية في 2025، قد تؤدي التوترات في مناطق مثل كركوك إلى تقويض التقدم السياسي الذي أحرزه العراق أخيرا، وإعادة البلاد إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب الضغوط الإقليمية والصراعات الداخلية.