الاهتمام الإيراني المتصاعد بإفريقيا.. ما علاقته بتركيا والعقوبات الغربية؟
في ظل اهتمامها المتصاعد بالقارة الإفريقية، رأى مركز دراسات تركي أنه رغم ما تزعمه إيران من أنها تهدف إلى "الوقوف إلى جانب المظلومين" حول العالم، إلا أن أهدافها الحقيقية تتمثل في مصالحها الخاصة.
وأوضح "مركز الدراسات الإيرانية" التركي (إيرام)، أن إيران تهدف عبر علاقتها مع إفريقيا إلى إنشاء شبكات من العلاقات التي من شأنها توفير الدعم السياسي والتخفيف من تأثير العقوبات المفروضة عليها.
وأضاف أنه أثناء تنفيذ هذه الإستراتيجية، تستخدم إيران مبدأ "الوقوف إلى جانب المظلومين"، وتقدم للقادة الأفارقة سياسة "التعاون ضد الاستعمار الغربي". وهكذا، تقوم بتوسيع نفوذها في إفريقيا.
صراع نفوذ
وردا على إستراتيجية إيران شرعت القوى الغربية في إبعاد طهران عن القارة واتخذت خطوات للحد من تحركاتها، وفق المركز التركي.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن تأثير روسيا والصين محسوس على نطاق عالمي وأن هاتين القوتين بدأتا في زيادة تعاونهما مع إيران يفتح الباب أمام إيران لكسب مساحة أكبر على الأرض.
لكن إيران تواجه خطراً آخر وهو جهود إسرائيل لتصبح عضواً في الاتحاد الإفريقي.
وفي الوقت الذي يشكّل فيه وجود العديد من منافسيها وضعا سلبيا لإيران، خاصة وجود السعودية والإمارات، لا سيما في الأماكن الإستراتيجية مثل القرن الإفريقي.
فإنه من غير المقبول أن ترغب إيران في تعزيز وجود إسرائيل في القارة كعضو في الاتحاد الإفريقي.
وهذا الصراع محسوس في العديد من المناطق من جنوب الصحراء الكبرى إلى دول شرق إفريقيا.
ومنذ تأسيسها، تعرضت سياسات إيران في إفريقيا لتقلبات عديدة ولكنها لم تتغير كثيرًا وتقدمت بشكل مستقر.
وقد أدى ذلك إلى تفسير سياسات إيران الإفريقية في العديد من التحليلات الدولية على أنها "سياسات غير متسقة وبراغماتية تتغير وفقاً للظرف".
من ناحية أخرى، يلاحظ أيضا أن إيران بذلت المزيد من الجهود لتطوير علاقات وثيقةً وأكثر انفتاحاً مع أميركا الجنوبية وإفريقيا في أوقات تصلّب فيها الموقف الغربي تجاه إيران وأصبحت العلاقات صعبة، كما حدث خلال فترتي رئاسة محمود أحمدي نجاد وإبراهيم رئيسي.
سياسة ناعمة
وأشار المركز التركي إلى أن إيران قد أنشأت شبكات لها ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد في إفريقيا وخصوصاً في جنوب الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا والجزائر ونيجيريا.
وقد قامت أيضاً بعمليات بيع للأسلحة هناك، بالإضافة إلى أنّها أنشأت المستشفيات وفتحت المدارس.
في الواقع تنبع فكرة "قمع إيران"، التي تم الدفاع عنها بقوة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من حقيقة أن إيران لم تتخل عن أنشطتها السرية ليس فقط في المسائل النووية ولكن أيضاً في العديد من المجالات الأخرى وذهبت إلى أبعد من ذلك.
ويمكن أيضا قراءة اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني ، قائد فيلق القدس التابع لجيش الحرس الثوري والذي كان يمارس هذه السياسات على الأرض، من هذا المنظور.
فعلى مدى عقود سعت إيران إلى إنشاء قاعدة سياسية في إفريقيا عن طريق القوة الناعمة.
وقد بذلت إيران جهوداً لنقل التكنولوجيا إلى البلدان الإفريقية في مجال صادرات الغاز والنفط والتعاون الثنائي مع البلدان التي وصلت بالفعل إلى مستوى معين من التنمية، مثل جنوب إفريقيا.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تقديم منح دراسية كبيرة للطلاب الأفارقة في إيران، وتقوم إيران ببناء المستشفيات، وتقوم أيضاً بتدريب الشرطة في بلدان مثل أوغندا.
وتمتلك جامعة المصطفى، وهي واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة في إيران، شبكة جدية في إفريقيا ولها فروع في العديد من الأماكن من ساحل العاج إلى زنجبار ومن السنغال إلى بوركينا فاسو.
ومن خلال هذه الأنشطة، تحاول إيران تمييز نفسها عن القوى الغربية بشكل عام وتقويض الصورة الموجودة وهي "ليس لاستغلالها ولكن لتطويرها".
الانزعاج من تركيا
ولفت المركز إلى أن أنشطة تركيا في إفريقيا في السنوات الـ20 الأخيرة تجذب انتباه إيران التي تريد زيادة وجودها هناك.
فبالنسبة للجمهور الإيراني يُعَدُّ وجود تركيا وجوداً منافسا لإيران، حيث يحتاج إلى تحليل جدي وأخذه على محمل الجد.
ولهذا السبب انتشرت مقالات كثيرة خاصةً في السنوات الأخيرة، حيث تقوم بتحليل السياسات الإفريقية لهذه القوى الفاعلة في الرأي العام الإيراني.
فهناك زيادة في عدد المقالات والخطب حول ما تفعله تركيا في إفريقيا. وفي المقابل يتم إجراء قراءات حول سياسة إيران في إفريقيا من خلال تركيا.
وتم نشر عشرات التحليلات بعناوين مثل "علاقة تركيا التجارية مع إفريقيا تبلغ 40 ضعف علاقة إيران التجارية"، و" مسار ودور تأثير تركيا على القارة الإفريقية"، و"نمو التجارة بين إيران وإفريقيا بنسبة 100 بالمئة: حان الوقت لتجاوز تركيا".
في هذه التحليلات، جرت دراسة سياسة تركيا الإفريقية بشكل عام في إطار مواضيع مثل عدد البعثات الدبلوماسية، وحجم التجارة، والرحلات الجوية التي تديرها الخطوط الجوية التركية.
بشكل عام، تنتقد التحليلات توجّه إيران المتأخر نحو المنطقة وتقول إن تركيا تتقدم كثيراً عليها من خلال اتخاذ خطوات كبيرة خلال الفترة الماضية.
فعلى سبيل المثال، نشرت وكالة أنباء فارس تحليلاً لزيارة الرئيس رئيسي إلى إفريقيا في 3 يوليو/ تموز 2023.
وفي الجزء الرئيس من التحليل، تمّ اتّهام تركيا بشكلٍ مباشر بمعارضة سياسات إيران الإفريقية، وتمت مناقشة السياسة النشطة التي لعبتها تركيا في المنطقة مع خريطة تظهر السفارات والقنصليات التركية.
ونشرت وكالة أنباء فارس أيضاً في 13 يوليو 2023 مقالاً بعنوان "خطوة الحكومة الذكية للتعويض عن تخلف إيران في العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا".
وذكرت أن العديد من البلدان بما في ذلك الصين وتركيا وأستراليا والولايات المتحدة والهند لديها تفاعلات اقتصادية وتجارية واسعة مع إفريقيا.
وتم ذكر أن تركيا تدعو سنويًا 40 وزير اقتصاد إفريقي لحضور مؤتمر التعاون التركي الإفريقي للتوقيع على اتفاقيات معها.
وتم التأكيد على أن تركيا كانت قد دخلت إلى دول إفريقيا بعد إيران بعشر سنوات، ولكنها قامت بتصدير منتجات بمعدل 40 ضعف ما تصدره إيران.
وكما يمكن فهمه من الأمثلة المذكورة أعلاه أنّه بالنسبة للجمهور الإيراني وبعض المسؤولين، فإن تركيا هي المنافس الرئيس في السياسات الإيرانية، ويرونها كمعيار لهم.
أهمية إفريقيا
وأوضح المركز التركي أنه بالنسبة لإيران، التي تعاني من العزلة والعقوبات، من الضروري أن يكون لها وجود في إفريقيا.
فعلى الرغم من أنها لم تكتسب القاعدة الاقتصادية والسياسية في المرحلة التي تريدها، إلا أنها تستطيع التنفس قليلاً في القارة من خلال أنشطتها السرية ومنظمات التهريب.
حيث تقوم إيران بأنشطة خفية مماثلة في أميركا الجنوبية وتعمل مع ويجب مراقبة أنشطتها هناك أيضا.
على الرغم من أن سياسات إيران الإفريقية أدت بشكل دوري إلى إخفاقات، إلا أنها تمكنت من الاستفادة من التغيرات الدورية في العالم وإيجاد مساحة معينة لنفسها في القارة من خلال عدم التخلي عن موقفها المستقر.
وبهذه الطريقة، حققت أيضا مكاسب كبيرة ضد الجهات الفاعلة التي تريد إبعاد نفسها عن القارة. وبذلك تكثفت أنشطة إيران في هذه القارة من سنة إلى أخرى.