بدون تهمة ولا محاكمة.. لماذا يحتجز لبنان هانيبال القذافي منذ عام 2015؟

رغم مرور 45 عاما على اختفاء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الإمام موسى الصدر داخل الأراضي الليبية، فإن لغز هذه القضية ما يزال دون حل.
فبعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 إثر ثورة شعبية أفضت لقتله في العام المذكور، كثفت بيروت محاولات البحث عن خيوط وملابسات اختفاء الإمام الصدر عبر مسؤولي النظام الليبي السابق.
هانيبال القذافي
ومن ضمن الخطوات، احتجز لبنان هانيبال معمر القذافي منذ عام 2015، على أمل أن يقود هذا الرجل الذي كان عمره عامان حين خطف الإمام الصدر لمعلومات حول القيادي الشيعي الكبير.
ومنذ الثالث من يونيو/حزيران 2023 يواصل هانيبال القذافي المولود عام 1975 إضرابه المفتوح عن الطعام، احتجاجا على استمرار القضاء اللبناني في احتجازه منذ 8 سنوات.
وعاد ملف احتجاز هانيبال بهدف تحريك عملية الإفراج عنه من قبل بيروت، في وقت تطول فيه مدة احتجازه عاما وراء آخر دون تقديمه للمحاكمة وعرض حتى الأدلة على ضلوعه في قضية اختفاء الإمام الصدر عام 1978.
ورأت اللجنة المشكلة من المجلس الرئاسي الليبي في بيان لها صدر بتاريخ 26 يونيو 2023، أنه لا مبرر قانونيا ولا جنائيا ولا سياسيا لاستمرار احتجاز هانيبال في لبنان، واصفة ذلك "بعملية ابتزاز رخيصة تدين مرتكبيها قبل أي شخص آخر".
ودعت اللجنة المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوحدة الوطنية ورئاسة البرلمان بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي للضغط على السلطات اللبنانية للإفراج غير المشروط عنه.
كما دعت اللجنة للتواصل مع الجامعة العربية ومنظمات العالم الإسلامي، ولجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لبحث قضية هانيبال النجل الرابع للقذافي.
وحملت اللجنة المسؤولين في لبنان مسؤولية سلامة هانيبال وما يترتب على ذلك من ملاحقات قانونية وقضائية وتعويضات مادية ومعنوية.
وأدخل هانيبال إلى المستشفى في 25 يونيو 2023؛ بسبب تدهور حالته الصحية، حيث كان "يعاني من التهابات حادة في العمود الفقري وهبوط بضغط الدم، وذلك نتيجة إضرابه عن الطعام".
وطيلة هذه الأعوام لم يدل ابن الزعيم الليبي الراحل بأي معلومة جديدة حول مصير الزعيم الشيعي المغيب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، كما لم يصدر المحقق العدلي قراره الظني بعد.
خطف من سوريا
وتحمل الطائفة الشيعية في لبنان معمر القذافي مسؤولية اختفاء الصدر الذي شوهد للمرة الأخيرة في ليبيا في 31 أغسطس/آب 1978 بعدما وصلها بدعوة رسمية قبلها بأيام مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.
لكن النظام الليبي السابق دأب على نفي هذه التهمة مؤكدا أن الثلاثة غادروا طرابلس متوجهين إلى إيطاليا، ونفت الأخيرة دخولهم إلى أراضيها.
وتسلمت السلطات اللبنانية هانيبال القذافي ليل 13 ديسمبر/كانون الأول 2015، بعد ساعات على إعلان مجموعة مسلحة خطفه عقب "استدراجه" من سوريا عندما كان بمثابة "لاجئ سياسي" فيها، قبل أن تفرج عنه في منطقة البقاع شرقي لبنان.
وظهر هانيبال في شريط فيديو وقتها وزعه الخاطفون وهو متورم العينين ومطالبا كل من لديه "أدلة" حول قضية الصدر إلى "تقديمها فورا ومن دون تلكؤ وتأخير".
وتسلمت شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي في ذلك الوقت هانيبال القذافي وهو في طريقه إلى بيروت.
وبحسب ما قال موقع "نداء الوطن" في تقرير له نشر بتاريخ 12 يونيو 2023، فإن هانيبال خطف من سوريا على يد النائب اللبناني السابق حسن يعقوب (رئيس حركة النهج) والمقرب من حزب الله، ومجموعة من أربعة أو خمسة أشخاص.
وقال محامي عائلة الصدر شادي حسين لوكالة الأنباء الفرنسية في 14 ديسمبر 2015، إنه تقدم وزميله خالد الخير بشكوى ضد هانيبال أمام النيابة العامة التمييزية "بجرم التدخل بالخطف بتقدير أن هذا الجرم (...) يبقى مستمرا طالما أن المخطوفين لا يزالون في السجون".
وأيضا بتقدير أن المدعى عليه هو أحد أبناء المتهم الرئيس في قضية إخفاء الأمام الصدر وهو معمر القذافي، وفق المحامي.
وأصدر القضاء اللبناني مذكرة توقيف في حق معمر القذافي عام 2008 بتهمة التحريض على "خطف" الصدر.
وهانيبال متزوج من اللبنانية ألين سكاف، ومنعت السلطات اللبنانية عام 2011 طائرة خاصة كانت تقلها من الهبوط في مطار بيروت الدولي، وهي موجودة حاليا في سوريا.
واستقطب هانيبال وزوجته الأضواء في صيف 2008 بعد توقيفهما في جنيف بتهمة إساءة معاملة اثنين من خدمهما، وقد أخلي سبيلهما بعد ثلاثة أيام بكفالة نصف مليون فرنك سويسري (334 الف يورو).
وبعد اندلاع الثورة في ليبيا، لجأ هانبيال مع والدته صفية فركاش وشقيقته عائشة وشقيقه محمد، في أغسطس/آب 2011 إلى الجزائر.
وبعدها انتقل أفراد من العائلة إلى سلطنة عمان في 2013، ثم إلى سوريا حيث يحتفظ نظام بشار الأسد بعلاقة قوية مع نظام معمر القذافي.
تهمة "كتم معلومات"
واستجوب القضاء اللبناني في 14 ديسمبر 2015 هانيبال القذافي، وأصدر بحقه مذكرة توقيف بتهمة "كتم معلومات" حول قضية إخفاء الإمام موسى الصدر.
وقرر قاضي التحقيق العدلي بعد انتهاء استجواب هانيبال إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه بجرم كتم المعلومات حول هذه القضية.
اللافت أن لبنان وسع نطاق جمع المعلومات حول اختفاء موسى الصدر، إذ أعرب وزير الخارجية اللبناني السابق عدنان منصور، خلال زيارته للعاصمة نواكشوط في مطلع سبتمبر/أيلول 2012 عن أمله في أن تساهم موريتانيا في التحقيق حول اختفاء الإمام موسى الصدر.
ونقل مصدر دبلوماسي موريتاني لوكالة الأنباء الفرنسية حينها أن وجود رئيس الاستخبارات الليبي السابق عبد الله السنوسي في السجون الموريتانية، وراء الأمل في إمكان الحصول على معلومات حول اختفاء الصدر.
وفي هذا الصدد، تقول حركة أمل اللبنانية، إن "مدير المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي يعلم كل شيء حول اختفاء موسى الصدر"، وهو الذي ختم "زورا" جوازات سفرهم إلى روما.
لكن لبنان تسلمت في عام 2004 عبر القنوات الدبلوماسية من إيطاليا جواز سفر باسم الزعيم الشيعي اللبناني الإمام موسى الصدر.
وأوضح حينها مدعي عام الجمهورية اللبنانية القاضي عدنان عضوم للصحفيين الاثنين أن إيطاليا سلمت لبنان جوازي سفر أحدهما باسم موسى الصدر والثاني باسم مساعده الشيخ محمد يعقوب.
وموسى الصدر المولود عام 1928 في قم الإيرانية، مؤسس حركة "أمل اللبنانية" والتي يتزعمها حاليا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي توعد عام 2008 بمتابعة قضية اختفاء الإمام وحمل معمر القذافي المسؤولية عن ذلك.
وقد قال بري في احتفال أقيم في النبطية جنوب لبنان في الذكرى الثلاثين للاختفاء الغامض للإمام الشيعي عام 2008: "سنتابع هذه القضية كما نفعل، وستكون هناك أيام مشهودة في قضية الإمام الصدر الذي ستطاردكم صورته في قيامكم وكوابيسكم".
إهمال متعمد
وبعد عقود من "الاغتيال المفترض" لموسى الصدر في ليبيا، أصبح المطلوب في هذه القضية داخل لبنان الوصول إلى حقيقة الاختفاء.
وبحسب ما ذكر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي في تقرير له نشر منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإن هناك حديثا عن أن عائلة القذافي لجأت إلى الكرملين الروسي لطلب الإفراج عن هانيبال، أحد أبناء معمر المحتجزين في لبنان لأسباب غير محددة.
وسبق أن رفض أشرف ريفي" اللواء السني الذي شغل منصب وزير العدل سابقا في لبنان، في 16 ديسمبر 2015، طلبا من نظام الأسد بتسليمه هانيبال القذافي.
وأكد ريفي وقتها أن الوزارة محتفظة لنفسها بحق الإفراج عنه أو عدمه وفق مسار التحقيقات التي تجريها معه في قضية "إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه".
وفي ظل تعدد الدوافع السياسية وراء الإبقاء على ملفه مجمدا، ظهر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، متحدثا عن هانيبال في فيديو قصير بثه شاب ليبي مقيم في إيطاليا في 10 يونيو 2023.
وقال الدبيبة فيه إنه تواصل مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لبحث ملفه، مضيفا أن هانيبال ليس محتجزا لدى الحكومة اللبنانية.
خلال لقاء عابر مع أحد الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي.. رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة يكشف عن تواصله مع رئيس الوزراء اللبناني بشأن هانيبال معمر القذافي وتشكيل لجنة لمتابعة ملفه.#زوايا #ليبيا pic.twitter.com/rIuBTwpWga
— زوايا (@zawaya_ly) June 9, 2023
كما رأى الدبيبة أن نجل القذافي يعامل بطريقة غير لائقة، قائلا إنه "تبهدل"، وأكد أن حكومته تتابع أوضاع أي سجين ليبي خارج البلاد، كما أشار إلى تشكيل لجنة ليبية لمتابعة هذا الملف، لافتا إلى أنها ستسافر إلى لبنان لمتابعة قضيته.
إلا أن ما أثار الغرابة أن ميقاتي نفسه نفى قبل ذلك بيوم حصول أي تواصل مع الدبيبة، مؤكدا عدم التواصل معه من قبل الحكومة الليبية المذكورة.
ومطلع يونيو 2023 أعلن المجلس الرئاسي الليبي تشكيل لجنة برئاسة وزيرة العدل حليمة البوسيفي، لمتابعة ملف نجل القذافي.
كما أمر بتشكيل هيئة دفاع تتولى المتابعة القانونية أمام الجهات والمحاكم اللبنانية كافة بما يكفل توفير محاكمة عادلة.
القضاء يماطل
وفي هذا السياق، يرى مدير مركز "سيدار" للدراسات القانونية في لبنان محمد صبلوح، أن "عدم محاكمة هانيبال معمر القذافي في لبنان، دليل على وجود اعتقال تعسفي خاصة أن المحامين في لبنان لا يعرفون ما الاتهام المباشر له".
إذ إن البعض يرجع ذلك إلى خطف موسى الصدر لكن عندما خطف الأخير كان سن هانيبال عامين، وبذلك هذا يطرح تساؤلا: هل ستجرى محاكمته على جريمة ارتكبها والده؟ وإن كان ذلك فإن هذا يدل على أن المسار القضائي في لبنان إلى انهيار".
وأضاف صبلوح لـ "الاستقلال": "إن طول أمد محاكمة هانيبال لخمس سنوات هو ظلم بحقه وغياب تام للعدالة في لبنان، مما يشير لعدم وجود تهمة واضحة ضده من قبل القضاء اللبناني بجرم ارتكبه".
وتابع: "يجب على القضاء إعادة النظر بقضية هانيبال معمر القذافي ويوجه له التهمة إذا كانت هناك تهمه ضده، وبالتالي تستطيع عائلته اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بقضايا الاعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة".
وختم بالقول: "هذا يدفع القضاء اللبناني لإصلاح قضية هانيبال أمام المجتمع الدولي قبل أن تتفاقم هذه الأزمة التي تسبب للبنان أزمة كذلك مع الدول العربية".
من جانبه، يشير الفريق القانوني لنجل القذافي في تصريحات لوسائل الإعلام، إلى أن توقيفه يتعارض مع أصول المحاكمات الجزائية، حيث يرفض المحقق العدلي طلبات إخلاء السبيل المقدمة على مدى سنوات.
والمعروف أن مجلس الدولة الليبي جمد العلاقات الدبلوماسية مع لبنان في العام 2019 بعد منع أمن المطار رجال أعمال ليبيين من المشاركة في أحد المنتديات الاقتصادية واحتجاجا على إهانة العلم الليبي.
وتقول صحيفة "المدن" تعليقا على إضراب هانيبال عن الطعام، إن "قضيته سياسية مرهونة للصفقات، وفي النتيجة، يبدو أن احتجازه سيطول، ولن يخلى سبيله قبل إبرام أي تسوية أو صفقة ما".
وأردفت: "في حين ستتسلح السلطات اللبنانية حين ستُسأل عن هذه القضية، بأنها قدمت للقذافي أفضل رعاية طبية كي تبقيه على قيد الحياة!".