"لوبي نشط".. كيف يعمل نواب أميركيون على فتح قنوات بين واشنطن وسوريا؟

مصعب المجبل | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

بينما تتردد الإدارة الأميركية في إعادة الانفتاح على سوريا، يعمل نواب أميركيون بتحريك من "اللوبي السوري" في الولايات المتحدة على محاولة مد جسور التواصل بين واشنطن ودمشق.

ورغم اتباع واشنطن أسلوبا حذرا في التعامل مع القيادة السورية الجديدة، فقد استقبل الرئيس أحمد الشرع في 19 أبريل/ نيسان 2025 عضوا جمهوريا بالكونغرس في أول زيارة يقوم بها مشرعون أميركيون إلى البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

دعم سوريا

ومنذ وصولهما إلى سوريا في زيارة غير رسمية في 18 أبريل/ نيسان 2025، قام عضو الكونغرس كوري لي ميلز والنائب مارلين ستوتزمان من ولاية إنديانا بجولة في دمشق.

وزار ستوتزمان سجن صيدنايا شمال دمشق والذي يعرف بأنه “مسلخ بشري”، لحجم الفظائع والانتهاكات والتعذيب والقتل الذي كان يتعرض له المعتقلون فيه على خلفية المشاركة في الثورة التي اندلعت عام 2011.

وقال ستوتزمان في مؤتمر صحفي من أمام سجن صيدنايا الذي قتل فيه الآلاف تحت التعذيب في حقبة حكم الأسد: إن "رفع العقوبات سيكون دفعة اقتصادية كبيرة، لكن القرار في نهاية المطاف يعود للرئيس الأميركي دونالد ترامب".

وأضاف “بصفتي عضوا في الكونغرس، يُمكنني العودة إلى الوطن ومشاركة زملائي، والرئيس وآخرين، وسرد قصة التغييرات التي تحدث في سوريا”.

ومضى ستوتزمان يقول: "نريد أن نكون هنا لدعم ذلك.. لا نريد أن نرى سوريا تسقط مجددا في أيدي ديكتاتور آخر".

ويطالب المسؤولون السوريون برفع العقوبات الغربية عن كاهل بلدهم التي سببها نظام الأسد، لكن الإدارة الأميركية تطالب السلطات الجديدة في البلاد باتخاذ خطوات تشمل حماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية.

كما التقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع عضو الكونغرس ميلز، وبحثا سبل دعم الاستقرار في سوريا والمنطقة، ورفع العقوبات المفروضة على الشعب السوري.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان: إن اللقاء الذي جمع الجانبين في مقر الوزارة بدمشق “تناول سبل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، وبناء شراكة إستراتيجية تقوم على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، إضافة إلى التأكيد على أهمية تعزيز الجهود الدولية لدعم مسار التعافي السوري”.

كما ناقش الطرفان التهديدات المشتركة التي تواجه البلدين والمنطقة، بما في ذلك انتشار المليشيات العابرة للحدود، وتفشي المخدرات والجريمة المنظمة، مؤكدين أهمية تنسيق الجهود الدولية ضمن إطار يحترم سيادة الدول والقانون الدولي.

وركز الشيباني خلال اللقاء على التداعيات السلبية للعقوبات الأميركية المفروضة، وانعكاسها المباشر على حياة السوريين في مختلف القطاعات، من الغذاء والصحة إلى التعليم والطاقة.

وشدد الشيباني على “ضرورة رفع هذه العقوبات بصفتها غير قانونية وتمثل عقبة رئيسة أمام جهود الإعمار وإعادة بناء النسيج الاجتماعي”.

من جانبه، أكد ميلز، في تصريحات لـ"تلفزيون سوريا" (خاص)، أنه أتى إلى سوريا "بقلب مفتوح وعقل مفتوح" من أجل استكشاف واقع البلاد وبحث آفاق إقامة علاقات جديدة معها.

وأضاف "أردت أن أرى ما تعنيه سوريا الجديدة، الحرة، التي تضم مكونات متعددة من المسلمين والمسيحيين والعلويين واليهود".

وأوضح ميلز أن زيارته جاءت للاطلاع على الوضع الأمني عن قرب، وبحث إمكانات بناء تحالفات قوية، والأكثر أهمية من ذلك، بحسب قوله: "أن نرى كيف يمكننا أن نساعد الشعب السوري".

لوبي نشط

الوفد الأميركي جاء إلى سوريا برفقة عدد من أفراد الجالية السورية المقيمين في الولايات المتحدة، في زيارة وصفت بأنها "مهمة لتقصي الحقائق"؛ إذ نُظمت الزيارة من قبل "التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار"، وهي منظمة غير ربحية مقرها ولاية إنديانا، وتهدف إلى تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا بعد سقوط الأسد.

وقال منظمو الزيارة: إنها “تأتي في سياق تقييم الوضع الميداني وفتح قنوات التواصل مع القيادة السورية الجديدة”.

وأوضح العضو المشارك في تنظيم الزيارة، طارق كتيلة، أن “الهدف الأساسي منها هو اطلاع المشرعين الأميركيين على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وعلى الأثر المتواصل للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا”.

ولفت كتيلة إلى أن الزيارة “قد تمهد الطريق لبناء علاقة جديدة بين واشنطن ودمشق، بعيدا عن المحور الروسي الإيراني”. 

وأضاف: "إنها مهمة لتقصي الحقائق من أجل الاطلاع على الوضع على الأرض، وزيارة الأقليات، ومعاينة الوضع الاقتصادي، والاطمئنان إلى أن هناك قدرا من الاستقرار والسلام في البلاد".

كما رافق عدد من "اللوبي السوري المقيم في الولايات المتحدة" الوفد الأميركي في زيارته لأكثر من منطقة بسوريا.

وسبق لوفد من "التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار" أن زار دمشق في 27 ديسمبر 2024 والتقى بالشرع في القصر الجمهوري.

وأكد الوفد الذي ضم حينها أكثر من 20 شخصية سورية أنهم جاءوا "لبحث مستقبل سوريا".

ويدور حديث عن إعادة تقييم الولايات المتحدة لمسألة العقوبات المفروضة على سوريا بناء على مجموعة من المطالب قدمتها واشنطن لدمشق.

المطالب الثمانية 

والمطالب الأميركية الثمانية من سوريا بحسب ما ذكرتها مجلة "المجلة" الصادرة من لندن، وهي:

أولا: تشكيل جيش مهني وعدم وضع المقاتلين الأجانب في مناصب قيادية حساسة.

ثانيا: الوصول إلى جميع منشآت السلاح الكيماوي والبرنامج الخاص به.

ثالثا: تشكيل لجنة للمفقودين الأميركيين بينهم الصحفي أستون تايس.

رابعا: تسلم عائلات "عناصر تنظيم" من معسكر الهول الواقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرقي سوريا.

خامسا: التعاون مع التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة.

سادسا: السماح لأميركا بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعده واشنطن تهديدا للأمن القومي.

سابعا: "إصدار إعلان رسمي عام يحظر جميع المليشيات الفلسطينية والأنشطة السياسية" في سوريا، وترحيل أعضائها "لتهدئة المخاوف الإسرائيلية".

ثامنا: منع تموضع إيران وتصنيف كل من “الحرس الثوري” وكذلك “حزب الله” اللبناني “تنظيما إرهابيا”.

وضمن هذا السياق، قال رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي رافق الوفد الأميركي في جولته بدمشق: إن “الحكومة الأميركية سلمت وزير الخارجية السوري مجموعة من المطالب خلال زيارته أخيرا  إلى بروكسل والتي تتضمن ثمانية مطالب وطالبت واشنطن بالرد بورقة مكتوبة”.

وأفاد زيادة في تصريحات تلفزيونية بأن “الحكومة السورية ردت بورقة تتألف من أربع صفحات بشكل تفصيلي".

وأوضح أن "الرد السوري على المطالب الأميركية كان إيجابيا وفق التقدير الأميركي، ولهذا حاليا تدرس في تقديم مجموعة من الحوافر ومنها تجميد العقوبات لمدة عامين بما فيها العقوبات الخاصة على النظام المركزي (سويفت)، مما يعطي رسالة جيدة إلى الحكومة السورية ويفتح الباب أمام التعاون بين واشنطن ودمشق".

وذهب زيادة للقول: إن "وظيفتنا الحالية هي دعم الأطراف داخل الإدارة الأميركية التي تشجع على الانخراط في الحوار السوري الأميركي وتحييد الأطراف الأخرى التي تريد فتح النقاط الإشكالية".

تطور ملموس

زيارة الوفد الأميركي يقرأ وفق مراقبين في سياق "تطور إيجابي ملموس" في العلاقات المباشرة بين دمشق وواشنطن. 

ويؤكد ذلك أنه “على الأقل هناك تفاوض مباشر بخلاف ما كان يُشاع عن احتمال تعامل واشنطن والغرب مع الإدارة السورية بقطيعة مشابهة لحركة طالبان في أفغانستان”.

كما أعطت واشنطن مؤشرات على بناء الثقة مع دمشق، عبر التغاضي عن سداد السعودية لديون سوريا للبنك الدولي، وكذلك منح وزراء من الحكومة السورية تأشيرات حضور مؤتمر صندوق الدولي والبنك الدولي في واشنطن مع وجود نقاش حقيقي لمد سوريا بقروض لإعادة الإعمار.

وتحدث إعلام سوري عن أن السعودية تعتزم سداد ديون على دمشق للبنك الدولي؛ حيث توجد متأخرات بنحو 15 مليون دولار يجب سدادها قبل أن تتمكن المؤسسة المالية الدولية من إقرار منح وتقديم أشكال أخرى من المساعدة.

لكن دمشق تعاني نقصا في النقد الأجنبي؛ حيث  لم يتسنَّ تحقيق خطة سابقة لسداد الديون باستخدام الأصول المجمدة في الخارج.

وتشير هذه الخطط إلى أول حالة معروفة تقدم فيها السعودية تمويلا لسوريا منذ الإطاحة بالأسد، وقد يكون هذا أيضا مؤشرا على أن الدعم المهم لسوريا من دول خليجية عربية بدأ يتحقق بعد تعثر خطط سابقة، منها مبادرة من الدوحة لتمويل الرواتب، على خلفية الضبابية بشأن العقوبات الأميركية.

كما توجه في 20 أبريل 2025 وزير المالية السوري محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، إلى الولايات المتحدة، للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف تعزيز فرص إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.

وأكد برنية في منشور على تطبيق "لينكد إن" أن وفد سوريا يحمل معه حزمة واسعة من الاجتماعات واللقاءات الثنائية، معربا عن أمله في أن تنعكس هذه الجهود خيرا على مسار عودة سوريا إلى المجتمع والنظام المالي الدوليين.

كما أعرب عن أمله في أن توفر تلك اللقاءات الفرص لدعم جهود إعادة إعمار سوريا، وبناء المؤسسات، وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي، ووضع الاقتصاد السوري في مسار التعافي.

وأشار برنية إلى أن ذلك "يؤدي في المحصلة إلى تحسين فرص الحياة الكريمة والمعيشة لشعبنا الذي عانى كثيرا، وهذا هو الأكثر للقيادة في سوريا".

وشكرت الجالية السورية الحكومة الأميركية، خاصة وزارة الخارجية، على منحها التأشيرات اللازمة للمسؤولين السوريين بمن فيهم وزير الخارجية الشيباني. 

وقالت الجالية في بيان لها: ‏إن “حضور ⁧‫سوريا⁩ لهذه الاجتماعات الدولية المهمة بعد أعوام طويلة عجاف من العزلة والغياب أمر ضروري لمساعدة ⁧‫السوريين‬⁩ على إعادة إعمار بلدهم وعلى التعافي من الدمار الممنهج للإنسان والعمران الذي مارسته عائلة الأسد لعقود”.

‏كما رأت أن “وجود وزير الخارجية الشيباني في نيويورك يمثل فرصة مهمة للحوار الدبلوماسي البناء، وخطوة نحو استعادة سوريا، وهي العضو المؤسس في الأمم المتحدة، لدورها الرائد بين الأمم، بعد أن جعل الأسد منها دولة منبوذة لا تُعرف عالميا إلا بتصدير الإرهاب والأذى والمخدرات واللاجئين”.