"الأخطر تاريخيا".. ما تداعيات انقلاب النظام الأردني على جماعة الإخوان المسلمين؟

يوسف العلي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في خطوة شكلت نقطة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الطرفين، أعلن النظام الأردني حظر عمل جماعة الإخوان المسلمين داخل البلاد، الأمر الذي طرح تساؤلات ملحة عن تداعيات هذا التحوّل على الواقع الأردني، لا سيما الشعبي والسياسي.

وتعد الجماعة التي تأسست في الأردن عام 1945، تنظيما فاعلا في الواقع الاجتماعي والسياسي، وحققت أخيرا فوزا كبيرا في البرلمان عبر حزب "جبهة العمل الإسلامي"، إضافة إلى دورها في حشد الشارع الأردني ضد حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

يشار إلى أن الفترة الأخيرة شهدت توترا غير معهود في العلاقة بين "الإخوان المسلمين" ومراكز الدولة الأردنية، على خلفية الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة، وما تعده الجماعة موقفا رسميا غير كافٍ لإسناد غزة.

حظر ومصادرة

في 23 أبريل/ نيسان 2025، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية "حظر جميع نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة وعدها جمعية غير مشروعة". مشددا على جعل الانتساب لها والترويج لأفكارها أمرا محظورا، ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية.

واتهم الفراية خلال مؤتمر صحفي، عناصر من جماعة الإخوان المسلمين بـ"العمل في الظلام، والقيام بنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار، والعبث بالأمن والوحدة الوطنية، والإخلال بمنظومة الأمن".

وبحسب وزارة الداخلية الأردنية، فإنه إضافة إلى جعل الجماعة غير مشروعة وحظر ممارسة كل نشاطاتها، فقد تقرر "مصادرة ممتلكاتها، سواء المنقولة أو غير المنقولة، وفقا للأحكام القضائية ذات العلاقة".

ويمنع قرار السلطات "القوى السياسية، ووسائل الإعلام، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ومؤسسات المجتمع المدني، وأي جهة أخرى من التعامل أو النشر لجماعة الإخوان وأذرعها".

وخلصت الوزارة إلى أنه "في ضوء ما تسفر عنه تحقيقات المحكمة، سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي جهة أو شخص يثبت تورطه في القضايا أو في الجماعة".

ويأتي القرار بعد أسبوع واحد من إعلان المخابرات الأردنية إحباط "مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة". مؤكدة اعتقال 16 ضالعا بها، وذلك بمتابعتها بشكل دقيق منذ عام 2021.

وبحسب البيان، شملت المخططات "تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج".

وأظهر مقطع فيديو بثته الأجهزة الأمنية اعترافات للمتهمين، وذكر أحدهم أنه تلقى مبلغا ماليا وقدره 20 ألف دولار من شخص ينتمي إلى الإخوان المسلمين في الأردن، فيما أشار متهم آخر إلى تلقيه تدريبا على صنع الصواريخ في لبنان، من دون ذكر الجهة التي دربته. 

وفي اليوم نفسه، قال وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة محمد المومني خلال مؤتمر صحفي: إن المخابرات العامة ألقت القبض على جميع الضالعين في تلك النشاطات التي تابعتها الدائرة منذ عام 2021، وإحباط هذه المخططات التي كانت تهدف إلى تنفيذ أعمال  داخل الدولة.

وأعلن المومني أن المتهمين بالقضايا السابقة أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بالتهم المسندة إليهم خلافا لأحكام قانون منع الإرهاب؛ وذلك بعد انتهاء إجراءات التحقيق معهم ومصادقة النائب العام لمحكمة أمن الدولة على قرار الظن الصادر بحقهم أصولا ووفق أحكام القانون.

وفي إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، قال المومني: إن هناك انتماءات سياسية للمتهمين في هذه القضايا وهم منتسبون لجماعة غير مرخصة ومنحلة بموجب أحكام القانون.

وقبل القرار الأخير علقت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان أصدرته في 22 أبريل 2025، بالقول، إنها اطلعت على مجريات وتفاصيل القضية، وإنها متأكدة من أن هؤلاء الشباب لم يكونوا يستهدفون بأي حال من الأحوال أمن الأردن واستقراره، خاصة في ظل بشاعة الجريمة الصهيونية والإبادة الجماعية المتواصلة في غزة.

"الأخطر تاريخيا"

وبخصوص تداعيات ما حصل، قال الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان: إن "الشارع الأردني يعيش حاليا حالة من الغليان والانقسام غير مسبوقة، على أرضية هذا التدهور في العلاقات بين الدولة الأردنية وحركة الإخوان المسلمين القوة الأكبر والأقوى والأكثر شعبية في البلاد".

وأضاف عطوان خلال مقال نشرته صحيفة "الرأي العام" في 23 أبريل، أن "هناك من يقف في خندق الدولة، ويؤيد قبضتها الحديدية في التعاطي معها (..) وهناك جناح آخر يقف في خندق الإخوان ويعارض أي مساس بها، ويرفض تصديق الرواية الرسمية حول نوايا خلية الـ16 الإسلامية المعتقلة".

وأشار إلى أن "أصحاب الرأي الثاني يؤمنون بأن هؤلاء (خلية الـ16) لا نية لديهم للإقدام على أي خطوة تزعزع أمن الأردن واستقراره، وإنهم (مجاهدون) يريدون دعم نظرائهم في فلسطين المحتلة الذين يواجهون حرب الإبادة والتطهير العرقي، وتهريب هذه الصواريخ والمسيّرات وأسلحة أخرى إليها".

ولفت الكاتب إلى أن "هذه ربما هي المرة الأولى والأخطر الذي تنزلق فيه العلاقات بين الطرفين، أي الدولة الأردنية وحركة الاخوان المسلمين، من التحالف التاريخي الى القطيعة الكاملة، وربما المواجهة، وفي هذا الظرف التاريخي الذي يمر فيه الأردن والمنطقة بأسرها".

وعن فاعلية الجماعة في الشارع، أكد عطوان أن "التوجهات العلمانية، واليسارية والقومية، تراجعت في الأردن بشكل متسارع لمصلحة نظيراتها الإسلامية الأصولية، وانعكس ذلك في المظاهرات الصاخبة التي يقودها الإسلاميون ولم تتوقف يوما واحدا دعما للمقاومة في الضفة والقطاع، وانتقادا للحكومة الأردنية التي لم تتدخل بقوة لوقف حرب الإبادة ورفع الحصار".

ورأى عطوان أن "فرض حظر على جماعة الإخوان المسلمين قد تتبعه خطوات اخرى أبرزها امتداد هذا الحظر للحزب السياسي ممثلها في البرلمان والحياة السياسية، والمقصود هنا جبهة العمل الإسلامي التي فازت في الانتخابات التشريعية الأخيرة بحوالي 17 مقعدا برلمانيا".

وأردف: "لكن الإقدام على هذه الخطوة، أي حظر الجبهة، وإبعاد نوابها من البرلمان، ربما يؤدي الى حل البرلمان الحالي، والدعوة الى انتخابات برلمانية جديدة، دون مشاركة الإسلاميين (الاخوان)".

وخلص عطوان إلى أن "الأردن يعيش حاليا مرحلة حرجة ربما تكون الأخطر في تاريخه؛ لأن حظر أنشطة حركة الإخوان القوية التي تحظى بشعبية واسعة قد يؤدي إلى نزولها تحت الارض، وتقدم قياداتها المتشددة على منافستها المعتدلة والعقلانية التي تعارض المواجهة مع السلطة، والأولى تحظى بدعم الشباب، خاصة الشرق أردنيين".

"نقطة تحوّل"

وفي السياق ذاته، وصف المحلل السياسي عامر السبايلة قرار السلطات الأردنية ضد جماعة الإخوان المسلمين بأنه "نقطة تحول شاملة" في العلاقة بين الدولة والجماعة.

وأوضح الخبير في الشأن السياسي الأردني خلال حديث لموقع "العالم" الأميركي في 23 أبريل، أن "اللغة والإجراءات المتبعة لأول مرة تشير إلى نية واضحة لتجريم الجماعة، ما يعني التعامل معها بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وتجريدها من حاضنتها الشعبية".

وفي السياق ذاته، قال الخبير الدستوري الأردني ليث نصراوين: إن "حظر الجماعة يجعلها كيانا غير مشروع قانونيا". مشيرا إلى أن "أي انتساب لها أو عمل تحت مظلتها يُعد جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات الأردني بالحبس والغرامة".

وأضاف نصراوين في تصريح لموقع "الجزيرة مباشر" في 23 أبريل، أن " قانون الجرائم الإلكترونية يعاقب أيضا على نشر بيانات الجماعة أو تداولها أو استضافة قياداتها، بشكل مباشر أو غير مباشر".

ومع الإجراءات الأمنية التي نالت مقرات "حزب جبهة العمل الإسلامي"، بما في ذلك مصادرة حواسيب ووثائق، أكد الخبير نصراوين أن "الحزب لا يزال يمارس عمله ضمن الإطار القانوني"، لكنّه شدد على ضرورة "فك الارتباط بين الحزب والجماعة، وإنهاء العضويات المزدوجة".

وفي المقابل، قال الأمين العام لـ"جبهة العمل الإسلامي"، وائل السقا: إن حزبه مرخص (لم يحل بعد) ويعمل وفقا لقانون الأحزاب الأردني منذ 31 عاما، وأنه فوجئ بقدوم الأجهزة الأمنية إلى فروع الحزب كافة، وبحسب الضابطة العدلية استجبنا وفتحنا فروعنا وكانت كل الغرف والملفات مفتوحة للضابطة".

وأضاف السقا خلال مؤتمر صحفي عقده بمبنى الأمانة العامة للحزب في 23 أبريل، أن “الحزب يرى كل ما يقوم به يستند إلى القانون، وأن أي إجراء قانوني بحقه سيكون الفيصل بيننا هو القانون والقضاء الأردني ونحن نثق بعدالته، وليس لدينا شيء نخفيه عما سمح لنا به القانون”.

وأوضح السقا أن "هذه الأزمة التي تمر بها المملكة في العلاقة مع العمل السياسي، ونحن دائما شاركنا بمنظومة التحديث السياسي بإيجابية وندعو للالتزام بها لأنها المَخْرَج الوحيد للعمل السياسي والديمقراطي في البلاد".

وشدد الأمين العام للحزب على أن "الجميع تحت القانون وأحكام القضاء"، وقال: إن "عقل الدولة الأردنية الواسع سيتعامل مع هذا الملف بإيجابية؛ لأن تمتين الجبهة الداخلية في الأردن هو هدف من أهدافنا".

من جهته، قال رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، موسى المعايطة، إن "إجراءات قانونية ستتخذ في حال تأكيد ارتباط حزب جبهة العمل الإسلامي بالخلية التي تم ضبطها".

ولفت المعايطة خلال تصريح لقناة "رؤيا" الأردنية في 23 أبريل، إلى أن "ثلاثة متهمين من الخلية المضبوطة ينتمون إلى (جبهة العمل الإسلامي) وليسوا من النواب".