شروط غربية ونتائج إيجابية.. هل تنجح سوريا في الاندماج بالنظام المالي الدولي؟

مصعب المجبل | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يقود وفد وزاري سوري توجَّه إلى الولايات المتحدة، جهودا ليست بالسهلة من أجل إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي، بعدما سحبت جميع امتيازاتهم زمن نظام بشار الأسد المخلوع.

وبينما تسعى الإدارة السورية الجديدة لتدوير عجلة الاقتصاد من جديد وفتح الطريق أمام مرحلة إعادة الإعمار الطويلة، فإن رأس الأولويات تكمن في إصلاحات الشركات المملوكة للدولة، وإدارة الدين العام، والبنية التحتية للأسواق المالية.

وتزامنت الجهود السورية في إصلاح العلاقة مع النظام المالي العالمي، مع إعلان الحكومة البريطانية في 24 أبريل/ نيسان 2025، رفع العقوبات المفروضة على وزارتي الداخلية والدفاع السوريتين، مؤكدة أنهما لم يعودا خاضعين لتجميد الأصول.

إعادة دمج مالي

وإلى الآن الولايات المتحدة وغيرها من الدول لم ترفع بعد العقوبات المفروضة في عهد الأسد البائد التي فرضت عقب عام 2011، حيث تقول تلك الدول: إن السلطات الجديدة بسوريا لا تزال بحاجة إلى إظهار التزامها بالحكم السلمي والشامل.

وقد توجه وزير المالية السوري محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحُصرية، إلى الولايات المتحدة، في 20 أبريل 2025 للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بهدف تعزيز فرص إعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.

وأكد برنية في منشور على تطبيق "لينكد إن" أن وفد سوريا يحمل معه حزمة واسعة من الاجتماعات واللقاءات الثنائية، معربا عن أمله في أن تنعكس هذه الجهود خيرا على مسار عودة سوريا إلى المجتمع والنظام المالي الدوليين.

كما أعرب برنية عن أمله في أن توفر تلك اللقاءات الفرص لدعم جهود إعادة إعمار سوريا، وبناء المؤسسات، وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي، ووضع الاقتصاد السوري في مسار التعافي.

وأشار برنية إلى أن ذلك "يؤدي في المحصلة إلى تحسين فرص الحياة الكريمة والمعيشة لشعبنا الذي عانى كثيرا، وهذا هو الأكثر أهمية للقيادة في سوريا".

كما التقى برنية والحصرية في واشنطن آنا بجيردي مديرة العمليات في البنك الدولي وعثمان ديوني نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

وقال وزير المالية، محمد يسر برنية "عبر لينكد إن" في 24 أبريل إنهم اتفقوا على "بناء برنامج عمل شامل ومنظم لدعم سوريا، مع جدول أعمال واضح يغطي هذا العام والعام المقبل".

وتشمل المجالات الرئيسة للتعاون "مشاركة مدعومة بالمنح في إصلاح قطاع الكهرباء، ومن المتوقع إطلاقها في الأشهر 2-3 القادمة". وكذلك "إحياء وتعزيز إدارة المالية العامة لتعزيز الامتثال والمساءلة".

أما المساعدة الفنية عبر المجالات الحيوية فتشمل وفق ما قال برنية "إصلاحات الشركات المملوكة للدولة، وإدارة الدين العام، والبنية التحتية للأسواق المالية، وشبكات الأمان الاجتماعي والحد من الفقر، وإصلاح القطاع المصرفي، والإحصاءات، تنمية أسواق رأس المال، الشراكات بين القطاعين العام والخاص".

بدوره  قال عبد الله الدردري الأمين العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لوكالة رويترز في 18 أبريل إن مسؤولين سيناقشون خطوات رئيسة لاستعادة الدعم لسوريا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في اجتماعات الشهر المذكور رغم أن العقوبات لا تزال تشكل عقبة رئيسة أمام إعادة بناء البلاد.

وقال الدردري وهو سوري الأصل: إن اجتماعا مستديرا بشأن سوريا تستضيفه الحكومة السعودية والبنك الدولي سيعقد على هامش الاجتماعات السنوية للهيئات المالية الدولية في واشنطن.

وأضاف أن "هذا يعطي إشارة لبقية العالم ولشعب سوريا بأن لديكم هذه المؤسسات المالية الكبرى الجاهزة لتقديم الدعم".

وبحسب ما أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، في 24 أبريل 2025 فإن السعودية وقطر تكفلتا بسداد ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي، والبالغة قيمتها 15 مليون دولار.

وهذه  الخطوة تمثل بداية لانخراط دمشق مجددا في النظام المالي العالمي، والتحول نحو إصلاحات اقتصادية شاملة، مما يمهد الطريق لتقديم منح محتملة بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم اقتصادي آخر لسوريا.

وضمن هذه الجزئية يقول الدردري لرويترز: إن هذه السدادات ستسمح للبنك الدولي بدعم سوريا من خلال مؤسسته الدولية للتنمية التي تقدم أموالا للدول منخفضة الدخل.

وهذا بند ذو أهمية كبيرة لسوريا للتفاوض مع البنك الدولي، كذلك هناك أيضا حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى جميع المساعدات السياسية والفنية التي يمكن للبنك والصندوق تقديمها لسوريا، كما قال الدردري.

ولدى سوريا 563 مليون دولار أميركي من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، إلا أن استخدام هذه الأموال يتطلب موافقة أعضاء الصندوق الذين يملكون 85 بالمئة من إجمالي الأصوات، مما يمنح الولايات المتحدة، التي تملك 16.5 بالمئة من الأصوات، حق النقض الفعلي.

بحسب مسؤولين أممين فإن تعليق العقوبات عن سوريا لن يكون كافيا،  فمن يريد من الدول الاستثمار بـ 100 مليون دولار في محطة طاقة كهربائية، يخشى في الوقت الراهن من استئناف العقوبات مرة أخرى، لذا تصر دمشق على ضرورة رفع العقوبات بشكل شامل وليس تخفيفها.

لكن مع ذلك،ـ فقد حصل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إعفاء من العقوبات من وزارة الخزانة الأميركية لتعبئة ما يصل إلى 50 مليون دولار لإصلاح محطة دير علي لتوليد الكهرباء جنوب دمشق.

كما يدرس البنك الدولي تقديم مئات الملايين من الدولارات في شكل منح لتحسين شبكة الكهرباء في سوريا ودعم القطاع العام.

ولهذا تكمن مهمة الوفد السوري في واشنطن في التأكيد للعالم أن سوريا تريد الالتزام بالمعايير المالية العالمية، وأن تكون جزءا من النظام المالي الدولي.

شروط ملزمة

ولا يستبعد خبراء اقتصاديون إمكانية أن يمنح المجتمع الدولي سوريا فرصة لتحقيق هذا التكامل مع النظام المالي الدولي عبر إعادة هيكلة وتنشيط هذه الأنظمة المصرفية من خلال تقديم المساعدة الفنية لهذا البلد.

لا سيما أن مصارف سوريا انعزلت بشكل كبير عن النظام المالي الدولي بسبب العقوبات وتدابير الحد من المخاطر التي فرضتها المؤسسات العالمية.

وهذا يتطلب قوانين داخلية عالمية ومعالجة الامتثال للوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في الوقت نفسه، يتطلب من سوريا في هذه المرحلة بذل الجهود لإعادة رسملة البنوك، وتسوية القروض المتعثرة، وتحديث البنية التحتية المصرفية، وتوسيع نطاق الشمول المالي.

ويضطلع اتحاد المصارف العربية بدور استباقي في التحضير لإعادة بناء القطاع المصرفي السوري حالما يستقر الوضع السياسي. 

وضمن هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال": إن "إعادة الاندماج بالنظام المالي الدولي يعني أن تصبح سوريا من جديد عضوا فعالا ومؤهلا للحصول على قروض ومساعدات من صندوق النقد أو البنك الدولي، وقادرا على الوصول إلى الأسواق العالمية، وقادرا على تنفيذ حوالات مالية دولية بدون قيود أو مخاطر أو تجميد، وهي جزء من التقارير المالية ضمن نظام التحويل العالمي (سويفت)".

وأضاف شعبو قائلا: "إن من نقاط القوة اليوم في سوريا هو وجود حكومة منفتحة على المؤسسات الدولية وانخفاض للعزلة السياسية مقارنة بالسنوات الماضية وسط وجود خطاب اقتصادي عقلاني وواقعي من الحديث عن موازنة تكميلية وإعادة لموازنة عام 2026 وتواصل داخلي مع التجار والمجتمع المدني بسوريا".

ولفت شعبو إلى أن "هناك حاجة لاستقرار سوريا يريدها المجتمع الدولي سياسيا واقتصاديا لمنع الانهيار الاجتماعي، خاصة أن كل الدول الإقليمية والغربية بحاجة لاستقرار سوريا ويوجد تحد كبير هو العقوبات وكذلك عدم صدور تشريع واضح بآلية العمل المؤسساتي والحرية الفكرية فضلا عن غياب الشفافية عن جميع القطاعات ولا يوجد حوكمة في قرارات الحكومة، علاوة على استمرار الاقتصاد الموازي وضعف النظام المصرفي". 

وذهب شعبو للقول: "يمكن لصندوق النقد أن يطلب من سوريا جملة من الشروط لتحقيق الاندماج المالي العالمي منها إصلاح أسعار الصرف وترشيد دعم استقلالية البنك المركزي السوري وتقديم تقارير مالية دولية له ويمكن للبنك الدولي أن يطلب تحديد أولويات التنمية وتوضيح أسباب إعطاء مناقصة ما لشخص ما بعينه مما يعطي مزيد من الشفافية، وكذلك العمل على دعم الفئات الصغيرة بشكل أساسي في سوريا وأيضا هناك مطالبات من هيئة مكافحة غسيل الأموال الدولية التي تركز على معرفة التحويلات المالية القادمة إلى سوريا أين يتم صرفها".

وراح يقول: "يمكن أن يكون هناك دعم دولي لتنفيذ إصلاح اقتصادي في سوريا لمدة سنتين ضمن اتفاق واقعي يسمح لمؤسسات دولية بالحضور إلى سوريا للتدقيق في عمليات البنك المركزي وتعزيز استقلالية القضاء المالي والالتزام بالموازنات".

وختم شعبو بالقول: "يمكن لسوريا أن تنجح في الاندماج بالنظام المالي الدولي بشروط سياسية واقتصادية دقيقة لأن الأمر ليس مسألة وقت بل مسألة ثقة واستعداد جذري للتغيير في أسلوب الإدارة والحوكمة في البلاد".

وأمام ذلك، تشكل زيارة وزير المالية وحاكم مصرف سوريا المركزي للمشاركة في اجتماعات مؤسستي النقد والبنك الدوليين، خطوة إيجابية على طريق إعادة دمج سوريا بالنظام المالي الدولي.

نتائج أولية إيجابية

وقد كانت أولى نتائجها العملية بحسب ما أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، في 24 أبريل 2025، قوله  لصحيفة "العربي الجديد" القطرية: إن اجتماعات واشنطن أسفرت عن اتفاق مع مؤسسات دولية وجهات مانحة لتقديم منح مباشرة بقيمة 150 مليون دولار لدعم قطاع الطاقة في سوريا.

وأشار الحصرية إلى التوصل إلى برنامج عمل شامل يمتد لعامين، يشمل إصلاح البنية التحتية المالية، ومؤسسات القطاع العام، والنظام المصرفي، بما يمهد الطريق نحو انتقال اقتصادي مدروس بالتعاون مع شركاء دوليين.

وفي تطور لافت ويصب في هذا الجهد السوري، إعلان صندوق النقد الدولي تعيين الاقتصادي الهولندي رون فان رودن رئيسا لبعثته إلى سوريا، في خطوة هي الأولى منذ أكثر من 14 عاما، بحسب ما أكده وزير المالية السوري محمد يسر برنية.

كذلك رفعت لندن العقوبات المفروضة على عدة مجموعات إعلامية وأجهزة الاستخبارات التي كانت قائمة زمن حكم الأسد، علما بأن القيادة السورية الجديدة أعلنت حلها كلها، وأنشأت فقط جهاز الاستخبارات العامة، وشكلت أيضا مجلسا للأمن القومي برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

وشمل رفع العقوبات البريطانية قطاعات أخرى بينها خدمات مالية وإنتاج الطاقة في سوريا، ما من شأنه أن يسهل الاستثمارات الرئيسة في البنى التحتية لقطاع الطاقة ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلدهم والاقتصاد، بحسب بيان مكتب تنفيذ العقوبات المالية البريطاني.

إن هذه الخطوات البريطانية تجاه الاقتصاد الوطني السوري، استبقتها المملكة المتحدة بتعهدها منتصف مارس 2025 بتقديم ما يصل إلى 160 مليون جنيه استرليني (200 مليون دولار) خلال عام 2025 وحده لدعم تعافي سوريا من جديد.

لقد كثفت سوريا حضورها في الفترة الأخيرة في تعويم خارطة طريق للرؤية الاقتصادية للبلاد.

حيث بحث وزير الخارجية السوري أسد الشيباني، تعافي الاقتصاد السوري، خلال مؤتمر اقتصادي بمدينة العلا غربي السعودية في 17 أبريل 2025

وقد انطلقت فعاليات مؤتمر العلا للأسواق الناشئة، بتنظيم مشترك من وزارة المالية السعودية وصندوق النقد الدولي، وشارك فيه وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية وصناع السياسات وخبراء اقتصاديون من 48 دولة حول العالم.

وكان أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 19 أبريل 2025 أنه يعتزم تقديم مساعدات لسوريا بقيمة 1.3 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات لدعمها في قطاعات مثل إعادة بناء البنية التحتية ودعم الشركات الناشئة الرقمية.

ولهذا يجمع الخبراء على أنه عندما يتم رفع العقوبات عن سوريا، فإن التمويل الدولي سيتدفق على هذا البلد.

وسبق أن حذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة في فبراير 2025، من أنه في ظل معدلات النمو الاقتصادية الحالية، لن تتمكن سوريا من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي لفترة ما قبل عام 2011، قبل حلول العام 2080.

وقدرت المنظمة الدولية مجمل خسائر الناتج المحلي بنحو 800 مليار دولار خلال نحو 14 عاما.

وأبرز التقرير أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف مستواه في عام 2011.

كما أظهر تراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يشمل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، إلى ما دون مستواه في 1990، وهو ما يعادل أكثر من 30 عاما من التقدم التنموي المُهدَر بسبب الحرب.

ويعد تحسين سعر صرف الليرة من أبرز التحديات المالية في سوريا بعد تدهور قيمتها مقابل الدولار، فقبل عام 2011، كان الدولار يساوي نحو خمسين ليرة، قبل أن تتهاوى العملة المحلية بشكل تدريجي وتفقد أكثر من تسعين بالمئة من قيمتها.

ويناهز سعر الصرف الرسمي في الآونة الأخيرة 10 آلاف ليرة مقابل الدولار، بينما كان يراوح عند مستوى 15 ألفا في الأشهر التي سبقت إسقاط حكم بشار الأسد الذي دام 24 عاما.