عرفات اعتقله وأميركا فرضته.. ما دلالات تعيين حسين الشيخ نائبا لعباس؟

هذا المنصب جرى استحداثه لأول مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية
بفضل ولائه الشديد لرئيس السلطة في رام الله محمود عباس، وعلاقاته الوثيقة مع أجهزة أمن الاحتلال الإسرائيلي، بات "حسين الشيخ" نائبا رسميا للزعيم الفلسطيني الحالي.
وهذا المنصب الذي جرى استحداثه لأول مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية، يؤهل الشيخ لأن يكون ثالث رئيس فلسطيني، بعد ياسر عرفات وعباس (أبو مازن)، في حال قبل الشارع به.
قرار تعيينه في 26 أبريل/نيسان 2025، جاء بعد يومين من استحداث المجلس المركزي الفلسطيني منصب "نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين"، ليصبح الطريق ممهدا له لتولي الرئاسة بعد عباس الذي يعاني المرض وكبر السن.
وصوله المفاجئ للمنصب، متجاوزا قادة أقدم منه وأكثر حضوراً وشعبية، جاء بعدما تدرج سريعا خلال أعوام قليلة في هرم المؤسسات الثلاث الأكثر أهمية: السلطة وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ومنظمة التحرير.
وخلال السنوات القليلة الماضية، أصبح الشيخ "الطباخ الرئيس" في المطبخ السياسي والأمني، بصفته "ورقة إسرائيل" الرابحة.
ويأتي تكليفه نائبا، في توقيت حرج، تعمل فيه إسرائيل على تصفية القضية الفلسطينية عبر عدوانها اللانهائي على غزة والحديث عن ضم الضفة الغربية.
وهي مرحلة تتطلب شخصية متعاونة مثل "الشيخ"، الذي يوصف بأنه "رجل إسرائيل في رام الله".

"رجل إسرائيل"
تؤكد مصادر فلسطينية قريبة من السلطة لـ "الاستقلال" أن حسين الشيخ أكبر المساهمين في قمع المقاومة في الضفة الغربية.
وتوضح أن إسرائيل تسعى بشدة منذ فترة لوأد خطة حركة المقاومة الإسلامية حماس لنقل العمل العسكري من غزة إلى الضفة والقدس.
وأوضحت أن إسرائيل تعده أحد رجالاتها، لأنه يعادي المقاومة الشعبية في الضفة، وكذا المسلحة في غزة، واشتهر بعقد لقاءات وفتح خطوط ساخنة مع قادة الاحتلال لقمع المقاومين، ودعا علنا لاقتحام جنين.
وهو ما يفسر ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، به، حيث بعث برقية تهنئة إليه بمناسبة تعيينه نائباً لمحمود عباس، رغم قطيعته مع السلطة الفلسطينية ودعوته لحلها، وفق ما قال موقع حدشوت للو تسنزورا العبري.
ويوصف "حسين الشيخ" في أروقة تل أبيب وصحفها بأنه رجلها في رام الله، كما نقلت ذلك صحيفة "فورين بوليسي" 31 يوليو/تموز 2023، عن مسؤولين إسرائيليين.
أكدت أنه يُعد حلقة الوصل الأساسية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، ويتحدث العبرية بطلاقة، ويزور باستمرار مكاتب قادة الجيش والشاباك (جهاز الأمن العام) في تل أبيب.
ويقول المحلل السياسي الفلسطيني "شرحبيل الغريب" إن تعيين حسين الشيخ نائبا لعباس يكرس مسار التبعية للسياسات الإسرائيلية والأميركية ويعمق أزمة الشرعية داخل السلطة الفلسطينية".
وأشار إلى أن حسين الشيخ معروف بعلاقاته الوثيقة مع الإسرائيليين وبدوره في ملف التنسيق الأمني، لذا فهو مرشح غير مقبول شعبياً.
وأوضح لـ "الاستقلال" أن هذه الخطوة تعكس نهاية عملية أوسلو فعلياً، وتعيينه لا ينقذ هذا الإرث بل يدفنه بطريقة مشوهة، وبمفهوم الهيمنة الإسرائيلية، واستمرار نهج السلطة في الارتهان للاحتلال والتماهي مع شروطه.
و"هذا التعيين بالتزامن مع مساعي الاحتلال لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، لا يمكن قراءته إلا كاستكمال للانهيار السياسي الفلسطيني الرسمي، وضربة إضافية لأي مشروع وطني تحرري"، وفق "الغريب".
وأردف: "يدرك الشارع الفلسطيني أن من يختاره الاحتلال لن يكون ممثلاً لطموحاته، بل جزءا من إدارة الأزمات لصالح العدو".
ويطالب الشارع بإعادة بناء القيادة الفلسطينية على أسس المقاومة والشرعية الشعبية، لا عبر التعيينات المفروضة من الخارج، وفق الغريب.

علاقات وثيقة
ووصفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 27 أبريل 2025، "الشيخ" بأنه "معروف بعلاقاته الوثيقة" مع تل أبيب وواشنطن.
وقالت: "بتعيينه نائبا، حصل على دفعة في معركة الخلافة للسيطرة على السلطة الفلسطينية عندما يموت زعيمها الحالي البالغ من العمر 89 عامًا".
وشارك حسين الشيخ في عدة مؤتمرات إقليمية ودولية، وجولات رسمية مع عباس كان أكثرها إثارة للجدل زيارتهما وزير جيش الاحتلال الأسبق بيني غانتس في منزله بضواحي تل أبيب.
وفي اللقاء الذي جرى في 29 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال غانتس: إنه بحث "قضايا أمنية لضبط الاستقرار بالضفة الغربية"، في إشارة للتنسيق ضد خطط حماس، في تناقض واختلاف مع تصريحات الشيخ التي تحدثت عن مناقشة "فتح مسار سياسي".
وفي 23 يناير 2022، التقى الشيخ وزير الخارجية الإسرائيلي وقتها يائير لابيد وقال: إنهما تباحثا عدة قضايا سياسية ومسائل ثنائية.
وحين نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، 31 يوليو 2023 تقريرا عن حسين الشيخ، ارتكزت على مقابلة شخصية معه ومع 75 شخصية فلسطينية ترصد محطات من سيرته، ما بدا أنه محاولة تلميع واضحة له.
وقدمت "الشيخ" من زاوية أهميته لتل أبيب، لا الشعب الفلسطيني، واعترفت أن الفلسطينيين يكرهونه، لكنها نشرت معلومات عن فساده المالي والأخلاقي والسياسي كما تفعل إسرائيل، "كجزء من السيطرة الغربية والإسرائيلية عليه"، وفق أوساط فلسطينية.
وأشارت إلى إعجاب المسؤولين الصهاينة بشخصية الشيخ بوصفه "شريكا براغماتيا يتمتع بقدرة خارقة على إيجاد أرضية مشتركة" مع الإسرائيليين، وقالت إنه يوصف بأنه " رجل إسرائيل" في رام الله".
أشادت بالشيخ وتحدثت عن عمق ومتانة علاقته بإسرائيل، لدرجة السماح له بزيارة "غرفة اجتماعات محصنة" في مقر وزارة الحرب الإسرائيلية في فبراير/شباط 2022 واستقباله من قبل كبار جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك".
كما وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" في 15 يوليو 2022 بأنه "قائد فلسطيني جديد ينهض في الضفة الغربية كخليفة محتمل لعباس لكن كحلقة وصل مع إسرائيل"، مؤكدة أنه يوصف بأنه "المتحدث باسم الاحتلال".
وفي 24 أغسطس/آب 2022، قال "جاكي خوجي"، الصحفي الإسرائيلي في "معاريف": إن "إسرائيل تحب أن ترى الشيخ في منصب الرئاسة خلفاً لعباس".
"لكنها تخشى من صعوبة حدوث ذلك بسبب رفض الشارع الفلسطيني له بسبب فساده السياسي والمالي"، وفق قوله.
وأكد أن "إسرائيل تحب عقد صفقات مع الشيخ، وهناك من أحب فكرة توليه رئاسة السلطة بعد رحيل عباس، وذلك بناء على علاقاته الوطيدة مع المسؤولين الإسرائيليين وعدد من الضباط الكبار في الجيش".
وذكر أن عباس سعى إلى ترقية حسين الشيخ ومنحه صلاحيات للتفاوض مع إسرائيل، بصفته "شخصية معتدلة تؤمن بإمكانية تحقيق نتائج بالطرق السياسية أفضل مما يمكن تحقيقه بالمقاومة
كما وصفته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، بـ "الرجل النبيل في رام الله"، ونقلت عن دبلوماسي غربي سبق التقى به قوله إنه "نوع من الفلسطينيين يمكن للإسرائيليين والأميركيين التعامل معه".

سوابق مثيرة
وكان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أمر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، في أكتوبر/تشرين الأول 2003، بملاحقة واعتقال حسين الشيخ، حين كان “أمين سر مرجعية حركة فتح في الضفة الغربية” (انتخب عام 1999).
وقال قادة في “فتح”: إن “الشيخ” كان من الشخصيات التي ينبذها عرفات، لأنه كان يحاول تسلق المناصب على حساب تشويه قيادات فتحاوية والهجوم عليها، وتسبب في فتن داخل الحركة.
وأكدت مصادر فتحاوية آنذاك أن أمر الاعتقال الذي أصدره عرفات بحق الشيخ جاء بعد توزيع بيانات في الضفة موقعة باسم الأخير، تهاجم قيادات في السلطة الفلسطينية.
ووقتها، أضافت المصادر أن اللجنة المركزية لحركة فتح قررت تنحية الشيخ من منصبه كأمين سر مرجعية فتح ودعت إلى اعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة التورط في قضايا فساد، وهو ما نفاه الأخير وبين أنه على رأس عمله.
وقد عزا عضو المجلس الثوري لحركة فتح "فخري البرغوثي"، سبب ترقية حسين الشيخ في المناصب القيادية داخل الحركة أيضا لخيانته للأسير مروان البرغوثي وشخصيات وطنية أخرى.
قال: "الكل يعرف حقيقته، وكان طيلة مسيرته يعمل ضد مروان، واستخدمه محمود عباس كذلك للعمل ضد القيادي المفصول من فتح محمد دحلان"، بحسب موقع “الشاهد” المحلي.
وأضاف الموقع في 25 أغسطس/آب 2023 أن "حسين الشيخ يعمل لأجل نفسه وفي المواضع التي يريدها الاحتلال منه".
وشغل الشيخ منذ عام 2007 وحتى فبراير/شباط 2025، منصب رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، ورئيس لجنة التنسيق المدنية العليا التي تعد صلة الوصل الرسمية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
ولذلك، يطلق عليه الفلسطينيون لقب "مايسترو التنسيق الأمني" مع الاحتلال، رغم اعتقاله في السجون الإسرائيلية لمدة 11 عاما (1978-1989).
وتدرج الشيخ في المناصب وصولا إلى توليه أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا للراحل صائب عريقات، الذي توفي في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وفي 8 فبراير 2022، عين المجلس المركزي المؤلف من 141 عضوا، حسين الشيخ في اللجنة التنفيذية للمنظمة، ليتولى لاحقا منصب عريقات في مايو/أيار من نفس العام.
وتقليديا، فإن من يحُز هذا المنصب، يمهد طريقه نحو رئاسة منظمة التحرير، في خطوة مشابهة سبق أن سار عليها الرئيس الحالي محمود عباس.
فبعد وفاة عرفات عام 2004، شغل عباس أمين سر اللجنة التنفيذية، ثم بات رئيسا لمنظمة التحرير وانتهى به المطاف كرئيس للسلطة.
مزاعم "الإصلاح"
كانت الحجج الأميركية والغربية المفروضة كشروط للتعامل مع السلطة الفلسطينية بعدما نبذتها إسرائيل رغم تعاونها الأمني معها، هي المطالبة بـ "إصلاحات" غامضة.
حينها قيل إن السبب الرئيس هو الرغبة في تعيين نائب للرئيس عباس لكبر سنه وعدم قدرته على ملء المنصب والتصدي لحماس التي تغلغلت في الضفة.
تقارير أميركية وإسرائيلية قالت بوضوح: إن المطلوب هو تعيين الشيخ بصفته "رجل إسرائيل في الضفة الغربية" ويرضى عنه الغرب والأنظمة العربية.
لذا لم يكن مستغربا، أن تسارع السعودية ومصر والكويت والأردن، لإصدار بيانات ترحب بهذا التعيين، وتصفه بـ "الإصلاحات التي تجريها السلطة".
بينما هي إصلاحات لا علاقة لها بالشعب الفلسطيني، وتشير إلى أن الشيخ جاء ضمن توليفة إسرائيلية أميركية سعودية مصرية أردنية، وفق مصادر فلسطينية.
ولم ترحب به الإمارات حتى الآن، لأنها كانت تريد المنصب للقيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح محمد دحلان والذي يعد أحد مستشاري الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
ورغم هذه الصورة الإيجابية التي تحاول إسرائيل وأميركا وأنظمة عربية تروجيها عنه، فإن هناك رفضا واسعا للشيخ في الداخل.
وتظهر استطلاعات الرأي أن 3 بالمئة فقط من الفلسطينيين يرونه زعيما مناسبا، لأنه متهم بالعمالة والمحسوبية، والفساد.
وبعدما كشفت نتائج استطلاعات الرأي التي أجراها "المركز الفلسطيني للبحوث" ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، هذه النسبة الضئيلة من التأييد الشعبي له (3 بالمئة)، رفضها "الشيخ، وبعث رسالة لمحرر الصحيفة يقول إنها نتائج "أحادية الجانب وغير موضوعية".

تعيين لا انتخاب
ويقول فلسطينيون: إن حسين الشيخ دمر حركة فتح والسلطة، وهو من طور التنسيق الأمني مع إسرائيل.
كما أنه يُشكل رأس الفساد في السلطة وحركة فتح منذ سنوات، ومع هذا يُسمى تعيينه نائبا "إصلاحا"، و"ضخ دماء جديدة".
استقبلوا تعيين "الشيخ" عبر مواقع التواصل بالقول: "فتح قتلت نفسها بنفسها، وأنهت كل الآمال بإصلاحها، وقضت على أبنائها قبل كل شيء".
ونقلت صحيفة "هآرتس"، في 27 أبريل 2025 عن "مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية" اعترف أن هذه "الإصلاحات" بتعيين الشيخ نائبا لعباس، لا قيمة لها، في وقت تحاول فيه حكومة نتنياهو تهجير أهل غزة، وضم الضفة الغربية، وهدم السلطة الفلسطينية.
قال: حتى الإصلاحات المؤسسية الشاملة والتغييرات القيادية "لن تفتح أي أفق سياسي حقيقي"، ووصف الوضع بأنه "ليس أكثر من معركة على الخلافة على سلطة فلسطينية خاوية وآيلة للسقوط".
وأكد لصحيفة "هآرتس" أن "الإدارة الأميركية تنظر إلى العالم حاليا من خلال صفقات العقارات، والقضية الفلسطينية ليست على أجندتها".
ويقول الخبير في شؤون العلاقات الدولية وفلسطين "علي أبو رزق" إن تعيين الشيخ نائبا للرئيس، يعني أن القرار الذي قاتل الفلسطينيون عشرات السنين ليبقى مستقلا قد تعرض لضربة كبيرة، لأن تعيينه قرار عربي وإسرائيلي.
وأوضح عبر إكس أن تعيينه "يعني حسم الصراع الفتحاوي الداخلي لصالح التيار الذي يؤمن بالحل السلمي كواحد ووحيد في مواجهة الاحتلال، فهو ليس من جيل الفترة النضالية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
إذ إن مفهوم الحل السلمي عند هذا تيار الشيخ ليس بالانتفاضات الشعبية ولا الضغط الجماهيري ولا الاحتجاج، بل التمسك بخيار السلطة حتى الرمق الأخير وما لا يأتي بالتنازل يأتي بمزيد من التنازل، والحفاظ على تنسيق أمني دائم مع الاحتلال.
ورجح "أبو رزق" أن تتراجع فرص الحوار الوطني الداخلي بشكل كبير، وتميل الأمور نحو الخيار القمعي والحل الأمني حال وصول الشيخ للرئاسة.
وذلك على عكس التيار الفتحاوي الذي يؤمن بضرورة استعادة العلاقة مع حماس والذي يقوده القيادي جبريل الرجوب.
ووصفت حركة المقاومة الإسلامية حماس، 27 أبريل 2025، تعيين حسين الشيخ نائبا للرئيس بأنها "خطوة مستنكرة، جاءت استجابة لإملاءات خارجية، وتكريسا لنهج التفرد والإقصاء، بعيدًا عن التوافق الوطني والإرادة الشعبية الفلسطينية".
المصادر
- Palestinian Leader Abbas Appoints Deputy Amid Fears About Succession
- Palestinian President Mahmoud Abbas has appointed a new deputy in a major step in naming a successor
- The Palestinian Leader Who Survived the Death of Palestine
- A New Palestinian Leader Rises in the West Bank. He’s Very Unpopular.
- Mahmoud Abbas Installs Confidant as Deputy – Likely Heir to 'Ventilated and Sedated' Palestinian Authority