لقاء الشرع والسوداني في الدوحة.. هل ينهي التوتر السياسي بين سوريا والعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

على وقع اللقاء المفاجئ الذي جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس السوري أحمد الشرع في قطر، تدور تساؤلات عدة عن مستقبل العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة، خصوصا مع وجود أطراف شيعية عراقية موالية لإيران تعادي الإدارة السورية الجديدة.

ويعد هذا اللقاء الأول من نوعه بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتولي أحمد الشرع رئاسة البلاد، وإجرائه زيارات شملت كل دول الجوار السوري، باستثناء العراق، الذي كان مع إيران و"حزب الله" اللبناني من أبرز داعمي الرئيس المخلوع.

دور قطري

بوساطة وحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، التقى السوداني والشرع في الدوحة في جلسة غير معلن تاريخها، لكن الخبر والصورة سربها حصريا، الإعلامي اللبناني علي هاشم، على حسابه بمنصة "أكس" في 17 أبريل/ نيسان 2025، قبل أن يحذفها بعد ساعات من نشرها.

وكتب هاشم معلقا على اللقاء، بالقول: "خطوة كبيرة في الدوحة: يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لأول مرة، يستضيفها أمير قطر. اتفاق بشأن فتح الحدود، واستئناف التجارة، ودعوة القمة العربية على الطاولة. الدبلوماسية الهادئة تؤتي ثمارها".

وفي الوقت الذي لم يصدر أي بيان رسمي عن الحكومة العراقية حتى يوم 23 أبريل، فإن الرئاسة السورية أصدرت بيانا أكدت فيه اللقاء الذي حصل بين الشرع والسوداني جرى "بوساطة كريمة" من قطر، بحضور ورعاية من أمير الدولة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وأكدت أن اللقاء تناول العلاقات الثنائية بين الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق الشقيق، في إطار حرص الجانبين على إعادة تفعيل مسارات التعاون العربي المشترك، والتأكيد على عمق الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين.

وشدد الشرع والسوداني على ضرورة احترام سيادة واستقلال البلدين ورفض أشكال التدخل الخارجي كافة، مؤكدين أن أمن واستقرار سوريا والعراق يشكلان حجر الأساس لأمن المنطقة ككل، وفقا للبيان. 

كما تطرق اللقاء إلى ملف أمن الحدود المشتركة، حيث تم الاتفاق على تعزيز التنسيق الميداني والاستخباراتي بين الجهات المعنية في البلدين، بهدف مكافحة المخاطر المشتركة. 

وفي الجانب الاقتصادي، ناقش الجانبان آليات تفعيل العلاقات التجارية، وتسهيل حركـــة البضائع والأفراد عبر المعابر الحدودية، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات المتبادلة، وفتح آفاق تعاون جديدة في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية، بما يسهم في خدمة المصالح الإستراتيجية للبلدين.

وقد عبّر الشرع عن شكره وامتنانه لدولة قطر، وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على "جهوده في تسهيل عقد هذا اللقاء الأخوي، الذي يعكس التزاما حقيقيا بدعم الحوار العربي وتعزيز أواصر الأخوة والتعاون بين الدول العربية".

وأكدت الرئاسة السورية، أن هذا اللقاء يشكل خطوة مهمة على طريق بناء علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ويمثل انطلاقة جديدة نحو تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات الراهنة، وتحقيق الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.

وفي 17 أبريل، نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" عن مصدر عراقي مسؤول وصفته بـ"المقرب من الحكومة" (لم تسمه) أن اللقاء الثلاثي بين السوداني والشرع وأمير قطر، جاء بسبب الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة خاصة ما يجرى في سوريا.

وأكد السوداني- بحسب المصدر- أن "العراق يراقب عن كثب التطورات الحاصلة في هذا البلد الجار، والوجود العسكري للكيان الغاصب على أرضه".

وبحسب المصدر، فقد "جدد السوداني إيضاحَ موقف العراق الثابت والمبدئي، الداعي إلى قيام عملية سياسية شاملة وحماية المكوّنات والتنوّع الاجتماعي والديني والوطني في سوريا، وحماية المقدّسات وبيوت الله وأماكن العبادة، لكل المجموعات السكانية التي يتشكل منها الشعب السوري الشقيق، واحترام حقوق الإنسان خصوصا بعد الأحداث التي حصلت مع الطائفة العلوية هناك".

وأشار رئيس الوزراء العراقي خلال اللقاء إلى أن "العراق يؤكد أهمية أن تتخذ الحكومة السورية الجديدة خطوات عملية وجادة في محاربة تنظيم الدولة".

وبين السوداني، أن "التقدم في هذه الملفات وبشكل ملموس يمكن أن يساعد في بناء علاقات مُتنامية، وإيجاد آليات تعاون تصب في المصلحة المشتركة للبلدين الشقيقين وبما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة"، وفقا للمصدر.

“موافقة إيرانية”

وعلى صعيد تفاصيل الزيارة، أكدت مصادر سياسية عراقية خاصة، أن "زيارة السوداني الخاطفة إلى الدوحة جرت يوم 15 أبريل، أي قبل يومين من الكشف عنها، وأن عدم الإعلان عنها من رئاسة الوزراء العراقية أمر غير مفهوم حتى الآن، رغم إصدار الرئاسة السورية بيانا رسميا".

ورجحت المصادر في حديث لـ"الاستقلال"، طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن "يكون السوداني قد أخذ موافقة الإطار التنسيقي الشيعي، وحتى إيران للقاء الشرع؛ لأن لا قِبل له بإغضاب طهران وحلفائها في هذا الوقت الحساس، الذي يسعى فيه الأخير إلى ولاية ثانية".

ولفتت إلى أن "السوداني موقفه جيد منذ البداية من الإدارة السورية الحالية، ويميل إلى تبني توجه المجتمع الدولي، والدول العربية في المضي بتطبيع العلاقة مع دمشق، لكنه يخشى الأطراف الحليفة لإيران، أن تشيطنه وتسقطه قبل الانتخابات البرلمانية في 11 نوفمبر المقبل".

وبحسب المصادر، فإن "مستقبل العلاقة بين بغداد ودمشق مرهون بالتغيرات في المنطقة ودمور إيران فيها، فإذا استمرّ نفوذها بالتراجع، فإن العلاقات السورية العراقية ستزدهر حتى لو جاءت شخصية محسوبة على حلفاء إيران لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية".

وفي هذا السياق، كشفت وسائل إعلامية عراقية ، أن السوداني، أجرى "زيارة سرية" إلى طهران ليلة الجمعة (18 أبريل)، وعاد إلى بغداد فجر اليوم التالي.

وذكر موقع "المطلع" العراقي نقلا عن مصادر سياسية (لم يسمها) أن "السوداني عقد اجتماعا مهما مع مسؤولين إيرانيين حول ملف العلاقات العراقية - السورية - الإيرانية".

ونقلت منصة "أكيد برس" العراقية في 19 أبريل، عن مصدر دبلوماسي إيراني (لم تسمه) أن "طهران لا تُعارض دعوة القيادة السورية الجديدة إلى القمة العربية في بغداد. 

وأضاف الدبلوماسي الإيراني أن بلاده تؤكد أنها على استعداد كامل لإعادة ترتيب أوراق العلاقة الإيرانية- السورية، وفق المتغيرات الجديدة، وجاهزة لدعم الحكومة السورية في حال "الحاجة والطلب" الرسمي من دمشق.

وخلال حضوره مؤتمر السليمانية بإقليم كردستان العراق في 17 أبريل، أعلن رئيس الوزراء العراقي، توجيه دعوة رسمية إلى الرئيس السوري من أجل حضور مؤتمر القمة العربية التي تستضيفها العاصمة بغداد في أيار/ مايو المقبل، مؤكدا أنه "مُرحّب به" في العراق.

يأتي ذلك، بعد اتصال هاتفي أجراه السوداني لتهنئة الشرع بعيد الفطر في الأول من أبريل، أكد فيه الطرفان أهمية فتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية تقوم على التعاون المشترك لمواجهة التحديات، كما أنهما شددا على عمق الروابط الشعبية والاقتصادية التي تجمع سوريا والعراق، وفق رسمي بيان للحكومة العراقية.

"انقسام إطاري"

ومع التقارب الرسمي بين بغداد ودمشق، تعالت الأصوات وانقسمت المواقف بشدة في العراق، خصوصا داخل الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، الذي انقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض.

أبرز المؤيدين داخل الإطار التنسيقي هو رئيس "تحالف الحكمة" عمار الحكيم، وائتلاف "النصر" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بينما تصدّر المعارضون ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، إضافة إلى قائد مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.

ورأى الحكيم، أن التواصل مع الحكومة السورية الجديدة من مصلحة العراق، ويرى أن لقاء السوداني مع الشرع لا يشكل خرقا رغم عدم إخبار الإطار التنسيقي به، وأن دعوة سوريا لحضور القمة العربية في بغداد ملزمة للدولة المضيفة.

وذكر الحكيم خلال حضوره بملتقى "سين للحوار" ببغداد في 23 أبريل، أن "العراق بلد كبير ومحوري، ويجب أن يكون له دور في الملفات الكبيرة بالمنطقة، وأن إسرائيل احتلت مناطق في سوريا، وتركيا لديها رعاية بالتحولات التي حصلت ودور في المعادلة السورية، وكذلك دول الخليج لديهم تبادل علاقات مع الرئيس السوري".

وشدد ائتلاف “النصر” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، على أن "الحكومة العراقية مُكَلّفة بتأمين الحماية اللازمة للرؤساء والملوك العرب، بمن فيها الرئيس السوري أحمد الشرع".

وقال عقيل الرديني، المتحدث باسم الائتلاف، خلال بيان صحفي في 23 أبريل، إن "المعارضين لزيارة الرئيس السوري لا يُخططون إلى إحراج الحكومة والدبلوماسية العراقية". مشيرا إلى أن "استهداف الرئيس السوري في بغداد من قبل أي طرف أمر مستبعد تماما".

ولا تزال هذه القوى الرافضة، وأغلبها لديه امتدادات داخل مليشيات مسلحة عراقية كانت قد قاتلت في سوريا دعما لنظام بشار الأسد قبل سنوات، ترفض الموقف العراقي الرسمي الذي اعترف بالتغيير الذي شهدته سوريا والذي أوصل الشرع إلى سدة الحكم فيها.

وكان المالكي، أصدر بيانا في 20 أبريل، شدد فيه على ضرورة أن يخلو سجل أي مشارك في القمة العربية من التهم أو الإدانات الجنائية، سواء على الصعيد العراقي أو الدولي، التزاما بالقانون الدولي، في إطار رفضه دعوة الشرع إلى بغداد.

وعلى الوتيرة ذاتها، أكد الخزعلي عبر تدوينة على “إكس”، أن إقامة علاقات بين العراق وسوريا "أمر ضروري وذو مصلحة متبادلة"، لكنه شدد على أن "دعوة رئيس النظام السوري الحالي لزيارة العراق سابقة لأوانها"، مرجحا أن تؤدي إلى "تداعيات قانونية وأمنية"، لا سيما في ظل وجود مذكرة اعتقال نافذة بحقه.

وفي 26 فبراير، نفى مجلس القضاء الأعلى العراقي في بيان رسمي، وثيقة منسوبة إليه تخص صدور مذكرة قبض بحق الرئيس السوري، أحمد الشرع، المعروف سابقا باسم (أبو محمد الجولاني)، مؤكدا أنها مزورة وغير صحيحة، محذرا مرتكبيها من "اتحاذ الإجراءات القانونية بحقهم".