في عهد شهباز شريف.. هكذا تقترب باكستان أكثر من العالم الغربي

بعد أن أصبح شهباز شريف رئيسا لحكومة باكستان في أبريل/نيسان 2022، بدأت إدارة إسلام أباد بتسريع علاقاتها مع العالم الغربي.
وقال مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام" إن واحدة من الدول التي جرى تعزيز العلاقات معها في هذا السياق هي فرنسا.
فمن المعروف أن باريس مهتمة أيضا بالجغرافيا الآسيوية، ولهذا السبب تتطلع إلى تطوير العلاقات مع باكستان، وفق الكاتبة التركية "شيماء كيزيلاي".
تعميق العلاقات
وأضافت كيزيلاي: عقدت الجولة الرابعة عشرة من المشاورات السياسية الثنائية بين باكستان وفرنسا في 10 فبراير/شباط 2023 في باريس.
وكان الممثل عن باكستان في هذه المشاورات "أسد مجيد خان" نائب وزير الخارجية، بينما ترأس الوفد الفرنسي آن ماري ديسكوت، الأمينة العامة لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية.
وخلال المشاورات، جرى التوقيع على "خارطة طريق للتعاون الثنائي" بين الطرفين حول كيفية تعميق علاقاتهما.
وفي الوقت نفسه، اتفق الطرفان على تطوير التعاون في مجالات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والزراعة وتربية الحيوانات والسياحة وغيرها من القطاعات.
وبالإضافة إلى ذلك، جرى تبادل الآراء الشاملة بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والدولية في الاجتماع.
وقد حدث أخيرا تطور في الشراكة بين باريس وإسلام أباد، فكانت الأطراف تتقارب من خلال الأنشطة الاقتصادية، وليس فقط عبر المشاورات السياسية.
وتابعت كيزيلاي: تلعب المبادرات الدولية أيضا دورا مهما في التقارب بين البلدين؛ فالاجتماعات التي عقدت بين قادتهما على هامش الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر/أيلول 2023 هي لقاءات نموذجية تدل على ذلك.
وأشارت الكاتبة التركية إلى إمكانية تفسير البيان المشترك الصادر بمناسبة الاجتماع على أنه مؤشر بأن العلاقات الفرنسية الباكستانية ستتحسن.
فخلال الاجتماع، اتفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على العمل معاً لإنعاش الاقتصاد الباكستاني.
وكان هذا أول اجتماع بين المسؤول الباكستاني والرئيس ماكرون بعد تأثر العلاقات الدبلوماسية بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام التي نشرتها مجلة فرنسية (شارلي إيبدو) والتي اندلعت على أعقابها احتجاجات حاشدة في باكستان مع مطالب بطرد السفير الفرنسي.
وبالإضافة إلى إعطاء زخم للعلاقات الثنائية، فإن اجتماع شريف وماكرون له أهمية خاصة من حيث خطوات السياسة الخارجية الباكستانية.
ويعد الاجتماع المعني تطوراً مهما للغاية حيث إنها المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيس وزراء باكستان مع زعيم دولة أوروبية إستراتيجية منذ سبع سنوات، بحسب الكاتبة.
وأشارت كيزيلاي إلى أنَّ أنشطة المعونة الإنسانية كانت عاملاً لزيادة التقارب بين الطرفين.
فعلى سبيل المثال، دعمت فرنسا باكستان المتضررة من الفيضانات من خلال الالتزام بكميات كبيرة من المساعدات الإنسانية.
وفي 9 يناير/كانون الثاني 2023، وخلال المؤتمر الدولي حول التغيرات المناخية في جنيف الذي عقدته حكومة إسلام أباد والأمم المتحدة بشكل مشترك، أعلنت الوكالة الفرنسية للتنمية أنها ستنفذ مشاريع تصل قيمتها إلى 386.5 مليون دولار لإعادة بناء باكستان.
وقد جرى وضع أسس المؤتمر خلال اجتماع ماكرون وشريف. لذلك، يمكن القول إن المشاورات بين البلدين قد فتحت أبواباً أخرى. ولهذا السبب، يمكن توقع أن تشكل "خارطة الطريق" الموقعة أيضاً الأساس لبدايات جديدة.
خريطة الطريق
وبهذا المعنى، من الممكن التنبؤ بأن ديناميكية العلاقة الإيجابية التي تتزايد في خط باريس - إسلام أباد ستستمر في التطور.
وأردفت كيزيلاي: في واقع الأمر، تقرر عقد الجولة الخامسة عشرة من المشاورات السياسية في إسلام أباد عام 2024.
وهذا يعني تعزيز الشراكات لمدة عام والتحضير للاجتماع المقبل، وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الاجتماعات أصبحت روتينية.
وأضافت: خطوات سياسة باريس قد تنوعت وتطورت في سياق الاهتمام الدولي بالجغرافيا الآسيوية.
فالعلاقات القائمة مع إسلام أباد ترتبط أيضاً بالظروف الحالية. وبعبارة أخرى، فإن علاقات حكومة باكستان مع الولايات المتحدة الأميركية وسياستها تجاه العالم الغربي تؤثر أيضاً على التطورات الجارية.
ويمكن أيضاً النظر في الخطوات التي اتخذتها فرنسا في إطار سياسات الاتحاد الأوروبي والبلدان الأوروبية. ويبدو أنَّ باريس تحاول أن تظهر نفسها وتكون في المقدمة، وفق الكاتبة.
ومن ناحية أخرى، يمكن أيضاً اعتبار العلاقات الفرنسية الباكستانية في نطاق سياسة باريس في آسيا والمحيط الهادئ.
ففرنسا لها وجود كبير في المنطقة، ومن المعروف أيضاً أن أكثر من مليون مواطن فرنسي موجودون هناك.
وبهذا المعنى، يمكن قراءة تطوير العلاقات وتعزيز الشراكات مع باكستان كأحد البنود الفرعية لإستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ.
ويمكن القول إن باكستان تعد أيضا نقطة إستراتيجية مهمة من حيث أمن أراضيها فيما وراء البحار والانتقال إلى المنطقة.
فجزر مثل "مايوت" "ولا ريونيون" التابعة لفرنسا قبالة سواحل موزمبيق قريبة جغرافياً من باكستان.
وبذلك يمكن أيضاً النظر في التركيز على تحسين التعاون الدفاعي والعسكري القائم مع باكستان في هذا السياق.
واستدركت كيزيلاي: ثمة مسألة أخرى تتعلق بالتعاون العسكري تتمثل في هدف تعزيز التعاون بمجال مكافحة الإرهاب.
وقالت: إسلام أباد تمُرُّ حالياً بفترة صعبة من حيث الأمن والاستقرار، حيث زادت المنظمة الإرهابية المعروفة باسم "تحريك طالبان باكستان" من هجماتها في جميع أنحاء البلاد.
وفي هذه المرحلة، من المعروف أن الولايات المتحدة أعربت مراراً وتكراراً عن دعمها اللفظي لإسلام أباد ضد منظمة طالبان باكستان "الإرهابية".
ويمكن القول إن فرنسا تعكس أيضاً موقف الجهات الفاعلة الغربية. لذلك، قد ترغب إسلام أباد في تطوير خطوات تعاون قائمة على الأمن مع باريس.
وختمت الكاتبة مقالها قائلة: تتمتع العلاقات بين فرنسا وباكستان بزخم إيجابي، كما أن اجتماعات التشاور السياسي فعالة في تعزيز الشراكات بمختلف المجالات.
وتابعت: "هناك أمور مؤثرة على التعاون المشترك، من بينها حقيقة أنَّ فرنسا هي فاعل أوروبي مهم في تطوير العلاقات بين باريس وإسلام أباد".
هذا بالإضافة إلى أهمية باكستان في أهداف فرنسا الإستراتيجية للجغرافيا السياسية لآسيا والمحيط الهادئ ورغبة إسلام أباد في تعزيز علاقاتها مع العالم الغربي.