قفز مفاجئ على التشريعات.. ماذا يخفي إعلان حل "شرطة الأخلاق" بإيران؟

12

طباعة

مشاركة

بعدما تلطخت سمعة ما تسمى شرطة الأخلاق في إيران بدماء الشابة مهسا أميني، قررت طهران القفز على تشريعاتها القانونية وإلغاء هذا الجهاز، كضرورة مرحلة.

فبالرغم من السمعة السيئة، لجهاز الشرطة المختص بمراقبة الآداب العامة، نتيجة ممارساته بحق النساء، فإن الضربة القاضية بحقه جاءت بعد تفجيره لاحتجاجات شعبية عارمة في أنحاء إيران والعالم.

الاحتجاجات جاءت بعد وفاة المواطنة الكردية مهسا البالغة من العمر 22 عاما، بعد ثلاثة أيام من احتجازها داخل فرع طهران لـ"شرطة الأخلاق" في 13 سبتمبر/أيلول 2022، بدعوى عدم احترام قواعد اللباس التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب بإيران.

ويقول ناشطون، وعائلتها، إن الشابة توفيت بعد تعرضها للضرب داخل مبنى ذلك الجهاز، لكن السلطات ربطت وفاتها بمشاكل صحية، ونفى والداها ذلك.

وأشعل مقتل مهسا موجة غير مسبوقة من التظاهرات منذ 16 سبتمبر، لم تكن إيران تتوقعها، بعدما اجتاحت هذا البلد الذي يدار من قبل مجموعة من رجال الدين والسياسيين والقيادات العسكرية، وامتدت بشكل تضامني إلى كثير من دول العالم.

قرار مفاجئ

وأمام ذلك، وضمن مبادرة حيال المحتجين، قال النائب العام الإيراني حجة الإسلام محمد جعفر منتظري، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2022، من مدينة قم، إن "شرطة الآداب ألغيت من قبل الذين أنشأوها"، مؤكدا أنه ليس لها علاقة بالقضاء.

و"شرطة الأخلاق" تعرف محليا باسم "غشتي إرشاد" (أي دوريات الإرشاد)، وهي أحد أجهزة المخابرات والأمن العام الإيران، ومؤلفة من رجال ونساء يتجولون بالشوارع بسيارات بيضاء وخضراء.

 ويهدف هذا الجهاز لحماية المعايير الأخلاقية في المجتمع، ولها حضور أعلى في مجالات الجرائم الأخلاقية من قوات الشرطة الأخرى، وفق بيان التأسيس عام 2006.

ووضع حينها المرشد الإيراني علي خامنئي خطة الهيكل الجديد لقوة "شرطة الأخلاق"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية (إيسنا).

وأنشئت "شرطة الأخلاق" في عهد الرئيس المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد من أجل "نشر ثقافة الحجاب".

وبدأت هذه الوحدة الأمنية أولى دورياتها عام 2006، وأصدر أفرادها بعد ذلك تحذيرات قبل أن يبدؤوا بجلد واعتقال النساء في العام التالي.

ويرتدي رجال "شرطة الأخلاق" زيا أخضرا، ونساء يرتدين الشادور الأسود الذي يغطي الرأس والجزء العلوي من الجسم.

وحين تأسيسها، وصفها علي رضا العدياني رئيس التنظيم الإيديولوجي السياسي لقوة الشرطة، بأنها "جهاز ثوري وصي على قيم المجتمع الإسلامي"، وفق ما قال لوكالة (إيسنا).

ويمكن لقوة الشرطة، بصفتها "ضابطة قضائية"، أن تحيل قضية المواطنين الذين يخالفون أنظمة "الحجاب الإلزامي" إلى المحاكم الجنائية.

واللافت أن إيران قبل الإعلان عن هذا الجهاز، دفعت خطباء الجمعة في جميع مدن وبلدات البلاد، للحديث عن "العفة" وضرورة الحفاظ على "الحجاب الإسلامي" وهددوا المخالفين بالإجراءات القانونية.

مهام "شرطة الأخلاق"

أصبح الحجاب إلزاميا في إيران، بعد أربع سنوات مما يسمى الثورة الإسلامية في 1979.

وجاء هذا الجهاز لمراقبة النساء حول الالتزام بقواعد اللباس الصارمة التي تلزم النساء ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

ولسنوات عدة تشعر النساء الإيرانيات اللواتي يغامرن بالخروج من منازلهن، بالقلق خوفا من مواجهة هذه الوحدة سيئة السمعة، ويتعرضن للعقاب لمظهرهن الذي قد لا يوافق قواعد اللباس التي تراقبها الشرطة المذكورة.

كثيرة هي مهام، "شرطة الأخلاق"، بمعنى أنها ليست مقتصرة على مراقبة الحجاب"، بل تصل إلى مناحي متعددة.

ومنها محاكمة الفساد الأخلاقي والثقافي والملاحقة والإبلاغ عن الجرائم الأخلاقية في الفضاء الافتراضي والإلكتروني، وكذلك تنفيذ إجراءات وقوانين الأمن الأخلاقي.

وكان هذا الجهاز دقيقا في آليات تعويمه في المجتمع الإيراني، إذ إن الشرطة تبلغ عن مخالفات مرورية للنساء مثل عدم ارتداء الحجاب، وتحرش الشباب بالفتيات في الشوارع.

وكذلك عن شرب الكحول في الأماكن العامة، والقيادة في حالة السكر، والقضايا المخلة بالآداب العامة، أو المخالفة بالتدخين في أيام شهر رمضان.

كما تكافح "الشذوذ الجنسي"، وغيرها الكثير من المهام التي تصل إلى حد الإشراف على الرعايا الأجانب، وإصدار ومراقبة جوازات السفر في المحطات الحدودية وكذلك في المطارات الدولية.

وهذه الشرطة مخولة بالتأكد من وثائق أي رجل وامرأة يكونان معا في الطريق أو داخل سيارة بشكل مخل، كما ترصد عدم التزام النساء بالحجاب حتى داخل السيارات الشخصية.

 وتعمل على تحرير مخالفة برقم السيارة وإرسال رسالة نصية تفيد بحجزها لأيام كعقوبة لعدم الالتزام بالحجاب كما هو منصوص عليه، أو يلتزم صاحبها كتابيا بعدم تكرار المخالفة.

من صرامة قوانين "شرطة الأخلاق" في إيران، منع السفر بالسيارة التي تلقى صاحبها رسالة مخالفة على الهاتف المحمول، حتى يجري إنهاء الحجز من قبل السلطة عبر مراجعة أحد المراكز.

وتحدد "شرطة الأخلاق" ما يطلق عليه "كود المخالفة" والذي يسجل على الشخص المخالف، وعلى سبيل المثال "كود 15" يعني أن المخالفة هي عدم ارتداء الحجاب أو الحجاب غير اللائق في السيارة.

و"كود رقم 16" هو علاقة غير مشروعة في السيارة أو عدم وجود تغطية مناسبة، وكود المخالفة "رقم 17" يشير إلى مخالفة ضوضائية أو حمل كلب في السيارة.

ولا تعرف ميزانية هذا الجهاز، أو عدد القوات التي تعمل به، لكن كثيرا ما تنشر إعلانات توظيف في وحدة الشرطة المذكورة.

سمعة سيئة

وعام 2018 هزت الأوساط الإيرانية، حادثة اعتداء "شرطة الأخلاق" على فتاة بالضرب والشتم بسبب عدم تغطيتها شعرها بالكامل.

وحينها كتبت زعيمة المعارضة الإيرانية "مريم رجوي" علی حسابها الخاص في تويتر بتاريخ 22 أبريل/نيسان 2018: "الإهانة والاعتداء بالضرب والشتم بحق فتاة مريضة بحجة سوء ارتداء الحجاب، كشفت مرة أخری الوجه الكريه واللاإنساني لنظام الملالي".

لكن الشارع الإيراني وصل إلى مرحلة من التعايش مع الأمر الواقع، ولو حتى بابتكار بعض الطرق الحديثة عبر الاستفادة من التكنولوجيات البسيطة لتجنب المضايقة من "شرطة الأخلاق".

ففي عام 2016، أطلقت منظمة "متحدون من أجل إيران" تطبيقا إلكترونيا يحمل اسم "كرشاد" يساعد النساء على تجنب مواجهة دوريات الشرطة. ويتضمن خرائط أغلب المدن الإيرانية، ويمكن التطبيق مستخدمه من تفادي مواجهة دورياتها.

كما يعتمد التطبيق بشكل أساسي على معلومات بلاغات المواطنين لدى مرورهم أو رؤيتهم أيا من مركبات "شرطة الأخلاق" وستظهر مواقع انتشار دورياتها باللون الأصفر.

ووقتها وصفت المجموعة التي أطلقت التطبيق، بأنه "مقاومة عملية من أجل التصدي لظلم غير مبرر".

وجعلت الاحتجاجات على مقتل أميني، "الحجاب" رمزا لها، ولا سيما بعد ظهور نساء يتصدرن الاحتجاج وينزعنه ويحرقنه مرددات "المرأة، الحياة، الحرية".

لكن إعلان طهران حل "شرطة الأخلاق"، فسر على أنه ورقة رمتها طهران لتهدئة المتظاهرين، وامتصاص تأثير تلك الاحتجاجات على البلاد.

ولا سيما أنها أخذت منحى تصاعديا، وكبرت كرتها ووصلت إلى حد استهدف رموز نظام الملالي، وتمزيق صورهم وحرقها، والمطالبة برحيل النظام الحاكم.

وأسفر قمع التظاهرات عن اعتقال نحو 14 ألف شخص بحسب الأمم المتحدة، كما أبلغت السلطات الإيرانية عن مقتل أكثر من 300 شخص.

فيما أفادت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية (IHR) غير الحكومية ومقرها أوسلو، في الثاني من ديسمبر 2022، بمقتل ما لا يقل عن 448 شخصا على أيدي قوات الأمن الإيرانية.

محاولة للتهدئة

وأمام ذلك، بدا الحديث عن أن إلغاء "شرطة الأخلاق، بمثابة "خدعة" من النظام الإيراني، وليس تراجعا عن "فرض ديني" أقره النظام هناك.

ولعل هذا ما قض مضجع السلطة الحاكمة في إيران، ودعاها للتضحية بجهاز "شرطة الأخلاق" حتى لو اضطرت إلى إصدار قرار بعدم إلزامية التحجب الإجباري في الأماكن العامة.

وقد فرضت بريطانيا عقوبات على "شرطة الأخلاق" بالكامل ورئيسها محمد رستمي تشيشمة ورئيس إدارة شرطة الأخلاق بطهران حاج أحمد ميرزايي، في 10 أكتوبر 2022.

ورغم ذلك، قوبل إعلان إلغاء "شرطة الأخلاق" بتشكيك من إيرانيين على الشبكات الاجتماعية، وأعرب البعض عن خشيته من أن يوكل دورها إلى هيكل حكومي آخر، وفق ما نقل تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في 4 ديسمبر 2022.

وأدركت إيران مدى الاضطراب الحاصل في المجتمع الإيراني عقب مقتل مهسا، خاصة مع تنامي الضغوط الاجتماعية التي تمارس حتى داخل العائلات الإيرانية على الفتيات، خشية من خرق قواعد الحجاب الصارم، والتعرض للاعتداء من قبل "شرطة الأخلاق" التي تلطخت سمعتها إلى الأبد.

كما أن النظام الإيراني، شعر بالحرج، حينما بدأت تتنامى حالات خروج عدد متزايد من النساء الإيرانيات إلى الشوارع بدون حجاب في الأيام الأخيرة في تحدٍّ للشرطة التي تقمع الحريات الشخصية في البلاد.

وفي هذا الإطار، يرى علي ألفونه، وهو صحفي في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن بيان منتظري بشأن إغلاق شرطة الآداب قد يكون محاولة لتهدئة الاضطرابات الداخلية من دون تقديم تنازلات حقيقية للمحتجين.

وقال ألفونه لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في 5 ديسمبر 2022: "إن الطبقة الوسطى العلمانية تكره شرطة الأخلاق لتقييدها الحريات الشخصية".

من ناحية أخرى، فإن "الطبقة المحرومة والمحافظة اجتماعيا تستاء من كيفية عدم تطبيقها تشريع الحجاب" في المناطق الأكثر ثراء في المدن الإيرانية.

وعلى وقع احتجاجات إيران الحالية، انتشرت صورة لوزير الطرق وإنشاء المدن الإيراني الجنرال رستم قاسمي، مع زوجته غير المحجبة في ماليزيا.

وقاسمي تولى منصبه بقرار من خامنئي عام 2021، كونه شخصية "عميقة" تشرف على ملفات محلية وإقليمية.

مسألة حساسة

يعد الرئيس المحافظ الحالي إبراهيم رئيسي، من المتشددين في مسألة الحجاب، وقد دعا في يوليوتموز 2022، إلى حشد "جميع المؤسسات لتعزيز قانون الحجاب".

كما أكد أن "أعداء إيران والإسلام يريدون تقويض القيم الثقافية والدينية للمجتمع عبر نشر الفساد".

وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية في 4 ديسمبر 2022، أنه يمكن إرسال النساء اللواتي يعاقبن من قبل "شرطة الأخلاق" إلى "مراكز إعادة التأهيل، أو يتعرضن للضرب أو الجلد أو الاغتصاب أو حتى القتل".

وتسمى مراكز التأهيل المذكورة "مراكز التعليم والإرشاد" وفي بعض الأحيان "مراكز الشرطة"، إذ يطلب من النساء حضور دروس إلزامية حول الحجاب والقيم الإسلامية.

وبعد ذلك، يتعين عليهن الاتصال بأحد أقاربهن لإحضار "ملابس محتشمة" لتمهيد الطريق أمام إطلاق سراحهن.

وكان الحجاب مسألة مثيرة في إيران، إذ حظره الشاه رضا بهلوي الحاكم السابق لإيران عام 1936، أي قبل استلام آية الله الخميني السلطة عام 1979، والذي أصدر في مارس/آذار من العام المذكور مرسوما حول ضرورة التزام النساء بقواعد اللباس الإسلامي وارتداء الحجاب.

في عام 1980، فرض ارتداء الحجاب في المكاتب الحكومية والعامة، وفي عام 1983 فرض على جميع النساء بإيران بما يشمل غير المسلمات وغير الإيرانيات.

وبحسب استطلاع للرأي نشره البرلمان الإيراني عام 2018، فإنه لا يطبق بين 60 إلى 70 بالمئة من النساء الإيرانيات "قواعد اللباس الإسلامي بالشكل الصارم في الأماكن العامة".

وبالمحصلة فإن الأيام هي التي ستحكم إن كان إعلان إلغاء "شرطة الأخلاق" مجرد دعاية سياسية بهدف امتصاص الغضب والاحتجاجات المتواصلة في البلاد، أم أنه إحدى نتائج التظاهرات.

كما أن قضية الحجاب في إيران تبقى مسألة حساسة من قبل نظام الملالي، ويتواجه فيها معسكران، هما المحافظون الذين يصرون على بقاء قانون 1983، والتقدميون الذين يريدون منح المرأة الحق في اختيار ارتداء الحجاب من عدمه.