النفوذ الصيني المتصاعد في ليبيا.. كيف يغير موازين شمال إفريقيا؟

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

تسعى الصين لإعادة التموضع في ليبيا عبر دمج الاستثمارات الاقتصادية مع النفوذ الجيوسياسي والأمني ضمن مبادرة الحزام والطريق، وسط تراجع الاهتمام الأميركي في المنطقة.

وتعمل بكين جاهدة على تعزيز حضورها في شمال إفريقيا وإعادة تشكيل موازين القوى بالمنطقة وتبرز ليبيا من بين أهم الدول المستهدفة، وفق ما يرى مركز "تاسام" التركي للدراسات الإستراتيجية.

عودة الصين 

وشهدت السنوات الأخيرة تجدد اهتمام الصين بشمال إفريقيا، خاصة منذ عام 2024، وفق الكاتبة التركية "سيما كالايجي أوغلو".

 فقد أتاح تجاهل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة فرصا جديدة للصين للتوسع وتعزيز نفوذها، خصوصاً في ليبيا التي تحتاج إلى دعم اقتصادي وسياسي. 

ومنذ ربيع 2023 بدأت العلاقات بين الصين وليبيا تستعيد زخمها، مع إطلاق مشاريع اقتصادية وتوسيع نطاق الاتصالات السياسية والعسكرية.

وأردفت الكاتبة: تعتمد سياسة الصين تجاه ليبيا على مبدأ الحياد السياسي، وهو ما يمكنها من الحفاظ على علاقات متوازنة مع حكومتي طبرق وطرابلس في الوقت ذاته.

فعلى الرغم من صعوبة تحقيق مصالحة سريعة بين الطرفين، يمكن للصين أن تسهم في تخفيف التوتر من خلال استثمارات في الإسكان والبنية التحتية والتوظيف والصناعة. 

وستسهم الاستثمارات في نظام السكك الحديدية ضمن مشروع الحزام والطريق، ليس في تعزيز الروابط اللوجستية بين طبرق وطرابلس فحسب، بل وستتيح أيضاً تحقيق التكامل الإقليمي الذي طال انتظاره بين الجزائر والمغرب وتونس ومصر.

بهذه الطريقة ستتمكن الصين من الوصول إلى فرص سوقية جديدة، وفق تقدير الكاتبة التركية.

وفيما يخص منتدى التعاون الصيني الدولي للدول العربية، فقد شهدت السنة الأخيرة ظهور مبادرات ومشاريع ملموسة تحت مظلته. 

وتسعى الصين من خلال هذه المبادرات إلى استثمار النفوذ الليبي في القارة الإفريقية، مستندة إلى إرث تأثير ليبيا في الاتحاد الإفريقي خلال عهد رئيس النظام السابق معمر القذافي. 

وعلى الرغم من أن الأولوية تبدو اقتصادية، ترى الكاتبة أن النتائج السياسية المصاحبة لها لا يمكن تجاهلها.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ توجيه الصين لمشاريع التنمية بالتوازي مع حكومتي طبرق وطرابلس يعكس الاهتمام المشترك بمراحل إعادة هيكلة الجماعات السياسية المختلفة في ليبيا. 

ويتيح هذا النهج إمكانية الحد من تأثير أوروبا الغربية في المنطقة، لكنه في الوقت ذاته يحمل خطر نقل المنافسة بين الصين والولايات المتحدة إلى شمال إفريقيا عبر ليبيا.  وهكذا يبقى المستقبل السياسي للمنطقة غير واضح فيما يخص احتمال تدخل واشنطن مجدداً.

وأشارت الكاتبة إلى أن الصين لا تقتصر على استكشاف الفرص الاقتصادية في ليبيا فحسب، بل تسعى أيضا لتوظيف هذه الاستثمارات لتعزيز نفوذها الإقليمي، ما يجعل ليبيا نقطة محورية في إستراتيجيتها لشمال إفريقيا.

أبعاد اقتصادية وأمنية

وأردفت: تتحرك الصين في ليبيا ضمن إطار رؤية إستراتيجية طويلة الأمد، حيث إنّها بعيدة عن الاندفاع أو الخطوات غير المدروسة. فهي تطرح مشاريع متوازية موجهة لكل من الحكومة المركزية والسلطات المحلية، مع تنويع مدروس في مجالات الاستثمار لضمان تأثير شامل ومستدام.

وفي مقدمة هذه الاستثمارات المندرجة ضمن مبادرة الحزام والطريق، تأتي مشاريع تطوير البنية التحتية الأساسية؛ مثل الطرق والجسور والموانئ، إلى جانب مشروعات الطاقة المتجددة التي تستجيب لحاجة ليبيا إلى تنويع مصادر الطاقة. 

تشمل الخطط تجديد خطوط أنابيب النفط القديمة، وزيادة القدرة الإنتاجية للمصافي، وبناء موانئ جديدة لجعل ليبيا مركزاً لوجستياً محورياً بشمال إفريقيا.

أمّا في شرق البلاد، فقد أنشأ اللواء الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر صندوق ليبيا للتنمية وإعادة الإعمار، من أجل معالجة آثار الفيضانات المدمرة وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الاستثمارات الصينية. 

في هذا السياق، طرح ائتلاف تجاري صيني حزمة من المشاريع أبرزها؛ إنشاء محطات للطاقة الشمسية ومحطات معالجة المياه، بالإضافة إلى خط سكة حديد يربط مدينة بنغازي ببلدة مساعد على الحدود المصرية، بحيث يتم ربط شرق ليبيا مباشرةً بشبكات النقل الإقليمية.

ومن بين المشاريع الضخمة التي تعكس ثقل الحضور الصيني يبرز مشروع مترو بنغازي، الذي يقدّر تمويله بين 24 و30 مليار يورو.

وهذا المشروع تنفذه الصين بالشراكة مع مجموعة الصين للسكك الحديدية الدولية إلى جانب شركتي سيمنس الألمانية وأروب البريطانية للهندسة. 

ويعد المشروع نموذجاً مبكراً للتعاون الصيني-الأوروبي بشمال إفريقيا، بما يعكس رغبة بكين في تحويل ليبيا إلى ساحة تعاون اقتصادي متعدد الأطراف. 

كما طُرحت مشروعات سكنية وتجارية في مدينتي درنة وبنغازي، في خطوة تهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتحسين ظروف المعيشة.

وعلقت الكاتبة أن أهمية ليبيا بالنسبة للصين لا تقتصر على بعدها الاقتصادي، إذ تحمل أيضاً بعداً جيوسياسياً بالغ الأهمية.

وتعد ليبيا موقعاً إستراتيجياً قد يشكّل بديلًا للممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي الذي أُعلن عنه سنة 2023، وهو ما يعزز من قيمتها بالنسبة لمشاريع الربط الإقليمي التي تقودها بكين. 

لهذا السبب، أدرجت الصين كلا من الجزائر وتونس ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق لتوسيع شبكتها الإقليمية.

أما تركيا، فإن استبعادها من مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي قد يجعل دعمها للتوجه الصيني في شمال إفريقيا خياراً منطقياً من زاوية سياسية واقتصادية، لكن محدودية وجودها العسكري في ليبيا يضعف إمكانية تحقق هذا السيناريو في المستقبل القريب.

وبهذا، تبدو ليبيا بالنسبة للصين أكثر من مجرد ساحة استثمارية، فهي مركز محتمل لتوسيع النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي في شمال إفريقيا، ومنصة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية في ظل المنافسة العالمية المتصاعدة

وتابعت: لا يقتصر انفتاح الصين على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يبرز البعد الأمني بشكل متزايد، إذ طورت بكين تعاوناً عسكرياً وأمنياً مع أكثر من 100 دولة في إطار مبادرة الأمن العالمي، بما في ذلك تدريبات عسكرية مع مصر والجزائر والسودان. 

وعلى الرغم من عدم وجود خطط واضحة لبيع الأسلحة مباشرة، فإن هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده على المدى الطويل. 

وفي حال تجسدت الشراكة العسكرية بين الصين وليبيا، فإن تأثيرها قد يتجاوز حدود البلاد، ليعيد تشكيل التوازنات الإستراتيجية في شمال إفريقيا.

بهذا، تسعى الصين إلى دمج الأبعاد الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية في ليبيا، لتأمين نفوذ متوازن ومستدام في قلب شمال إفريقيا، مع فتح أبواب جديدة للفرص التجارية والاستثمارية، وفق الكاتبة.