في ظل اضطهاد المسلمين.. لماذا فتحت الإمارات ذراعيها لرئيس الوزراء الهندي؟
أثارت زيارة أجراها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في 28 يونيو/ حزيران 2022 إلى الإمارات، جدلا واسعا، لتوقيتها المتزامن مع مرحلة تعج فيها الأزمات بين الهند والعالم الإسلامي بصفة عامة.
وتعد زيارة مودي إلى الإمارات، الأولى التي يجريها إلى دولة عربية وإسلامية، منذ إدلاء مسؤولين بحزبه "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، مطلع يونيو 2022، بتصريحات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما أثار موجة من الإدانات في الداخل الهندي والعالم العربي والإسلامي.
ومع تصاعد حملات حزب "بهاراتيا جاناتا" المتطرف ضد المسلمين، تزايدت الدعوات الجماهيرية بمقاطعة الهند اقتصاديا ودبلوماسيا، ما دفع حكومة مودي إلى البحث عن حل لتجاوز هذه المخاطر.
وهو ما وجدته على الأغلب في أبوظبي التي أصبحت ملاذا للأزمات الهندية مع المسلمين في السنوات الأخيرة، وبات سؤالا يتردد بكثرة، لماذا يقدم رئيس الإمارات محمد بن زايد هذا الدعم لمودي؟
ملفت للنظر
تخللت زيارة مودي المثيرة إلى أبوظبي مجموعة من الملاحظات، أولها طريقة الاستقبال الحافلة التي تلقاها من رئيس الدولة محمد بن زايد.
وقال مودي في تغريدة على "تويتر" أرفقت بصورة ابن زايد وهو عند سلم الطائرة في المطار: "تأثرت بلفتة خاصة من أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقدومه للترحيب بي في مطار أبوظبي. أنا ممتن له".
تأثرت بلفتة خاصة من أخي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقدومه للترحيب بي في طيران الرئاسة بأبوظبي. امتناني له. @MohamedBinZayed pic.twitter.com/NES1a0eE3S
— Narendra Modi (@narendramodi) June 28, 2022
ووفق وكالة الأنباء الإماراتية، بحث الجانبان، خلال الزيارة، سبل تعزيز الشراكة الإستراتيجية والاقتصادية الشاملة بين البلدين.
وهنأ رئيس الوزراء الهندي، محمد بن زايد، بمناسبة توليه رئاسة دولة الإمارات، معربا عن تطلعه إلى مزيد من العمل خلال الفترة المقبلة لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام في مختلف المجالات.
من جانبه، شكر ابن زايد، مودي "لما عبر عنه من مشاعر طيبة تجاه الإمارات وشعبها وتمنى لبلده الصديق دوام التقدم والازدهار"، منوها بـ"العلاقات الإستراتيجية التي تربط الإمارات والهند والحرص المشترك على تطويرها إلى آفاق أوسع".
كما ثمن خلال اللقاء، "إسهامات الجالية الهندية في مسيرة التنمية والبناء والتطور منذ تأسيس دولة الإمارات، إضافة إلى دورها في تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدين وشعبيهما الصديقين".
من جانبه، سعى وزير الخارجية الهندي "ويناي موهن كواترا" إلى تهدئة الغضب المتصاعد في العالم الإسلامي، بالقول إن "قادة الإمارات لن يناقشوا هذا الأمر مع رئيس الوزراء الهندي"، وفق تصريحات نقلها موقع "أمة12" المحلي.
وأوضح وزير الخارجية أن "جميع الدول الخليجية اقتنعت أن مثل هذه الإساءة لن تتكرر في أيام قادمة، ولن يتم دفع هذه القضية إلى الأمام في الاجتماعات الثنائية.
وأضاف أن "رد فعل الإمارات ضد التصريحات بشأن النبي محمد كان مدروسا مثلما فعلت السعودية حيث إنهما لم تستدعيا سفير الهند للتعبير عن المخاوف كما فعلت قطر والكويت وإيران".
يذكر أنه تتم زيارات رفيعة المستوى بين الهند والإمارات بشكل روتيني ودائم، لأن رئيس الوزراء ناريندرا مودي يعد رئيس الإمارات محمد بن زايد، صديقا مقربا له.
ومن المنتظر أن يسافر مودي قريبا مرة أخرى من العام الجاري إلى الإمارات لزيارة جناح الهند في معرض دبي، الذي سيعقد في 13 سبتمبر/ أيلول 2022.
اعتراضات كبيرة
شعبيا، أشعلت الزيارة غضب الشارع الخليجي، وأثارت انتقادات واسعة في العالم الإسلامي، وهاجم نشطاء ومغردون استقبال مودي الحافل في الإمارات.
وعدوا أنها خطوة مستفزة وتثير العديد من التساؤلات تجاه موقف الإمارات من الإساءة للنبي محمد، وتصدر هاشتاغ (نرفض زيارة مودي) الترند في الإمارات والخليج.
وغرد الناشط "ريان العميري" بالقول: "الترحيب بمودي واستقباله بحفاوة كبيرة يؤذي إخواننا المسلمين في الهند الذين يدفعون ثمنا غاليا في الدفاع عن رسول الله".
الترحيب بمودي واستقباله بحفاوة كبيرة تؤذي إخواننا المسلمين في الهند الذين يدفعون ثمناً غالياً في الدفاع عن رسول الله #نرفض_زيارة_مودي
— ريان العميري (@ryan_m202) June 29, 2022
ودون الكاتب محمد مصطفى العمراني، "بعد قيام رئيس وزراء الهند مودي بالتضييق على المسلمين وهدم مساجدهم ومنازلهم والإساءة للرسول ﷺ، ها هي الإمارات تستقبله اليوم، لتعزيز الشراكة الإستراتيجية والاقتصادية الشاملة بين البلدين كمكافأة لمودي على حربه على المسلمين، وهكذا هي الإمارات حيثما وجدت الحرب على المسلمين تجدها حاضرة!".
بعد قيام رئيس وزراء الهند مودي بالتضييق على المسلمين وهدم مساجدهم ومنازلهم والإساءة للرسول ﷺ هاهي الإمارات تستقبله اليوم لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية الشاملة بين البلدين كمكافأة لمودي على حربه على المسلمين وهكذا هي الإمارات حيثما وجدت الحرب على المسلمين تجدها حاضرة !! pic.twitter.com/ZlKPzd3ORn
— محمد مصطفى العمراني (@Moh222alamrni) June 29, 2022
ونشر الناشط الخليجي، فيصل العتيبي، صورة لاستقبال مودي من قبل محمد بن زايد، وعلق عليها قائلا: "بما أن مودي رفض الاعتذار عن الإساءة للنبي محمد عليه السلام، فإن أقل الواجب هو عدم استقباله فهذا الاستقبال لا يليق بالشعوب المسلمة".
بما أن مودي رفض الاعتذار عن الإساءة للنبي محمد عليه السلام فإن أقل الواجب هو عدم استقباله فهذا الاستقبال لا يليق بالشعوب المسلمة#نرفض_زيارة_مودي pic.twitter.com/syOTdYcOuB
— فيصل العتيبي (@atiby31) June 29, 2022
نرفضها رفضاً قاطعاً ،، حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.#نرفض_زياره_مودي pic.twitter.com/RZczMohpIo
— سارة القحطاني (@sartalq03035880) June 29, 2022
وفي 14 يونيو/ حزيران نددت منظمة العفو الدولية (أمنستي) بقمع السلطات الهندية الانتقائي والقاسي للمحتجين المسلمين على التصريحات المسيئة لمقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
وانتقدت كذلك التصريحات التي أدلى بها مسؤولون من حزب الشعب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم.
ودعت المنظمة إلى إطلاق سراح غير مشروط وفوري للمسلمين الذين احتجزوا تعسفيا لمجرد ممارستهم حقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي.
علاقات قوية
ويبدو أن أبوظبي قررت تخطي كل الاعتبارات في علاقتها بنيودلهي، وذلك انتصارا للعلاقات التجارية والدبلوماسية القوية.
وهو ما ظهر عندما أسست الإمارات أول معبد هندوسي في الخليج العربي عام 2019، وسط مراسم حافلة بالعاصمة أبوظبي حضرها وزراء ومسؤولون هنود.
على رأسهم رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وفي حضور محمد بن زايد، الذي كان وليا للعهد آنذاك.
ويشكل الهنود 35 بالمئة من سكان الإمارات البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، وهي أكبر جالية للمغتربين الهنود في العالم.
وتصل قيمة التجارة بين الهند والإمارات إلى 5 مليارات دولار، مما جعل الدولة الخليجية الغنية بالنفط ثالث أكبر شريك تجاري للهند في عام 2020، بعد الولايات المتحدة والصين.
وتعد الإمارات هي ثالث أكبر وجهة تصدير للهند، حيث سجلت صادراتها ما يقرب من 16 مليار دولار بين عامي 2020-2021.
وتتجلى أبرز الصادرات الهندية للإمارات في المنتجات البترولية والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة والمجوهرات والمعادن والأغذية والمنسوجات.
وتعد الإمارات والهند أيضا جزءا من مجموعة رباعية غرب آسيا (West Asian Quad) التي تضم أيضا الولايات المتحدة وإسرائيل.
مأوى المتطرفين
لم يقف الأمر بين الإمارات والهند على العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري فقط، بل هناك عمق أفدح بين حكومة أبوظبي والحزب الهندوسي الحاكم هناك.
ففي تطور تسبب في صدمة عارمة، كشف موقع "كوستال دايجست" الباكستاني، في تقرير صدر يوم 20 مايو/ أيار 2022، أن منظمة (آر إس إس) المتطرفة تدرس تعزيز وجودها في الإمارات ودول الخليج الأخرى".
وأضاف أن "المستجدات الأخيرة تشير إلى أن المنظمة التي تؤمن بعقيدة الهندوتفا التي تروج لتفوق الهندوس على المسلمين تعزز من حضورها داخل الإمارات، التي يوجد فيها عدد كبير من المتعاطفين مع أفكار المنظمة بين الجالية الهندية".
وأوضح: أن "موهان بهاغوات، رئيس منظمة آر إس إس، عقد سلسلة من الاجتماعات مع رجال أعمال بارزين من الجالية الهندية في الإمارات، من أجل الحصول على دعمهم وتعاونهم في توسيع المنظمة وتعزيز أنشطتها في دول الخليج".
وأورد أنه بالفعل "شارك عشرات من رجال الأعمال البارزين من الهنود بمن فيهم (الدكتور بي آر شيتي) المدير العام لمجموعة شركات (إين إيم سي) ومقرها الإمارات، في اجتماع تم عقده على هامش حفل داعم للهندوتفا بالقرب من مدينة كوتشي في ولاية كيرالا الهندية".
وشدد على أن "الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى أبوظبي في 2018 قد شجعت وحفزت همم المتعاطفين مع المنظمة الهندوسية المتطرفة الموجودين في دول الشرق الأوسط".
ويتبارى حكام الإمارات والسعودية في التقارب مع حزب "بهاراتيا جاناتا" بقيادة ناريندرا مودي، الذي يدعم ويزكي الهندوتفا ومنظمة آر إس إس ضد المسلمين.
وفي قراءته للمشهد، قال عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد كارم، إن "الحكومة الإماراتية لا تدعم أعداء الإسلام في العالم فقط، والذين يقومون باضطهاد المسلمين في مختلف الأقطار مثل الهند والصين، بل هي نفسها ضلع أساسي في محاربة الإسلام ليس على الصعيد القطري، بل عالميا".
وأضاف لـ"الاستقلال": "الإمارات تدعم اليمين المتطرف في أوروبا، وتحرض على إذكاء روح العنصرية والغضب ضد المسلمين هناك، وتحاول وقف نشاط الجاليات الإسلامية، كما حدث في ألمانيا والنمسا".
واستطرد: "في ظل غضب العالم الإسلامي، والموجة المتصاعدة ضد الحكومة الهندية، جراء الجرائم وإهانة المقدسات، التي بلغت أوجها بالإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خشي رئيس وزراء الهند من حملات المقاطعة، ودعوات طرد الهندوس من بلاد الخليج".
ومضى كارم يقول: "ومع ذلك لم يتوجه إلى السعودية أو قطر أو مصر، بل ذهب إلى الإمارات، لأنه يعلم دورها السلبي، وأثرها الذي من الممكن أن يخمد ثورة الغضب، ويمتص الحالة القائمة".
وأردف: "إنهم يتبعون نظرية (صاحب الشجرة الوحيد القادر على قطعها)، وبالتالي فإن الإمارات ممثلة في رئيسها محمد بن زايد، الوحيدة القادرة على صد الموجة ضد الهند، والسعي إلى غض طرف المسلمين عن المذابح ضد إخوانهم على يد الهندوس المتطرفين".