ورقة مساومة.. ما سر إثارة إيران مجددا لمناقشات اتفاقية الشراكة مع الصين؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "إندبندنت" البريطانية الضوء على تجدد المناقشات في إيران بشأن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الصين، في ظل سرية بنودها وعدم المصادقة عليها من قبل البرلمان.

وأوضحت النسخة الفارسية من الصحيفة، في مقال للكاتب الإيراني محمد السلمى، أن التوترات هذه المرة لها علاقة بمفاوضات الملف النووي الإيراني الجارية في العاصمة النمساوية فيينا مع القوى الكبرى باستثناء الولايات المتحدة.

وفي 15 يناير/ كانون الثاني 2022، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش زيارة أجراها إلى الصين بدء تنفيذ اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الموقعة بين البلدين في 27 مارس/ آذار 2021.

وتدخل إيران رسميا، وفق الاتفاقية التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي خطة بنية تحتية تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات، وتهدف بكين من خلالها إلى بناء شبكة واسعة من المشروعات من شرق آسيا إلى أوروبا، حسب بيانات وصفتها الصحيفة بـ"المسربة".

ومنذ الإعلان عنها تثير الاتفاقية جدلا واسعا في إيران، حيث يخشى كثيرون من أنها سترهن موانئ البلاد الإستراتيجية وبنيتها التحتية للنفوذ الصيني لمدة 25 عاما.

مناقشات حادة

وذكرت الصحيفة أن الاتفاقية تسببت مرة أخرى هذه الأيام في اضطرابات ومناقشات حادة بين المؤيدين والمعارضين لها، رغم مرور ستة أعوام على طرح هذه المعاهدة.

وهناك احتمال أن المفاوضات النووية الحالية بين إيران ومجموعة دول 4+1 إحدى العوامل الرئيسة لزيادة التوترات والانتقادات الداخلية حول هذه الاتفاقية.

وطرحت الاتفاقية لأول مرة في عام 2016 أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إيران، كرد فعل على إبرام الاتفاق النووي عام 2015، كما كانت بمثابة فتح لأبواب إيران من أجل الاستثمارات الأجنبية.

وبشكل عملي لم تكن إيران آنذاك في حاجة إلى قبول الاتفاقية.

غير أنه مع آثار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في فترة رئاسة دونالد ترامب، جرى طرح هذه الاتفاقية من جديد في أواخر 2020.

وفي مارس/ آذار 2021، وقع البلدان الاتفاقية؛ على الرغم من أنهما لم تنشرا النص الكامل لمحتواها، إلا أنه تسربت بعض شروطها إلى وسائل الإعلام.

ومع كل هذا لم يُنفَّذ هذا الاتفاق حتى اليوم؛ لأن مجلس الشورى الإسلامي لم يوافق عليه، ولم يبت فيه حتى الآن.

وردا على إعلان وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان، ونظيره الصيني وانغ يي، دخول الاتفاقية حيز التنفيذ. نشر رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بيانا يؤكد فيه أنها لم تُنفَّذ، حيث لم يتم التصديق عليها من قبل البرلمان.

وفي الوقت نفسه، صرح البرلماني عباس كلرو، لوكالة أنباء تسنيم الإيرانية أن الاتفاقية عبارة عن مذكرة تفاهم وإطار للتحالف المشترك، وحتى وقتنا الراهن لم يتم انعقاد أي معاهدة أو اتفاق ملزم بين البلدين.

وهذا التصريح مجرد تكرار لتصريحات قاليباف في جلسة علنية للبرلمان في أبريل/ نيسان 2021 حيث وصف الاتفاق مع الصين باعتباره خارطة طريق، بمعنى أنه غير ملزم للطرفين، وقال إنه تم الاتفاق على مثل هذا الأمر في الوقت الحالي.

أهداف الاتفاقية

ولفتت الصحيفة إلى أن 18 صفحة من هذه الاتفاقية تسربت ربما بشكل متعمد لوسائل الإعلام، حيث تكشف عن تعاون طويل الأمد بين البلدين في المجالات الاقتصادية، والأمنية، والعسكرية بقيمة 400 مليار دولار.

ولم تؤكد الصين صحة التسريبات وكذلك لم تنكرها. وعندما سألت مجلة الدبلوماسي الدولية المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جائو ليجيان فيما يخص أجزاء الاتفاقية.

أجاب قائلا إن هذه الاتفاقية بمثابة خطة لتأمين المصالح الناشئة عن التعاون الحضاري والاقتصادي المحتمل بين البلدين، وكذلك ترسم طريقا للتحالف طويل الأمد؛ مؤكدا أنها لن تشمل عقودا أو أهدافا خاصة.

وإذا اتخذت الصين وإيران خطوات جادة نحو تنفيذ محتوى الاتفاقية، فمن الممكن أن تتمتعان بمصالح إستراتيجية، وسياسية، واقتصادية جديرة بالاهتمام.

لكن من ناحية أخرى في الوقت الحالي تدرك إيران التحديات والمخاطر الجادة الناشئة عن هذه الاتفاقية.

فعلى سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى هذا القلق المبرر الذي لا يضع مصالح إيران في الأولوية؛ وإذا أردنا عدم الإشارة إلى سلطة القوة الخارجية على مصادر الدولة الحساسة أو إمكانية سقوط إيران في فخ الديون للصين.

والاعتراضات الأساسية في إيران ضد تنفيذ هذه المعاهدة تحدث بأخذ السلطة الاقتصادية الحالية ومواجهة صعود الصين في العديد من الاقتصادات الناشئة عن طريق التجارة والاستثمار السري في عين الاعتبار.

علاوة على ذلك، يبدو أن 400 مليار دولار استثمار كبير للغاية، لكن طول مدة هذه الاتفاقية سيتسبب في قلة قيمة هذا الرقم.

وباحتمال كبير قيمة هذه الاتفاقية بعد عشر سنوات سيكون أقل من قيمتها الحالية بسبب التضخم الشديد الذي يصارعه العالم في وقتنا الحالي، فكيف سيكون الحال بعد 25 عاما؟!

الاتفاق النووي

وأكدت الصحيفة أن المناقشات حول هذه الاتفاقية على أشدها في الوقت الراهن.

لأنه وقت طرحها كانت إيران مشغولة في مفاوضاتها مع أميركا والدول الأوروبية، للوصول إلى اتفاق جديد يقلل ضغط العقوبات الاقتصادية التي جعلت وضع الشعب الإيراني مثيرا للشفقة خلال السنوات الثلاث السابقة.

وطهران كذلك بحاجة إلى بكين لكي تحدث توازنا من خلال دعم مواقف النظام الإيراني في المفاوضات النووية بين مجموعة 4+1.

ومن هذا المنطلق، فمن وجهة نظر إيران إقامة علاقات جيدة مع الصين لن يسبب مشكلة لها في تقدم سياستها الأحادية القطبية فيما يتعلق بمواجهة النفوذ العالمي للولايات المتحدة.

وكذلك استقرار قدرتها لدعم نظام عالمي متعدد الأقطاب، في حالة إمكانية الحصول على امتيازات مع الغرب أو حتى العمل على تسريع رفع العقوبات الاقتصادية.

في المجمل، هذه الاتفاقية بمثابة أداة لمواجهة الضغوط من قبل أطراف مختلفة.

ومن ناحية أخرى، هناك عوامل تزيد من احتمالية تنفيذ هذه الاتفاقية، بصورة انتقائية كلما أمكن، ومن بينها زيادة التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية بين إيران والصين.

وتعد الصين في الوقت الحالي أكبر شريك تجاري لإيران.

 وفي الوقت نفسه، الحكومة الحالية في طهران تميل إلى إنهاء ضغوط الغرب التدريجية عليها، وفي حالة القبول فبسبب الملاحظات الداخلية، والدولية، والجيوسياسية لن تريد التعاون الخاص الزائد عن الحد.

وعلى الرغم من تقلص وجود الولايات المتحدة في المنطقة، لكنها دولة ذات نفوذ، وتتعارض سياساتها ومعاهداتها في الأمور كافة مع الأهداف والإجراءات التي تتخذها الصين.

وأميركا بلا شك تحاول الحيلولة دون البرنامج النووي الإيراني، وتسعى من أجل الحفاظ على أمن واستقرار حلفائها في المنطقة حيث تستقر إسرائيل في مقدمتهم.

وفي الوقت نفسه بالاتفاق الذي ستبرمه مع طهران ستعمل على تحديد علاقات إيران الجيدة مع الصين.