"الاصطفاف مع المنتصر".. مجلة أميركية: ترامب قد يدعم طغاة إفريقيا في الحكم
ترامب قد يعترف باستقلال أرض الصومال الانفصالية
يتفق كثير من المحللين على عدم اهتمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بإفريقيا، وهو أمر يثير المخاوف ويستدعي القلق لدى قادة القارة السمراء.
ففي حين يقيّم المعلقون تداعيات فوز ترامب، على الولايات المتحدة والعالم، تساءل البعض عما تعنيه عودته إلى البيت الأبيض بالنسبة للقارة الإفريقية.
وأوضحت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية أن "الولايات المتحدة تميل إلى النظر للقارة الإفريقية من خلال عدسة مكافحة الإرهاب".
وفي مقال للأستاذ المساعد في الدراسات الإفريقية بجامعة جورجتاون الأميركية، أليكس ثورستون، رجحت المجلة "ألا يتغير ذلك بحلول 21 يناير/كانون الثاني 2025"، عندما يدخل دونالد ترامب، البيت الأبيض.
إهمال مستمر
ويرى الكاتب أنه "من الضروري وضع ملاحظة أولية، فمن بين جميع مناطق العالم، قد لا يفكر ترامب وفريقه كثيرا في إفريقيا".
على سبيل المثال، عندما قيّم المفكر السياسي الأميركي ستيفن والت أخيرا "التداعيات العشرة للسياسة الخارجية في انتخابات عام 2024"، لم يذكر إفريقيا.
وذلك لأن الشرق الأوسط وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والصين، من بين قضايا أخرى، يرجح أن تستهلك قدرا أكبر كثيرا من اهتمام ترامب مقارنة بالقارة الإفريقية.
وقال الكاتب أليكس ثورستون: "إذا تجاهل ترامب إفريقيا، فسيكون ذلك متوافقا مع الإهمال الحزبي للقارة منذ عهد (الرئيس الأسبق) باراك أوباما وحتى الآن".
وبالفعل، عقد كل من أوباما والرئيس جو بايدن "قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا"، في عامي 2014 و2022 على التوالي.
لكن على مدار إدارات أوباما وترامب وبايدن، كانت إفريقيا تُعامل في الغالب كمسرح لمكافحة الإرهاب، والتجارة، والنفوذ العالمي، بدلا من أن تعد ذات أهمية جوهرية بالنسبة لواشنطن.
وهنا يستدل على ما قالته الصحفية في شبكة "بي بي سي"، ويلايلي شيبيلوشي، بأن القطاعات الرئيسة التي تركز عليها الولايات المتحدة في التعامل مع القارة هي "التجارة، والمساعدات، والأمن".
وتابع ثورستون: “سيغادر بايدن و(نائبته) هاريس منصبيهما دون أن يحققا تقدما ملحوظا في سياستهما تجاه إفريقيا”.
إذ "ستقتصر حصيلتهما على القمة فقط، إلى جانب سلسلة من الزيارات تفتقر إلى العمق، بما في ذلك الزيارة المرتقبة لبايدن إلى أنغولا".
وكان من المفترض أن تكون رحلة بايدن المخطط لها إلى أنغولا في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024 تاريخية بصفتها أول زيارة يجريها إلى إفريقيا خلال ولايته الرئاسية، لكنها تأجلت إلى موعد غير محدد بسبب إعصار ميلتون الأخير في فلوريدا، حسب ما قال البيت الأبيض.
وأشار الكاتب إلى أنه "مع تولي ترامب منصبه، ستكون هناك فرصة للتواصل الدبلوماسي وإعادة ضبط العلاقات مع إفريقيا".
"لكن حتى الآن، لا تشمل اختيارات ترامب للمناصب العليا في السياسة الخارجية أي شخص لديه اهتمام واضح بالشؤون الإفريقية، وقد أثار فوزه ردود فعل متباينة في القارة أكثر مما قد يتوقعه أحد".
إعجاب بترامب
وأوضح أنه على الرغم من تصريحه سيئ السمعة حول "الدول القذرة" وأحاديثه العنصرية والمعادية للإسلام، فإن العديد من الأفارقة العاديين معجبون بصراحة ترامب ومسيرته الريادية، المحافظة اجتماعيا.
وسارع العديد من القادة الأفارقة إلى تهنئة المرشح العائد إلى البيت الأبيض؛ ومع ذلك، من المرجح أن ترامب لا يدرك هذه الفرص المتاحة للتفاعل، أو أنه لا يكترث بها، مما يجعلها تمر دون أن تثير انتباهه.
وقال الكاتب: "إذا كان القول بأن "السياسات مرآة للأشخاص" صحيح، فإن فترة ترامب الرئاسية الأولى لم تشهد تعيينات صادمة أو غير متوقعة في المناصب المتعلقة بإفريقيا.
وعلى الأرجح، لن تختلف فترته الثانية في هذا الشأن؛ حيث يتوقع أن يجذب الملف الإيراني الأيديولوجيين والمتشددين الحقيقيين أكثر من غيره، بحسب الأكاديمي الأميركي.
وبيّن أنه "خلال ولايته الأولى، عيّن ترامب الدبلوماسي المخضرم، تيبور ناجي، مساعدا لوزير الخارجية للشؤون الإفريقية، والباحث في مراكز الفكر، جيه بيتر فام، مبعوثا خاصا لمنطقة الساحل، بالإضافة إلى الدبلوماسي المخضرم، دونالد بوث، مبعوثا خاصا للسودان.
وأضاف أن “الوضع في منطقة الساحل والسودان كان أسوأ عندما انتهت ولاية ترامب مقارنة ببدايتها”.
فلم تسفر المذبحة التي وقعت في السودان يونيو/حزيران 2019 عن عواقب على مرتكبيها، وشهدت مالي انقلابا في عام 2020.
ففي السودان في 3 يونيو 2019، فض مسلحون يرتدون زيا عسكريا، اعتصاما مطالبا بتسليم السلطة للمدنيين أمام مقر القيادة العامة للجيش، ما أسفر عن مقتل 66 شخصا، بحسب وزارة الصحة، فيما قدرت "قوى إعلان الحرية والتغيير" (قائدة الحراك الشعبي آنذاك) العدد بـ 128 شخصا.
ويتابع الكاتب: "من اللافت أن الأوضاع في الساحل والسودان عام 2024 تبدو أكثر تأزما مما كانت عليه عند تولي بايدن السلطة، ما يعكس إخفاق كلتا الإدارتين في تحقيق تقدم يُذكر بهذا الملف".
ويعتقد أن "تجاهل ترامب لقضايا القارة الإفريقية يؤدي إلى استمرار حالة الجمود في صنع السياسات المتعلقة بها، مما يعني عمليا أن القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم) ستظل الوجه الأبرز لسياسة واشنطن في القارة".
وقال: "على الرغم من ميل ترامب للتعامل مع المستبدين أكثر من بايدن، فإن المثير للانتباه هو أن الجنرال مايكل لانغلي، قائد أفريكوم خلال إدارة بايدن، بدا وكأنه يتعامل بحماس مع قادة مستبدين أو طامحين للسلطة المطلقة في إفريقيا، مثل (اللواء الانقلابي) خليفة حفتر في ليبيا".
علاوة على ذلك، يرى أن "ترامب قد يُظهر وجها ودودا تجاه روسيا، مما قد يخلق بيئة أكثر تساهلا معها، على الرغم من أن خطاب إدارة بايدن الصارم المناهض لموسكو لم يسفر عن نجاح حقيقي كبير في صد نفوذها، خاصة عبر منطقة الساحل".
أرض الصومال
"ورغم ذلك، من الممكن أن تشهد منطقة القرن الإفريقي تحولات سياسية كبيرة؛ حيث قد يقرر فريق ترامب الاعتراف بأرض الصومال، الإقليم الذي يسعى للاستقلال عن مقديشو منذ 1991، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في الديناميكيات الإقليمية"، وفق الكاتب.
وتتصرف "أرض الصومال" التي لا تتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانها الانفصال عن الصومال عام 1991، بصفتها كيانا مستقلا إداريا وسياسيا وأمنيا، مع عجز الحكومة المركزية عن بسط سيطرتها على الإقليم، أو تمكن قيادته من انتزاع الاستقلال.
وبالنسبة للصومال، قد يعود الوضع إلى سابق عهده من الانكفاء، حيث ألغى بايدن قرار ترامب في آخر أيام ولايته، كان ينص على سحب بعض القوات الأميركية من هناك.
ويعتقد أنه "من الممكن أيضا أن يسعى ترامب في السودان إلى "الاصطفاف مع المنتصر" من الفصيلين المتحاربين، القوات المسلحة السودانية أو مليشيات الدعم السريع.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي انشغال البيت الأبيض بقضايا أخرى إلى أن يكون النظر في السياسة بالقرن الإفريقي ومناطق أخرى من القارة، من خلال عدسة السياسة المالية الداخلية لترامب، ومن الناحية السياسية، عبر التركيز على الخليج وإسرائيل، حسبما يرى ثورستون.
وتابع: "فيما يتعلق بأرض الصومال، قد يسعى ترامب لتجنب استفزاز مصر -المتحالفة مع الصومال ضد إثيوبيا- والتي قد يكون رئيس نظامها عبد الفتاح السيسي سعيدا بعودة" الرئيس الأميركي السابق.
وأوضح أنه فيما يتعلق بالسودان، قد يتبنى ترامب سياسة التريث، متحاشيا التورط المباشر، معتمدا على دور الإمارات، التي تدعم "الدعم السريع"، كما أنه ببساطة قد يترك التطورات تتوالى في السودان بينما يركز على مكان آخر.
وباختصار، يحمل فوز ترامب تداعيات مثيرة للقلق بالنسبة لإفريقيا، وبشكل خاص بالنسبة للأفارقة العاديين.
فقد يتضمن هذا تقليص البرامج الرئيسة المتعلقة بالمساعدات والصحة العامة، مثل "خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز" و"مبادرة الرئيس لمكافحة الملاريا"، اللتين أطلقهما الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
وأشار الكاتب أيضا إلى أن ترامب قد يُمكّن الطغاة بشكل أكبر مما فعل بايدن، ويُترَك المجال لركود سياسي، يجعل من "أفريكوم"، الجهة التي تتخذ القرارات اليومية.
وقد يجد بعض القادة الأفارقة في سياسة ترامب الموجهة نحو الصفقات فرصةً تعزز مصالحهم، حيث يعبر عن اهتمام خاص بقضايا حيوية مثل الوصول إلى المعادن الأساسية.
ورغم أن إستراتيجيته السابقة في التعامل مع المعادن لم تشمل إفريقيا بشكل واضح، فإن هذا الموضوع قد يستمر في جذب اهتمامه كجزء من أولوياته الاقتصادية.
وختم الكاتب بالقول: "بشكل عام، بحلول نهاية العقد، قد يتقلص نفوذ الولايات المتحدة في إفريقيا، إلى مستوى أدنى مما هو عليه اليوم".