الذكاء الاصطناعي.. دول الخليج تتحول إلى ساحة تنافس بين أميركا والصين

وظّفت الإمارات ثروتها الهائلة على مدار سنوات لترسيخ ريادتها في مجال التكنولوجيا
في لقاء لم يحظَ باهتمام كبير ربما لغيابه عن الجدول العلني لساكن البيت الأبيض، استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 18 مارس/آذار 2025، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، على مأدبة عشاء في البيت الأبيض.
وكتب ترامب على منصة "تروث سوشيال" عقب الاجتماع: "عكَسَت الأمسية عمق العلاقات والروابط التاريخية بين بلدينا، فلطالما كانت الإمارات والولايات المتحدة شريكين في جهود إحلال السلام وتعزيز الأمن في الشرق الأوسط والعالم".
وفي تعليقها على هذا اللقاء، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إن "التقنية هي بوابة الإمارات إلى قلب ترامب"، مشيرة إلى أن "الخليج يخاطب الرئيس الأميركي بلغة التكنولوجيا".
وأفاد ترامب في منشوره بأن "المناقشات تناولت سُبل تعزيز شراكتنا لدفع مستقبلنا الاقتصادي والتكنولوجي قُدُما".

لغة التكنولوجيا
وقالت المجلة: إن "طحنون، شقيق رئيس أبوظبي وحاكمها، مسؤول بالغ النفوذ في الإمارات، يتدخل في كل شيء، من الأمن القومي إلى الشؤون المالية والاقتصادية وصولا إلى التكنولوجيا".
واحتل الذكاء الاصطناعي مكانة بارزة على أجندة طحنون خلال زيارته للبيت الأبيض، فقد تضمن بيان السفارة الإماراتية حول اللقاء إشارات متكررة إلى هذا المجال.
كما شملت اجتماعات طحنون في واشنطن لقاءات مع الملياردير الذي يقود وزارة الكفاءة الحكومية إيلون ماسك والمؤسس المشارك لشركة أوراكل، لاري إليسون.
وأضافت المجلة: "على غرار دول الخليج الغنية بالنفط، وظّفت الإمارات ثروتها الهائلة على مدار سنوات لترسيخ ريادتها في مجال التكنولوجيا، متوددة إلى واشنطن ووادي السليكيون ( (المنطقة الجنوبية من منطقة خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا) على حد سواء".
وقد تسارعت وتيرة الصفقات بشكل ملحوظ؛ إذ استثمرت مايكروسوفت عام 2024 مليارا وخمسمائة مليون دولار في شركة (G42) الإماراتية للذكاء الاصطناعي، التي يرأسها طحنون.
في المقابل، تدفقت الاستثمارات الإماراتية عبر مجموعة “DAMAC” في دبي وصندوق “MGX” للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بأبوظبي -وكلاهما تحت رئاسة طحنون- إلى شركات أميركية بارزة مثل “OpenAI” و"Anthropic" وشركة “xAI” المملوكة لإيلون ماسك.
وأفادت المجلة بأن “دبلوماسية دفتر الشيكات استمرت في عهد إدارة ترامب؛ حيث استثمرت شركة "MGX” في مشروع "ستارغيت" بقيمة 500 مليار دولار لتطوير البنية التحتية الأميركية للذكاء الاصطناعي، والذي أعلن عنه الرئيس الأميركي من البيت الأبيض بعد يومين من توليه منصبه".
وقبل أيام، أبرمت مايكروسوفت وشركة “G42” اتفاقا مشتركا مع حكومة أبوظبي لإنشاء نظام حوسبة سحابية لدعم الخدمات الحكومية المعززة بالذكاء الاصطناعي.
في الوقت نفسه، وقّع الصندوق السيادي الإماراتي “ADQ” -الذي يرأس مجلس إدارته طحنون- شراكة بقيمة 25 مليار دولار مع شركة “Energy Capital Partners” الأميركية للاستثمار في الطاقة، بهدف "تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في مراكز البيانات".
وبينما تعود العلاقة الاقتصادية الوثيقة بين واشنطن وأبوظبي إلى أكثر من عقد من الزمن، فإن الذكاء الاصطناعي دفع بها إلى مستوى غير مسبوق، وفقا لما قاله محمد سليمان، الزميل البارز في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن.

متطلبات صارمة
وقال سليمان العضو في “McLarty Associates”، وهي شركة استشارية متخصصة في الإستراتيجيات، لمنصة “SitRep”: إن "التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يشكلان جوهر الطريقة التي تفكر بها كل من الولايات المتحدة والإمارات بشأن بعضهما البعض في الوقت الراهن".
ورغم تركيز البيانات الرسمية على الجوانب الإيجابية، أكد عدة خبراء للمنصة أنهم سيُفاجأون إن لم يكن هناك موضوع أكثر حساسية على جدول الأعمال.
وكانت إحدى آخر السياسات التي طرحها الرئيس السابق جو بايدن، مقترحا من وزارة التجارة يُعرف باسم قاعدة انتشار الذكاء الاصطناعي (AI diffusion rule).
وطُرِح المقترح قبل أيام فقط من تنصيب ترامب، ويصنّف الدول ضمن ثلاث فئات من حيث إمكانية الوصول إلى أشباه الموصلات الأميركية المتقدمة.
تضم الفئة الأولى 18 من أقرب حلفاء واشنطن، مثل كندا وألمانيا وتايوان؛ حيث يتمتعون بوصول شبه غير مقيد.
أما الفئة الأخيرة، فتشمل نحو 20 دولة تخضع لحظر الأسلحة، مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران؛ حيث يُحظر تماما تصدير هذه الرقائق إليها.
وبحسب المجلة، فإن الإمارات، شأنها شأن معظم الدول الأخرى، تقع في الفئة الثانية، مما يجعلها خاضعة لمتطلبات ترخيص صارمة للحصول على الرقائق المتقدمة الضرورية لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
وقد هاجمت كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية، مثل "إنفيديا" و"مايكروسوفت"، هذه القاعدة؛ حيث وصفت الأخيرة الإمارات تحديدا بأنها من بين "أصدقاء أميركا" الذين سيتضررون نتيجة لذلك.
وقال سليمان: “أظن أن الشيخ طحنون جاء ومعه إطار أوسع للتعاون بين الولايات المتحدة والإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي”.
وبين أن هذا الإطار ربما يسعى لتحقيق توازن بين المخاوف الأمنية الأميركية، وفي الوقت ذاته، تجنب فرض قيود تحدّ من قدرة أبوظبي على الوصول إلى الرقائق بطريقة تعرقل طموحاتها.
ومنحت إدارة بايدن مهلة 120 يوما قبل دخول قاعدة نشر الذكاء الاصطناعي حيز التنفيذ، ما يعني أن تطبيقها سيكون بيد إدارة ترامب.
هذا بدوره يفتح المجال أمام الشركات والدول لممارسة الضغوط على ترامب للحصول على استثناء، لكنه قد يؤدي أيضا إلى ديناميكيات مقلقة. بحسب تقييم المجلة الأميركية.
من جانبها، قالت جورجيا آدمسون، الباحثة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات: "لن أفاجأ إذا استجابت إدارة ترامب بالكامل للإغراءات والمجاملات وتخلت عن تصنيف الدول، أو عدّلته بطريقة تقوّض الإطار ذاته في نهاية المطاف".
وأضافت: "هذا بالطبع تصور متشائم عن إدارة ترامب، وآمل ألا يكون حرصها على الأمن القومي بهذه الدرجة من التدني".

معضلة الصين
وأفادت المجلة بأن أحد أبرز اعتراضات مايكروسوفت على قاعدة انتشار الذكاء الاصطناعي هو أنها قد تدفع دولا مثل الإمارات إلى البحث عن بدائل أخرى، وعلى رأسها الصين.
وقالت: “لطالما عدت الإمارات ودول الخليج نفسها نقطة التقاء بين الشرق والغرب، وهو ما ينطبق أيضا على قطاع التكنولوجيا”.
لكن انفتاح أبوظبي على التقنية الصينية كان محل خلاف متكرر خلال إدارة بايدن، التي سعت إلى الحد من صعود بكين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبرزت هذه المخاوف خصيصا في الاتفاق الحكومي النادر بين واشنطن وأبوظبي ضمن صفقة مايكروسوفت-G42، والذي اشترط على الأخيرة قطع علاقاتها مع الشركات الصينية.
ويأتي هذا وسط تحذيرات عدد من المشرعين الأميركيين من أن هذه الصفقة قد تُخاطر بوقوع التكنولوجيا الأميركية في أيدي الصين.
وأكدت الإمارات مرارا أن الولايات المتحدة هي شريكها المفضل في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقال سليمان: "حتى هذه اللحظة، هم ملتزمون بالجانب الأميركي في الذكاء الاصطناعي، ولم تعد العلاقة التكنولوجية بين الصين والخليج تحظى بالأولوية كما كانت في السابق".
لكن ذلك لا يعني أن الإمارات قطعت روابطها مع الصين بالكامل، وفقا لآدمسون، التي أشارت إلى زيارة حكومية إماراتية ضخمة في فبراير/شباط 2025 ضمت 140 مسؤولا إلى بكين وشنغهاي وشينزن وهونغ كونغ لاستكشاف فرص الاستثمار المشترك.
وأضافت: "هناك مؤشرات قوية تدل على أن الإمارات لم تفك ارتباطها مع الصين بالقدر الذي تدّعيه". وبهذا تتمتع أبوظبي وجيرانها بموقع فريد يتيح لها التعامل مع كلا الجانبين، وفق المجلة.
وختم سليمان: "سيكون الخليج ساحة تنافس في مجال الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة، ومن سيسيطر على هذا المجال في الخليج، سيحظى بموقع قوي في السباق العالمي على هذه التكنولوجيا".