اتفاقيات عسكرية واقتصادية متقدمة.. ماذا وراء زيارة أمير قطر لتركيا؟
العلاقات القوية المشتركة بين تركيا وقطر يضرب بها المثل
أثارت زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا اهتماما كبيرا في ظل التطورات المتسارعة بالشرق الأوسط على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان.
وربط كثيرون بين توقيت الزيارة وفوز السياسي الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
ووصل الشيخ تميم إلى أنقرة في 14 نوفمبر، لحضور اجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا المشتركة القطرية التركية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكان في استقبال أمير قطر لدى وصوله مطار "إيسنبوغا" الدولي، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وعدد من كبار المسؤولين الأتراك، إضافة إلى أعضاء السفارة القطرية.
توقيت الزيارة
والعلاقات التركية القطرية تعد مثالا على نموذج التحالف الوثيق طويل الأمد ومتعدد الأبعاد، في منطقة تموج بالتقلبات والأوضاع غير المستقرة.
لكن الزيارة تأتي في ظل متغيرات دولية أعمق وأكبر، بعد حسم ترامب، للانتخابات الرئاسية الأميركية، ونجاحه في العودة المرتقبة للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025.
وهو ما يجعل من القوى الإقليمية تسعى بقوة لإعادة ترتيب أوراقها، وفي القلب منها تركيا وقطر، لكونهما لاعبين رئيسين في عدة محاور، أبرزها العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، كذلك وضع إيران المعقد.
وقد أثر فوز ترامب في الولاية الأولى عام 2017 بشكل كبير على الديناميات الإقليمية وبعثر الكثير من الأوراق في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي المنتخب ينظر إليه بشكل متزايد في أنقرة على أنه شخص يمكن التوصل إلى صفقة معه، فإن سياساته غير المتوقعة من الممكن أن تتسبب في عدم استقرار خطير، لا سيما أن أزمة الخليج عام 2017 والحصار ضد قطر، جرى في ولايته.
كذلك أدى موقف ترامب المؤيد لإسرائيل و"صفقة القرن" المزعومة للسلام مع الفلسطينيين في النهاية إلى تفاقم معاناتهم وتأجيج الغضب العام ضد الولايات المتحدة في المنطقة.
ويعد توقيت زيارة أمير قطر إلى تركيا عصيبا، في ظل ما تناقلته وسائل إعلام دولية عن انسحاب الدوحة من الوساطة لوقف حرب غزة.
ومع أن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري نفى تلك الأنباء واصفا إياها بأنها "غير دقيقة"، لكنه أكد في الوقت ذاته أن "جهود الوساطة معلقة".
100 اتفاقية
أما تفاصيل الزيارة نفسها فقد شهدت تعاونا مكثفا بين الدولتين، لا سيما بعد أن وقعت حكومة البلدين 8 اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة.
وشملت الاتفاقيات "التعاون العسكري، والدعم اللوجستي للطائرات، والتعاون الفني بين وزارتي الدفاع من البلدين.
كذلك الدعم اللوجيستي للسفن، والتعاون بالنقل البري وتسهيل نقل البضائع، وإعلان نوايا لتسهيل التجارة والصناعة.
كما بحث الاجتماع الذي شهد توقيع الاتفاقيات بحضور الرئيس أردوغان والأمير تميم، طبيعة العلاقات الثنائية بين تركيا وقطر بمختلف جوانبها.
وتحديدا العلاقات التجارية والاقتصادية، مع تناول المرحلة التي وصلت إليها مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس والاحتلال الإسرائيلي.
وقبيل الزيارة، أعلنت غرفة تجارة وصناعة قطر أن التبادل التجاري بين أنقرة والدوحة حقق نموا لافتا، وبلغ حجمه خلال عام 2022 حوالي 2.3 مليار دولار.
وفي سياق التوسع المستمر في العلاقات الاقتصادية، تهدف أنقرة والدوحة إلى رفع التجارة الثنائية بينهما إلى 5 مليارات دولار على المدى المتوسط.
وتعمل نحو 800 شركة تركية في قطر، بإجمالي استثمارات تبلغ 20 مليار دولار، بينما تسهم حوالي 180 شركة قطرية في السوق التركية، وذلك وفقا لمصطفى توزجو نائب وزير التجارة التركي.
ورأى رئيس تحرير صحيفة "العرب" القطرية فالح حسين الهاجري، في مقال 14 نوفمبر 2024، أن اللجنة الإستراتيجية العليا القطرية التركية تعد منصة رئيسة لتعزيز العلاقات الثنائية بين قطر وتركيا.
وقد تأسست اللجنة في ديسمبر/كانون الأول 2014 وعقدت أولى دوراتها في الدوحة في نفس الشهر من عام 2015.
ومنذ ذلك الوقت عقدت تسع دورات، نتج عنها توقيع أكثر من 100 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات متنوعة، بما في ذلك الاقتصاد، والاستثمار، والدفاع، والثقافة، والتعليم، والصحة، وغيرها.
العلاقات العسكرية
وفيما يخص الاتفاقيات العسكرية تحديدا، والتعاون الدفاعي بين البلدين، التي شهدت زيارة الأمير تميم، تأكيدها وتعزيزها، فهي عامل وثيق وأساسي في الحلف القائم بين الدولتين.
وكانت آخر المستجدات في تلك الجزئية تعزيز الشراكة بين الشركات الدفاعية التركية القطرية.
وفي 5 نوفمبر 2024، تطرقت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة في شؤون الاستخبارات إلى التعاون العسكري والدفاعي المتقدم بين أنقرة والدوحة.
وأرجعت سببه إلى العلاقة الوثيقة بين الرئيس أردوغان والأمير تميم، وهو ما جعل قطاع الصناعات الدفاعية التركية، الخيار الأول للشركات الدفاعية القطرية.
وذكرت أن شركة "برزان" القابضة في قطر، كثفت عمليات الاستحواذ الأجنبية حيث اشترت حصة من مجموعة الدفاع التركية "بافو" ما يمنح الدوحة إمكانية الوصول إلى مجموعة من التقنيات تشتد الحاجة إليها.
وقالت إن "مجموعة بافو التركية في الإلكترونيات الدفاعية والسيبرانية، تعمل على توسيع عملياتها في قطر".
وأتبعت أن عرض منتجاتها في جناح شركة برزان القابضة في معرض "ميليبول قطر" التجاري في الدوحة بين 29 و31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، يشير إلى أنه بداية لتدشين مشروع تركي قطري مشترك جديد.
وأكملت أن "بافو" التركية لم تصبح الشريك الجديد المفضل لقطر في قطاع الدفاع فحسب، بل استحوذت شركة برزان القابضة أيضا على حصة في رأس مالها.
ففي السنوات الأخيرة، فتح أردوغان الباب أمام البيع الجزئي للشركات الدفاعية التركية الرائدة.
وفي غضون ذلك، تسعى شركات الدفاع القطرية إلى نقل التكنولوجيا اللازمة لإنشاء صناعات دفاعية محلية خاصة بها، وجعلت الشركات التركية الكبرى هدفا رئيسا لها في ظل تزايد حذر الشركات الغربية.
علاقات متطورة
وقد أجرت "بافو" التركية في السنوات الأخيرة عدة عمليات بيع لـ "برزان" القطرية، ويعمل فريق صغير من الشركة الآن من مكتب افتتح في الدوحة صيف 2024.
وتبدي قطر اهتماما خاصا بنظام اعتراض الاتصالات الخاص بالمجموعة التركية، بما في ذلك جهاز التنصت على الهواتف "IMSI-catcher" للكشف عن عمليات التسلل إلى قطر.
كما تقدم "بافو" برئاسة ألبر أوزبيلين مجموعة كاملة من المنتجات المستوحاة مباشرة من دروس المعارك في سوريا وأوكرانيا، كالطائرات المسيرة الانتحارية.
وكذلك الطائرات المسيرة ذات الإقلاع والهبوط العمودي VTOL وطائرات مسيرة رباعية المراوح "كواد كابتر"، التي يمكنها حمل أنظمة تشويش واعتراض الاتصالات.
وتجذب مثل هذه المنتجات مجموعة واسعة من العملاء القطريين، سواء من أجهزة الأمن الداخلي إلى الجيش ناهيك عن جهاز الاستخبارات.
وتتمتع الدوحة بعلاقة طويلة الأمد مع قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا.
ففي عام 2014، استحوذت لجنة صناعة القوات المسلحة القطرية، قبيل إنشاء شركة "برزان"، على حصة 49 بالمئة في شركة تصنيع المركبات المدرعة التركية BMC بفضل مالكها آنذاك إيثيم سانجاك، المؤيد سياسيا والحليف الوثيق للرئيس أردوغان.
وفي مارس/ آذار 2024، أعلن نائب الرئيس التنفيذي لشركة برزان محمد المري عن خطط لافتتاح موقع تجميع لمركبة BMC المدرعة Altug 8x8 في قطر في المستقبل القريب، رغم أن هذا المشروع لم يتحقق بعد.
وفي الوقت نفسه، باعت شركة الدفاع التركية أسيلسان مجموعات التوجيه وأنظمة الحرب الإلكترونية إلى قطر من خلال مشروعها المشترك المحلي QSTP-B أسيلسان، الذي أنشئ مع "برزان" في عام 2018.
ومنذ عام 2021، أبدت قطر اهتمامها بافتتاح فرع أسيلسان في الدوحة، وهو الأمر الذي إن تحقق فسيكون نقلة نوعية متقدمة في العلاقات العسكرية بين البلدين.
الاتفاقيات الدفاعية
وفي 7 يونيو/ حزيران 2017 (بعد يومين من بدء حصار قطر) وقعت قطر وتركيا اتفاقية عسكرية تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وصادق عليها البرلمان التركي، واعتمدها الرئيس أردوغان في التاسع من الشهر ذاته.
ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، وسط أزمة سياسية خليجية وتحركات سعودية إماراتية بحرينية مصرية، كانت تهدف إلى عزل ومحاصرة قطر، بعد قطع العلاقات معها (انتهت الأزمة بالمصالحة الخليجية عام 2021).
وفي العاصمة التركية أنقرة وقع الطرفان في 19 ديسمبر 2014، اتفاقية للتعاون في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية وتمركز القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية.
ومثلت الاتفاقية المتعلقة بإقامة قاعدة عسكرية ونشر قوات تركية في قطر تتويجا لمسار من التعاون بين البلدين في مجالات عدة، من بينها المجال العسكري، حيث وقعتا اتفاقية للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية عام 2007.
وقد نصت الاتفاقية على تشكيل آلية من أجل تعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات التدريب العسكري، والصناعة الدفاعية، والمناورات العسكرية المشتركة.
إضافة إلى تمركز القوات المتبادل بين الجانبين، في اتفاق جرى بموجبه فتح قاعدة عسكرية تركية في قطر، وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة، كما نص على إمكانية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية.
كما تنص الاتفاقية على أن "البلد المضيف يسمح للبلد الآخر باستخدام موانئه البحرية وطائراته ومجاله الجوي، وبتمركز قواته العسكرية على أراضيه، والاستفادة من المنشآت والمخيمات والوحدات والمؤسسات والمنشآت العسكرية".
المصادر
- 8 اتفاقيات قطرية ـ تركية ضمن زيارة تميم بن حمد إلى أنقرة
- تركيا وقطر توقعان اتفاقيات بشأن التجارة والتعاون العسكري
- Doha and Abu Dhabi's Turkish defence rivalry, part 1: Pavo Group, Barzan Holdings' partner of choice
- تعرف على الاتفاقية العسكرية بين قطر وتركيا
- الرئيس أردوغان يقيم مأدبة غداء على شرف أمير قطر