ازدواجية التعامل.. لماذا غضب العراقيون من استقبال لاجئي "حزب الله"؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على جنوب وشرق لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، سارعت السلطات العراقية إلى فتح أبواب البلاد لاستقبال الفارين من الحرب، وغالبيتهم من حاضنة “حزب الله”، الذي نالت الاغتيالات معظم قادته وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله.

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، دخول نحو 5 آلاف لاجئ لبناني خلال 10 أيام، منذ حادثة تفجير أجهزة "بايجر" في 18 سبتمبر/ أيلول 2024، وما أعقبها من هجمات مكثفة تسببت في نزوح داخلي يقدّر نحو مليون شخص حتى الأول من أكتوبر.

استنفار حكومي

على الصعيد الرسمي، وجهت الحكومة العراقية في 26 سبتمبر، باستنفار كل الجهود لتقديم المساعدات إلى الشعب اللبناني جراء العدوان الإسرائيلي الذي يستمر بشكل متصاعد على بلادهم، وتسهيل دخول اللاجئين إلى العراق وتهيئة كل سبل الراحة لهم.

وبحسب المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، حيدر مجيد، فإن العراق أول المبادرين في تقديم الدعم والإسناد للشعب اللبناني الشقيق، جراء الاعتداءات السافرة للكيان الصهيوني على بلادهم.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 27 سبتمبر عن مجيد قوله، إن "الحكومة العراقية متمثلة برئيس الوزراء وجهت باستنفار الجهود الحكومية كافة لتقديم المساعدات وإرسالها إلى لبنان".

وأشار إلى أن "دعوة المرجعية الدينية (الشيعية) المتمثلة بـ(علي) السيستاني بمساعدة الشعب اللبناني، أثمرت عن استنفار جهد شعبي كامل، وبدأت العتبات الحسينية والعباسية والكاظمية وبقية الفعاليات الدينية بفتح مكاتب وفروع في كل المحافظات لاستقبال التبرعات".

وأكد مجيد، أن "الحكومة وجهت الجهات ذات العلاقة بإعفاء المواطنين اللبنانيين الموجودين داخل العراق من الرسوم والغرامات التأخيرية لمتجاوزي الإقامة، وكذلك وجهت جميع المنافذ الحدودية البرية أو الجوية بتسهيل دخولهم إلى العراق".

على الصعيد ذاته، صرح وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي، أحمد الأسدي، في 26 سبتمبر، بالقول: "سنفتح جميع الأبواب أمام العمالة اللبنانية في العراق".

من جانبها، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، في 25 سبتمبر، الاستعداد لاستقبال العوائل اللبنانية النازحة، وتوفير المستلزمات الضرورية وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية وتهيئة الأرضية المناسبة لهم بشكل عاجل. 

بدوره، أكد المسؤول الإعلامي للهلال الأحمر العراقي، غسان ثويني، تجهيز 4 مراكز استقبال اللاجئين اللبنانيين في منفذ القائم الحدودي مع سوريا، مبينا أن "هذه المراكز تحتوي على محطات استراحة و4 مستشفيات متنقلة و20 سيارة إسعاف".

وأوضح ثويني خلال تصريح صحفي في 27 سبتمبر، أن "مراكز الاستقبال عبارة عن سرادق وهذه تستقبل بحدود 300 شخص، وهي لتوفير الخدمات الآنية ليوم أو يومين، ومن بعدها يتم نقلهم إلى المحافظات العراقية".

وأظهرت مقاطع فيديو تناقلتها وسائل إعلام عراقية وحسابات على مواقع التواصل في 26 سبتمبر، وصول عشرات العائلات اللبنانية تضع على أكتافها أعلام حزب الله إلى مطار النجف، والتي قال ناشطون إنهم أهالي قادة الحزب وليسوا من باقي اللبنانيين.

كيل بمكيالين

إجراءات الحكومة العراقية تجاه عائلات حزب الله اللبناني، واجهت انتقادات واسعة من شخصيات عراقية، والتي وصفتها بأنها ازدواجية في التعامل بين من يأتي من خلف الحدود وبين أبناء البلد، بل البعض رأى فيها تمايزا حتى فيمن جاء من خارج العراق.

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، حارث الشمري، إن "كل إجراءات الحكومة العراقية ما هي إلا مزايدات سياسية، فهي مازالت تعمل بنفس بعيد عن الوطنية التي تدعيها".

وأوضح الشمري لـ"الاستقلال" أن "الأسدي يوعز بفتح أبواب العمل للبنانيين، بينما يتظاهر يوميا ملايين العراقيين طلبا لفرصة عمل، فضلا عن وجود آلاف العائلات التي لم تعد تجد لقمة الخبز، بالتالي هذا نفاق واستغلال موارد وزارة العمل لأهداف معروفة على حساب أهل البلد".

وتساءل الباحث، قائلا: “لماذا لم تكن هذه الحماسة والتفاعل في استقبال أبناء المناطق الغربية في العراق عندما نزحوا إلى بغداد بعدما فرّوا من المعارك ضد تنظيم الدولة عام 2014؟”

وتابع: “لماذا لم تستقبلوا السوريين بالآلية ذاتها، بل ضيقتم عليهم وأخرجتموهم بحجة انتهاء إقاماتهم، رغم أن سوريا استقبلت ملايين العراقيين خلال الحرب الطائفية (2006 إلى 2008)، أما لبنان الذي يحكمه حزب الله كان  لا يدخل إلا من أتى للسياحة، ولابد أن يحمل في جيبه ألفي دولار وأكثر؟”

وأوضح الشمري، قائلا: "نحن مع الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني وإسنادهم بوجه الهمجية الصهيونية، ولكن هذه الشعارات التي تصدر من شخصيات رسمية وأخرى دينية شيعية، تعني أن هناك استقبالا دائما ولدوافع وغايات أخرى قد تكون تمكن أكبر لحزب الله اللبناني في العراق".

من جانبه، علق الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أعياد الطوفان، عبر منصة "إكس" في 25 سبتمبر، قائلا: هربنا من تنظيم الدولة إلى جسر بزيبز (قرب بغداد) منفذنا للعاصمة، ولكنهم أغلقوه ولم يسمحوا بدخولنا إلى بغداد، إلا بكفيل".

وتابع: "اليوم يفتحون بغداد للنازحين من جنوب لبنان بدون تأشيرة وجواز سفر ومن غير كفيل ولا كفالة، والأكيد ستتحمل الحكومة تكاليف الإقامة والسفر ومن المحتمل تصرف لهم رواتب شهرية".

وفي السياق ذاته، خاطب المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي، وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، عبر منصة "إكس" في 26 سبتمبر، بالقول: “هل سمعت بالحكمة التي تقول: وهب الأمير ما لا يملك؟”

وأضاف: "ملايين العاطلين العراقيين، وأنت تفتح أبواب العمالة للبنانيين وقبلهم الأفغانيين والباكستانيين والهنود. هل تعلم أن الحكومة السورية طلبت كفيلا وفيزا لمدة ثلاثة أشهر مع اشتراط أن يجلب معه اللبناني ألف دولار للشخص الواحد حتى يدخل سوريا".

وطالب المحلل السياسي من السلطات العراقية بأن “يقدموا الدعم والإسناد لأهلنا في لبنان شريطة أن يبقوا في بلدهم. هل عندكم نية إفراغ جنوب لبنان من أهله الذي هو الهدف الرئيس لإسرائيل؟”

وعلى الصعيد ذاته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، باسم الخزرجي، عبر “إكس” في 26 سبتمبر، إن “نسبة البطالة في العراق هي الأعلى في العالم وتصل إلى 24 بالمئة، وأن تصريح الأسدي هو اعتراف بأن رواتب مليشيات إيران من أموال العراق وتوطينهم سيكون في مستوطنات داخل البلد”.

تغلغل مشبوه

وفي 25 يوليو 2024، تفجرت أزمة اختفاء نحو 50 ألف باكستاني في العراق، غالبيتهم من الشيعة، بعدما قَدِموا لأسباب تتعلق بالسياحة الدينية (زيارة المراقد الشيعية)، وأخرى مرتبطة بالعمل في العديد من القطاعات.

وفتح موضوع تسرّب الباكستانيين، الحديث عن التغلغل الأجنبي في العراق على أساس طائفي، والذي يجرى بتراخٍ متعمّد من السلطات العراقية، لا سيما مع الإيرانيين، واللبنانيين الشيعة القريبين أو المنتمين إلى حزب الله اللبناني.

وخلال تقرير نشرته "الاستقلال" في 5 أغسطس، أكد الباحث العراقي، بهاء الدين البرزنجي، أن "توافد الشيعة إلى العراق، لا سيما الباكستانيين والإيرانيين والأفغان واللبنانيين، بدأ يتزايد في الآونة الأخيرة، مع وجود تسهيلات كبيرة من السلطات العراقية".

وأوضح البرزنجي أن "حزب الله اللبناني يعمل في قطاعات مختلفة في العراق، لا سيما المطاعم والطاقة والمقاولات، وتجهيز المواد الإنشائية، إضافة إلى المصارف، والفنادق".

ولفت إلى أن "حزب الله يعمل بواجهات متعددة في العراق وليس بشخصيات معروفة، وإنما كمستثمرين وهذا في أغلب المحافظات العراقية، لا سيما بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، ونينوى، فهم أكثر من غيرهم قدرة على التخفي كون جنسيتهم عربية ولا يمكن تمييز مذهبهم".

وأردف: "العراق يعد متنفسا اقتصاديا كبيرا لحزب الله اللبناني، فبعض المستثمرين يحملون جنسيات أوروبية لكن أصولهم لبنانية، فهم شبكات كبيرة نهاياتها مرتبطة بإيران أو حزب الله".

ويوجد في العراق أكثر من 410 شركات لبنانية تعمل في مجالات مختلفة مثل قطاعات التعليم والبناء والسياحة كالمطاعم والفنادق. 

أما في إقليم كردستان، فيوجد أكثر من 500 شركة، وفق السفير اللبناني، لا سيما في أربيل والسليمانية، حسب تقرير لوكالة "فرانس برس" في أبريل 2022.

ويبلغ عدد الجالية اللبنانية في العراق، نحو 282 ألف مقيم ومقيمة، حسبما كشفت أرقام رسمية تابعة لمركز الإحصاء العراقي التابع لوزارة التخطيط عام 2022.

ولا يعرف عدد الإيرانيين الذين يحملون الجنسية العراقية، لكن ناشطين من بينهم صاحب حساب "وزير عراقي" عبر تدوينة في 10 أبريل 2024، قال إن "عددهم بلغ أكثر من خمسة ملايين نفر منذ عام 2005 إلى 2024، وترسل لهم الحكومة (العراقية) رواتب وامتيازات وحقوق تقاعدية".

وفي 30 مارس 2024، نقلت قناة "الرافدين" العراقية عن مصادر نيابية (لم تكشف هويتها) قولهم إن "أحزابا ومليشيات موالية لإيران تدفع إلى تشريع قانون التجنيس في العراق، يعطي المقيم لمدة عام واحد إمكانية الحصول على الجنسية العراقية".

ولفتت إلى أن "هذا يحوّل العراق لبيئة طائفية عبر تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والباكستانيين والأفغان بدوافع طائفية، ما يهدد تركيبة البلاد الديمغرافية ويعد محاولة لطمس هويتها العربية، خدمة لمصالح كل من إيران وأميركا".