"ممر إستراتيجي".. لماذا وجهت إسرائيل ضربة كبيرة لفصائل إيران وسط سوريا؟

in 13 minutes

12

طباعة

مشاركة

توسعت إسرائيل في عمليات الاستهداف داخل سوريا لتنال مواقع التحكم والسيطرة التابعة للمليشيات الإيرانية عبر شن "ضربات عسكرية محددة" منذ سبتمبر/ أيلول 2024 حينما بدأت العدوان على لبنان.

وتركز قوات الاحتلال الإسرائيلي عبر ضرباتها الجوية لقطع أو عرقلة وصول الإمدادات القادمة من إيران إلى “حزب الله” اللبناني عبر سوريا.

هدف جديد

وفي أحدث هجوم، شنت إسرائيل غارات جوية بشكل متزامن على عدد من المواقع والشقق السكنية في مدينة تدمر بريف حمص وسط سوريا في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ما أدى إلى مقتل 71 عنصرا من قوات النظام السوري وعناصر وقيادات من جنسيات غير سورية يتبعون لإيران.

وذكرت شبكات محلية سورية، أن الغارات على مدينة تدمر الأثرية، أدت إلى مقتل 45 عنصرا من قوات الأسد بينهم العميد عبدالله الزير، و22 عنصرا من جنسية غير سورية غالبيتهم من “حركة النجباء” العراقية، إضافة الى أربعة من عناصر "حزب الله".

وأفاد وكالة "سبوتنيك" الروسية نقلا عن معلومات خاصة، بأن "طائرات حربية إسرائيلية أطلقت عددا من الصواريخ من أجواء القاعدة الأميركية في منطقة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية، في أقصى ريف حمص الجنوبي الشرقي، مستهدفة محيط مدينة تدمر".

ومدينة تدمر استعادها النظام السوري بدعم قوي من المليشيات الإيرانية السيطرة عليها مطلع مارس/آذار 2017 وذلك بغطاء جوي روسي مكثف.

ومنذ ذلك الحين، ركزت إيران ثقلها في البادية السورية انطلاقا من مدينة تدمر ذات الأهمية الإستراتيجية والعسكرية بموقعها وسط سوريا حيث تبعد عن العاصمة دمشق 215 كيلومترا، وهي قريبة من الحدود مع العراق بنحو 300 كيلومترا.

ومدينة تدمر التاريخية، هي عقدة الوصل مع مدينة البوكمال التابعة لمحافظة ديرالزور عند الحدود مع العراق.

واهتمت إيران منذ أواخر عام 2017 عسكريا بالإمساك بطرفي الحدود السورية العراقية عند عقدة مدينة البوكمال لتأمين دخول مليشياتها وأسلحتها.

ومنذ ذلك التاريخ، بات هذا الاتجاه كخط إمداد أساسي قادم من إيران ثم العراق مرورا بسوريا عبر عقدة مدينة البوكمال التي تمثل حاليا مركز الثقل العسكري المليشياوي الكبير لطهران وصولا إلى لبنان عند حليفها حزب الله.

أما مدينة تدمر، فقد عملت إيران منذ عام 2021 على توطين أسر عناصر وقادة فصائلها العراقية واللبنانية وعوائل من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس فيها.

وباتت مدينة تدمر التي كان عدد سكانها نحو مئة ألف نسمة، لا يتجاوز اليوم ستة آلاف بعد تهجير سكانها بفعل تنازع السيطرة على المدينة عقب الثورة السورية عام 2011، هي معقل ثان لعوائل الفصائل الإيرانية غير السورية.

وقد ربط كثير من المراقبين هذه الضربة الإسرائيلية على مدينة تدمر لدور الفصائل الإيرانية فيها من الناحية العسكرية واللوجستية في إسناد حزب الله في المعركة الحالية مع إسرائيل التي شنت غزوا بريا على جنوب لبنان مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بهدف "القضاء على قدرات حزب الله".

وتقيم عناصر وقادة المليشيات مع عوائلهم في عشرات المنازل المتفرقة في مدينة تدمر الحيوية، حيث يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف شخص من أصل مئة ألف مقاتل هم مجموع المليشيات الإيرانية المحلية والأجنبية الذين جندتهم طهران منذ عام 2012 بسوريا.

ممر إستراتيجي

وضمن هذا السياق، أكد مدير "شبكة تدمر" الإخبارية المعارضة، محمد العايد، أن “الشقق السكنية المستهدفة من قبل إسرائيل في تدمر هي عبارة عن غرف عمليات تديرها المليشيات الإيرانية وخاصة المقاومة الإسلامية في العراق".

وأضاف العايد لـ"الاستقلال"، أن "مدينة تدمر فيها مطار عسكري وتستخدمه إيران في تسيير الطائرات المسيرة فضلا عن استجلاب شحنات الأسلحة من إيران عبر العراق لتوزيعها على عموم سوريا وإلى حزب الله".

وأردف بأن "تدمر تعد مركز عمليات لإيران سواء في سوريا أو غيرها وهم يمنعون سكانها الأصليين من العودة إليها رغم انتهاء المعارك، وذلك خشية الاطلاع على تحركات المليشيات الإيرانية هناك".

ولفت العايد إلى أن "مدينة تدمر هو مركز تخزين لأسلحة إيرانية وقطع غيار خاصة من الصواريخ والطائرات المسيرة التي ربما تؤثر إستراتيجيا على إسرائيل".

واستطرد: "إيران تخشى حاليا من إنهاء ما يسمى مشروع فجر3 (فتح طريق بري من إيران إلى لبنان مباشرة مرورا بسوريا) الذي عملت عليه عام 2017 إبان انتزاع قوات الأسد ومليشيات إيران مدينة تدمر من سيطرة تنظيم الدولة في مارس من العام المذكور".

ومنذ أكثر من 10 سنوات، تشن إسرائيل ضربات جوية ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، لكن هذه الهجمات تصاعدت منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وتصاعدت أكثر مع العدوان على لبنان الذي بدأ في 27 سبتمبر 2024.

وقد طالت الهجمات الإسرائيلية العاصمة دمشق وريفها وريفي حمص واللاذقية. 

وتشير الأرقام إلى مقتل أكثر من 130 عنصرا من قوات النظام والمليشيات المحلية الموالية لطهران جراء الاستهدافات على نقاط تتبع لإيران وأذرعها على الأراضي السورية منذ سبتمبر 2024. 

وكرر جيش الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة شنّ ضربات جوية على سوريا هدفها كما يقول "تقليص محاولات نقل الأسلحة من إيران عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان"، متهما الحزب المدعوم من طهران "بإنشاء بنية لوجستية لنقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان" عبر المعابر الحدودية، التي خرج اثنان منها من الخدمة جراء غارات إسرائيلية في أكتوبر 2024.

وقد كان لافتا أن إسرائيل استهدفت جماعات موالية لإيران في العراق وسوريا، مع مواصلة هجومها في لبنان ضد حزب الله.

حتى إن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال لقائه في باريس عددا من ممثلي وسائل الإعلام الفرنسية والعربية غداة مشاركته في مؤتمر دولي لدعم لبنان أعرب في 25 أكتوبر 2024 عن قلق بلاده من احتمال توسّع نطاق الحرب الدائرة في لبنان بين إسرائيل وحزب الله، لتنال العراق وأن "تصبح الأراضي العراقية جزءا من هذه الحرب".

لا سيما أن إسرائيل دعت في 18 نوفمبر 2024 مجلس الأمن الدولي عبر رسالة إلى اتخاذ إجراءات فورية بشأن الجماعات التي تهاجمها من العراق، متوعدة بما عدته  "حق الدفاع عن النفس".

ونتيجة لذلك، حذر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 19 نوفمبر 2024، من "عدوان إسرائيلي مُخطط له" على بلاده، ووجَّه الأجهزة المختصة بالتأهب للتصدي لهذا "التهديد"، وكذلك ملاحقة "أي نشاط عسكري خارج سيطرة الدولة".

وأمام ذلك، لم يستعبد بعض المراقبين من أن الضربة الإسرائيلية على مدينة تدمر والتي طالت فصائل عراقية تتبع لإيران من أنها “رسالة غير مباشرة لبغداد”.

خاصة أن جماعة "المقاومة الإسلامية في العراق" الموالية لإيران، تبنت بشكل رسمي خلال الآونة الأخيرة مهاجمة بطائرات مسيرة "أهدافا حيوية" في منطقة أم الرشراش المحتلة "إيلات" الواقعة على ساحل خليج العقبة شمال البحر الأحمر، ردا على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ولبنان.

رسالة للعراق

وجاءت الضربة الإسرائيلية بعد يومين من زيارة وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصر زاده إلى دمشق ولقائه رئيس النظام بشار الأسد.

وأكد نصر زاده في تصريح صحفي، لدى وصوله إلى دمشق، على الدور الإستراتيجي والبارز جدا لسوريا في السياسة الخارجية لإيران، وفق ما ذكرت وكالة أنباء إيران الرسمية "إرنا".

وقال إنه سيبحث مع المسؤولين السياسيين والعسكريين السوريين في مختلف الجوانب، خاصة في مجال الدفاع والأمن من أجل تعزيزها وترسيخها.

وسبق ذلك، إجراء علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي زيارة إلى دمشق ولقاء الأسد، قبل أن يتوجه إلى بيروت في 15 نوفمبر 2024.

وضمن هذه الجزئية، قال العميد السوري المنشق أسعد الزعبي إن "نتنياهو اتخذ قرارا بقطع الأوكسجين عن حزب الله الذي يأتي من سوريا سواء عن طريق البوكمال أو تدمر عبر طريق يسمى طريق قاسم سليماني الذي يتم عبر نقل وسائط الصواريخ بآليات نقل متعددة حيث تعد تدمر هي مركز توزيع الشحنات إلى جنوب دمشق ثم إلى لبنان".

وأضاف الزعبي في تصريح تلفزيوني أن "هناك صواريخ إيرانية جديدة كانت تنوي طهران إرسالها إلى حزب الله لذلك جاءت هذه الضربة الإسرائيلية".

ولفت إلى أن "إسرائيل استهدفت تدمر كونها منطقة الاستراحة للأسلحة الإيرانية وهي باتت منطقة عراقية أو إيرانية خالصة وفيها مستودعات تخزين مجهزة لحفظ الصواريخ بعيدة المدى لذلك من بين القتلى شخصيات تشرف على تلك الصواريخ".

بدوره، رأى الخبير العسكري السوري العميد ركن أحمد رحال، أن"قصف تدمر شكلت إنذارا لدمشق وبغداد وطهران، والرسالة الإسرائيلية هي أنه لا سلاح مهرب بعد اليوم إلى لبنان من سوريا".

وأضاف رحال في تحليل على حسابه في يوتيوب أن "الرسالة أيضا للحكومة العراقية وقد يتبع ذلك ضرية إسرائيلية قادم داخل العراق تنال فصائل تتبع لإيران".