إيران وإسرائيل.. أيهما تدعم الصين في صراع البرنامج النووي؟
"إسرائيل ومصالحها الأمنية لا تشكل سوى قضية جانبية ضئيلة في هذه الصورة الكبرى"
رغم ما يجمعهما من علاقات سياسية واقتصادية متنامية، إلا أن صحيفة عبرية تعبر عن حيرتها في فهم موقف الصين من مسار إيران المتقدم لامتلاك سلاح نووي.
واستعرضت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في تقرير لها، أبعاد موقف الصين من إيران وبرنامجها النووي، لافتة إلى أنه رغم رفضها امتلاك طهران سلاحا نوويا، إلا أنها لا تضغط بالشكل الكافي عليها.
حسابات الصين
واستهلت الصحيفة التقرير بسؤال “إذا كانت الصين لا تريد لإيران أن تحصل على سلاح نووي، فلماذا لا تدعم الضغوط الغربية والإسرائيلية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد الانتهاكات النووية التي ترتكبها إيران؟”
وردت بالقول إن الصين لا تثق كثيرا في إيران، فقد كانت هناك أوقات أهانت فيها إيران الصين، وفي المقابل، عاقبت بكين طهران، بما في ذلك دعم الصين للعقوبات العالمية ضد إيران في أوائل عام 2010.
وخلال شتاء عام 2024، أوقفت حكومة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مؤقتا وارداتها النفطية من إيران بشكل كبير؛ لإظهار عدم رضاها عن محاولات نظام المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. رفع الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، في حين أن الحزب الشيوعي بصيغته الحالية في عام 2024 أكثر انفتاحا على الحوار حول جوانب الدين، فإن "شي" والقادة الصينيين الآخرين ليسوا من محبي الحركات الدينية المتعصبة، كرجال الدين الثيوقراطيين أمثال خامنئي الذي لا يزال يدير إيران اليوم.
لكن تؤكد "جيروزاليم بوست" على أن "هذه تُعد قضايا جانبية في الحسابات الصينية الأوسع".
وأوردت الصحيفة أن مصالح بكين الرئيسة تتلخص في التالي:
1) منع استقلال تايوان، وفي نهاية المطاف ضمها أو توحيدها مع البر الرئيس بطريقة أو بأخرى.
2) توسيع نفوذها الدبلوماسي وقدرتها على التأثير في سياق منافستها المستمرة مع الولايات المتحدة، ويتضمن ذلك اغتنام الفرص للحد من النفوذ الأميركي.
3) توسيع نطاق نشاطاتها الاقتصادية عالميا؛ لزيادة تنويع مصالحها التجارية وتمكينها.
وقالت الصحيفة إنه "من وجهة نظر شي جين بينغ، فإن أغلب المواجهة الجارية بين الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، تشكل فرصة لتقويض واشنطن".
وأضافت أن "إسرائيل ومصالحها الأمنية لا تشكل سوى قضية جانبية ضئيلة في هذه الصورة الكبرى".
وأوضحت أن ما كان مفاجئا منذ عام 2021 هو أن "شي" انحاز إلى جانب إيران حتى ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة.
هذا بالرغم من أن هؤلاء المفتشين "يُنظر إليهم على أنهم إما محايدون أو أنهم يسعون إلى خفض حدة الخلاف مع خامنئي، مقارنة بإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا".
وفي حين أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تدين الانتهاكات التي ترتكبها إيران منذ سنوات؛ في محاولة للضغط عليها لحملها على العودة إلى التعاون الكامل مع المفتشين النوويين، فإن الصين هي الدولة الوحيدة التي تصوت ضد تلك الإدانات، بجانب روسيا.
ففي 5 يونيو/حزيران 2024، صوتت 20 دولة من مختلف أنحاء العالم لصالح إدانة طهران وتهديدها بعواقب محتملة إذا استمرت في انتهاك التزاماتها النووية.
لكن امتنعت بعض الدول عن التصويت حتى تتمكن من الحفاظ على مصالحها التجارية مع إيران، ومع ذلك، فإن الامتناع عن التصويت لم يكن كافيا بالنسبة للرئيس الصيني، وفق التقرير.
سياسات أوسع
وقالت الصحيفة العبرية إنه "من وجهة نظر بكين، فإن الحياد والخبرة المهنية التي تتمتع بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا أهمية لها عندما يتعلق الأمر بالسياسات الأوسع".
وأضافت أن بكين الآن "متحالفة مع خامنئي وموسكو ضد الولايات المتحدة والغرب من أجل كسب النفوذ، وليس فقط فيما يتعلق بحرب روسيا ضد أوكرانيا".
وتابعت: "إلى جانب النفوذ، تعد إيران مصدرا ضخما لتنويع مصادر الطاقة بالنسبة للصين، كما أن لدى الصينيين تاريخا طويلا من العلاقات مع إيران والحكام الفرس قبلها".
وأوضحت أن "هذه العلاقات، والرغبة في الحد من النفوذ الأميركي، قوية للغاية لدرجة أن بكين لم تدِن حتى إيران عندما أطلقت 350 تهديدا جويا ضد إسرائيل في أبريل/نيسان 2024".
وهذا وضع "شي" في صراع أكبر مع المواقف الدبلوماسية لإسرائيل، مقارنة ببعض الدول الأوروبية التي تنتقد إسرائيل، لكنها في نفس الوقت تنتقد طهران بشدة بسبب هذا الهجوم.
وبالإضافة إلى ذلك، اتهم رئيس وكالة مكافحة التجسس في جمهورية التشيك، ميشال كوديلكا، مجموعات مرتبطة بالصين بالترويج على نطاق واسع معلومات مضللة حول الحرب الحالية في غزة لصالح (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وضد إسرائيل.
وفي المقابل، تنفي الصين بشدة مثل هذه الادعاءات وتقول إنه على عكس العديد من الدول في العالم، بما في ذلك الدول الديمقراطية، لا توجد معاداة للسامية في الصين.
وأضافت الصحيفة أن "هناك بعض الأمل في أنه بمجرد تلاشي الحرب الحالية من العناوين الرئيسة، فإن أي مجموعات تابعة للصين تنشر معلومات لصالح حماس سوف تتوقف؛ لأنه لن يكون هناك الكثير من المكاسب من حيث تقويض الولايات المتحدة في المنطقة".
علاقات ثابتة
وأشارت إلى أن "المسؤولين الصينيين مغرمون بالتأكيد على سلسلة طويلة من التاريخ البناء بين الصين واليهود، بما في ذلك أن بلادهم كانت ملاذا لليهود من الألمان خلال الحرب العالمية الثانية".
علاوة على ذلك، تفضل الصين تسليط الضوء على أنه بدءا من عام 2022، كانت بكين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بقيمة 24 مليار دولار، بعد الاتحاد الأوروبي.
وفي حين انخفضت التجارة بين إسرائيل ومعظم الدول، بما في ذلك الصين، بشكل ملحوظ خلال الحرب الحالية، فإن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) لا يزال يقدّر التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل بالمليارات.
علاوة على ذلك، فإن "خطوط هاينان الجوية" الصينية هي شركة الطيران الوحيدة التي أطلقت رحلات إلى إسرائيل طوال الحرب، بجانب شركة طيران "إل عال" الإسرائيلية.
أضف إلى ذلك أن آلاف العمال الصينيين بقوا في "إسرائيل" طوال فترة الحرب لمواصلة العمل في البنية التحتية الإسرائيلية- الصينية المشتركة وغيرها من المشاريع.
وأخيرا، أثار تحليل أجراه "معهد دراسات الأمن القومي" مسألة ما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن تغير سياستها لتميل إلى تايوان أكثر من الصين؛ بسبب دعم تايوان القوي لإسرائيل خلال الحرب الحالية.
لكن المعهد خلص في النهاية إلى أن هذا لن يكون حكيما؛ لأن "الصين لا تزال قوة عظمى عالمية يجب على إسرائيل العمل معها في أي مجال يكون التعاون فيه ممكنا".
وقال المعهد إنه "على إسرائيل تجنب تحويل الصين إلى عدو قدر الإمكان".
وأشار إلى أن "لدى إسرائيل -نسبيا- المزيد من القواسم المشتركة مع تايوان فيما يتعلق بالقيم الديمقراطية".
واستدرك: "حتى لو كان الأمر كذلك، فإن السياسة الخارجية في منطقة خطرة كالشرق الأوسط يجب أن تضع احتياجات إسرائيل الأمنية، بما في ذلك محاولة الحفاظ على علاقات إيجابية مع الصين، فوق المسائل المتعلقة بالقيم".
وترى الصحيفة أن "هذا الأمر يبدو أصعب في ظل الحرب الحالية بين إسرائيل وغزة، واستمرار إيران في اختبار الخطوط الحمراء من خلال انتهاكاتها النووية وتحديها للوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضافت أنه "إذا كانت خيارات إسرائيل تنحصر من جهة بين صين مقربة من إيران لكنها تسعى للحفاظ على علاقات ودية مع إسرائيل وإبرام صفقات بقيمة مليارات الدولارات، ومن جهة أخرى صين مقربة من إيران وعدو لإسرائيل، فمن الواضح أن تعزيز العلاقات الإيجابية مع القوة العالمية رقم 2، وربما المستقبلية رقم 1، هو الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل".
وأوضحت أن "من غير المؤكد مدى المساحة التي ستتاح لإسرائيل للمناورة بشأن الصين إذا استمرت المنافسات بين واشنطن وبكين في التفاقم".
وأشارت إلى أنه "ما من شك في أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل أكثر بكثير من الصين، حتى عندما تكون هناك خلافات كبيرة بين البلدين".
"لكن حقيقة أن إسرائيل تمكنت من الحفاظ على علاقات إيجابية مع الصين في بعض المجالات، حتى في ظل الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تعني أن ذلك ممكن على الأقل"، وفق التقرير.
واستدركت الصحيفة العبرية بأن "من المؤسف أن أيا من هذا لن يساعد إسرائيل في حل المشكلة الإيرانية، فهذه ليست أولوية بالنسبة للرئيس "شي".
وختمت بالقول: "لكن لا يزال لدى إسرائيل ورقتان رئيستان لتلعبهما ضدإيران: تهديدها عسكريا بشكل جدّي، وضغوط العقوبات الغربية".