رسائل إيجابية ومفاوضات سرية بين المغرب وتونس.. هل تعود المياه لمجاريها؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تبادل المغرب وتونس، في الفترة الأخيرة، رسائل "إيجابية" بشأن إعادة مياه العلاقات بينهما إلى مجاريها بعد سنتين من توتر العلاقات بين البلدين، جراء استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي.

ففي 26 أغسطس/آب 2022، استقبل سعيد، غالي الذي قدم إلى تونس للمشاركة بالنسخة الثامنة لقمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا "تيكاد 8".

واحتجاجا على هذا الاستقبال الأول من نوعه، استدعت الخارجية المغربية في اليوم نفسه سفيره لدى تونس حسن طارق، للتشاور، وترى أن ما حدث "عمل خطير وغير مسبوق يجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي". 

في المقابل، ردت تونس في بيان لوزارة خارجية بأنها "احترمت جميع إجراءات احتضان القمة وفقا للمرجعيات القانونية الإفريقية، وأعلنت حرصها على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي".


وأضافت أن تونس "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاما بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلا سلميا يرتضيه الجميع".

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر (حليفة تونس) التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

ومنذ ذلك الوقت خيّمت حالة الجمود على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حتى كسرها اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره التونسي المعين حديثا محمد علي النفطي.

انفراجة دبلوماسية 

وفي 27 أغسطس 2024، هنأ وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة، نظيره التونسي الجديد، محمد علي النفطي، الذي عينه الرئيس قيس سعيد على رأس الدبلوماسية التونسية.

وذكرت وزارة الخارجية التونسية، في بيان عبر فيسبوك، أن محمد علي النفطي تلقى اتصالا هاتفيا من قبل ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، هنأه خلاله بـ"الثقة الغالية التي حظي بها من قبل سيادة رئيس الجمهورية".

وتم خلال الاتصال "التأكيد على عمق ومتانة الروابط الأخوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، والحرص المشترك على مزيد دعم أواصر التعاون بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية الشقيقة في مختلف المجالات".

وبعد أيام من هذا الاتصال، التقى بوريطة، مع النفطي، في 3 سبتمبر/أيلول 2024، على هامش منتدى التعاون الصيني الإفريقي في العاصمة بكين.

وفي بيان عبر فيسبوك، قالت الخارجية التونسية: إن الوزير محمد علي النفطي التقى بوريطة في بكين، على هامش الاجتماع الوزاري التحضيري لمنتدى التعاون الاقتصادي الصيني الإفريقي "فوكاك".

وأضافت أن النفطي التقى خلال الاجتماع مع عدد من نظرائه من الدول المغاربية والإفريقية تناول معهم علاقات الأخُوّة والتعاون القائمة بين تونس وهذه الدول وسبل تعزيزها. 

وقبل ذلك، جمع لقاء مماثل، هذه المرة بين رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بوزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار، في أغسطس 2024، على هامش الذكرى الثمانين ليوم النصر بفرنسا، حيث ناقشا "التعاون الاقتصادي والعلاقات السياسية".

مفاوضات سرية

هذه الاتصالات التي تأتي بعد سنتين من "الجمود الدبلوماسي" بين تونس والمغرب، عدها متتبعون مؤشرات أولى في مسار تذويب الجليد بينهما، في أفق عودة العلاقات الدبلوماسية إلى سابق عهدها، في حين عدها البعض "مجرد مجاملات دبلوماسية".

أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس إسماعيل حمودي، رأى أن هذه الاتصالات واللقاءات المغربية التونسية الرسمية تؤكد أن هناك حوارا يجرى بين الطرفين رغبة في إعادة العلاقات إلى وضعها السابق.

وأضاف حمودي لـ"الاستقلال"، أنه يمكن القول إن هذه اللقاءات والاتصالات مؤشرات على اقتراب حدوث انفراج في الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس.

وأكد أنه رغم "الجمود الدبلوماسي" بين البلدين، فإن المغرب لا ينهج في تدبير علاقاته الدولية خاصة مع البلدان الشقيقة "القطيعة التامة"، بل دائما يبقي الحبل موصولا في أفق الوصول إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة.

بدوره، أكد المحلل السياسي التونسي البشير الجويني، أن هناك "رغبة سياسية تحدو الطرفين لإعادة العلاقات الدبلوماسية المغربية التونسية إلى سالف إشعاعها"، مبرزا أن الدينامية المسجلة حاليا "قد تدفع من أجل إنهاء الأزمة بين البلدين الشقيقين".

ورأى الجويني، في تصريح لموقع "الأيام 24" المحلي، أن “الروابط التي تجمع بين البلدين الشقيقين، ثابتة وتاريخية وإستراتيجية، رغم بعض الأحداث التي أرخت بظلالها عليها”.

مستدركا: "لكن ما نشاهده أخيرا في عدد من المجالات، التعليم العالي والخارجية يؤكد أن هناك رغبة لإعادة البريق والألق إلى العلاقات بينهما".

وأكد الجويني، أن طي صفحة الخلاف بين الجارين سيخدم ليس فقط العلاقات الأخوية والمصالح المشتركة للبلدين، بل سيشكل رافعة حقيقية للعمل المغاربي المشترك عبر التكتل لمواجهة التحديات الإقليمية والتي قد تتطور لتأخذ بعدا إقليميا ثلاثيا داخل اتحاد المغرب العربي.

مشيرا إلى أن "العلاقات بين الشعبين متمازجة في أبعادها الثقافية والاقتصادية ويتعين الدفع قدما من أجل المستقبل".

مجاملات دبلوماسية

وإذا كان كل من الأكاديمي المغربي حمودي والمحلل السياسي التونسي يعدان اللقاءات والاتصالات الأخيرة، مؤشرات على وجود حوار لطي صفحة الخلاف التي استمرت لأزيد من سنتين.

فإن خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة (شرق المغرب)، عدّها مجرد مجاملات دبلوماسية. 

وقال الشيات، إن "المكالمة بين وزير الخارجية المغربي ونظيره التونسي واللقاء الذي تمّ بينهما في بكين يندرجان بالنسبة للمغرب في إطار المجاملات الدبلوماسية مع بلد تجمعه به روابط الأخوة والانتماء إلى الفضاء المغاربي والعربي والإفريقي، التي تبقى متينة في ظل القطيعة الدبلوماسية كما في الظروف العادية".

وأضاف في تصريح لموقع "هسبريس" المحلي، أن "استقبال سعيد زعيم جبهة البوليساريو قبل سنتين شكّل مسّا غير مسبوق من تونس بقضية وجودية بالنسبة للرباط، التي لم تكن تنتظر من تونس أكثر من البقاء على الحياد الإيجابي، الذي حافظت عليه طيلة عقود من هذا النزاع".

ولفت الشيات، إلى أن "تأكيد الملك محمد السادس على أن قضيّة الصحراء النظارة التي يقيس بها المغرب صِدق العلاقات، يجعل إعادة الدفء إلى العلاقات المغربية- التونسية رهينا بتعبير تونس عن موقف متقدم بشأن هذه القضية".

وخلص إلى أن “إصلاح الشرخ في العلاقات بين البلدين يعتمد على قيام تونس بمعالجته من مصدره، أي استقبال غالي، من خلال اتخاذ خطوات توازي الشكليات الدبلوماسية تصحح من خلالها هذا الخطأ الدبلوماسي”.

مردفا أنه "دون ذلك، فإن مختلف الاتصالات الهاتفية واللقاءات غير المبرمجة تبقى مجاملات دبلوماسية لا أقل ولا أكثر".

ومع نفس رأي الشيات، ذهب الصحفي التونسي محمد أمين السعيداني، الذي رأى أن هذه الاتصالات واللقاءات "مجاملات وتحركات دبلوماسية إيجابية"، مستدركا: لكنها مجرد ذر للرماد في العيون، ولا ترتقي لأن تكون في مستوى تنسيق دبلوماسي رسمي يمكن البناء عليه.

وأكد لـ"الاستقلال"، أن المجتمع النخبوي والأهلي التونسي يرى في المغرب نموذجا حضاريا وتنمويا متقدما وجب النسج على منواله، وبناء أسس شراكة اقتصادية مستقبلية في الأفق مع هذا البلد الذي حقق إقلاعا اقتصاديا ويحقق نوعا من الاستقرار الاجتماعي. 

وأعرب عن أسفه لكون السلطة والنظام في تونس لا ترى هذه الفرصة ولا تعتقد بأن تعزيز علاقاتها مع المغرب، خيار إستراتيجي حقيقي، ومازالت في وضعية تيه دبلوماسي وغير قادرة على أن ترتب أولوياتها وعلاقاتها بدول الجوار.

وشدد السعيداني على ضرورة أن تحث القوى الحية التونسية على تعزيز العلاقات مع المغرب وأن تسعى إلى استدامتها وبيانها بمنتهى الوضوح والشفافية، لأن المغرب نموذج وجب الاقتداء به وبناء وتكريس علاقات جدية معه.

وخلص إلى أن كل هذه الجهود إن وُجدت وإن صحّت منها العزائم تبقى قليلة وغير كافية خاصة في الظرف الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تعيشه تونس والذي يحتاج إلى مثل هذه العلاقات التي يمكنها أن تساعد في تطوير كل رافعات التنمية والاقتصاد في تونس.