رغم حداثة الطرق والكباري.. لهذا تزايدت حوادث السير القاتلة في مصر

داود علي | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

في مستهل حكمه عام 2014، أطلق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أحد أشهر تصريحاته عندما قال: "هعمل شبكة طرق تمسك مصر كده (هكذا)"، مشيرا بقبضة يده في إشارة إلى القوة والتماسك.

مرت السنوات وشيدت طرق جديدة كلمح البصر، ولكنها بدلا من أن تنقل المواطنين إلى مقاصدهم، نقلتهم إلى المقابر بعد أن حصدت أرواحهم نتيجة الحوادث المروعة.

ومن أشهر الحوادث الأخيرة، ما وقع على طريق المطرية - بورسعيد الجديد، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، عندما اصطدم أتوبيس مع سيارتي نقل وأجرة، ما أسفر عن مصرع 13 شخصا وإصابة 22 آخرين.

وكشفت المشاهد المتداولة لموقع الحادث أن الطريق كان مظلما ولم تكن هناك أي إضاءة على جانبيه وهو ما عده البعض سببا للكارثة.

وفي صباح اليوم التالي للحادثة، وصلت إلى مركز المطرية (تابع لمحافظة الدقهلية بمنطقة الدلتا شمالي القاهرة)، شاحنات تحمل النعوش؛ حيث شُيع الضحايا في جنازات شارك فيها الآلاف من الأهالي.

وذلك في ظل حالة من الحزن والغضب نتيجة الحادث، ووصل الأمر إلى تظاهر بعضهم وإغلاق الطريق.

طريق الموت 

وافتتح الطريق الجديد بين المطرية وبورسعيد عام 2022 بعد نحو عام ونصف العام من الإعلان عنه.

وشيد بطول 70 كيلومترا، ليعلن عنه كإنجاز يختصر به زمن الرحلة بين المدينتين من ساعة ونصف الساعة إلى 20 دقيقة فقط. 

ورغم التقارير التي تمجد الطريق بصفته "شريان حياة" للمنطقة، فإن واقعه يخفي مشكلات كارثية، تتجلى في افتقاره لإجراءات الأمان الأساسية.

وبحسب تحقيق نشره موقع "زاوية ثالثة" المحلي، في 20 نوفمبر 2024، فإن الطريق المكون من حارتين متقابلتين دون فاصل بينهما، يشهد مرور مركبات متنوعة من سيارات نقل ثقيل وأجرة وسيارات خاصة، ما يجعله ساحة محتملة للحوادث القاتلة.

وقد شهد الطريق الجديد حوادث متكررة خلال الفترة الأخيرة، ففي يناير/ كانون الثاني 2023، وقع حادث مشابه حين اصطدم أتوبيس لنقل العمال بشاحنة، ما أسفر عن 4 وفيات و13 مصابا. 

 وفي أبريل/ نيسان 2024، أصيب 23 شخصا إثر حادث تصادم سيارتي ميني باص.

وفي أغسطس/ آب 2024، شهد الطريق حادث انقلاب شاحنة نقل، خلّف وفاة شخصين وعدة إصابات أخرى، وهو ما جعل المواطنين يطلقون عليه "طريق الموت" نظرا لكثرة الحوادث وتقارب توقيتها.

وأثارت الحوادث المتكررة تساؤلات حول مدى ملاءمة تسمية الطريق بـ"الحزام الآمن"، خاصة في ظل غياب تدابير السلامة لطريق بهذه المواصفات.

طلب إحاطة

وقد تقدم النائب سليمان وهدان عضو مجلس النواب عن الهيئة البرلمانية لحزب الوفد (معارض)، بطلب إحاطة لرئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي، حول الحادث المؤلم.

وجاء في طلب الإحاطة لسليمان: "لا أعلم لماذا لا نتحرك إلا بعد وقوع الكوارث.. لقد تقدمنا مرارا وتكرارا بمقترحات عديدة وطلبات إحاطة لتوسعة الحزام الواقي (طريق بورسعيد المطرية)".

وتابع: “ناشدنا جميع المسؤولين أن هذا الطريق بالوضع الذي هو عليه يعد كارثة بكل المقاييس، وقد تلاحظ في الفترة الأخيرة سوء الخدمات في محافظة بورسعيد، خاصة الإضاءة العامة”.

وتابع: “طالبنا محافظ بورسعيد السابق والحالي بوضع آليات لتأمين هذا الطريق الضيق من عواكس وإضاءة ولكن بدون جدوى”.

إذ إن 90 بالمئة من جنوب بورسعيد بلا إضاءة، مما يتسبب في حدوث الكثير من مثل هذه الحوادث، وفق قول النائب.

وبحسب تصريحات لمحافظ الدقهلية أيمن مختار عام 2023، بلغت تكلفة تطوير الطرق والكباري بنطاق المحافظة، على مدار ثماني سنوات، نحو أربعة مليارات جنيه (1 دولار = 49,72 جنيها). وتضمن التطوير 97 طريقا، 21 بالخطة القومية و76 طريقا داخليا.

فاجعة الجلالة 

ومع ذلك لم يكن إنفاق الحكومة مليارات الجنيهات لتطوير منظومة الطرق سواء عبر إنشاء شبكة جديدة أو لتحسين حالة الشبكة الحالية، مانعا من الحوادث المميتة.

ففي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، لقي 12 طالبا في كلية الطب بجامعة الجلالة مصرعهم، فيما أصيب 33 آخرون في حادث مروع على طريق "الجلالة - العين السخنة" الجديد. 

الحادث، أرجعته النيابة العامة في بيان لها، إلى السرعة الزائدة للسائق، الذي أظهر التحليل المبدئي تعاطيه "جوهرا مخدرا".

وتعد السرعة الزائدة إلى جانب عدم الالتزام بقوانين المرور وسوء حالة الطرق، أبرز 3 أسباب لهذا النوع من الحوادث في مصر.

ورغم أن منظومة السلطة أرجعت سبب الحادثة إلى السائق وحده، لكن ما هي إلا أيام قليلة، حتى شهد نفس الطريق حادث سير جديد أسفر عن إصابة 31 فتاة في انقلاب أتوبيس.

وافتتح طريق “الجلالة - الزعفرانة” عام 2018 بوصفه بديلا آمنا لطريق “السخنة- الغردقة” المعروف بخطورته إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.

إذ بات الطريق الجديد شاهدا على سلسلة من الحوادث المأساوية التي تطرح تساؤلات حول مدى كفاءته وتخطيطه.

فرغم تأكيد الجهات الرسمية أن الطريق صمم لتجاوز صعوبات التضاريس الجبلية فإن العيوب الإنشائية أو غياب الاحتياطات المرورية الواضحة قد تكون عوامل أسهمت في تكرار الحوادث. 

وفي يناير 2022 شهد الطريق انقلاب ميني باص أسفر عن إصابة 45 شخصا إلى جانب انقلاب ونش أودى بحياة شخصين في اليوم نفسه.

وفي أغسطس 2022 تسببت تصادمات بين حافلات وشاحنات في وفاة وإصابة العشرات. وفي سبتمبر/أيلول 2023 وقع حادث انقلاب ميني باص سياحي أدى إلى إصابة 22 شخصا. 

ولم يسلم طلاب جامعة الجلالة، حيث أُصيب ستة طلاب في نوفمبر 2023 إثر اصطدام ميكروباص كانوا يستقلونه.

وقد دعا تكرار الحوادث على طريق الجلالة الزعفرانة إلى إعادة تقييم الطريق سواء من حيث تصميمه الهندسي أو معايير السلامة المفروضة عليه. 

الموت مقابل الإنجاز

وبحسب الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مايو/أيار 2024، شهد العام 2023 وفاة 5861 شخصا في مصر بسبب حوادث الطرق.

وفيما يتعلق بإصابات الحوادث، سجل عام 2023 نحو 71 ألف إصابة، وهو ما يتنافى مع ما يصدره النظام من إنجازات تتعلق بالإنفاق على الطرق.

وكان إجمالي الإنفاق يصل إلى 1.3 تريليون جنيه (2014-2021)، وبلغت تكلفة مشروعات الطرق والكباري قرابة 474 مليار جنيه.

وذلك بحسب كتاب "الرؤية والإنجاز" الصادر عن مجلس الوزراء المصري، والذي يتضمن المشروعات التنموية في مصر خلال الفترة من 30 يونيو/حزيران 2014 حتى نفس الشهر من عام 2021.

فيما وصلت شبكة الطرق الجديدة إلى 7 آلاف كيلومتر بتكلفة 175 مليار جنيه. أما تكلفة رفع كفاءتها، فبلغت 10 آلاف كيلومتر بتكلفة 121 مليار جنيه.

ووصلت تكلفة مشروعات الكباري العلوية والأنفاق نحو 140 مليار جنيه. أما ما يتعلق بمحاور ربط شرق وغرب النيل، فبلغت 22 محورا علويا بتكلفة 38 مليار جنيه.

معايير مختلة

ورأى المهندس المصري أحمد بهاء الدين (موظف سابق في شركة مختار إبراهيم الحكومية للمقاولات)، أن عدد الطرق وتكلفة البناء ليس وحده عاملا للإنجاز طالما افتقدت إلى التخطيط والمعايير العالمية المطلوبة. 

وقال بهاء الدين لـ"الاستقلال": "الأمر أشبه بتشييد بناء بلا أساس صحيح، ودون أن يخضع للاختبارات من حيث الأمان وتطابق المواصفات المعمارية والشكلية".

وبين أن “هندسة الطرق من العلوم الأساسية التي تعتمد عليها الدول والأنظمة لإقامة الشبكات المعقدة والطويلة من الطرق والكباري والأنفاق”.

فهي تبدأ بدراسة المنطقة التي سيقام عليها الطريق من الناحية الجيولوجية وأنواع الأسفلت المستخدمة وعدد الطبقات التي يجب أن يقام عليها. 

وتابع: "كذلك يجب أن تهتم جهات التنفيذ بدراسة الناحية التصميمية، من حيث تصميم القطاعات العرضية، والطولية، وعدد التقاطعات في الطرق".

كما "يجب تقديم تصور لكيفية سير الحركة المرورية وتنظيمها بما يحقق الراحة والأمان للأفراد على الطرقات". 

ومن الشروط التي تحدث عنها المهندس المصري أن تكون الطرق مناسبة لحجم المرور الذي يعتمد بشكل أساسي على أنواع المركبات، وأوزانها، واتجاهاتها.

وذلك مع مراعاة معايير السلامة، لجميع مستخدمي الطرق، لتخفيف الاصطدام، والحوادث المرورية، ووجوب تزويدها بنظام إضاءة وتحكم وتنظيم مروري من خلال توفير إشارات المرور، وعلامات الأرصفة، بالإضافة إلى صناديق الخدمات المختلفة. 

واستطرد أنه "يجب على الجهات القائمة على تنفيذ الطرق مراعاة مسافات الرؤية فيها، وبخاصة عند التقاطعات، ومراعاة رصد أعلى سرعة تستطيع المركبة أن تسير بها بشكل آمن على طريق معين عندما تكون الظروف مثالية". 

ويعتقد أن المشكلة الرئيسة في مصر تكمن في الاستعجال بتنفيذ الطرق، وكذلك عدم خضوعها للاختبارات التي تعتمد على عوامل الدقة والوقت.

“فعندما يحتاج الطريق 3 سنوات للتنفيذ واستلزام المعايير، فيجب ألا ينفذ في عام أو عامين، لأنه بذلك يكون عملا ناقصا وخطره أكبر من منفعته”.

كما أن عمره الافتراضي للتطوير والتحديث يكون أقل من الطبيعي، وفوق كل ذلك، يمثل خطرا على حياة المواطنين، وفق قول المهندس المصري.