أحدهما يريد روسيا والآخر يفضل أميركا.. ماذا يحدث في الشرق الليبي بين نجلي حفتر؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تحولت ليبيا إلى ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، انعكست أخيرا على أسرة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر مما تتسبب في انقسامها.

وأكد موقع "إيل سوسيداريوا" الإيطالي وجود تنافس بين نجلي الجنرال الليبي الذي تضاءلت سلطته في الشرق.

فبينما يبدو صدام، مستعدا بشكل متزايد للتعاون مع الأميركيين، يتمتع شقيقه خالد على الطرف الآخر بعلاقات أوثق مع الروس.

الدبيبة مهدد

في خضم ذلك، تقع حكومة عبد الحميد الدبيبة في الغرب تحت "رحمة" المليشيات، وهي الآن في مرمى نيران سيف الإسلام نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

 وقد روج أنصار القذافي في الفترة الأخيرة تصريحات له تستهدف رئيس الحكومة في طرابلس وتخفي، وفق مراقبين، دعوة إلى إزاحته من السلطة. 

فنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أطلق القذافي تهديدا جديدا ومباشرا لحكومة الوحدة الوطنية (مقرها طرابلس) التي يقودها الدبيبة ووعد بإقالته من السلطة. 

وفي بيان أعادت وسائل الإعلام الليبية المقربة من النظام السابق إطلاقه، قال القذافي: "نبلغ الشعب الليبي أن القمامة الموجودة على طريق السكة الحديد سيتم قريبا نقلها إلى مكب النفايات". 

ويبدو أن الإشارة كانت موجهة إلى مكتب الدبيبة، الواقع على طول طريق السكة. ولذلك يبدو أن اختيار الكلمات يشير إلى نبرة استفزازية وهجوم سياسي مباشر. 

وأرفق البيان بصور نشرتها قنوات موالية لسيف الإسلام (52 عاما)، تظهره مع شخصين ملثمين، في صورة التقطت على ما يبدو ليلا. 

وفي الصورة، يرتدي سيف الإسلام ملابس محلية تقليدية، لكن لا توجد تفاصيل تحدد تاريخ أو مكان التقاط الصورة.

ولم يتأخر الدبيبة في الرد، وأثار حفيظة وغضب أنصار النظام السابق وعدد من أطياف المجتمع الراغبين في السلطة، بعدما تعهّد "بعدم إعادتهم إلى حكم البلاد مرة ثانية".

ففي 23 نوفمبر وخلال كلمة أمام فعاليات ختام “ملتقى شباب ليبيا الجامع”،  تطرق الدبيبة إلى “الذين يريدون العودة إلى السلطة”، مثل النظام السابق ومؤيدي “الملكية الدستورية”، بالإضافة إلى من يريد “العسكر”، وقال متحديا: “لن يحكمونا”.

ودون أن يذكر أسماء أشخاص، قال: “هناك من يريد الحكم بالسلاح، وآخرون يتخذون من الدين شعارا ويريدون السلطة، بجانب من يدعون للعودة إليها مرة ثانية؛ سواء نظام القذافي أو الملكية”، في إشارة إلى الذين يهدفون لتنصيب الأمير محمد السنوسي ملكا على البلاد.

واستطرد الدبيبة: “النظام العسكري لن يحكمنا مرة أخرى، ولا تفكروا فيمن تجاوز الثمانين أو التسعين عاما ومازال يحلم بحكم ليبيا”؛ في إشارة إلى حفتر.

عودة القذافي

ويستبعد الموقع الإيطالي تحقيق الاستقرار في ليبيا في ظل الوضع الحالي نتيجة الانقسامات وتدخل الأطراف الخارجية.

وتقول "ميكالا ميركوري"، أستاذة الثقافة والتاريخ ومجتمع الدول الإسلامية بجامعة بادوفا الإيطالية إنه بعد مرور أكثر من 12 عاما على مقتل القذافي، لا تزال ليبيا تعيش انقساما بين حكومتين.

وبينت أن ليبيا مفككة اليوم إلى مليشيات عديدة تقيم معها الجهات الفاعلة الدولية علاقات.

وعن تصريحات سيف الإسلام القذافي ضد الدبيبة، أكدت ما ذهب إليه الموقع بشأن فقدان الحكومة التي يقودها الأخير للصلابة ورأت أنها في حالة خضوع لرغبات العديد من المليشيات. 

وفي هذا السياق، رأت أن شخصية القذافي شديدة الاستقطاب، حيث يجذب إليه من لديهم "حنين "إلى نظام والده، مؤكدة أن عددهم في تزايد نظرا للظروف التي تعيشها البلاد.

ويواجه القذافي في المقابل الرفض ممن يخشى العودة إلى النظام الاستبدادي.

وعلى الرغم من إدانته من قبل المحكمة الدولية في لاهاي وصدور مذكرة توقيف بحقه، ترى الباحثة الإيطالية أن سيف الإسلام القذافي بإمكانه أن يلعب دورا في البلاد خصوصا بعد إعلان فوز أنصاره في الانتخابات البلدية التي أجريت في 16 نوفمبر.

 وتحدثت عن سعيه الدائم للعودة إلى الحكم، مفترضة إمكانية نجاحه، في التوحيد بين من يأخذهم الحنين لنظام والده ومن يشتكي سوء الأوضاع الأمنية.

الأطراف الخارجية

وعما إذا كانت لقاءات حفتر المتكررة بنائب وزير الدفاع الروسي يونس بك إيفكوروف وزيارة المبعوث الأميركي الخاص ريتشارد نورلاند إلى الجنوب الليبي، يكشفان عن تصادم، بينت أن حضور موسكو المتزايد على الساحتين الليبية والإفريقية، يعد الحافز وراء اهتمام واشنطن المتجدد بليبيا.

وتشرح أن الروس يحاورون حليفهم خليفة حفتر منذ فترة، بينما تحاول الولايات المتحدة تعزيز موقعها أو البحث عن محاورين في مناطق أخرى.

وذلك مثل إقليم فزان في الجنوب، الذي يشكل نقطة عبور غالبية التنظيمات المتطرفة ومنظمات الاتجار بالبشر.

وفي سؤال إن كان نفوذ تركيا لا يزال قويا في طرابلس، أجابت ميركوري بأن أنقرة قللت من حضورها في ليبيا على إثر انخراطها في العديد من المسارح الأخرى، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.

لكن أشار الموقع إلى أن تركيا تحاول الحفاظ على موقعها من خلال العودة إلى تدريب قوات الشرطة. 

وأعادت تركيا الاهتمام بالمسألة الليبية بعد أن لاحظت الانتشار الكبير لمرتزقة "الفيلق الإفريقي" الروسي، الاسم الجديد لمجموعة "فاغنر"، في ليبيا وإفريقيا، وفق تحليلها.

وعززت تركيا وجودها في طرابلس بعد أن بدأ حفتر عام 2019 هجوما عليها للإطاحة بحكومة الوفاق التي كان يترأسها فائز السراج.

وأكدت الباحثة الإيطالية أن الحضور الروسي في الشرق الليبي، حاليا يجبر تركيا على مراجعة سياستها الدبلوماسية خصوصا أنها تملك مصالح عديدة في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية مع غرب البلاد.

وجزمت بأنه من الواضح أن وجود جهات فاعلة خارجية (روسيا وتركيا ودول الخليج وبعض القوى الأوروبية) يدفع الليبيين إلى إقامة علاقات مع أمراء الحرب الأفراد، مما يؤدي إلى إدامة الانقسام الداخلي للبلاد ويعوق تحقيق وحدتها.

خطة ماتي

من ناحية أخرى، انتقدت الباحثة قرار وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي بعودة دوريات شرطة الآداب للعمل.

 واستنكرت بأنه يريد إنشاء شرطة أخلاق على غرار ما يحدث في إيران، وترى أن ذلك يشكل "خطوة كبيرة إلى الوراء" بالنسبة للحكومة الليبية التي أبرمت معها إيطاليا اتفاقيات في إطار خطة "ماتي". 

وهي خطة استثمارية أطلقتها إيطاليا في إفريقيا عام 2022، بقيمة أولية تبلغ أكثر من 5.5 مليار يورو. ويعود الاسم الذي أطلق عليها، إلى إنريكو ماتي، مؤسس شركة النفط الإيطالية "إيني". 

وتفترض أن تتأثر هذه الاتفاقيات سلبا لا سيما أن الخطة الإيطالية، وفق قولها، تنص أيضا على عملية دعم المزيد من الانفتاح على الحقوق. 

وتتوقع رد فعل من حكومة جورجيا ميلوني والمجتمع المدني قد تكون في شكل احتجاجات نسوية في الغرب الليبي، قد يوظفها حفتر لخلق المزيد من الارتباك. 

ونوهت إلى أهمية انعقاد منتدى الأعمال الإيطالي-الليبي في دورته الثلاثين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وشهد المنتدى مشاركة حوالي 250 شركة إيطالية وليبية بهدف تعزيز آفاق التبادل التجاري بين البلدين.

ووقعت خلاله حكومة الوحدة الوطنية الليبية ونظيرتها الإيطالية، 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات متنوعة، شملت الطيران المدني والتعاون الصحي وغيرها.

إلا أن الباحثة الإيطالية تلاحظ أن ليبيا لا تزال دولة غير مستقرة، محذرة من أن الأنشطة التجارية لا تزال تحفها المخاطر. 

علاوة على ذلك، أوصت بضرورة أخذ الشرق أيضا في الحسبان الإيطالي وطالبت حكومة بلادها بفتح قنوات الحوار مع حفتر لتجنب استعدائه.

كما شدد على أن استقرار البلاد ضروري ويتطلب دعم أوروبا "التي لازمت حتى الآن الصمت وظلت متحفظة".

وتؤكد أن إيطاليا تحتاج لتحقيق الاستقرار في ليبيا "لأن وحدة البلاد ستعني فرصًا أفضل لتنفيذ خطة ماتي للتنمية على ضوء ما سيوفره هذا العامل من فرص للاستثمار الأمن للشركات المهتمة".