كشفتها أعمال عنف جديدة.. ما مدى نفوذ مليشيات زينبيون في باكستان؟
"قوات الأمن الباكستانية تتعرض لتهديدات متكررة يقف خلفها لواء زينبيون"
عادت مليشيا "لواء زينبيون" الباكستانية المدعومة من إيران، لإظهار “نفوذها” في إسلام أباد عقب أعمال عنف ناجمة عن نزاعات قبلية ودينية في باكستان.
فقد أسفرت أعمال عنف طائفي في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بمنطقة كورام في إقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان عن مقتل 82 شخصا على الأقل وإصابة 156 آخرين.
والقتلى هم 16 من السنة، فيما ينتمي 66 إلى الطائفة الشيعية. وبدأت أعمال العنف، عندما هاجم مسلحون مجهولون قوافل من المسلمين الشيعة كانت تمر عبر المنطقة تحت حراسة الشرطة.
أعمال عنف
وقال المتحدث باسم الحكومة الباكستانية محمد علي سيف، إن مفاوضات بين الزعماء الشيعة والسنة أسفرت عن اتفاق على وقف العنف، حسبما ذكرت وكالتا رويترز البريطانية والصحافة الفرنسية.
وقد داهمت مليشيات "زينبيون" خلال أعمال العنف بعض القرى وأحرقتها، ورفعت راياتها على مداخل إقليم كورام ذات الأغلبية الشيعية، وأنزلت العلم الباكستاني.
كما ظهر مسلحون من مليشيات "زينبيون" وهم يحملون أسلحة، وهاجموا ممتلكات ومؤسسات حكومية بمنطقة كورام.
وبحسب مسؤولين محليين، فإن مجموعة مسلحة هاجمت سوق باغان، وهي منطقة ذات أغلبية سنية بمنطقة كورام.
وأفاد المسؤولون أن المهاجمين استخدموا أسلحة خفيفة وثقيلة، مما أسفر عن تدمير مئات المتاجر والمنازل.
وصرح أحد السكان المحليين حسبما نقلت قناة "الجزيرة" القطرية بأن السوق ومحيطه تعرضا لتدمير كامل؛ حيث قال "لم يتبق شيء يمكن إنقاذه في باغان، لا متاجر ولا منازل".
وأقر أحد المسؤولين المحليين بأن السلطات تعاني من نقص كبير في عناصر الشرطة والطواقم الإدارية اللازمة لاحتواء الوضع المتدهور في كورام.
وأكد أن الحكومة الإقليمية أُبلغت بضرورة نشر قوات إضافية بشكل عاجل للتعامل مع "الوضع الحرج".
وتأسست مليشيا "لواء زينبيون" عام 2014 على يد الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في القتال بسوريا دفاعا عن نظام بشار الأسد.
وتدخلت إيران عسكريا عام 2012 لإنقاذ نظام الأسد من السقوط أمام ثورة شعبية اندلعت ضده في مارس/آذار 2011.
وجرى تشكيل "لواء زينبيون"، الذي تم تجنيده بشكل رئيس من الباكستانيين الشيعة الذين يعيشون في إيران، ومنحوا رواتب بانتظام من الحرس الثوري.
والكثير من المجندين في "لواء زينبيون" هم من الشيعة الهزارة من بلوشستان وباراتشينار، وخيبر بختونخوا وهو أحد أقاليم باكستان الأربعة، ويقع في شمال غربي البلاد.
ويوفر الحرس الثوري الإيراني تدريبا لمدة 4 أسابيع قبل نشر مقاتلي "زينبيون" في قواعد تدريب خاصة داخل إيران، بعد إقناع المقاتلين بالحصول على إقامة دائمة في الجمهورية الإسلامية، ودفع راتب شهري لهم وتعليم أطفالهم.
وكثير من المقاتلين المنتمين لـ "زينبيون" هم من الطلاب الذين سافروا إلى إيران بهدف التعليم، أو من الحجاج الباكستانيين الذين يزورونها لأداء الشعائر الشيعية.
وسمي اللواء بهذا الاسم لتولي عناصره مهمة "حماية" مقام السيدة زينب بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب الواقع جنوب دمشق، وكي تضمن بذلك إيران تجنيد المزيد من الباكستانيين الشيعة وتواصل جذبهم تحت هذا الشعار.
وبحسب قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني، تحدث إلى قناة "إيران إنترناشيونال" بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن العنصر في لواء زينبيون يحصل على راتب شهري قدره 700 دولار,
ومع وجود نشاط لعناصر "لواء زينبيون" في منطقة كورام، فإن الطريقة التي جرى بها استهداف القافلة، تشير إلى أن الهجوم كان مدبرا.
فـ“كورام” هي المنطقة القبلية الوحيدة في باكستان التي تحد أفغانستان من ثلاث جهات بينما ترتبط بخيبر بختونخوا من جهة. ولهذا السبب، تسمى أيضا "منقار الببغاء".
وسبق هذا الهجوم الجديد، استهداف في 12 أكتوبر 2024 لمركبات تابعة للعشائر السنية في منطقة كورام، مما أدى إلى مقتل 10 أشخاص.
ومنذ يوليو/تموز 2024، خلفت أعمال العنف بين السنة والشيعة في منطقة كورام، أكثر من 160 قتيلا، وفقا لمصادر متطابقة.
"إرهاب طائفي"
يقول الباحث والصحفي في تلك المنطقة رفعت أوراكزاي، إن هذا التركيب الجغرافي بالذات أصبح يشكل تهديدا لكورام.
وأوضح لإذاعة صوت أميركا في 22 نوفمبر 2024، أن "التطرف في منطقة كورام القريبة من الحدود مع أفغانستان وفيها عدد كبير من السكان الشيعة يختلف عن بقية المنطقة من حيث اختلاف دوافعه المحلية والإقليمية والعالمية".
ويضيف: "شهد تقسيم الأراضي في تلك المنطقة على المستوى المحلي ولادة أعمال شغب طائفية".
وانخرط المسلمون الشيعة والسنة في صراعات قبلية وطائفية بباكستان، بسبب النزاعات على الأراضي لعقود من الزمن.
ويتأجج الصراع الشيعي ـ السني في باكستان كل عام تقريبا في شهر محرم، وعادة ما يكون السبب في هذا إما هجوم في المناطق التي يعيش فيها عدد كبير من الشيعة أو بسبب التعليقات والخطابات المتطرفة لرجال الدين الشيعة.
وأمام نشاطه المتنامي في باكستان، أعلنت إسلام أباد في أبريل/نيسان 2024، تصنيف لواء زينبيون "منظمة إرهابية".
وقالت وزارة الداخلية إن التنظيم المذكور يشكل تهديدا لأمن البلاد والقانون والنظام فيها.
وقال مسؤول كبير بوزارة الداخلية الاتحادية حينها إن التوصيات الأمنية بشأن "لواء زينبيون" وردت منذ أواخر عام 2022 بناء على تورطهم في حوادث "إرهاب طائفي" في باكستان.
وقبل تصنيف إسلام أباد اللواء منظمة إرهابية، كانت إدارة مكافحة الإرهاب تلاحق خلاياه وتتعقب نفوذه في البلاد.
ففي أواخر يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت باكستان عن اعتقال "إرهابي مدرب" في لواء "زينبيون".
ونقلت وسائل إعلام باكستانية عن "إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية" أن المشتبه به اعتقل خلال مداهمة لقوات الأمن في منطقة "بازار سرباز" في كراتشي، واعترف بأنه كان يجمع معلومات مهمة لصالح استخبارات "دولة مجاورة معادية".
ولم يذكر بيان إدارة مكافحة الإرهاب الباكستانية أي وكالة استخبارات محددة، لكن بعض وسائل الإعلام المحلية قالت إن إيران هي المعنية.
وأشير إلى أن هذا الشخص على صلة مباشرة بالهجوم على مفتي البلاد تقي عثماني والذي كان قاضيا سابقا في المحكمة العليا الباكستانية وعضوا دائما في الأكاديمية الدولية للفقه الإسلامي التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، وقد تعرض لمحاولة اغتيال في مارس/آذار 2019.
وآنذاك أعلنت الشرطة الباكستانية، أن هذا الهجوم محاولة واضحة لزعزعة السلام وتأجيج التوترات الطائفية في البلد الذي يشكل الشيعة ما يقرب من 10 بالمئة من سكانه البالغ عددهم أكثر من 220 مليون نسمة.
وتتعرض قوات الأمن الباكستانية لضغوط كبيرة في التعامل مع تهديدات متكررة يقف خلفها لواء "زينبيون".
ففي فبراير/شباط 2020، أعلنت قوات الأمن الباكستانية اعتقال أحد أعضاء لواء "زينبيون" في إقليم السند الباكستاني، مبينة أنها رابع حالة اعتقال خلال شهرين.
وقال مسؤولون أمنيون باكستانيون إن المعتقلين تلقوا في السابق تدريبات عسكرية في إيران.
وفي عام 2022 أعلنت وسائل إعلام باكستانية اكتشاف شبكة إيرانية لغسل الأموال، نقلت "مبالغ ضخمة من الأموال" بين باكستان وإيران والعراق في السنوات السبع الماضية.
وأشارت الوثائق حينها إلى وجود طرق غير مشروعة لتحويل الأموال من خلال الحوالات، كما بينت أن شبكة غسل الأموال استخدمت الوافدين الباكستانيين القادمين إلى إيران لزيارة مدينتي قم الإيرانية والنجف العراقية.
عمليات اغتيال
اللافت أن نشاط "لواء زينبيون" في باكستان الذي يقدر عدد أعضائه بما بين 2000 - 5000 شخص، يتعدى إلى تنفيذ عمليات اغتيال.
إذ جرى في 22 نوفمبر 2024 تقديم ثلاثة من عناصر "زينبيون" المحظورة إلى محكمة مكافحة الإرهاب الباكستانية، بعد تورطهم في قتل أحد سكان منطقة أنشولي في كراتشي بذات الشهر.
كما تنفذ إدارة مكافحة الإرهاب بباكستان بين الفترة والأخرى مداهمات ضد خلايا تنتمي إلى "لواء زينبيون".
فقد أعلنت الإدارة في 12 سبتمبر 2024 القبض على شخص من سكان روالبندي في إقليم بنجاب شمال شرق باكستان، يتبع لـ “لواء زينبيون”.
وقالت حينها الإدارة الأمنية إنه جرى "انتشال مواد متفجرة وعبوات ناسفة من الإرهابي" وإحالته للتحقيق.
ومنذ بروز دور "زينبيون" في سوريا على مدى عقد من الزمن كان السؤال: ماذا سيكون مصير هذه المليشيات؟
وأشار كثير من المراقبين إلى أنه من المحتمل أن يشكل أعضاء هذه المجموعة المسلحة ذات الخبرة الحربية تهديدا للأمن القومي الباكستاني في المستقبل.
وبحسب التقارير الصحفية، فإن الخطر الذي يشكله لواء زينبيون في باكستان يتمثل بتمكين هؤلاء المسلحين من إعادة فتح الجروح الطائفية الحساسة في هذا البلد عندما يُطلب منهم ذلك، مما يؤدي إلى إثارة عدم الاستقرار في المنطقة.
المصادر
- هدنة لأسبوع في باكستان بعد مقتل 82 شخصا بأعمال عنف طائفية
- کرم میں فائرنگ سے ہلاکتیں؛ کیا یہ صرف زمین کا تنازع ہے؟
- ANALYSIS - Iran-backed Zainabiyoun Brigade could become Pakistan’s new national security problem
- باكستان تصنف لواء "زينبيون" التابع للحرس الثوري الإيراني كـ"منظمة إرهابية"
- مقتل 32 شخصا في أعمال عنف طائفية بشمال غرب باكستان