مهرب هواتف يخلف عباس برئاسة السلطة "مؤقتا".. ضغوط أميركية أم لتجنب الصراع؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في توقيت مثير، وبالتزامن مع بحث السلطة الفلسطينية عن دور في مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، أصدر الرئيس محمود عباس قرارا، حدد بموجبه هوية خليفته ليعطي المنصب ضمنا، لشخصية قريبة منه.

عباس أصدر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مرسومًا دستوريا ينص على تولي رئيس المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) مهام رئيس السلطة حال شغور المنصب.

وسيتولى رئيس هذا المنصب (يرأسه حاليا روحي فتوح) الرئاسة لمدة 90 يوما تجرى خلالها انتخابات رئاسية حرة ومباشرة.

وفي إشارة ضمنية للصراع الدائر حاليا بين عدة شخصيات في السلطة على خلافة عباس، أكد القرار أنه "حال تعذر إجراء الانتخابات خلال تلك المدة، لقوة قاهرة، "تمدد (رئاسة فتوح) لمرة واحدة فقط"، ما يعني أن يظل في منصبه 6 أشهر لحين إجراء انتخابات.

ولم يحدد الإعلان الدستوري ما سيحدث في حال عدم إجراء انتخابات بعد 6 أشهر، وهل يجدد فتوح لنفسه في المنصب؟

وريث "غير شرعي"

اختيار "فتوح" يبدو محاولة من عباس، العاجز عن الحكم، لمنع الخلافات والصراع داخل السلطة بين الطامحين لخلافته.

كما يُرجح أنه جاء بسبب ضغوط أميركية وأوروبية تطالبه بالتنحي وإجراء "تحسينات" في السلطة الفلسطينية، بحيث تكون هناك شخصية أخرى يمكن التعامل معها بعيدة عن الرموز الحالية.

لكن الاختيار ذاته، عليه علامات استفهام، حيث سبق أن تورط فتوح في فضيحة فساد عام 2008 عندما تم القبض عليه أمام معبر اللنبي على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، وبحوزته 3000 هاتف محمول في سيارته.

وعلى الرغم من عدم شعبيته، ظل عباس البالغ من العمر 89 عاما رئيسا للسلطة الفلسطينية لمدة عقدين من الزمن.

وفي عام 2021، ألغى قرارا أصدره بإجراء أول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاما خشية فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالرئاسة والبرلمان.

وتعرض عباس والسلطة الفلسطينية لانتقادات بسبب قيامهم بدور الشرطي للاحتلال الإسرائيلي، والفساد المستشري وعدم قدرتهم على الحد من تعديات المستوطنين الإسرائيليين المتزايدة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.

وأثيرت تكهنات عدة حول أسباب قرار اختيار "روحي فتوح"، ولماذا لم يعين "عباس" أحد المتنافسين على المنصب من بعده؟

فمن أبرز الشخصيات التي كان يرجح أن تخلف عباس، يأتي اسم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، ورئيس المخابرات ماجد فرج، ورئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، الذي يفضله الغرب.

وخالف عباس عبر القرار النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية الذي ينص على تولي "رئيس المجلس التشريعي" المنتخب، لا "رئيس المجلس الوطني"، الرئاسة، في حال شغور منصب الرئيس مدة شهرين، تجرى خلالها انتخابات رئاسية.

وسبق أن طبق الفلسطينيون بنجاح هذه الآلية بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، لكنها لم تعد متاحة بعد حل عباس عام 2018 المجلس التشريعي برئاسة عزيز دويك أحد أبرز قادة حماس.

وكان "فتوح" هو رئيس المجلس التشريعي حينئذ (2004-2006)، لذا تولي الرئاسة الفلسطينية بشكل مؤقت بعد وفاة عرفات، ثم أشرف على الانتخابات التي جاءت بمحمود عباس.

واليوم، يوصف “فتوح” بأنه الوريث "غير الشرعي" للرئيس الحالي، لأنه كان من المفترض أن يتولى عزيز دويك رئاسة فلسطين حال غياب عباس، لكن رئيس السلطة حرمه مبكرا من ذلك بحل المجلس التشريعي.

أي أن عباس تسلم الرئاسة من ذات الرجل الذي قد يعيدها إليه إلى حين إجراء انتخابات وفقا للإعلان الدستوري الأخير.

ثلاثة تفسيرات

قرار تعيين "فتوح" رئيسا، حال غياب عباس، وهو لم يزل في السلطة ولم يمت بعد، يطرح عدة تساؤلات وتفسيرات. هل السبب هو مرضه وشيخوخته التي جعلته غير قادر على أداء مهامه؟

أم عدم رغبة إسرائيل وأميركا في التعامل معه، لأنه دعم محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية، رغم جعله أبواب التنسيق الأمني مع الاحتلال مشرعة على مصراعيها؟

أم أن عباس يخشى من تفكك السلطة من بعده، واندلاع صراع بين القادة المتنافسين على خلافته، خاصة بين حسين الشيخ وماجد فرج وروحي فتوح؟

وفي يناير/كانون الثاني 2022 صعدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح برئاسة عباس، ثلاث قيادات يوصفون بأنه "وكلاء إسرائيل".

هم: روحي فتوح لرئاسة المجلس الوطني الفلسطيني وحسين الشيخ لعضوية اللجنة التنفيذية، وعزام الأحمد لأمانة السر في منظمة التحرير.

وينظر إلى فتوح، وهو عضو في الجيل المؤسس للسلطة الفلسطينية، على أنه “شخصية منخفضة المستوى”.

لذا يفسر قرار عباس على أنه محاولة لتجنب صراع الخلافة، خاصة مع شخصيات رئيسة مثل الشيخ وكبار قيادات فتح جبريل الرجوب ومحمود العالول.

ويؤكد العضو في حركة "فتح"، "محمد الجمال"، أن تعيين فتوح رئيسا للسلطة بعد عباس، جاء بسبب الضغوط الكبيرة التي تُمارس على القيادة الفلسطينية، ضمن التدخلات الدولية لحماية إسرائيل من المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية.

وقال إن السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوط مكثفة لسحب الشكاوى المقدمة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية أو تجميدها، وبسببها قدمت مذكرة اعتقال ضد نتنياهو، وقرار تعيين خليفة للرئيس عباس جاء كرفض وتحدٍّ لهذه الضغوطات".

أشار إلى أنه في حال رفض عباس الرضوخ لهذه الضغوط، فقد تتحرك الولايات المتحدة وإسرائيل نحو إنهاء وجوده السياسي.

وهو سيناريو قد يشمل "الاغتيال" كوسيلة لإزاحته، ما يفتح الباب أمام فوضى سياسية، يمكن أن تستغلها إسرائيل لضم الضفة الغربية وإنهاء الكيان السياسي للسلطة الفلسطينية.

ووصف الجمال تعيين خليفة للرئيس في هذه المرحلة بأنه "محاولة استباقية من عباس لمنع حدوث فراغ سياسي في حال غيابه المفاجئ، وذلك لتجنب استغلال إسرائيل لهذا الوضع لتحقيق أهدافها".

أيضا قال مصدر رفيع في حركة فتح لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، 27 نوفمبر 2024 إن هذه الخطوة جاءت نتيجة "ضغوط أميركية هائلة". 

وأكد أن هناك خطة لتشكيل لجنة لإدارة شؤون غزة بعد الحرب، لكن السلطة لن تتمتع بأي قرار داخل هذه اللجنة، بسبب الفيتو حول عباس.

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية القادمة مهتمة بمسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ما قد يؤدي لتقليص دور عباس وسلطته.

كما رجحت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية 28 نوفمبر 2024، هذا السيناريو، مشيرة إلى أن عباس "يتعرض للدفع للاستقالة" لذا اختار خليفة له مستقبلا.

قالت إن تعيين روحي فتوح خليفة له مؤقتا، معناه أن يخلفه إذا حان الوقت لاستبداله.

ونقلت "هآرتس" عن مسؤولين في مقر السلطة برام الله، نفيهم أن تكون صحة عباس دفعت إلى إصدار المرسوم، "لكنهم اعترفوا أن ضغوطا خارجية أثرت على القرار"، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

وقالت مصادر فلسطينية رفيعة للصحيفة إن عباس تعرض لضغوط لإعلان اعتزاله أو اختيار بديل له إذا لم يعد قادرا على أداء مهامه.

وقد نقلت شبكة "بي بي سي" البريطانية 28 نوفمبر 2024، عن مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات" هاني المصري، أن عباس تعرض لضغوط أميركية وسعودية بتعيين نائب له "لكن استجابته (بهذا المرسوم) جاءت مضللة".

قال إن الضغوط التي مارستها السعودية والإدارة الأميركية على الرئيس الفلسطيني كانت من أجل ضمان استمرارية السلطة بعد غيابه، لكنه لم يقدم حلا لهم بهذا الإعلان الدستوري (بتعيين فتوح).

وأشار إلى أن "الرئيس وجد طريقة لسد فجوة الفراغ السياسي في حالة غيابه لكنه ليس واقعيا لأنه من الصعب حدوث انتخابات في ظل الوضع الفلسطيني الحالي.

تداعيات القرار

من المفارقة أنه رغم الحديث عن ضغوط وتهديدات إسرائيلية لمحمود عباس، واستمرار الحرب في غزة، أكدت صحيفة "هآرتس" 29 نوفمبر 2024 أن "التعاون الأمني ​​الإسرائيلي الفلسطيني في الضفة الغربية لا يزال قويا".

وبينت أنه "من المدهش أن نرى المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين يفتقدون تماما إلى المشاعر إزاء محنة حماس في غزة، ويسألون فقط مثلنا عن تدخل إيران في الضفة الغربية"!

ويري محللون فلسطينيون أن قرار عباس الذي يقال إن هدفه هو تلافي اندلاع صراع بين المتنافسين على الرئاسة من بعده، ستكون له – عكس المتوقع- تداعيات سلبية تزيد من الصراع وتؤججه، أو تؤجله فقط في أحسن الأحوال.

المحلل الفلسطيني ياسر الزعاترة قال إن "روحي فتوح لا يملك قيمة تُذكر بين أجنحة فتح، ما يعني بقاء الصراع مفتوحا على مصراعيه".

وكانت مصادر فلسطينية قالت لـ "الاستقلال" إن حسين الشيخ "مايسترو التنسيق الأمني مع الاحتلال" لقمع المقاومة، مفضل من قبل إسرائيل لتولي السلطة.

أوضحت أن إسرائيل تعد الشيخ أحد رجالاتها، لأنه يعادي المقاومة الشعبية في الضفة، وكذا المسلحة في غزة، واشتهر بعقد لقاءات وفتح خطوط ساخنة مع الاحتلال لقمع المقاومين.

القرار يعني أيضا مصادرة الديمقراطية الفلسطينية، وتعيين رئيس صوري أو خليفة بدون انتخابات ما يعني احتكار حركة فتح والموالين للرئيس عباس، وغالبيتهم "وكلاء لإسرائيل"، للسلطة وإلغاء الانتخابات بحجج مختلفة.

وقد أكدت صحيفة "هآرتس" أن مسؤولين في حركة فتح حذروا من أنه إذا تم تنفيذ المرسوم، فإنه سيدفع الفصائل الفلسطينية والأطراف الدولية والعربية للمطالبة بتنظيم انتخابات سريعة لكل من الرئاسة والبرلمان. 

"لكن البعض يرى في هذه الخطوة تكتيكا للسماح للدائرة الداخلية لعباس بالاحتفاظ بالسيطرة، مع عمل فتوح كرئيس صوري"، وفق الصحيفة الإسرائيلية.

توقيت القرار كذلك مريب، لأنه يأتي في وقت سعى فيه الاحتلال الإسرائيلي لإضعاف حركة حماس ومنعها من الحكم في غزة مقرها الأكبر، لا الضفة فقط، ما لا يعطي الحركة المقاومة فرصة لدخول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حاليا.

مهرب هواتف!

وروحي فتوح هو الممثل الشخصي لمحمود عباس منذ عام 2006 والمفوض العام للعلاقات الدولية لحركة فتح منذ عام 2017، ضمن مناصب سياسية أخرى.

وسبق أن تولى رئاسة السلطة الفلسطينية مؤقتا عام 2004، بصفته رئيس المجلس التشريعي آنذاك، عقب وفاة الرئيس ياسر عرفات.

وحينها، استمرت رئاسته 60 يوما، أُجريت خلالها انتخابات عامة انتهت بفوز عباس.

جرى ضبطه وهو يُهرب هواتف، بعد تركه الرئاسة بـ 4 سنوات، ورئاسة البرلمان الفلسطيني بعامين فقط (عام 2006 بعد فوز حماس).

صحيفة جيروزاليم بوست، التي كشفت الفضيحة في 22 مارس/آذار 2008، ذكرت أن فتوح كان يهرب هواتف تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات.

قالت: استخدم روحي فتوح بطاقة VIP لتهريب نحو 3 آلاف هاتف محمول من الأردن إلى مقر السلطة الفلسطينية بطريقة غير مشروعة".

واكتشفت إسرائيل حادثة التهريب واعتقلت فتوح ثم سلمته للسلطة الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين لا يُعرف مصير هذه القضية.

وحينها، قالت مصادر أمنية في السلطة الفلسطينية إنها لا تستبعد احتمال أن يكون "روحي فتوح جزءا من شبكة أكبر من المهربين تضم في عضويتها مسؤولين كبارا يحملون بطاقات كبار الشخصيات الصادرة عن إسرائيل".

ونفى فتوح أي صلة بالهواتف الخلوية، وحمل سائقه المسؤولية، وأفرج عنه وعن السائق بعد أن صادر الضباط الهواتف الخلوية، التي تقدر قيمتها بأكثر من 300 ألف دولار حينها.

وقد أحرجت هذه القضية قيادة السلطة في رام الله بشكل خطير، حيث أعرب قادتها عن غضبهم الشديد إزاء تورط مسؤول كبير في محاولة التهريب. 

وانضم روحي فتوح إلى صفوف حركة فتح منذ بدايات 1968 حيث التحق بقوات العاصفة التابعة لها في الأردن.

تلقى تدريبه العسكري في الكلية العسكرية في العراق ليلتحق بعدها بقواعد الثورة في الأردن ولبنان وسوريا.

وبدأ عمله السياسي في حركة فتح (إقليم سوريا) حيث كان أمين سر التنظيم والمكتب الحركي للطلاب ورئيس الهيئة الإدارية في فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في ذلك البلد.

ووصل في نهاية السبعينيات إلى منصب عضو الهيئة التنفيذية لاتحاد طلبة فلسطين. ثم انتخب في المؤتمر العام الخامس لحركة فتح عام 1989 عضوا في المجلس الثوري، وبدأ تولى مناصب عدة.

ويمثل "المجلس الوطني" الذي يرأسه فتوح حاليا، السلطة العليا للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها، وفق الدستور.