اتفاق إثيوبيا - الصومال.. كيف أصبحت تركيا لاعبا رئيسيا بالقرن الإفريقي؟

محمود مصلحان | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

بفضل الدور التركي الفعّال، انتهت أزمة أرض الصومال، التي استمرت لفترة بين الصومال وإثيوبيا، وهما دولتان من منطقة القرن الإفريقي.

فتحت رعاية الرئيس رجب طيب أردوغان، اجتمع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في العاصمة أنقرة، وتوصلا إلى اتفاق لحل الأزمة التي استمرت قرابة العام بين البلدين.

وفقا للاتفاق الذي جرى بوساطة تركيا، سيتم الحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية، كما تم إيجاد حل لمحاولات إثيوبيا الوصول إلى البحر.

وأكدت تركيا أن الطرفين اتفقا على تجاوز الخلافات والمسائل المثيرة للجدل، والمضي قدما بحزم نحو تحقيق الازدهار المشترك. 

كما صرحت أنقرة أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحلول فبراير/ شباط 2025 وإكمالها خلال 4 أشهر.

بداية الأزمة

واندلعت الأزمة بين إثيوبيا والصومال الدولتين الجارتين في القرن الإفريقي، في الأول من يناير/ كانون الثاني 2023.

وبدأت بعد إبرام إثيوبيا اتفاقا مع إقليم "أرض الصومال" الانفصالي، منح الإذن لأديس أبابا باستخدام سواحل الإقليم على خليج عدن لأغراض تجارية وعسكرية.

وفي عام 1991، أعلنت أرض الصومال الواقعة بمنطقة القرن الإفريقي انفصالها عن الصومال، الذي حصل على استقلاله من بريطانيا عام 1960.

إلا أنه على مدى السنوات الثمانية والعشرين الماضية، ظلت أرض الصومال غير معترف بها رسميا كدولة - وهو وضع تستاء منه.

ولذلك تسعى الجمهورية المعروفة أيضا باسم "صوماليلاند" إلى كسب اعتراف دولي من خلال إبداء عقد اتفاقات جدلية أبرزها استضافة قواعد عسكرية بحرية.

ورفضت مقديشو صفقة إثيوبيا مع "أرض الصومال"، ووصفتها بأنها "غير شرعية وتشكل تهديدا لحسن الجوار وانتهاكا لسيادتها".

فيما دافعت الحكومة الإثيوبية عن الاتفاق قائلة إنه "لن يؤثر على أي حزب أو دولة". وجاء الاتفاق ضمن مساعي إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر. 

ووفقا لمذكرة التفاهم، تمتلك إثيوبيا موقعًا في ميناء بربرة التابع لأرض الصومال، بينما ستحصل الأخيرة على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية.

من ناحية أخرى، في حال اكتمال الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا، ستصبح الأخيرة أول بلد يعترف بالإقليم الانفصالي كـ "دولة مستقلة".

وفقدت إثيوبيا ميناءها بعد انفصال إريتريا في أوائل التسعينيات، وخاضت العديد من الحروب للوصول إلى البحر خلال فترة الإمبراطورية. 

وحاليا، تعتمد إثيوبيا على الموانئ في الدول المجاورة لتسيير حوالي 90 بالمئة من تجارتها الخارجية.

وعبر الاتفاق الأخير، اتفق الطرفان “بروح الصداقة والاحترام المتبادل على تنحية خلافاتهما والقضايا المتنازع عليها جانبا، والمضي قُدما بعزم في أجواء التعاون تماشيا مع هدف الرخاء المشترك”.

واتفقا على العمل معا “بشكل وثيق للتوصل إلى نتائج فيما يتعلق بالإجراءات التجارية ذات المنفعة المتبادلة من خلال الاتفاقيات الثنائية”.

ويشمل ذلك "العقود والإيجارات والأدوات المماثلة، التي ستمكن إثيوبيا من التمتع بوصول آمن وسليم ومستدام إلى البحر ومنه، تحت السلطة السيادية للصومال".

البحث عن السلام

ومنذ تدخلها لحل الأزمة بين إثيوبيا والصومال، أكدت تركيا ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي الدول المعنية.

في الأول من يوليو/ تموز، اجتمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة مع نظيره الإثيوبي تاي أتسكه سيلاسي ووزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي أحمد معلم فقي. 

وهو اجتماع تكرر مع نفس الشخصيتين في 27 سبتمبر/أيلول في "البيت التركي" بمدينة نيويورك الأميركية.

وقد تمحورت الاجتماعات حول إيجاد حل متوازن وقابل للتطبيق ومفيد للطرفين للأزمة بين البلدين، استنادا إلى أسس عملية أنقرة.

وقبلها، أسفرت لقاءات يوليو عن إصدار "بيان أنقرة المشترك" الذي أشار إلى تقدم كبير في المفاوضات.

وفي الثالث من أغسطس/ آب، زار فيدان إثيوبيا، حيث ناقش العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى عملية التوافق مع الصومال والقضايا الإقليمية.

وفي إطار هذه العملية، انعقدت الجولة الثانية من المحادثات بين إثيوبيا والصومال في 12 أغسطس، برعاية وزير الخارجية التركي.

وأكد طرفا النزاع مجددا التزامهما بحل الخلافات بطرق سلمية، وأعربا عن تقديرهم لتركيا ومساهماتها البناءة. كما اتفقا على ضرورة حل النزاعات وتحقيق الاستقرار الإقليمي.

وبعد المحادثات التي أجريت بوساطة تركيا، صرح آبي أحمد خلال كلمته أمام البرلمان في الرابع من يوليو، بأنهم لا يرغبون في تقسيم الصومال.

ورحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالاتفاق وأشادا بدور تركيا فيه.

أنشطة تركيا الإقليمية

وفي تطرقه للاتفاق، قال مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA) إن “العمل وفقا للالتزامات الدولية وبموافقة الصومال على وصول إثيوبيا إلى البحر يعد مكسبا مهما للبلدين”. وأكد أن ذلك يوفر فرصا للتكامل الإقليمي وتعزيز التعاون.

وفي 8 فبراير/ شباط 2024، وقعت تركيا والصومال اتفاقية إطارية للتعاون في مجالي الدفاع والاقتصاد.

خلال هذه العملية، حصلت الصومال على اتفاقية شاملة مع تركيا شملت الجوانب الدفاعية والاقتصادية.

وقد عزز الجانب الدفاعي من الاتفاق الأمن في الصومال، بينما قدمت الجوانب الاقتصادية مساهمات مهمة للبلاد.

وحاليا، تواصل سفينة الأبحاث التركية "أوروتش رئيس" أنشطتها في المياه الصومالية، مما يبرز الدور الاقتصادي في الاتفاقية. 

ومن المتوقع أن تعمق الاتفاقية العلاقات بين إثيوبيا والصومال بفضل التعاون المستقبلي الناجم عنها.

وأشار المقال إلى أن "البحث عن التعاون بدلا من الصراع والأزمات سيوفر فوائد اقتصادية لكل من البلدين وللمنطقة ككل".

ووُصفت الاتفاقية بأنها فرصة كبيرة لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار في منطقة القرن الإفريقي.

وفي هذا السياق، وصف الخبير البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، ويل براون، الاتفاقية بأنها "خبر كبير"، مشيرا إلى أن تحركات تركيا في مجالي التجارة والدفاع أظهرت تأثيرها الكبير في منطقة القرن الإفريقي.

وفي تحليله بوسائل الإعلام التركية، قال الكاتب والباحث الإثيوبي عبد الحكيم كلالي: "ينظر كلا البلدين إلى تركيا كصديق وشريك".

وأضاف: "على سبيل المثال، قد يزعج هذا الاتفاق إسرائيل التي ترغب في إنشاء قاعدة عسكرية في المناطق الانفصالية بالصومال".

وأردف قائلا: "بشكل عام، هذا الاتفاق يحترم القانون الدولي وسيادة الدول، ومن المتوقع أن يلقى تقديرا من المجتمع الدولي".

التأثير على مصر

وعن تأثير الاتفاق على القاهرة، يعتمد دور مصر في منطقة القرن الإفريقي على عدة عوامل، أهمها منع توسع نفوذ إثيوبيا في المنطقة.

بالإضافة إلى ضرورة القضاء على التهديدات الناشئة من المنطقة بالتعاون مع الدول المعنية.

ولم يتمكن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي من اتخاذ موقف حاسم ضد بناء سد النهضة الإثيوبي.

ولذلك، أكملت أديس أبابا بناء السد بنسبة كبيرة، وبدأ تشغيله في عام 2022، مما وفر لإثيوبيا قيمة مضافة في توليد الكهرباء.

بدوره، أشار الخبير ويل براون، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، إلى أن إثيوبيا ربما تتخلى عن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، لكنها ستحتفظ بوصولها إلى الموانئ.

ورأى أن هذه خسارة لحملة الاعتراف الدولي بأرض الصومال، لكنها تُعد انتصارا كبيرا لمقديشو التي تسعى بالتعاون مع مصر، لمواجهة إثيوبيا.

وأضاف الخبير أن هذا قد يؤدي إلى صراع وكيل بين مصر وإثيوبيا، وهو ما لا تحتاجه المنطقة أو العالم في الوقت الحالي.

وحول التأثير المتوقع على القاهرة، أشار  السفير التركي السابق وأستاذ العلاقات الدولية، البروفيسور أحمد قواس، إلى أن مصر كانت من بين الدول المستفيدة من هذا الاتفاق.

وأوضح أن العلاقات المتوترة بين مصر وإثيوبيا بسبب مياه النيل دفعت القاهرة للتقرب من مقديشو.

ومع الاتفاق، أصبح من الممكن بناء مستقبل مشترك في المنطقة بدلا من تشكيل تحالفات متعارضة بين دول مثل مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي.

وأضاف أن أي تصعيد للتوترات، مثل تلك التي يشهدها السودان، سيؤثر سلبا على مصر التي تعاني بالفعل من ظروف اقتصادية صعبة. 

وذكر أنه "لو عُقد هذا الاتفاق في القاهرة بدلا من أنقرة، لكانت مصر قد اكتسبت مزيدا من الاحترام في المنطقة".

فوائد لتركيا

في تصريح خاص لصحيفة "الاستقلال"، أوضح أحمد قواس، أن العلاقات التاريخية بين تركيا والصومال تعود إلى الحقبة العثمانية، لكنها انقطعت بسبب الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي في القرن الإفريقي.

وقد شهدت العلاقات تحسنا كبيرا منذ 2011، حيث دعمت تركيا الصومال في أصعب الظروف، مما جعلها شريكا موثوقا للصوماليين في القضايا الأمنية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.

أما بالنسبة لإثيوبيا، فقد استمرت علاقاتها مع تركيا منذ 1926، إلا أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب، خاصة مع اندلاع حرب تيغراي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. 

وفي تلك الفترة، عندما واجهت إثيوبيا عزلة دولية، تلقت دعما كبيرا من تركيا.

ويؤكد قواس أن الاتفاق بين إثيوبيا والصومال، في أنقرة، يمكن أن يكون نموذجا لحل النزاعات في مناطق أخرى بإفريقيا.

وأشار إلى أن العلاقات التركية-الصومالية تجاوزت العلاقات الثنائية لتشمل دولا أخرى مثل جيبوتي وإثيوبيا. 

وتوقع أن تلعب إريتريا أيضا دورا أكبر في شبكة العلاقات المشتركة في المستقبل. وأوضح أن الاتفاق قد يساعد في تهدئة توترات البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.

وهو ما يمهد الطريق لرياح السلام بين الضفتين العربية والإفريقية للبحر الأحمر.

وشدد على أهمية التعاون الإقليمي لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، بدلا من الاعتماد على العواصم الأوروبية لحل القضايا الإقليمية.

وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، أشار إلى أن تركيا أظهرت تقدما مستمرا في علاقاتها مع دول القرن الإفريقي.

ونجحت الشركات التركية في تنفيذ مشاريع كبرى مع شركاء محليين، مما رفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا إلى 40 مليار دولار، مع تحقيق توازن تدريجي في هذه العلاقات التجارية.

واختتم قواس بالقول إن اتفاق الصومال وإثيوبيا يعزز موقع تركيا في المنطقة وإفريقيا بشكل عام، مما يفتح الباب لتعاون أكبر في المستقبل.