عودة أفغانستان لأولويات السياسة الخارجية الأميركية.. ما الذي يجذب ترامب إليها؟”

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مرارا، انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عهد الرئيس جو بايدن، وعدّه ذريعة لفشل الديمقراطيين في معظم خطاباته الانتخابية. 

وبحسب موقع “الدبلوماسية الإيرانية”، "تطورت الأوضاع بحيث اضطرت الولايات المتحدة، في إطار إستراتيجيتها لزعزعة استقرار آسيا وخلق انقسامات في محور آسيا، إلى اعتماد إستراتيجية إعادة التوازن، مما أدى إلى انسحاب مفاجئ وغير متوقع من أفغانستان".

وبعد ذلك انهارت الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، وصعدت حركة طالبان إلى السلطة بعد عشرين عاما من الحرب وإراقة الدماء.

والآن، بعد هزيمة الديمقراطيين في الانتخابات الأميركية، يسعى ترامب الجمهوري، استنادا إلى قرارات "غير تقليدية ومتسرعة"، إلى إعادة فتح ملف أفغانستان.

في هذا السياق، تناول الموقع الإيراني أسباب عودة أفغانستان إلى دائرة الضوء الأميركية بعد انسحاب الولايات المتحدة منها؛ حيث يبحث عن دوافع إعادة ترامب فتح هذا الملف المغلق وإدراجه ضمن أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

وتساءل: “هل تطمح إدارته إلى لعبة دموية في أفغانستان؟ وما الذي يجذب ترامب إليها؟”

“انسحاب كارثي”

وعزا الموقع اهتمام ترامب بأفغانستان إلى عشرة أسباب؛ الأول هو "محاولة إصلاح صورة الولايات المتحدة التي تضررت بشدة جراء الانسحاب الكارثي من أفغانستان".

وتابع: "كان هذا الانسحاب سريعا ومتسرعا وغير متوقع لدرجة أنه حتى منافسي الولايات المتحدة في محور آسيا تفاجأوا به، ودخلوا على الفور في تفاعل تكتيكي غير تقليدي مع طالبان".

ورأى أن "هذا الأمر كان صادما للولايات المتحدة، التي لم تتوقع أن يتفاعل محور آسيا مع طالبان بهذه السهولة".

مدعيا أن "الحسابات الأميركية للانسحاب من أفغانستان كانت مرتكزة على خلق اضطرابات أمنية لمحور آسيا تحت حكم طالبان".

واستدرك: "لكن حصول طالبان على الأسلحة التي تركتها الحكومة الجمهورية المنهارة، إلى جانب ضخ أكثر من عشرين مليار دولار خلال ثلاث سنوات، جعل طالبان أكثر جرأة؛ حيث تعلموا اتباع نهج التوازن المحوري في التعامل مع المنطقة والقوى العابرة للدول لضمان بقائهم في السلطة".

وأشار التقرير إلى أن "سياسة طالبان أدت إلى خشية الولايات المتحدة من استمرار اللعبة الأمنية في أفغانستان، خوفا من أن يسيطر محور آسيا على اللعبة ويوجهها نحو مصالحه".

حيث رأى أن "هذا أمر غير مقبول ومزعج للولايات المتحدة، التي تعد الصين العدو الرئيس والتهديد الأول لأمنها القومي".

ولذلك، يعتقد أنه "على وجه الخصوص، يمكن عدّ الوجود الصيني القوي واستخدام أفغانستان لتسهيل ممرات النقل التجاري الصيني والوصول إلى الموارد الطبيعية في أفغانستان؛ السبب الرئيس لاهتمام ترامب بالعودة إلى أفغانستان".

السبب الثاني، بحسب التقرير، كان "السياسة الصادمة التي اتبعتها طالبان، فكما ذكر، كانت سياسة طالبان المحورية في التوازن والتقارب غير المتوقع مع محور آسيا، مفاجئة للولايات المتحدة".

ورأى أن "هذه الخطوة البارعة من طالبان لتحقيق مصالحهم القصوى غير مقبولة للولايات المتحدة، ولم تكن متوقعة في حساباتها الإستراتيجية".

وأضاف: "الآن، يسعى ترامب إلى توجيه هذه اللعبة لصالح المصالح الأميركية من خلال العودة إلى أفغانستان".

إلى جانب ذلك، توقع التقرير أن يكون أحد دوافع ترامب هو "تبنيه سياسة جديدة تهدف إلى توجيه اللعبة الأمنية الدموية في هذا البلد بشكل أفضل، مع التركيز على جيران أفغانستان".

صفقة مربحة

أما السبب الرابع، فيعود إلى أن ترامب ينظر إلى قضية أفغانستان كملف "ذي قيمة معنوية عالية وأهمية كبيرة".

واستطرد: "ترامب ليس نابليون الذي يحسم المعارك في ساحات الحرب ويتقاسم المكاسب، بل هو تاجر سياسي يفكّر في المصالح القصوى لبلاده من خلال اللعب على هامش الألعاب الكبرى، وهذا لا ينطبق على قادة أميركيين آخرين".

"لذا، عند اتخاذ قرارات بشأن قضايا حيوية تتعلق بالأمن القومي الأميركي، فإنه بلا شك سيدخل في صفقة سياسية مربحة في أفغانستان"، كما افترض الموقع.

"خامسا، مع إدراك ترامب للوضع المزري الجديد في أفغانستان تحت سيطرة طالبان، وحاجة هذه الجماعة إلى تأمين تكاليف حكمها، فإنه يملك أداة فعالة لتوجيه طالبان نحو مسار يخدم المصالح الحيوية الأميركية". يقول التقرير.

وأكمل: "هذه الأداة تتمثل في المساعدات المالية والدعم السياسي الذي يمكن أن يجعل طالبان غير قادرة على التمرد على الولايات المتحدة، وهذه الورقة الرابحة تدفع ترامب إلى إعادة النظر في أفغانستان تحت سيطرة طالبان".

ويهدف ترامب أيضا -حسب التقرير- إلى "ثني الجوار الإقليمي لأفغانسان عن دعمها". فمن خلال السعي الجاد لتحقيق الأهداف الحيوية الأميركية في أفغانستان تحت حكم طالبان، يشير التقرير إلى أن "دول الجوار الأفغاني قد تعيد النظر في طريقة تعاملها مع طالبان".

هذا -بحسب رأي التقرير- قد "يدفع طالبان، تحت ضغط الضرورة، إلى الامتثال بشكل مُذلّ لمطالب الولايات المتحدة الأمنية والسياسية والاقتصادية في عهد ترامب".

ويعتقد أن "هذه السياسة ستتيح لترامب فرصا أكبر لخلق اضطرابات في محور آسيا، وبالتالي يغتنم هذه الفرصة ويعيد التركيز على أفغانستان".

من جانب آخر، لفت الموقع إلى أن "ترامب لا يولي اهتماما بالقضايا الرمزية والقيمية في السياسات الأميركية السابقة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والتعليم والعمل وفرض القيم الأميركية".

وأردف: "المصالح الحيوية الأميركية هي الأولوية في حسابات ترامب وفريقه، دون أي تغيير جوهري في السياسات الأميركية الرئيسة تجاه أفغانستان وإستراتيجية زعزعة استقرار آسيا".

ولم يستبعد التقرير أن "يتفاوض ترامب مع طالبان بشكل أفضل للوصول إلى صفقة سياسية مربحة وملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في أفغانستان".

وشدد على أن "هذا لا يعني عودة القوات الأميركية عسكريا إلى أفغانستان، بل الهدف الأساسي هو استخدام ورقة طالبان لخدمة المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة".

وفي هذا السياق، يمكن أن تكون السيطرة على قاعدة بغرام هدفا رئيسا لهذه الإستراتيجية، حسب ما أفاد التقرير.

"وجود ناعم مطلوب"

وعزا الموقع الفارسي السبب الثامن إلى "إدراك ترامب أهمية وأولوية الوجود في مناطق إستراتيجية وذات أهمية جيوسياسية مثل أفغانستان؛ إذ لا تقتصر أهمية أفغانسان على القضايا الداخلية فحسب".

فمن هذا المنظور، "تعد أفغانستان قضية مهمة ولا يمكن تجاهلها في حسابات الولايات المتحدة لمواصلة صراعها العالمي مع منافسيها"، كما ذكر الموقع.

وأضاف: "كما يهدف ترامب إلى إرسال رسالة إلى منافسي الولايات المتحدة في محور آسيا، والتأكيد على أن المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية والجيوسياسية الكبيرة التي كانت تابعة للولايات المتحدة لا يمكن لأحد أن يطمع بها".

وبتقدير أن أفغانستان تعد إحدى هذه المناطق، أشار التقرير إلى "أهميتها الكبيرة في الصراع الأميركي ضد منافسيها"، مؤكدا أن "التنافس مع محور آسيا يتطلب وجودا ناعما في أفغانستان".

أما السبب العاشر والأخير، فيشير التقرير إلى أن "فريق ترامب، الذي يضم وزير الدفاع، ومستشار الأمن القومي، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية، وأعضاء بارزين في إدارته، تربطهم صلة وثيقة بحرب أفغانستان".

"وقد انتقد هذا الفريق مرارا سياسات إدارة بايدن خلال السنوات الثلاث الماضية تجاه أفغانستان"، حسب التقرير.

ولذا، رجح الموقع "أن القرار الجماعي الذي اتخذه فريقه سيجعل وجهة نظر أميركا بشأن أفغانستان أكثر جدية".

وتابع: "لا يمكن لترامب أن يفكر بمعزل عن فريقه، إذا فعل ذلك، كما حدث في فترته السابقة مع استقالات أعضاء فريقه، فلن يكون مختلفا عن بايدن، وستكون انتقاداته ذات طابع رمزي فقط. لذا، لا يريد ترامب أن يترك إرثا من الفشل كما فعل بايدن".

"وهكذا، بسبب موقع أفغانستان الحساس، والدخول في مرحلة جديدة من لعبة القوى العالمية، والصراع بين الشرق والغرب، والتحول نحو نظام عالمي ما بعد القطب الواحد، وطمع الدول في الوصول إلى الموارد غير المستغلة في آسيا الوسطى في إطار لعبة كبرى جديدة، أعاد ترامب وفريقه الاهتمام بأفغانستان مرة أخرى"، كما رأى الموقع.

ويعتقد أن "هذه العودة الأميركية إلى أفغانستان لن تكون لصالح الشعب الأفغاني"، مشيرا إلى أن "المنتفعين من اللعبة سيكونون من طبقة التكنوقراط وطالبان وقوى المنطقة، والولايات المتحدة وحلفائها".

واختتم بالقول: "اللعبة الدموية في صراع القوى الكبرى تجد أرضا خصبة مثل أفغانستان، وستستمر في إطار هذا الصراع، وسيظل الشعب الأفغاني الضعيف دائما ضحية غير مقصودة لسياسات القوى الكبرى المتعارضة".