سلسلة اختراقات في بيئة حزب الله.. هكذا يجند الموساد العملاء في لبنان

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

يتكشف يوما بعد يوم حجم "الاختراق الأمني" الإسرائيلي في لبنان، عبر نجاح تل أبيب في توسيع "شبكة العملاء" التابعين لها بغرض استهداف حزب الله وإضعاف نفوذه في هذا البلد؛ إذ أضعفت مواجهة حزب الله الأخيرة مع إسرائيل "لمساندة غزة" (8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 - 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024)، قدرته الاستخبارية على ملاحقة "العملاء" ومنع تأثيرهم على تحركات قادته وعناصره.

فقد تمكنت السلطات اللبنانية من القبض على عملاء لإسرائيل في البلاد خلال الآونة الأخيرة، ووجهت لهم تهما بإعطاء معلومات وإحداثيات عن شخصيات تتبع لحزب الله وأبنية يستخدمها الأخير.

“عملاء في لبنان”

وتفجرت خيوط هذه الشبكة التابعة لإسرائيل، بعدما وجهت اتهامات خطيرة بـ "العمالة مع الموساد" (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي) بحق المنشد الديني اللبناني المعروف محمد هادي صالح.

وهذا الأخير من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت وينتمي إلى بيئة حزب الله، وفق ما نقل موقع "جنوبية" المحلي.

وبحسب ما ورد في تسريبات إعلامية غير رسمية، ذكر الموقع أن محمد صالح كان قد دخل عالم البورصة والاستثمار في الأسهم خلال العامين الأخيرين، مما أدى إلى تراكم ديون كبيرة عليه.

وتشير المعلومات إلى أنه، وبعد أن أغلقت أمامه سبل الخروج من أزمته المالية، "اضطر للتعامل مع الموساد"، وفق ما جاء في التسريبات.

وتضيف أن المسألة ظلت طي الكتمان لفترة إلى أن جرى الكشف عنها أخيرا بعد أن احتال على أحدهم بمبلغ 18,500 دولار ضمن عمليات متعلقة بالأسهم". 

وبعد تقديم شكوى ضد صالح، اعتقلته الأجهزة الأمنية اللبنانية، وأثناء فحص هاتفه المحمول جرى العثور على "تواصل مباشر بينه وبين الموساد".

وقال موقع "جنوبية": إن هذا الاكتشاف الذي وقع بالصدفة أدى إلى فضح القضية، وأن صالح "موقوف منذ أبريل/نيسان 2025 ويخضع للتحقيق".

وفي تطور القضية، ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، في 14 مايو 2025، على "محمد هادي صالح"، بتهم تشمل التعامل مع العدو الإسرائيلي والتورط في التسبب بقتل لبنانيين.

 وجاء في الادعاء أن صالح تقاضى مبالغ مالية من العدو وصلت إلى 23 ألف دولار أميركي نظير خدماته التجسسية، بعدما كان التحقيق الأولي يشير إلى علاقته بعمليات نصب، ليتم اكتشاف العمالة بعد تفحص هاتفه. 

والمفارقة الصادمة في قضية "صالح" تكمن في خلفيته، فهو ابن بيئة تعرف بقربها من “حزب الله”؛ إذ إن والده في جهاز التعبئة التابع لحزب الله، كما أن قريبه قاسم هو أحد قتلى هذه الجماعة.

وتشير بعض التقارير إلى أن عملية تجنيد صالح ربما جرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حين تقول أخرى: إنه "هو من بادر بطلب التعامل مع العدو".

وقال "جنوبية": إنه "يجرى تناقل معلومة مفادها أن صالح أباح بمعلومات عن ستة قادة و34 عنصرا في حزب الله".

وأثارت عملية اعتقال صالح غضبا واسعا بين مناصري حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين هالهم الخبر. 

وعمد المناصرون إلى نشر كم هائل من الصور التي جمعت "صالح" مع العديد من عناصر حزب الله، الذين قتلوا منذ أكتوبر 2023.

وكان صالح يكتب عليها تعليقات مثل "هنيئا لك يا حبيبي"، و"أخي وعزيزي ومبعث افتخاري"، و"لعلي أراك"، و"الله ييسر أمرك يا حبيبي". 

واللافت أن قضية "صالح" سرعان ما أخذت بالتفاعل لتتكشف خيوط جديدة لشبكة "عملاء إسرائيل" في لبنان؛ إذ بدأت وسائل إعلام محلية في تداول معلومات جديدة عن القبض على "عملاء آخرين"، على الرغم من تكتم السلطات اللبنانية عن التفاصيل.

وأفيد بإلقاء القبض على "عميل جديد في بلدة الغسانية يُعتقد أنه مرتبط بشبكة صالح". 

وجرى تداول معلومة بأن أحد العملاء الموقوفين لدى السلطات، امرأة في الهيئات النسائية في حزب الله قدَّمت معلومات أسهمت في "اغتيال أقارب لها".

"عوامل واقعية"

وتلقى حزب الله الذي تأسس عام 1982 على يد الحرس الثوري الإيراني بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ضربات موجعة من تل أبيب عقب دخوله في المواجهة الأخيرة والتي تحولت إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، قبل شهرين من وقف إطلاق النار.

ومنذ ذلك الحين ركزت إسرائيل على تنفيذ عمليات اغتيال تنال مواقع أو درّاجات نارية أو سيارات يقودها قادة أو عناصر تابعون لحزب الله.

لكن مستوى الغارات ارتفع ووصل إلى حد اغتيال قادة من الصف الثاني وليس الثالث، قبل أن تبدأ سلسلة جديدة من الاستهدافات تركزت على الصف الأول من حزب الله.

وبالفعل، قُتِل قرابة 80 بالمئة من قيادات حزب الله عبر عمليات اغتيال مباشرة من قبل إسرائيل في أماكن وجودهم بلبنان، وعلى رأسهم الأمينان العامان السابقان حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، جراء ضربات متفرقة في ضاحية بيروت الجنوبية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، خسر حزب الله 5 آلاف مقاتل في المواجهة مع إسرائيل.

وأوضحت الصحيفة أن أكثر من 1000 آخرين يعانون من إصابات بالغة، بما في ذلك بتر أطراف وعمى دائم تسببت به تفجير إسرائيل لأجهزة الاتصال "بايجر" التي كان يحملها بعض عناصر وقادة الحزب.

ولطالما كان حزب الله، يشير باستمرار إلى قوة احتياطاته الأمنية ومتانتها أمام الاختراق الإسرائيلي.

وقد كان تركيز إسرائيل على استهداف العنصر البشري لحزب الله المدرب وصاحب الخبرة القتالية الطويلة، بهدف تصفية وجوده في لبنان؛ إذ أضعفت تلك الاغتيالات سلسلة القيادة في الحزب التي كانت تتولى تنسيق العمليات والمواجهة مع إسرائيل.

وكان اتباع إسرائيل "إستراتيجية العملاء" قد جرى على نطاق واسع مع التركيز على طبيعة الشخصيات التي يكون تجنيدها ليس بالسهل مثل المنشد الديني.

وهنا يرى محللون أن الاختراقات الإسرائيلية في لبنان عبر العملاء الجدد تسهّلها عوامل آنية نشأت مع تآكل نفوذ حزب الله عقب المواجهة الأخيرة مع إسرائيل؛ إذ وفرت المتغيرات الجديدة مجموعة ممكنة للتجنيد لصالح القوى الإسرائيلية مقابل أموال وفيرة.

وضمن هذا السياق، قال الباحث في الشأن الإيراني عمار جلو لـ "الاستقلال": إن "نتائج هذه المواجهة بين حزب الله وإسرائيل الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك وجود اختراقات أمنية كبيرة في صفوف الجماعة.

و"هي اختراقات عمودية وأفقية أيضا، نظرا لما تركته هذه المواجهة من تصفية أمين عام الحزب حسن نصر الله مع مجموعة كبيرة من قيادة الصف الأول والثاني، بمن فيهم الخليفة المحتمل له، هاشم صفي الدين".

وأضاف جلو أن "هذه التصفيات ما كانت لتتم بالارتكاز على التقدم التكنولوجي ومراقبة الاتصالات مع سائر أدوات الرصد الشبكي والمعلوماتي، وإنما تحتاج لأشخاص على الأرض تراقب وتبلغ".

“وهو ما ظهر جليا في عملية تصفية صفي الدين، والذي أنذرت إسرائيل مرارا بعدم الاقتراب من مكان استهدافه”.

وأردف جلو: "جاء الإنذار نتيجة توفر مؤشرات لديها ببقائه حيا لأيام تحت الأنقاض بعد عملية الاستهداف، وهذا إلى جانب عمليات أخرى تم تنفيذها مع وصول الهدف إلى مكان معين".

وكانت معلومات تحدثت أن صفي الدين لم يمت مباشرة جراء الغارات الإسرائيلية على منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية لبيروت في العاشر من أكتوبر 2024؛ حيث كان يتحصن تحت أحد الأبنية هناك، إلا أنه قضى اختناقا بعدما صمد ما بين يوم و3 أيام، مع 7 من كوادر الحزب.

أما عن الأسباب الواقعية لتوسع شبكة العملاء لإسرائيل في لبنان، فيرجعها جلو إلى “تدخل حزب الله لدعم نظام (بشار) الأسد المخلوع في سوريا، وتمدده الواسع فيها في مناطق مكشوفة أمنيا”.

وهو "ما شكّل ساحة إثراء للأجهزة الاستخباراتية بتجنيد عملاء لها بلبنان، بالإضافة لمن جرى تجنيدهم سابقا تحت إغراءات المال أو الستر على فضائح تهدد حياتهم أو مستقبلهم".

ورأى جلو أن "اختراق أجهزة اتصالات حزب الله عبر عملية بايجر في 17 سبتمبر 2024، أسهمت بشكل كبيرة في إنشاء بنك معلومات هائل من قبل الجانب الإسرائيلي، حيث عمل الأخير على تصفيتها وترتيبها ومتابعتها وتحليلها ومن ثم البناء عليها بالاستهدافات والتجنيد للعملاء".

ورأى أن “الكشف عن العميل محمد هادي صالح، قد يكون خبرا عاديا بعد أخبار مماثلة في السنوات الخمس الماضية”.

 لكن ما هو غير اعتيادي، يكمن في حجم الاختراقات القادمة للحزب، وعلى مستويات القيادة ربما، أو حتى كشف المزيد من العملاء مستقبلا.

وأردف أن "غياب الصف الأول والثاني لقيادات حزب الله، سيرفع مستوى القيادات الخلفية إلى الواجهة، التي تعرضت لأكبر عمليات تجنيد واختراق".

"ثغرة اجتماعية"

وقضية عملاء إسرائيل في لبنان ليست جديدة، فقد تزايد عددهم وفق كثير من التقارير الصحفية عقب الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد عام 2019 وما تزال مستمرة.

وفي "رقم قياسي"، أوقفت القوى الأمنية اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي 185 شخصا يشتبه في تعاملهم مع إسرائيل.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 عن مسؤولين أمنيين لبنانيين، قولهم: إن من بين هؤلاء 182 جرى تجنيدهم بعد بدء الأزمة الاقتصادية.

وأُحيل 165 شخصا من الموقوفين إلى القضاء، بينهم 25 صدرت بحقهم أحكام، وبينهم شخصان "أرسلا رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى الموساد يطلبان العمل معه".

وبحسب المصدر الأمني، فإن عدد التوقيفات بتهمة التعامل مع إسرائيل، لم يتخط أربعة أو خمسة أشخاص سنويا، قبل بدء الانهيار الاقتصادي.

ويبدو أن الإسرائيليين وجدوا في ذلك فرصة مناسبة، ففتحوا حسابات لشركات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تستقبل طلبات توظيف، ويستهدفون عبرها لبنانيين يبحثون عن عمل.

وقد أظهرت التحقيقات مع الموقوفين أن الإسرائيليين يتواصلون لاحقا مع مقدمي طلبات التوظيف عبر الهاتف، وفق المسؤولين الأمنيين.

في أكتوبر 2024 أوقف الجيش اللبناني اثنين، قال: إن إسرائيل جنّدتهما عبر مواقع التواصل لتوثيق آثار الغارات التي تشنها على مناطق عدة في لبنان.

وأشار الجيش إلى أنه نتيجة عمليات رصد ومتابعة لشبكات التجسّس وعملاء العدو الإسرائيلي، جرى إيقاف الشخصين لإقدامهما على تصوير أماكن ونقاط مختلفة وتوثيق آثار الغارات الجوية المعادية ومتابعة عمليات البحث والإنقاذ وانتشال الجثث للتحقق من نتائجها.

وبحسب بيان للجيش نشر على منصة إكس في 5 أكتوبر 2024 فإن الاحتلال يعمد إلى نشر محتوى إعلامي على بعض منصات التواصل، مثل مقاطع الفيديو والروابط والتطبيقات لاستدراج المواطنين إلى مواقع مخصصة للتجسس وجمع المعلومات أو تجنيد العملاء.

ولبنان وإسرائيل في حالة عداء رسمي، وقد وأوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية على مر السنوات عشرات الأشخاص بشبهة التعامل مع تل أبيب.

وصدرت أحكام قضائية في حق عدد من الموقوفين وصلت إلى السجن لمدة 25 سنة.