ماكرون يوثق علاقاته مع البرازيل لإعادة النفوذ الفرنسي لإفريقيا .. كيف ذلك؟
بدأ برنامج البرازيل لبناء الغواصات في 2008 خلال فترة ولاية لولا السابقة
في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس فرنسي منذ 11 عاما، حط إيمانويل ماكرون رحاله في البرازيل في 26 مارس/آذار ولمدة 3 أيام.
وخلال الزيارة، دشن ماكرون رفقة نظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا غواصة بنيت بتكنولوجيا فرنسية في إطار برنامج بناء غواصات برازيلية تعمل بالطاقة النووية بحلول نهاية العقد الحالي.
بناء الغواصات
وبدأ برنامج البرازيل لبناء الغواصات في 2008 خلال فترة ولاية لولا السابقة، ضمن شراكة مع مجموعة نافال الفرنسية التي تديرها الدولة.
إلا أن موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي يرى أن زيارة الرئيس الفرنسي إلى الدولة اللاتينية تتعدى مجرد إحياء الشراكة وتأكيد استمرارها خاصة في مشروع بناء الغواصات.
ويرى أنها تخفي رغبة في استغلال العلاقات الجيدة بين البرازيل والدول الإفريقية الناشئة وتشاركهما في نفس الرؤى وذلك من أجل العودة لاكتساب النفوذ المفقود في القارة السمراء.
وقال الموقع إن الشراكة مع الشركة الفرنسية أتاحت لحوض بناء السفن بقاعدة الإنشاءات البحرية في إيتاغواي بولاية ريو دي جانيورو، أن يصبح واحدا من أحدث أحواض بناء السفن الموجودة.
وأضاف أن تطوير غواصة تعمل بالطاقة النووية، ساعد البرازيل في تحقيق قفزة مهمة ستقودها إلى أن تصبح واحدة من أولى الدول في العالم التي تملك مثل هذه الغواصة على الرغم من عدم امتلاكها للسلاح النووي.
وذكر أن تسليم هذه الغواصة شهد بعض التأخير بسبب ما يُشاع أنه تردد فرنسي في نقل تكنولوجيا الدفع النووي إلى الدولة اللاتينية.
لذلك يرى أن زيارة ماكرون إلى البرازيل كانت بغاية تبديد الشكوك حول انسحاب محتمل للمجموعة البحرية الفرنسية من المشروع والذي كان يُخشى منه في ظل التقدم البطيء في بناء الغواصة الجديدة.
وقد أكد ماكرون للبرازيليين أنه يريد فتح "فصل جديد" في المشروع، مضيفا أن " فرنسا ستكون إلى جانبكم إذا رغبتم في ذلك".
ووفق ما ينقل الموقع الإيطالي عنه، قال إنه "لم نتشارك قط الكثير من المعرفة كما فعلنا مع البرازيل، ونحن فخورون بذلك".
تقاسم الرؤى
من جانبه، رد لولا دا سيلفا بأنه "إذا كانت البرازيل تريد الوصول إلى المعرفة المتعلقة بالتكنولوجيا النووية، فذلك ليس لشن الحرب بل لدعم البلدان التي تريد السلام".
وقد أكدت السلطات البرازيلية أن فرنسا أصبحت الآن أكثر استعدادا للتعاون بشأن الغواصة النووية الجديدة.
إلى ذلك، تطرق ماكرون ولولا إلى مسائل أخرى تتعلق بالأوضاع السياسية الخارجية الراهنة، وقد شدد الرئيس الفرنسي على أن البلدين يتقاسمان "نفس الرؤية للعالم وتوازن القوى فيه".
وقال ماكرون "نرفض عالما أسير الصراع بين قوتين كبريين (واشنطن وبكين) ونحب استقلال الدبلوماسية والجيوش الكبيرة"، مضيفا أن فرنسا والبرازيل ترفضان أن تكونا "تابعتين" لقوى عالمية أخرى.
وشدد "إننا نرفض تقسيم العالم والتبعية هذا ما يوحدنا"، مؤكدا أن باريس مستعدة "للمضي أبعد من ذلك" بإبرام اتفاقيات عسكرية أخرى مع البرازيل.
لاحظ الموقع الإيطالي أن الرئيس الفرنسي يواصل الدعوة إلى رؤيته الإستراتيجية لأوروبا بعد أن دعا عام 2021 إلى تحقيق "الاستقلال الإستراتيجي".
وقد عاد للحديث عن هذه الرؤية في أبريل /نيسان 2023 في مقابلة صحفية عقب زيارة الى الصين، داعيا إلى أن يكون "الحكم الذاتي الإستراتيجي معركة أوروبا المستقبلية، إذا أرادت أن تبني نفسها قطبا عالميا ثالثا".
رفض الهيمنة
وبالتالي، يقرأ الموقع الإيطالي تصريحات ماكرون في البرازيل على أنها خطاب فيه استمرارية لما قاله في السنوات السابقة بشأن رفض الهيمنة الأميركية.
وأضاف، بحسب تحليله، أن هناك تفسيرا ثانيا أكثر إثارة للاهتمام لهذه التصريحات على صعيد علاقات الإليزيه مع القارة الإفريقية المتدهورة في السنوات الأخيرة إلى حد انسحاب قوات باريس العسكرية من بعض بلدان "إفريقيا الفرنسية".
وأوضح أن التركيز على العمل ضد "التبعية" وعلى رفض رؤية عالم "أسير الصراع بين قوتين كبريين"، يشكل موضوعا "عزيزا للغاية" على البلدان الإفريقية الناشئة.
في هذا الصدد، أعاد التذكير بما أكده البروفيسور غوستافو دي كارفالو، الباحث في مجال الحوكمة والدبلوماسية الإفريقية في مقابلة سابقة أن هذه الرؤية تتلخص في أن الترحيب بالقوى الأجنبية يجب أن يقترن بتحقيق الرفاهية المحلية وألا يكون ذريعة للمنافسة بين الدول.
كما أردف إنسايد أوفر أن زيارة ماكرون إلى البرازيل تكتسب أهمية كبيرة خصوصا أنها أُجريت بعد أسابيع قليلة من جولة لنظيره البرازيلي إلى شرق إفريقيا.
وفي تلك المناسبة، قال لولا دا سيلفا في خطابه خلال القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا إن "إفريقيا شريك رئيس للتعاون بين بلدان الجنوب".
وأكد كذلك أن الجانبين "سيسهمان بشكل أكبر لكي يكون العالم عادلا"، موضحا أن "التعددية القطبية الجديدة هي أفضل نهج للقرن الحادي والعشرين".
كما شدد أن إفريقيا تعد جزءا مهما من العالم بالنسبة للجنوب العالمي، مؤكدا على "ضرورة بناء مشروع اجتماعي شامل فقط للسماح لنا ببناء مجتمع مزدهر حر وديمقراطي وسيادي".
وهي غاية سامية، يقول الموقع الإيطالي إن البرازيل تتشاركها مع الدول الإفريقية الناشئة ضمن مسار أساسي بهدف مواجهة العولمة مع الحفاظ على استقلالها وخصوصيتها، إلى جانب المشاركة بنشاط في الديناميكيات الدولية.
وهنا يستشهد بأن التصويت أخيرا على قرار الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان باقتراح من عشرة أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن وبتقديم مندوب الموزمبيق.
في هذا الإطار، ألمح الموقع الإيطالي إلى أن فرنسا، التي قال إنها تدعم علنا السياسات البرازيلية دوليا، تأمل في إمكانية "العودة عبر النافذة" إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وذلك بعد أن غادرتها من الباب.
وأشار إلى أن ذلك حدث في مرحلة تاريخية يبحث خلالها "جنوب العالم" عن مكانه في المحفل العالمي ويوجه أنظاره أيضا إلى الدول المنافسة للغرب مثل روسيا والصين ولديه في نفس الوقت رغبة في ألا يكون ساحة معركة بين القوى العالمية.