تعمق علاقاتها مع خصوم واشنطن.. كيف يمكن تقييم العلاقات بين أميركا والهند؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

تمر العلاقات بين الهند والولايات المتحدة الأميركية بمرحلة اختبار، وسط تعميق نيودلهي علاقاتها مع خصوم واشنطن ودول أخرى مثل إيران التي يفرض عليها البيت الأبيض عقوبات.

واتخذت الهند خطوة تقاربية تجاه إيران بعد أن وقعت معها في 13 مايو/أيار 2024، عقدا مدته عشر سنوات لتطوير وتشغيل ميناء تشابهار الإيراني، مما يعزز العلاقات بين البلدين وسط تحذير أميركي من هذه الخطوة.

يعتقد "مركز الدراسات الجيوسياسية" الإيطالي أن الاتفاقية ستختبر صبر الولايات المتحدة على المواقف الهندية في السنوات الأخيرة خصوصا فيما يتعلق بعلاقات نيودلهي بموسكو وبالصراع في أوكرانيا.

 وألمح إلى إمكانية أن تخدم الاتفاقية المصالح الأميركية والهندية على حد سواء خاصة في تحدي النفوذ الصيني بالمنطقة.

وقال وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بازرباش إن الاتفاق، المبرم بين شركة الموانئ الهندية العالمية المحدودة ومنظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية ينص على أن تضخ الأولى استثمارات بنحو 120 مليون دولار.

 وكذلك تمويل إضافي حجمه 250 مليون دولار، ما يرفع قيمة العقد الإجمالية إلى 370 مليون دولار.

ميناء تشابهار

من جانبه، قال وزير الشحن الهندي سارباناندا سونوال إن "أهمية ميناء تشابهار تتجاوز دوره كمجرد قناة بين الهند وإيران، فهو شريان تجاري حيوي يربطنا أيضا بأفغانستان ودول وسط آسيا".

ومباشرة بعد توقيع العقد، حذرت واشنطن الشركات الهندية من خطر عقوبات تُفرض عليها إذا استثمرت في إيران.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل لصحفيين "على كل كيان -أيا كان- معني بصفقات تجارية مع إيران أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة التي يعرض نفسه لها والمخاطر المحتملة للعقوبات".

وعن أهمية الميناء الإيراني، نوه مركز الدراسات الإيطالي بأنه "لا يمكن فهم الاهتمام الهندي به إلا من خلال النظر في المنطقة بأكملها"، مؤكدا في البداية على ارتباط الهند بعلاقات قوية وتاريخية مع دول آسيا الوسطى.

وقال إن "هذه العلاقات تطورت في العقود الأخيرة خاصة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وذلك بفضل مبادرات حكومة " بي في ناراسيمها راو" رئيس الوزراء الهندي (بين 1991 و 1996) في تعزيز استقرار المنطقة ومحاربة التطرف".

ويشير في ذلك إلى حقبة صعود حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان ومصلحة الهند في "منع انتشار الحركات الراديكالية ومزيد النفوذ الباكستاني في دول المنطقة". 

وبدورها، واصلت حكومة رئيس الوزراء الأسبق أتال بيهاري فاجبايي سياسات سلفه راو، لتبرم في سياق سياسة الجوار الممتد، اتفاقيات مختلفة لتحسين العلاقات تعلقت بالأمن والاتصال والتجارة.

كما أعادت حكومة رئيس الوزراء التالي مانموهان سينغ التأكيد على الاهتمام الهندي بالمنطقة من خلال سياسة "التواصل مع آسيا الوسطى".

النشاط الحالي

من جهته، لم يقتصر رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي على مواصلة سياسات أسلافه، وإنما استثمر وعزز العلاقات في المنطقة مستغلا إطارا جيوسياسيا ملائما أكثر. 

يذكر المركز أداءه في يوليو/تموز 2015 جولة إلى آسيا الوسطى قادته إلى خمس دول في المنطقة، أبرم خلالها اتفاقيات مختلفة تشمل الطاقة والتجارة والأمن والتبادلات الثقافية.

وفي العام التالي، زار إيران ووقع اتفاقية لتطوير ميناء تشابهار وطلب الانضمام إلى اتفاقية "عشق أباد" للنقل الدولي وعبور البضائع بين كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران وعمان.

وعام 2017، أصبحت الهند عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية تجمع بين دول آسيا الوسطى (باستثناء تركمانستان) بالإضافة إلى الصين وروسيا وباكستان، انضمت إليها إيران عام 2023.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، عُقد الاجتماع الوزاري الأول للحوار بين الهند وآسيا الوسطى بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والترابط والتعاون الأمني بين دول المنطقة ونيودلهي.

كما أنشئ “مجلس الأعمال بين الهند وآسيا الوسطى” عام 2020، بهدف إطلاق مجموعات عمل في قطاعات محددة مثل الطاقة والأغذية الزراعية والمنسوجات والسياحة والأدوية وشركات الطيران.

ولاحظ مركز الدراسات الإيطالي أن اهتمام الهند بالمنطقة واسع النطاق ولا يقتصر على "النفاذ إلى المواد الخام مثل اليورانيوم والغاز الطبيعي والذهب، بل يشمل أيضا أسواق التصدير خاصة في مجال الأدوية فضلا عن المصلحة المشتركة في مكافحة انتشار التطرف".

وبحسب قوله، تظل الجغرافيا العقبة الرئيسة أمام تطور العلاقات بين الطرفين، هذا مع الأخذ في الحسبان أن نيودلهي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع بعض دول المنطقة مثل باكستان والصين.

وكذلك وجود دول غير مستقرة للغاية في المنطقة على غرار أفغانستان وأخرى قد فُرضت عليها عقوبات دولية ثقيلة مثل إيران.

كل ذلك لم يمنع من أن يصبح "الطريق الإيراني" عبر ميناء تشابهار البوابة المفضلة لنيودلهي إلى منطقة آسيا الوسطى، لكنه لم يُستغل بالشكل المثالي حتى الآن خشية "الانتقام" الأميركي.

الموقف الأميركي

وأشار مركز الدراسات الإيطالي إلى أن الأميركيين تسامحوا حتى الآن مع الاستثمارات التي نفذتها نيودلهي في تشابهار.

على الجانب المقابل، امتنع الهنود عن الدخول في استثمارات جديدة وكذلك عن شراء النفط والغاز الإيراني.

إلا أنه يرى أن نيودلهي عادت مجددا بتوقيع اتفاق 13 مايو "لاختبار صبر واشنطن الذي جرى اختباره بالفعل بقرار الهند عدم إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا".

بالإضافة إلى عدم فرضها عقوبات على روسيا، فضلا عن مواصلة شرائها للنفط من موسكو ما مكن الأخيرة من مواصلة تمويل حربها ضد كييف.

ورجح عدم وقوع تداعيات محتملة على العلاقات مع الولايات المتحدة بعد "مقامرة مودي" المتمثلة في توقيع عقد تطوير الميناء الإيراني رغم تلويح واشنطن بالعقوبات.

 وعزا ذلك إلى تكثيف الروابط الجيدة بين الطرفين أخيرا على الرغم من العلاقات الهندية مع روسيا وكذلك عضوية نيودلهي في منظمات مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون.

في هذا السياق، أدرج المركز تصريح وزير الخارجية الهندي إس جايشانكار بأن الاستثمار الهندي في تشابهار "يصب في مصلحة الجميع".

ويفسر المركز الإيطالي هذا التصريح بالتأكيد أن "حضورا أكبر لنيودلهي في آسيا الوسطى من شأنه أن يسمح لها بمنافسة المبادرات التجارية ومبادرات النفوذ الصينية مما يوفر لدول المنطقة بديلاً وإمكانية الحفاظ على سياسة الحياد".

علاوة على ذلك، خلص المركز إلى القول إن "الهند، لن تكون بفضل هذه الاستثمارات، شريكا للولايات المتحدة في إستراتيجية احتواء الصين في آسيا الوسطى فحسب، بل سيمكنها ذلك على المدى الطويل من لعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران".