مع التقدم الخاطف للمعارضة السورية.. ما مدى قدرة إيران على حماية بشار الأسد؟
"هذه مؤامرة صهيونية أميركية"
تمر إيران بمرحلة حرجة وسط الهجوم الذي يشنه ثوار سوريا على مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، حيث تجد نفسها مضطرة للتعامل مع واقع حليفها المُنهَك "حزب الله"، وتعقيدات وجودها في لعبة جيوسياسية معقدة تتداخل فيها أجندات متعددة.
وفي تقرير له، تساءل موقع "المونيتور" الأميركي: هل تستطيع إيران الدفاع عن الأسد وسط الهجوم على مناطق سيطرة النظام؟
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، باغتت المعارضة السورية النظام بشن عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان"، نحو قرى وبلدات خاضعة لسيطرة قوات الأسد.
وسرعان ما اتسعت العملية وتمكنت المعارضة من السيطرة على عدة مدن، كان آخرها إدلب وحلب، مع الزحف نحو حماة.
قلق بالغ
وقال الموقع إن "إيران تفاعلت بقلق بالغ مع الهجوم المستمر الذي تشنه فصائل الثوار في سوريا، حيث ظلت على مدار أكثر من عقد تدعم حليفها، الأسد، منذ انزلقت البلاد إلى الحرب قبل أكثر من عقد من الزمان".
وبحسب "وكالة إرنا" الإيرانية، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في محادثة هاتفية مع نظيره لدى النظام السوري، فيصل مقداد، في 29 نوفمبر 2024: "هذه مؤامرة صهيونية أميركية".
ووفقا لوزير الخارجية الإيراني، فإن المخطط المزعوم للولايات المتحدة وإسرائيل أعاد تنشيط "المتمردين" بعد "هزائم النظام الصهيوني في لبنان وفلسطين"، مجددا تعهد طهران بدعم دمشق في مواجهة "الإرهاب وحماية استقرار المنطقة".
وأشار الموقع إلى أن "حزب الله" اللبناني لعب دورا محوريا في حماية نظام الأسد من الانهيار، وكان فعالا بالأخص في استعادة الأراضي من الثوار في اشتباكات عام 2016 حول حلب".
ومع ذلك، يعاني الحزب الآن من استنزاف كبير في قدراته القتالية وشبكاته اللوجستية، حيث تضررت سلسلة القيادة بشكل كبير جراء أشهر من الضربات الإسرائيلية المكثفة وعمليات الاغتيال المستهدفة.
وفي ظل هذا الهجوم الأخير، يرى العديد من المحللين الإيرانيين أن الثوار يستغلون هذا الفراغ الناتج عن ضعف "حزب الله".
فوصفت "وكالة تسنيم"، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، هجمات الثوار بأنها "مرحلة جديدة" في الحملة المعقدة التي تقودها واشنطن ضد "حزب الله"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتعطيل خطط إعادة تنظيم الحزب خلال فترة الهدنة الحالية مع "إسرائيل".
وفي نفس السياق، أفادت وسائل الإعلام الإيرانية المتشددة بأن الضربات الإسرائيلية تدعم تقدم "المتمردين"، وتستهدف شل قدرة حزب الله عبر قطع طرقه اللوجستية، في محاولة واسعة لتقويض نفوذ طهران في سوريا.
صراع على المحك
وقال الموقع إن "دعم تركيا للفصائل المناهضة للأسد كان دائما مصدر توتر مع طهران، ورغم التعاون الظاهري بينهما في "عملية أستانا" -وهي مبادرة دبلوماسية تهدف إلى استقرار سوريا- إلا أن طهران وأنقرة تواصلان السعي نحو أجندات متباينة في البلد الذي مزقته الحرب".
وقد أبدت إيران استياءها من الهجوم الأخير للثوار، وترى أنه يعرض للخطر "الإنجازات" التي تحققت بموجب اتفاق أستانا، الذي يشمل روسيا ويحدد مدينة حلب كمنطقة لخفض التصعيد.
ووفق رصد المونيتور، فقد هاجمت كل أطراف الطيف السياسي الإيراني، من المتشددين والإصلاحيين، تركيا مباشرة.
حيث أشار السياسي الإيراني البارز والنائب السابق لرئيس البرلمان، علي مطهري، في منشور له على منصة "إكس"، إلى أن أنقرة تستفيد من الهجوم، وأن توقيته بعد الهدنة في لبنان لم يكن صدفة.
وادعى "مطهري" أن هناك تعاونا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطة لعرقلة إعادة تعزيز حزب الله لمكانته الإقليمية.
كما اتهم الإعلام الإيراني تركيا بالاستفادة من هذه اللحظة لدفع مصالحها قُدُما، في وقت أُضعف فيه "حزب الله"، وتركز فيه روسيا على الأزمة في أوكرانيا، مع التكهنات بوجود "تحالف خفي" بين تركيا وإسرائيل يهدف إلى عزل إيران وأذرعها الإقليمية.
إستراتيجية إيران بسوريا
وقال الموقع: "طوال فترة الحرب السورية، روجت إيران لرواية مفادها أنه "إذا لم نقاتل الإرهابيين في سوريا، فسنضطر إلى محاربتهم في طهران".
هذه العبارة أصبحت مبررا لتزايد انخراط الحرس الثوري الإيراني في سوريا، حيث لعب "فيلق القدس" دورا كبيرا في هذا التدخل.
وتُعتبر سوريا بمثابة عنصر سياسي وجغرافي أساسي بالنسبة لإيران في تنفيذ سياستها الإقليمية القائمة على الأيديولوجيا، وفق الموقع.
ولكن في خضم الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقع "فيلق القدس" تحت ضغط هائل، حيث فقد العشرات من ضباطه رفيعي المستوى في ضربات إسرائيلية موجهة، ضد منشآت مرتبطة بالحرس الثوري في سوريا.
ففي أبريل/نيسان 2024، قُتل سبعة جنرالات من فيلق القدس في غارة جوية واحدة على القنصلية الإيرانية في دمشق، مما قاد إلى سلسلة من الضربات المباشرة بين إيران و"إسرائيل".
وتشير تقارير إلى أن الحملة الإسرائيلية أجبرت إيران على إعادة تقييم، وتقليص وجودها المكلِّف في سوريا، والذي أصبح الآن أكثر تعقيدا بسبب الهجوم الذي شنه الثوار.
وقد أكد "فيلق القدس"، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مقتل أحد قادته، العميد كيومرث بور هاشمي، بالقرب من حلب.
وقال الموقع: "في حين أن عملية القتل هذه قد لا تكون الأخيرة، فإن تعميق أزمة حلب يسلط الضوء على نقاط الضعف التي تواجهها القوات الإيرانية في أحدث فصول الحرب السورية".
وأضاف أنه "بناءً على كيفية تدخل اللاعبين الآخرين، لاسيما حليفتها روسيا ومنافستها تركيا، قد تتخذ إيران قرارا بنقل قوات إضافية إلى سوريا للتصدي لتقدم الثوار".
"على النقيض من ذلك، قد تلجأ إيران إلى الخيار الثاني المتمثل في تقليص العمليات بحذر، على الأقل بشكل مؤقت، لتجنب إرهاق قواتها، وبالتالي قد يقتصر دعمها للأسد على الإدانات السياسية"، وفق الموقع.
واستدرك: "إلا أن هذا الخيار قد يعرض طهران لخطر فقدان حليف رئيسي، ويزيد من تعقيد وضعها الإقليمي، وهو ما تفاقم بشكل أكبر منذ اندلاع الحرب في غزة".
وختم قائلا إنه "في ظل وضع من الانتظار والترقب، ستضطر إيران إلى إعادة تقييم التحديات التي تواجه طموحاتها الإقليمية في مشهد جيوسياسي سريع التقلب، وربما تجد أن استراتيجيتها التقليدية لم تعد تلائم أجندتها السياسية".