حكومة المغرب ترفع الراية البيضاء أمام لوبي الأدوية "الفاسد".. ماذا يجرى؟

عالي عبداتي | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رفعت الحكومة المغربية برئاسة عزيز أخنوش الراية البيضاء أمام لوبي صناعة واستيراد الأدوية بالبلاد، في خلاصة توصلت إليها تقارير مهنية ورسمية دفعت برلمانيين إلى مساءلة الوزير الوصي بشأنها.

وفي هذا الصدد، قال علي لطفي، رئيس "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة"، إن الحكومة أقرت أخيرا بارتفاع أسعار الأدوية في المغرب من 3 إلى 5 مرات أو أكثر مقارنة بالدول الأخرى.

عجز حكومي

وانتقد لطفي في تقرير نقله موقع "العدالة والتنمية"، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقوف الحكومة "عاجزة أمام لوبي شركات الأدوية التي تحقق أرباحا خيالية على حساب صحة المرضى وحياتهم".

وتساءل التقرير “عمن يحمي لوبي صناعة واستيراد الأدوية بالمغرب، ولماذا يتخلف مجلس المنافسة عن إعمال سلطاته الدستورية في محاربة الاحتكار والإثراء غير المشروع؟”

وذكر أن ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب خلصت إليه عدة تقارير من مؤسسات دستورية، ولجان تقصي حقائق ولجان استطلاع برلمانية.

وهذا إضافة إلى تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومجلس المنافسة، والتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات حول السياسات الدوائية.

وقال المصدر ذاته، إن لحلو الفيلالي، نائبة رئيس الفدرالية المغربية للصناعة الصيدلانية والابتكار، ورائدة الدفاع عن السيادة الصحية والدوائية بالمغرب، كشفت عن حقيقة صادمة.

وهي أن جميع الأدوية التي يحتاجها المغرب، (باستثناء الجنيسة منها أي التي تكافئ منتجا دوائيا ذا علامة تجارية مسجلة)، مستوردة. 

وأضاف نقلا عن الفيلالي أن الأدوية المستوردة تباع بسعر أعلى ثلاثة وأربعة إلى عشر مرات عن مثيلاتها في بلدان المنشأ.

وطالب بفرض رسوم جمركية على المواد المصنعة خارج الوطن وتشجيع الصناعة الوطنية.

وذكر التقرير أن دراسة مهمة أجراها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "كنوبس" و"إدارة الجمارك المغربية" كشفت أن أسعار الأدوية بالمغرب أعلى من نظيرتها في بلجيكا وفرنسا بنسب مرتفعة جدا تبلغ ثلاث أو أربع مرات.

وتفوق الأسعار أحيانا (مقارنة ببعض الدول) ما بين 250 و1000 في المئة، خصوصا تلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة.

وأوضح التقرير أن المغرب يحقق ثاني أكبر هامش ربح في دول شمال إفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، مما يجعله "جنة الأسعار الباهظة للدواء" لصالح الشركات متعددة الجنسيات.

وأورد أن قطاع صناعة الأدوية بالمغرب يضم اليوم 54 مختبرا تتحكم 15 منها بنسبة 70 بالمئة من حصص السوق، مع وجود احتكارات مركزة وأخرى ثنائية وثالثة تحتل وضعية شبه هيمنة.

وشدد على أن مجال الأدوية في المغرب يعد عالما يسود فيه الاحتكار والريع والجشع، وغياب الشفافية في مراقبة أرباح الشركات، ومراقبة جودة المواد الأولية المستوردة التي تستخدم في صناعة الدواء الأصلي أو الجنيس، ومراقبة علمية لجودة المنتوج الدوائي وللمستلزمات الطبية.

وأكد أن ارتفاع أسعار الأدوية لا تثقل كاهل الأسر المغربية فحسب، بل تهدد أيضا على المدى القريب والمتوسط توازن نظام التغطية الصحية.

كما تهدد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كهيئة التدبير الموحدة للنظام الأساسي بالعجز المالي.

اعتراف رسمي

تأتي خلاصات هذا التقرير بعد أن صرح الوزير المنتدب المكلف بالميزانية "فوزي لقجع"، أن مجموعة من الأدوية في المغرب تباع بأسعار تفوق بأربع وخمس مرات نظيرتها في العالم.

وذكر لقجع خلال التصويت على الجزء الأول من مشروع قانون مالية 2025، في 12 نوفمبر، أن "تخفيض رسوم الاستيراد على الأدوية هدفه خفض أسعارها محليا".

وتطرق إلى المطالب البرلمانية بحذف الإجراء الذي اعتمدته الحكومة بخفض رسوم الاستيراد على الأدوية المصنعة محليا لتشجيع وحماية الصناعة المحلية لها.

وأكد الوزير في هذا الصدد أن تشجيع الاستيراد يهم الأدوية غير المصنعة في المغرب، نافيا أن يكون الاستيراد على حساب الصناعة الوطنية.

وأضاف: "لا نريد تدمير المصنع المغربي، ولكن دواء يستورده شخص منذ 20 سنة، ويبيعه بثمن أكثر مما يباع به في فرنسا وبلجيكا بتسع مرات، أمر غير مقبول".

وأشار لقجع إلى أن منطلق الحكومة في هذا الصدد، هو أن الدواء ينبغي أن يصل للمواطن المغربي، سواء باقتنائه من الصيدليات أو عبر أخذه من المؤسسات الصحية.

ولفت إلى أن أثمنة الدواء لها ارتباط بالقدرة الشرائية للمواطن، وبالديمومة والاستدامة المالية لصناديق التأمين.

وأكد الوزير أن الدواء الذي يصنع في المغرب ينبغي ألا يتم استيراده، وأن يكون ثمنه مقاربا للأسعار على المستوى العالمي.

ورفض أن تستفيد صناعة الأدوية بالمغرب من وضع احتكاري تفرض فيه أثمنة غير ملائمة.

ومن جهة أخرى، أضاف لقجع أنه يجب حماية الأدوية التي تنتج جزئيا في المغرب، وتحتاج إلى استثمارات خفيفة حتى يتم تصنيعها كليا في البلاد.

لكن الدواء الذي لن ينتجه المغرب بالسنوات العشر القادمة، لا بد من فتح باب استيراده لتكون المنافسة، ونتجاوز مشكلة الأسعار المضاعفة، وفق قوله.

من جانبه، قال وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي: إن أثمنة الأدوية ظلت موضع خلاف مستمر بين مختلف الأطراف، على الرغم من الإصلاحات المختلفة بشأنها، والتي يعود آخرها إلى عام 2013.

وفي ردوده على النواب خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الصحة، 18 نوفمبر 2024، سجل التهراوي أن "هوامش ربح كل من الصيدلي والموزع تعدّ عاملا مهما في تحديد ثمن البيع النهائي للأدوية".

وأورد أن هذه العملية المتعلقة بالأسعار "تبقى خاضعة أيضا لتكلفة التصنيع (PFHT)، حيث يجرى إنقاصها كلما ارتفع ثمن التصنيع غير الشامل للضريبة حتى تصبح على شكل مبلغ جزافي بالنسبة للأدوية باهظة الثمن".

وبين المسؤول الحكومي أن "أسعار الأدوية وهوامش الربح أصبحت مسألة ضرورية؛ لما تشكله من خطر على ديمومة صناديق التأمين".

وكشف المتحدث ذاته أن "وزارة الصحة انكبت بتعاون مع الوزارة المكلفة بالميزانية وبتتبع مباشر من رئاسة الحكومة، على إعداد رؤية شاملة ومندمجة بهذا الخصوص".

وتحاول هذه الإجراءات، وفق الوزير، "تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة، ومراقبة سعرها مع تخفيضه باهظة الثمن منها لجعلها في متناول كل فئات المجتمع، خاصة المعوزة منها، إلى جانب تشجيع الصناعة الدوائية المحلية".

انتصار المحتكرين

وقال مصطفى إبراهيمي، الخبير لدى منظمة الصحة العالمية والنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، إن الحكومة الحالية لا تسعى حقيقة إلى خفض أسعار الأدوية، بل تقوم بتشجيع الاستيراد على حساب الصناعة الوطنية.

وأوضح إبراهيمي لـ "الاستقلال"، أن إعفاء الحكومة لأدوية علاج الأمراض المزمنة من أداء الرسوم الجمركية، لا يعني انخفاض أسعارها في الصيدليات أو على مستوى التعويضات في صناديق التغطية الصحية.

وشدد المتحدث ذاته أن ادعاء الحكومة بكون خفض الرسوم الجمركية يهدف إلى خفض أسعار الأدوية غير صحيح.

وذلك لأن الأسعار تحددها وزارة الصحة من خلال إجراء دراسة مقارنة لها في نطاق سبع دول بالإضافة إلى البلد المصنع للدواء المعني.

ولفت إبراهيمي إلى أن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية تطرقت إلى هذا الموضوع أثناء مناقشة مشروع قانون المالية.

كما طرحت جميع إشكاليات الدواء، ومنها الأسعار المرتفعة والتي يعود أسبابها إلى التأخر الكبير في إعطاء الإذن للوضع في سوق للأدوية الجنسية AMM، حيث يصل في بعض الأحيان إلى 3 سنوات.

واسترسل، أن تحديد السعر من طرف الإدارة يأخذ من 6 إلى 9 أشهر، مبرزا أن هذا التأخير تستفيد منه الشركات المحتكرة للسوق، والتي تفرض أسعارا تفوق أسعار الأدوية في دول غنية.

وبخصوص مسطرة منح التعويض عن الأدوية الجديدة، فهذه بحسب إبراهيمي معركة أخرى تدوم سنوات، وكلها مضايقات للأدوية الجنيسة لحساب المحتكرين.

وانتقد إبراهيمي غياب سياسة دوائية لدى الحكومة، مؤكدا أن مدونة الأدوية والصيدلة المعمول لها حاليا، تحتاج إلى تعديلات جوهرية تعالج الإشكالات التي يعرفها هذا القطاع.

إشكالات متعددة

وسبق للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب أن أكد في تقرير صدر في مارس/آذار 2024، أن سوق الأدوية بالمغرب يعيش على وقع اختلالات كبيرة، وارتفاع في الأسعار مقابل ضعف في الجودة.

وقال المجلس إن المقتضيات التنظيمية المؤطرة لقطاع الأدوية بالمغرب، تتميز بعدم وضوحها.

وخاصة تلك المتعلقة بالمخزون الاحتياطي للأدوية وصيغة تحديد سعر بيع الجنيسة منها.

ونبه إلى أن المرسوم المتعلق بشروط وكيفيات بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة، لم يحدد طريقة تحديد أسعار التي لا تحمل لا صفة دواء أصلي ولا صفة دواء جنيس منها.

وأضاف أن عملية الإذن بالعرض في السوق والمراقبة وتحديد أسعار البيع للعموم، تتسم بغياب نظام معلوماتي مندمج.

ومن أجل تحديد ثمن الدواء، أوضح المجلس أن وزارة الصحة تعتمد على أدنى سعر من أسعار المصنع.

وذلك دون احتساب الرسوم، المعمول بها في الدول المعيارية الست التي جرى تحديد قائمتها في المادة 3 من المرسوم رقم 852.13.2 (إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا وتركيا والسعودية) وفي البلد المصنع إذا كان سعره مختلفا عن هذه الأخيرة.

غير أن اختيار الدول المعيارية لم يتم على أساس دراسة مسبقة. وقال المجلس إن أسعار الأدوية تتأثر بشكل سلبي بهوامش ربح المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدليات ونسبة الضريبة على القيمة المضافة التي تعد مرتفعة مقارنة بالدول المعيارية.

وشدد على أن الإطار القانوني المعمول به لا يشجع، بشكل كاف، على تطوير الإنتاج المحلي، بشكل عام، وسوق الأدوية الجنيسة خصوصا، وبالتالي على توافر الأدوية.

وأبرز أن الإطار القانوني الحالي يحفز على الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي، وذلك بمنح هامش ربح إضافي بنسبة 10 بالمئة من ثمن المصنع دون احتساب الرسوم على كل دواء مستورد.

تفاعل برلماني

ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب استنفر العديد من أعضاء البرلمان، والذين وجهوا أسئلة كتابية في الموضوع لوزارة الصحة.

وفي هذا الصدد، استفسرت عزيزة بوجريدة النائبة عن حزب الحركة الشعبية (معارضة)، الحكومة حول "غلاء أدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة".

كما أكد الشرقاوي الزنايدي، النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي (معارضة)، أن السياسة الدوائية تعرف إشكالات عديدة، وعلى رأسها غلاء الأسعار مقارنة مع العديد من الدول الأوروبية.

وتفاعلا مع هذه التساؤلات، عبر المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب، عن رفضه للأسئلة الكتابية للنواب البرلمانيين التي تتناول موضوع أسعار الأدوية في المغرب.

ورأى رئيس هيئة الصيادلة حمزة كديرة في تصريح صحفي محلي، أن "هذا موضوع شائك متعلق بالسيادة الدوائية، وهي قضية إستراتيجية حساسة مرتبطة بتأمين الموارد الكافية من الأدوية، ولا يمكن أن تكون موضوع نقاش سياسي أو مزايدات".

ورغم وجود اتهامات تتعلق بـ "التلاعب في الأثمان وإنهاك المريض الفقير"، فقد عبر حمزة كديرة عن استبعاده للأمر.

وأشار إلى أن أسعار الأدوية عرفت انخفاضا مهما جدا، حيث بذلت الدولة مجهودا كبيرا في هذا المستوى.

وشدد المسؤول الصيدلاني أن "أثمان الأدوية لا يمكن أن تنخفض أكثر مما هي عليه الآن، وإلا انعكس ذلك بشكل سلبي على جودتها".

خطوات الإصلاح

وفي تعليقه على الأمر، أكد الخبير في المجال الصحي والنائب البرلماني مصطفى إبراهيمي، أن معالجة إشكالية غلاء أسعار الأدوية بالمغرب تتطلب إخراج العديد من المؤسسات ذات الأهمية الكبيرة في مجال الصحة إلى العلن لتباشر عملها، ومنها وكالة الأدوية والهيئة العليا للصحة.

وأضاف إبراهيمي لـ "الاستقلال"، أن القطاع يحتاج إلى ترتيب الأولويات بحسب درجة الأهمية والخطورة، ومن ذلك أولوية الدواء، حيث لا نرى هذا على مستوى اشتغال الحكومة الحالية.

ودعا المتحدث ذاته إلى معالجة الإشكالات المرتبطة بالأدوية، التي تمثل حوالي 40 بالمئة من نفقات صناديق التأمين الصحي، محددا هذه الإشكالات في ما يُعرف بالإذن في الوضع بالسوق، الذي يتطلب مدة طويلة تتراوح بين 90 يوما و3 سنوات.

واسترسل، أن لجنة الشفافية في وكالة الوطنية للتأمين الصحي، تعرف شبهة تضارب المصالح في بعض مكوناتها، وخاصة بعض الأعضاء الذين لهم علاقة بعدد من شركات الصناعة الدوائية.

ولفت النائب البرلماني إلى ضرورة "دعم وتشجيع البحث العلمي في مجال الأدوية، وتوسيع التجارب السريرية، للاستفادة مما يتيحانه من توطين وتعميق الصناعة الدوائية".

كما دعا إلى إجراء مراجعة جذرية للمرسوم المتعلقة بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم.

وشدد إبراهيمي على “ضرورة إصلاح المنظومة القانونية للأدوية والصيدلة وتعديل عيوبها وثغراتها”.

وكذلك تقديم مشروع قانون مدونة الأدوية ونظام جديد لتحديد أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية للبرلمان".

وأكد على وجوب "تشجيع الصناعة الوطنية والاستثمار الوطني في الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية، لتحقيق السيادة الصحية والدوائية الوطنية".

ودعا إلى "مراقبة أسعار الأدوية عن طريق وضع معايير محددة سلفا يتم مراقبة تأثيرها كل سنتين على الأقل، ورصد التغيرات الطارئة على الأسعار مقارنة مع العوامل المختلفة، مثل أسعار صرف العملات ونسبة التضخم، ومصدر المواد الأولية وتكلفة التصنيع".