بعد نحو عامين ونصف.. لماذا كسرت الجزائر حظرها التجاري مع إسبانيا؟

منذ ١٠ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو عامين ونصف العام من التوترات الدبلوماسية ووقف العلاقات التجارية، خطت الجزائر وإسبانيا خطوة مهمة نحو استعادة علاقاتهما الثنائية، خصوصا على الصعيد الاقتصادي.

ففي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدر بنك الجزائر قرارا يتيح للبنوك المحلية استئناف التجارة الخارجية مع إسبانيا.

واشترط القرار على المؤسسات المالية ضمان التزام المعاملات باللوائح المعمول بها، ما يعني إنهاء الحظر المفروض على العمليات التجارية مع إسبانيا.

نزاع طويل

وتفاعلا مع الخطوة، قال موقع "المونيتور" الأميركي: "لطالما جمع المغرب بجارتها الجزائر نزاع طويل الأمد حول حكم الصحراء الغربية، حيث بدأ الصراع على هذه المنطقة عام 1975، عندما انسحبت القوة الاستعمارية، إسبانيا، منها".

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‪‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم‪.​​​​​​​

وفي مارس/آذار 2022، أزعج رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، المسؤولين الجزائريين عندما وصف اقتراح الحكم الذاتي المغربي للصحراء بأنه "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل الصراع على الإقليم.

وبعد ثلاثة أشهر فقط، في يونيو/حزيران، تقدمت "جمعية البنوك والمؤسسات المالية" الجزائرية بطلب "تجميد المدفوعات المباشرة لعمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات ذات المنشأ والوجهة في إسبانيا"، ردا على دعم مدريد لخطة الحكم الذاتي المغربية.

وشمل الحظر جميع المنتجات، باستثناء السلع الطارئة والغاز التي سُمح بها بالتحويل الحر، ورُفع الحظر عن منتجات الدواجن في يناير/كانون الثاني 2024.

وفي الفترة ما بين يونيو/حزيران 2022 ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، هبط المستوى التجاري بين البلدين بشكل حاد.

ففي عام 2014، بلغ حجم التجارة الجزائرية-الإسبانية 3.6 مليارات يورو، باستثناء الغاز، وفي عام 2023، انخفض إلى 332 مليون يورو.

وبحسب "مرصد التعقيد الاقتصادي"، في عام 2022، وهي أحدث البيانات المتاحة، كان المنتج الرئيس الذي صدّرته الجزائر إلى إسبانيا هو غاز البترول (حوالي 4 مليارات دولار)، يليه النفط الخام (2.29 مليار دولار) والنفط المكرر (300 مليون دولار).

وفي المقابل، كانت المنتجات الرئيسة التي صدّرتها إسبانيا إلى الجزائر هي زيت فول الصويا (77.4 مليون دولار)، والورق غير المطلي (67.8 مليون دولار) والأصباغ المحضرة (52.8 مليون دولار).

وفقا للمديرة المساعدة لبرنامج شمال إفريقيا في "المجلس الأطلسي"، أليسا بافيا، فإن "قرار استئناف التجارة يفيد بشكل رئيس الشركات الإسبانية، خاصة شركات التصنيع والصناعات الزراعية، والتي استُبدل العديد منها بمنافسين إيطاليين وفرنسيين".

وقالت "بافيا" للمونيتور: "في حين لم توقف الجزائر صادرات النفط والغاز إلى إسبانيا، فإن هذا التراجع لا يقدم سوى فائدة مادية واقتصادية طفيفة للجزائر، مقارنة بالمكاسب الأكبر للمصدرين الإسبان الذين سيستأنفون تجارتهم".

ووفقا لبيانات "منظمة التعاون الاقتصادي"، لم تتجاوز واردات الجزائر من الصادرات الإسبانية 1.05 مليار دولار، بينما استوردت إسبانيا ما قيمته 7.11 مليارات دولار من الجزائر، مدفوعة بشكل رئيس باحتياجاتها من الطاقة.

وعند سؤالها عما إذا كانت الجزائر قد سامحت إسبانيا على دعمها لرؤية المغرب في الصحراء الغربية، أوضحت "بافيا" أن تراجع الجزائر عن موقفها كان نتيجة ضرورة إستراتيجية.

وقالت: "لا تستطيع الجزائر تحمّل عزلة طويلة عن المنطقة أو أوروبا، حيث قد يؤدي ذلك إلى فقدان شركاء تجاريين رئيسين وتقييد نفوذها الدبلوماسي"، مشيرة إلى أن دول جنوب أوروبا تظل أسواقا حيوية للصادرات الجزائرية.

ورغم قدرة الجزائر على تحمل توتر العلاقات مع مدريد على المدى القصير، فإن استمرار الأزمة قد يدفع إسبانيا إلى زيادة وارداتها من النفط والغاز من دول أخرى مثل ليبيا ونيجيريا، مما قد يضعف حصة الجزائر في السوق. بحسب التقرير.

وأضافت "بافيا" أن "الإدارة الأميركية الجديدة تحت قيادة، دونالد ترامب، قد تزيد من التوترات حول قضية الصحراء الغربية وعلاقات المغرب بـ"إسرائيل"، مما يحد من قدرة الجزائر على المناورة مع القوى الغربية".

وأشارت إلى أن الصناعات الإسبانية الأكثر تأثرا تشمل إنتاج زيت الصويا، والسيراميك، والورق، بينما كانت الشركات الجزائرية المستوردة للمنتجات الصناعية والمواد الغذائية من إسبانيا الأكثر تضررا من القيود التجارية.

وتعتمد الجزائر بشكل كبير على الواردات، خاصة في القطاعين الزراعي والغذائي، رغم الجهود المبذولة لتعزيز الإنتاج المحلي.

فعلى سبيل المثال، تستورد الجزائر حوالي 8.7 ملايين طن متري من القمح سنويا، مما يجعلها ثاني أكبر مستورد للقمح في إفريقيا بعد مصر، وإلى جانب القمح، يشكل مسحوق الحليب حوالي ثلث فاتورة الواردات الغذائية للجزائر.

تطبيع تدريجي

بدوره، قال الزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، أنتوني دوركين، إن الجزائر شعرت "بامتعاض شديد" من تغيير إسبانيا لموقفها تجاه الصحراء الغربية، خاصة أن الحكومة الجزائرية لم تُبلغ بذلك مسبقا.

ردا على ذلك، سحبت الجزائر أولا سفيرها من مدريد، وعلّقت "معاهدة الصداقة"، التي استمرت 20 عاما مع إسبانيا لتعزيز التعاون الاقتصادي، ثم فرضت قيودا على التجارة، ومع ذلك، لم توقف الجزائر تصدير الغاز إلى إسبانيا.

وقال دوركين: "من وجهة نظر إسبانية، تُعد صادرات الغاز الجانب الأكثر أهمية في العلاقات مع الجزائر، والسبب في عدم قيام الجزائر بوقفها هو رغبتها في الحفاظ على سمعتها كشريك موثوق ومستقر لأوروبا".

وعلى مدار العام الماضي 2023، ظهرت مؤشرات على تحرك الجزائر نحو إعادة تطبيع العلاقات مع إسبانيا. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت الجزائر أنها ستعين سفيرا جديدا لدى إسبانيا، وقد قدّم أوراق اعتماده في أغسطس/آب 2024.

وأضاف دوركين: "أعتقد أن رفع الحظر التجاري يُعد خطوة إضافية على هذا المسار".

وأوضح أن العديد من المسؤولين في الحكومة الجزائرية عدوا تصريحات "سانشيز" حول "الصحراء الغربية" مبادرة شخصية منه، وكانوا يأملون أن يخسر الانتخابات المبكرة التي أجريت في مايو/أيار 2023 بعد تكبّد حزبه الاشتراكي خسائر كبيرة في الانتخابات المحلية والإقليمية.

لكن "سانشيز" -الذي كان متوقعا أن يخسر- فاز، وعلى هذا، بدأ المسؤولون الجزائريون في إصلاح العلاقات مع إسبانيا نظرا لغياب البديل.

مشكلة أوروبية جديدة

وبحسب التقرير، فإن توقيت رفع الجزائر للقيود التجارية مثير للاهتمام، إذ أصبحت فرنسا الآن المشكلة الأوروبية الرئيسة للجزائر فيما يتعلق بقضية الصحراء.

والجدير بالذكر أن فرنسا -القوة الاستعمارية السابقة لكل من الجزائر والمغرب- أثارت غضب الجزائر في أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمام البرلمان المغربي دعمه سيادة المغرب على الصحراء، متعهدا بمزيد من الاستثمارات في المنطقة.

ومع ذلك، يرى "دوركين" أن التقارب الجزائري-الإسباني كان قيد الإعداد منذ فترة، وليس نتيجة للدعم الفرنسي الأخير لخطة المغرب بشأن الصحراء.

ولا يزال من غير الواضح إذا ما كانت الجزائر تعتزم قطع أو تقييد العلاقات التجارية مع فرنسا، وفق التقرير.

ويقول دوركين: "أعتقد أنهم سيكونون مترددين للغاية لأن الروابط بالفعل عميقة"، ومع ذلك، يوضح أن فرنسا أصبحت الآن الدولة الأكثر إشكالية من وجهة النظر الجزائرية، مما يسهم في خلق سياق يدفع الجزائر نحو اتخاذ خطوة إضافية للتقارب مع إسبانيا.

وأشار التقرير إلى أن العلاقات الفرنسية-الجزائرية معقدة بسبب التاريخ الاستعماري، لكن في عام 2022 أطلق "ماكرون" مبادرة لتحسين العلاقات مع الجزائر.

ومع ذلك، بحسب "دوركين"، فقد سار ماكرون في هذا المسار بطريقة متقطعة وغير ثابتة، وعلى مر السنوات ومنذ عام 2017، أدلى ماكرون بتصريحات أثارت استياء الجزائريين.

ويوضح دوركين: "كان هناك شعور داخل الحكومة الفرنسية بأن الجهود لتحسين العلاقات مع الجزائر تسير بشكل أبطأ مما كانوا يأملون، وشعور بالإحباط".

وتابع: "قد أخبرني مسؤولون فرنسيون أن ماكرون وضع آمالا مفرطة في علاقاته مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ولم يأخذ في الحسبان الطبيعة البطيئة والمتصلبة للنظام الجزائري ككل".

ونوه "دوركين" إلى أن مسؤولين فرنسيين أخبروه بأنهم حتى الآن يعتقدون أن رد الجزائر على تصريحات فرنسا بشأن الصحراء لم يكن قاسيا، وأن البلدين سيظلان حريصين في النهاية على الحفاظ على علاقات قوية.

وبعد تصريحات ماكرون، استدعت الجزائر سفيرها في فرنسا "بشكل فوري"، ووصفت وزارة الخارجية الجزائرية تصريحات الرئيس الفرنسي بأنها "خطوة لم تُقْدِم عليها أي حكومة فرنسية سابقة".

ويرى "دوركين" أنه لا يزال من غير الواضح ما هي التداعيات الاقتصادية المحتملة لذلك، نظرا لغياب الشفافية في سياسات الحكومة الجزائرية.

وأشار قائلا: "في الوقت الحالي، هناك رئيس يحاول استعادة مكانة الجزائر، وإحياء دورها، وتحسين موقعها الدبلوماسي".

وختم قائلا: "أعتقد أن هناك قدرا من البراغماتية في طريقة استجابة الجزائر لهذه التصريحات، ولكن في الوقت نفسه، من الواضح أنهم مستاؤون بشدة مما فعلته فرنسا".