النسوية اليمينية في فرنسا.. دفاع كاذب عن المرأة يهدف لمحاربة المهاجرين

سجلت زيادة ملحوظة في عدد الناخبات منذ تولي مارين لوبان قيادة حزبها
خلال الفترة الأخيرة، تمكنت رئيسة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان من تعزيز إستراتيجيتها الساعية إلى استقطاب ناخبين من التيار النسوي.
وقالت صحيفة الكونفدنسيال الإسبانية: إن ذلك تجلى عبر ظهور مجموعات وشخصيات مؤثرة تربط بين التنديد بالهجرة والإسلام، من جهة، والدفاع عن حقوق المرأة، من جهة أخرى.

استقطاب النسويات
وأوضحت هنا أن اليمين المتطرف الإسباني ونظيره الفرنسي يختلفان في علاقتهما بالنسوية؛ فقد جعل حزب فوكس في إسبانيا انتقاد اليوم العالمي للمرأة من عاداته السنوية، وجسدها في آخر مناسبة من خلال مهاجمة الحجاب والإسلام.
ولكن اختار حزب التجمع الوطني إستراتيجية أكثر دقة، فقد سعت لوبان تحديدا إلى الاستيلاء على المطالب النسوية وتعبئتها لصالح حزبها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التوجه النسوي القومي آتى أكله، فعلى عكس ما يحدث في إسبانيا مع حزب سانتياغو أباسكال أو في الولايات المتحدة مع الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، يحظى التجمع الوطني بدعم الرجال والنساء على حد سواء.
ومنذ تولي مارين لوبان قيادة الحزب سنة 2011، سجّلت زيادة ملحوظة في عدد الناخبات؛ إذ ارتفع عددهم من 20 إلى 30 بالمئة بين الانتخابات الأوروبية للسنوات 2019 و2024، بينما ارتفعت نسبة تصويت الرجال من 28 إلى 32 بالمئة.
وتجدر الإشارة إلى أن تصويت النساء كان عاملا أساسيا لنجاح حزب التجمع الوطني في فرنسا بالانتخابات الأوروبية عام 2024.
إلا أن محاولة استقطاب بعض المطالب النسوية ليست مجرد إستراتيجية انتخابية لمؤيدي لوبان، بل تنعكس أيضا في الجمعيات والشخصيات المؤثرة داخل أوساط اليمين المتطرف.
ونقلت الصحيفة عن مؤلفة كتاب "نساء اليمين الجديدات" المؤرخة، ماغالي ديلا سودا، أن "الأحزاب في إيطاليا أو المملكة المتحدة تكرس جهودها من أجل ربط الدفاع عن المرأة بمحاربة الهجرة والإسلام.
أما في فرنسا، فهناك جانب خاص يتمثل في وجود جماعات يمينية نجحت في إيصال هذه الخطابات إلى جمهور أوسع، ومن بينها مجموعة "نيميسيس" اليمينية المتطرفة.

دور الضحية
ونقلت الصحيفة عن إحدى المتحدثات باسم هذه الجمعية قولها: "إن اليسار لا يُحبّنا ويتهمنا بالعنصرية والفاشية؛ لأننا نتحدث عن العنف الذي تُعاني منه النساء ونُشير إلى وجود صلة بين الهجرة وانعدام الأمن".
وتضيف هذه الناشطة البالغة من العمر 30 عاما في تصريح لها: "لقد اطلعتُ على مواقع الويب وصفحات إنستغرام التابعة للمنظمات النسوية اليسارية المتطرفة، ووجدتُ أنها لا تتحدث عن الهجمات التي يرتكبها أجانب".
وهي تُشير هنا إلى المنظمات النسوية الفرنسية الرئيسية، على غرار أوزي، التي تُبلغ عن هذه الأحداث لكنها لا ترى وجود صلة لها بالهجرة.
ونقلت الصحيفة أن حركة "نيمسيس"، التي تعرّف نفسها بأنها "نسوية يمينية"، شهدت نموا ملحوظا منذ إنشائها عام 2019.
وتوضح المؤرخة ديلا سودا: "رسميا، يتجاوز عدد أعضاء الحركة 200 شخص، لكن نواتها تتكون من حوالي 30 فردا".
ومع ذلك، لا ينبغي قياس قدرتها على التأثير في النقاش العام بعدد أعضائها، بل بمتابعيها على شبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ إن لديها أكثر من 100 ألف متابع على منصة إكس وأكثر من 50 ألف متابع على إنستغرام".
وفقا لديلا سودا، فإن إستراتيجية "نيميسيس" تعد "طفيلية"، ولأن أعدادهم قليلة، يشاركون في المظاهرات النسوية، باحثين عن الصراع ومتقمصين دور الضحية.
وهناك، يرفعون لافتات فيها عبارات معادية للأجانب وتربطهم بالعنف. وخلال اجتماعاتهم، لطالما نددت هذه المجموعة بارتداء النقاب.
وقد كانوا يستهدفون المسلمين الفرنسيين، والأجانب من خارج أوروبا، واليسار، وجماعات نسوية أخرى.
وتحذّر سودا قائلة: "لم يُثر تحركهم الأول سوى صدى محدود في وسيلة إعلامية صغيرة، ثم نجحوا في الحصول على تغطية إعلامية في وسائل إعلام أكبر وأكثر توافقا مع توجهاتهم، والآن يظهرون بشكل متكرر في وسائل إعلام عامة وتقدمية".
علاوة على ذلك، أصبح بعض المتحدثين باسم الجماعة، مثل وجهها البارز أليس كوردييه، معلقين دائمين على وسائل إعلام رئيسة متعاطفة مع اليمين المتطرف، مثل شبكة سي نيوز أو إذاعة أوروبا 1.

في دائرة الضوء
وبحسب عالمة الاجتماع، شارلين كالديرارو، بدأ العديد من أعضاء المجموعة اليمينية المتطرفة نشاطهم في جماعات مشابهة أخرى، مثل حركة العمل الفرنسية.
وكان رئيس "نيمسيس" صديقا لتايس ديسكوفون، المتحدثة باسم جماعة "جيل الهوية" المتطرفة، التي حُظرت عام 2021 بسبب ممارساتها ضد المهاجرين في جبال البرانس (بين فرنسا وإسبانيا).
وتقول كالديرارو: إن "جوهر هذه المجموعة اليمينية المتطرفة يكمن في إدانة التحرش بالشوارع والاعتداءات الجنسية في وسائل النقل العام، وإضفاء طابع عنصري على هذه المشاكل".
ووفقا لهذه الباحثة في جامعة لوزان، "بقيت الحركات النسوية التقليدية بعيدة عن هذه المطالب، رغم تحذيرها منها لسنوات، وإقرار قانون سنة 2018 لتجريمه".
لكن اليمين المتطرف "نجح في تغيير هذه القضية" وجعلها مرادفة للدعوة إلى قمع المهاجرين، بحسب هذه الخبيرة.
وأضافت الصحيفة أن حزب "نيمسيس" يحافظ على علاقات وثيقة مع مختلف أحزاب اليمين المتطرف الفرنسية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نظم الحزب إحدى فعالياته في قصر لوبان في ضواحي باريس ذات الأغلبية البرجوازية.
إلا أن الدعم السياسي الأبرز الذي حظيت به هذه المجموعة في الأشهر الأخيرة جاء من وزير الداخلية اليميني، برونو ريتايو.
وقد هنأ الزعيم المنتخب حديثا لحزب "الجمهوريين"، اليميني التقليدي، والشخصية البارزة في الساحة السياسية الفرنسية، حزب "نيمسيس" بسبب "تحركاته أخيرا".
يتشارك ريتايو وهؤلاء "النسويات" في تفصيل مهم، فبالنسبة لكلا الطرفين، تضاعفت إدانتهم كلما ارتكب أجنبي جريمة خطيرة، على سبيل المثال، قتل شابة بوحشية في سبتمبر/أيلول 2024 على يد مهاجر مغربي.
لكنهم كانوا أكثر تحفظا بشأن قضايا العنف الجنسي الكبرى التي أثارت ضجة في فرنسا في الأشهر الأخيرة: قضية دومينيك بيليكوت وقضية الجراح المتحرش بالأطفال جويل لو سكوارنيك.
وقد كان هذان المعتديان الجنسيان المتطرفان فرنسيين أبيضين، ولم يكن ملفهما الشخصي متوافقا مع الصورة النمطية التي تغذيها القومية النسوية الفرنسية.