"محور سني جديد".. هل تستعد تركيا وقطر لوراثة نفوذ إيران في المنطقة؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رأى بروفيسور إسرائيلي أن القوة التركية والثروة القطرية ستقودان محورا سنيا "راديكاليا" جديدا في الشرق الأوسط، يحل محل إيران "الشيعية الضعيفة"، مبينا أنه على دول الغرب أن تتنبه لهذا "الخطر الجديد".

وفي مقال نشره معهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS)، أوضح البروفيسور "إفرايم إنبار" رئيس برنامج الإستراتيجية والدبلوماسية والأمن القومي، في "كلية شاليم" بالقدس المحتلة، أن الظروف الدولية والداخلية تهيئ الساحة لتطلعات تركيا بلعب دور دولي أكبر.

رؤية إسلامية طموحة

وأشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عمل منذ مطلع القرن على تفكيك ما تبقى من تقاليد السياسة الخارجية الكمالية الحذرة (في إشارة إلى مؤسس الجمهورية العلمانية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك"، متبنيا بدلا منها أجندة طموحة ذات طابع إسلامي راديكالي وقومي، وفق زعمه.

وتابع إنبار الذي ترأس معهد القدس للإستراتيجية والأمن (JISS) سابقا أن التحولات العالمية أسهمت في تمكين الرؤية الإسلامية الطموحة ذات الطابع العثماني الجديد التي يتبناها أردوغان.

فبانهيار الاتحاد السوفيتي، تخلصت تركيا إلى حد كبير من التهديد الروسي التاريخي، ما أتاح لها التمدد شرقا نحو العالم التركي الذي خضع لعقود من الهيمنة السوفيتية. ومع انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، تقلّصت المخاوف الأمنية التركية شمالا.

أما في الجنوب، فقد ساد الاضطراب منطقة الشرق الأوسط، منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بنظام صدام حسين عام 2003 في العراق، ثم غرق سوريا في تبعات "الربيع العربي"، وبات نظام بشار الأسد عاجزا عن تحدي أنقرة حتى سقوطه نهاية 2024.

وبحسب الكاتب، فإن حرب إسرائيل متعددة الجبهات أضعفت بشدة وكلاء إيران في المنطقة، وهو ما أسهم -من بين أمور أخرى- في سقوط الأسد وسيطرة الإسلاميين المدعومين من تركيا على دمشق.

كما أدت الحملة العسكرية الإسرائيلية إلى تقليص النفوذ الإقليمي لإيران، الخصم التقليدي لتركيا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وفي الوقت الحالي، تتبادل طهران وتل أبيب الضربات منذ أن بدأت إسرائيل فجر 13 يونيو/حزيران 2025، بدعم ضمني أميركي، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.

وقال الجيش الإسرائيلي: إن الهجوم "استباقي" وجاء بتوجيهات من المستوى السياسي، فيما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن العملية "غير المسبوقة" تهدف إلى "ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والعديد من القدرات العسكرية الأخرى".

وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، خلفت قتلى وجرحى، فضلا عن أضرار مادية كبيرة نالت مباني ومركبات.

ويرى الكاتب الإسرائيلي أن خطة الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا منحت أنقرة فرصة لتعزيز نفوذها داخل الأراضي السورية.

ويضيف أن تصور الرئيس، دونالد ترامب، الخاطئ عن أردوغان -إذ يعده "صديقا"- طمأن أنقرة بأن واشنطن لن تعارض طموحاتها الضمنية لإحياء الإمبراطورية العثمانية وبسط هيمنتها في الشرق الأوسط، وفق وصفه.

ويتابع إنبار أن "معظم الحكومات الأوروبية، التي تفتقر إلى أقل مبادئ النظر الإستراتيجي، مهتمة في المقام الأول بقدرة تركيا على احتواء تدفقات اللاجئين نحو الغرب -لا سيما السوريين والأفارقة عبر ليبيا- إلى جانب دورها كممر بديل للطاقة يسهم في تقليص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي".

ويشير إلى أن تفكك حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) ونزع سلاحه قد أدّيا إلى تهدئة التوترات العرقية داخل تركيا، ما ساعد أردوغان على ترسيخ قبضته على الحياة السياسية.

رؤية عثمانية

وعلى هذا، يؤكد الباحث الإسرائيلي أن التطورات داخل تركيا وخارجها تمنح أردوغان حرية أكبر في السعي وراء العظمة العثمانية -وهي رؤية يتشاركها أيضا العديد من العلمانيين الأتراك- والسعي إلى دور أكبر في العالم الإسلامي.

وقال: "أردوغان وجزء كبير من حاشيته يُمثلون تجسيدا تركيًا لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة راديكالية معادية للغرب"، وفق زعمه.

في هذا السياق، يشير إنبار إلى أن رؤية أردوغان العثمانية الجديدة باتت أكثر وضوحا بمرور الوقت، مستشهدا بخطابه بعد فوزه في انتخابات يونيو/حزيران 2011.

إذ أعلن أن المدن التي كانت جزءا من الدولة العثمانية ستجني ثمار هذا الانتصار الانتخابي، وخص بالذكر سراييفو وبيروت ودمشق ورام الله والقدس.

ويُبرز في مقاله أن "الوطن الأزرق" التركي (Mavi Vatan)، وهو المبدأ البحري الذي أُطلق عام 2019، يحمل طموحات كبيرة أيضا، إذ يصوّر تركيا كقوة بحرية مهيمنة في شرق البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود.

ويعكس التوسع الملحوظ في مشتريات أنقرة البحرية رغبتها في تأمين وتوسيع وصول تركيا إلى موارد الطاقة في المنطقة على حساب الأطراف الأخرى، بحسب زعمه.

وقال: "تركيا، بصفتها عضوا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تمتلك جيشا مزودا بأحدث الأنظمة الأميركية والأوروبية، وهي ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة".

وأضاف: "لم تتردد تركيا في استعراض قوتها العسكرية، فقد سيطرت على أجزاء من شمال سوريا، وأنشأت قواعد في العراق لمحاربة القوات (الانفصالية) الكردية، وتدخلت في الحرب الليبية دعما لحكومة طرابلس".

كما دعمت تركيا التدخل الأذربيجاني في إقليم "قره باغ"، فيما تتمركز قواتها في قطر والصومال.

وأيضا سعت أنقرة إلى الحصول على قاعدة بحرية في السودان، واستثمرت بكثافة في تطوير الصناعات العسكرية المحلية، وتصدر العديد من منتجاتها، أبرزها مسيّرات "بيرقدار".

كما يوضح الكاتب أن تركيا تسعى لتقليل اعتمادها على التحالفات الغربية وتريد أن تكون لاعبا أكثر استقلالية؛ إذ توطّد علاقاتها مع كل من الصين وروسيا.

كذلك، لم تتردد أنقرة في شراء منظومة الدفاع الجوي "إس-400" من موسكو، فضلا عن كونها طرفا مشاركا في الحوار داخل "منظمة شنغهاي للتعاون" التي تقودها بكين، وتسعى للانضمام إليها.

قطر والسعودية

وتتعزز قدرات تركيا وطموحاتها وفق الكاتب، بفضل السخاء المالي القطري، الذي يُساعدها أيضا على تجاوز فترات الصعوبات الاقتصادية.

وزعم أن "قطر داعمٌ قديمٌ لأنشطة الإخوان المسلمين حول العالم، فهي تستضيف قيادتهم وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس، وتُعدّ مصدرا أساسيا لتمويل الأخيرة، وكانت ملاذا آمنا للقيادة السياسية المنفية لحركة طالبان".

كذلك تحوّلت قطر إلى منبر عالمي رئيس للإسلام السياسي من خلال شبكتها الإعلامية "الجزيرة"، التي يصل بثها إلى 430 مليون شخص في أكثر من 150 دولة.

ويأسف الكاتب من أن قطر تستفيد مما يصفه بـ "العمى الأميركي المدهش" إزاء دعمها لما يعده أنشطة إرهابية وتوجهات مناهضة للغرب.

وفي ضوء ذلك، يرى أن محورا سنيا راديكاليا جديدا قد تشكّل، يستلهم أيديولوجيته من جماعة الإخوان المسلمين، ويستند إلى القوة العسكرية التركية والدعم المالي القطري، وفق زعمه.

ومن المفارقات أن الضربات التي وجهتها إسرائيل للمحور الشيعي بقيادة إيران قد خففت من مخاوف الدوحة من طهران -التي تربطها بها علاقات دبلوماسية وأخرى في مجال الطاقة- مما منح الدوحة حرية أكبر في التحرك في العالم السني.

وتُعدّ سوريا ساحة المنافسة الأكثر ترجيحا، حيث تعتقد السعودية أنها تستطيع استخدام نفوذها الاقتصادي لكبح النفوذ التركي القطري هناك.

واستدرك الباحث الإسرائيلي، قائلا: "لكن للأسف، تُشير التجربة إلى أن للسعوديين سجلا ضعيفا في مثل هذه المساعي، فقد فشلت جهود الرياض في العراق ولبنان واليمن، وبالمثل، كانت محاولاتها لعزل قطر مخيبة للآمال".

ويدعي أن "إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع كبح التقدّم الإسلامي السني في سوريا، فوجودها العسكري هناك، وقربها الجغرافي، قد يدفع أنقرة إلى تقليص طموحاتها والسعي إلى تفاهم مؤقت مع الدولة اليهودية".

وأردف: "لكن إسرائيل تظل تمثل استفزازا للمشاعر الإسلامية والعثمانية الجديدة، فأردوغان وسائر الإسلاميين طموحهم القدس، التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، كما أنهم يرفضون مبدأ حق اليهود في تقرير المصير ووجود دولة إسرائيل من الأساس، وقد سبق لأردوغان أن دعا بزوالها".

ويعتقد الباحث أنه "إذا تغلبت الأيديولوجيا على الواقعية، فقد يصبح الصدام المسلح خيارا حتميا".

وتابع: "هذا الصراع لا يقتصر على المنطقة فحسب؛ فتركيا دعمت باكستان المسلمة، الحليفة للصين، في مواجهة الهند".

وقد عبّر أردوغان عن رغبته في امتلاك سلاح نووي، ولم يتردد -بحسب زعم الباحث الإسرائيلي- في دعم تنظيم "الدولة" وحركة حماس.

ويرى "إنبار" أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تشكّل تهديدا مزدوجا يتمثل في انتشار الأسلحة النووية و"الإرهاب الإسلامي"، على حد تعبيره.

وختم قائلا: "مع تراجع إيران الشيعية، يظهر على الساحة تحالف سني راديكالي بديل، وعلى الديمقراطيات أن تُدرك حجم هذا الخطر الجديد".