رغم موالاة السيسي.. لماذا تتحرش إسرائيل بمصر وتحذر من تعاظم قدراتها العسكرية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

عقب انهيار جيش النظام السوري مع سقوط بشار الأسد، تزايد الحديث في المحافل البحثية والإعلامية الإسرائيلية عن الجيش العربي المتبقي والذي يهدد الكيان المحتل.

ورأى أن ذلك الجيش هو "المصري"، وسط حالة قلق من تغير الأوضاع في القاهرة، وسقوط النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي، على غرار ما شهدته سوريا.

وزاد من القلق الإسرائيلي، حالة الرعب التي يعيشها النظام المصري بعد السقوط السريع للأسد في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وما تردد عن استغاثة السيسي بإسرائيل خوفا من موجة ربيع عربي جديدة يقودها "الإخوان المسلمون".

أحد الأهداف الإسرائيلية، منذ بدء الاحتلال عام 1948، كان القضاء على الجيوش العربية التي تهدد "دولة إسرائيل"، أو تطويعها، حتى يتسنى الانفراد بالتفوق العسكري وفرض مشروعها التوسعي التوراتي، خاصة مصر وسوريا والعراق والجزائر.

وكان القضاء على جيش العراق وتفكيكه خلال الغزو الأميركي عام 2003، قبل انتزاع أنيابه بقصف وتدمير مفاعل العراق النووي، بغارة جوية إسرائيلية في 7 يونيو/ حزيران 1981، أحد هذه المكاسب.

وجاء انهيار جيش سوريا بسقوط الأسد، بمثابة المكسب الثاني، ليبقى الجيش المصري، الأقوى والأكبر من بين هذه الجيوش والقادرة على مواجهة إسرائيل، يشكل حجرة عثرة رغم التطبيع، وتكبيله بقيود عسكرية.

وخلال العدوان على غزة، أثيرت بروباغندا إسرائيلية حول أسباب زيادة تسليح الجيش المصري نفسه، واحتمالات الدخول معه في مواجهة، بعدما احتلت إسرائيل المنطقة الحدودية، محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

وطمأن صمت النظام المصري على انتهاك إسرائيل معاهدة “كامب ديفيد” بالمنطقة الحدودية، وقتل جنود مصريين عبر الحدود، الاحتلال، لكن سرعان ما عاد القلق مضاعفا عقب سقوط نظام الأسد، خشية تحول جيش مصر ضد إسرائيل في حال تغير النظام.

ماذا لو عاد الإخوان؟

انعكست هذه المخاوف الإسرائيلية في تحذير سفير الاحتلال السابق في القاهرة ديفيد غوفرين، من "حدوث تغيرات في الوضع السياسي بمصر"، بعدما جرى في سوريا.

وأكد غوفرين خلال حوار مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” في 23 ديسمبر 2024، أن “ما يزعجه هو تعاظم القوة التسليحية لمصر، واستثمار مبالغ ضخمة في الإنفاق العسكري، ومن ثم تخوفه أن يقع كل ذلك في يد نظام جديد، حال حدثت تغييرات في مصر على غرار سوريا”.

ورأى أن "إسرائيل مطالبة بأن تأخذ في الحسبان القدرات العسكرية التي تبنيها مصر، وألا تعتمد على تفسير ذلك بنوايا مصر الإيجابية، لأنها قد تتغير بسهولة مع تغيير النظام، بعدما جرى في سوريا، وكما حدث عام 2012 مع صعود جماعة الإخوان المسلمين".

وأكد غوفرين أن "أحد الدروس المهمة التي تعلمتها إسرائيل من هجوم حماس في السابع من أكتوبر ألا تثق في تفسيرها للتطورات من حولها، وفق نوايا الطرف الآخر، بل دراسة طريقة تفكيره بعمق، ومتابعة بناء قدراته عن كثب".

السفير، الذي خدم في سفارة إسرائيل بمصر من يوليو/ تموز 2016 وحتى مايو/ أيار 2019، أفاد بأن "ما يقلقه أيضا هو استثمار القاهرة مبالغ ضخمة في تعزيز قدراتها العسكري، وإنفاق أموال طائلة على بنيتها التحتية العسكرية شرقي قناة السويس، رغم عدم وجود دولة تهددها حاليا، ووضعها الاقتصادي الصعب".

وقال إن “مصر ترى أن إسرائيل تمثل تهديدا لها نظرا لقدراتها العسكرية المتقدمة، والمصريون لا يزالون يعادون إسرائيل ويعدونها دولة استعمارية تغتصب أرض فلسطين المحتلة”.

من جهته، حذر المحلل العسكري والخبير الإسرائيلي، عاميت ياغور، مما أسماه “محور سني جديد يشكله الإخوان المسلمون في سوريا والمنطقة عقب إسقاط حكم الأسد بالتعاون مع تركيا، واحتمال تمدده لمصر لو حدث فيها تغيير مستقبلا”.

ووصف ياغور لصحيفة "معاريف" العبرية في 26 ديسمبر 2024، هذا المحور بأنه "سيكون أخطر من محور المقاومة الشيعي الذي كانت تقوده إيران في المنطقة وانهار مع حكم الأسد".

احتمالات الحرب

ما لفت الأنظار في حالة الهستيريا الإسرائيلية تجاه جيش مصر عقب انهيار جيش الأسد، أن مخاوف الاحتلال لم تقتصر على الحديث عن تطوير وتحديث الجيش المصري ومده بأسلحة حديثة.

ولكن القلق من وقوع كل هذا في أيدي نظام جديد، سيدير نفس هذا الجيش الذي لن ينهار مثل جيش سوريا بسبب الطبيعة المختلفة لمصر، والذي قد يتحول لمحاربة إسرائيل لو أراد قادة جدد لمصر ذلك.

وربط كُتاب ومحللون إسرائيليون بين هذا التحسن في قدرات جيش مصر، وما أسموه "تراجُع التزام مصر باتفاقية السلام، وتقارُبها مع دول معادية لنا، مثل تركيا، وحتى إيران"، بعدما استقبلت مصر رئيسي تركيا رجب طيب أردوغان وإيران على هامش مؤتمر الدول الثماني النامية في 19 ديسمبر 2024.

الكاتب الإسرائيلي إسحق بريك، كتب يقول في صحيفة "معاريف" 23 ديسمبر 2024: "نلاحظ تراجُع التزام مصر باتفاقية السلام، وتقارُبها مع دول معادية لنا، مثل تركيا، وحتى إيران"، ويتساءل: هل يمكن أن نرى أنفسنا يوما في سيناريو حرب مع مصر؟

موقع منظمة “هيدا بروت” اليهودية الإسرائيلية، الذي يصدر عن اليمين المتشدد في إسرائيل، أوضح في تقرير نشره نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن "هناك مفهوما إسرائيليا أن الجيش المصري يزداد قوة ويسلح نفسه وينمو بلا توقف".

وخلال حديثه عن الخلاف حول محور فيلادلفيا مع مصر، تحدث نتنياهو بطريقة عدائية عن مصر خلال مقابلة أجرتها معه "القناة 14"، التي غالبيّة مشاهديها من الحريديين المتطرفين، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وقال نتنياهو: محور فيلادلفيا بالشمال هو الحدود السورية اللبنانية، ونقصف المعابر الحدودية، "في الجنوب ماذا يريدون مني أن أفعل؟ هل أقصف مصر؟ لدينا اتفاق سلام مع مصر، ولن أسمح لأي جهة في غزة بإعادة التسلح".

أسباب التسليح

لم تلفت تحركات مصر السابقة في سيناء لمواجهة تنظيم الدولة فرع سيناء، وبالاتفاق مع إسرائيل، ولا شراء الجيش المصري أسلحة جديدة أنظار إسرائيل سوى عقب عملية “طوفان الأقصى” وسقوط نظام الأسد. 

وانطلقت حملة تحريض وتخويف من سلاح جيش مصر ومخالفة مصر اتفاقية كامب ديفيد بنقل معدات وبناء أنفاق أسفل قناة السويس وممرات.

الكاتب الإسرائيلي إسحق بريك، كتب يحذر من "امتلاك مصر اليوم، الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، فلديها 4000 دبابة، منها 2000 دبابة حديثة، ومئات الطائرات المقاتلة المتطورة، وأقوى قوة بحرية في الشرق الأوسط، وجميع تدريبات الجيش موجهة ضد إسرائيل".

وأضاف في صحيفة "معاريف" 23 ديسمبر 2024، قائلا "لقد أنشأ المصريون أكثر من مئة ممر تحت قناة السويس وفوقها لتسهيل نقل قواتهم بسرعة إلى سيناء، وشيدوا طرقات سريعة جديدة داخل سيناء في اتجاه إسرائيل".

وتابع: "كما أنشأوا مستودعات وقود، ونقلوا الذخيرة إلى سيناء، وينشرون عديد القوات في سيناء يفوق كثيرا العدد المسموح به بموجب اتفاقية السلام مع إسرائيل".

ورغم أن هناك شكوكا حول أهمية صفقة السلاح الأخيرة التي وافقت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لمصر، والتي تشمل معدات لـ555 دبابة من طراز "أبرامز M1A1" بقيمة 4.69 مليارات دولار، و2183 صاروخ جو-أرض من نوع "هيلفاير" بقيمة 630 مليون دولار، وذخيرة موجهة بقيمة 30 مليون دولار.

فقد زعم الكاتب أن "هذه القدرات الهائلة قد تُستخدم في إطار حرب إقليمية شاملة ضد إسرائيل"، منتقدا "اللامبالاة نفسها، والغرور نفسه، والرضا عن الذات نفسه، في إسرائيل"، إزاء ذلك، رغم ما حدث من مباغته حماس لإسرائيل في طوفان الأقصى.

وحذر من أن "إسرائيل لا تملك ترف الانتظار إلى أن يتحقق هذا التهديد الوجودي (من جانب مصر) بكل فظاعته"، مطالبا بـ"جيل جديد من القادة الإسرائيليين".

ووافقت الإدارة الأميركية في 20 ديسمبر 2024 على صفقة لبيع مصر معدات عسكرية تتجاوز قيمتها خمسة مليارات دولار، أغلبها قطع غيار.

وفي 12 ديسمبر 2024 هاجمت وسائل إعلام عبرية معظمها محسوب على اليمين المتشدد الحكومة لما أسمته "غض الطرف عن تعزيز الجيش المصري لقواته المسلحة في سيناء".

ونقلت القناة السابعة، عن المقدم إيلي ديكال، وهو ضابط كبير في المخابرات العسكرية سابقا انتقاده ما أسماه "غض إسرائيل الطرف عن تعزيز الجيش المصري في سيناء"، وزعمه أن "مصر تنتهك بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل وتعزز من قوات جيشها تحديدا في سيناء".

وقال ديكال: “بدأوا عملية تعزيز تسمح لهم بحماية سيناء بأكملها، وفي الفترة من 2004 إلى 2010، قاموا بمضاعفة الجسور من ستة جسور على قناة السويس إلى 12 جسرا، كما ضاعفوا مجموعة الذخيرة في سيناء ثلاث مرات”.

وأضاف: "كان لدينا حتى عام 2004 ستة جسور فوق قناة السويس وضاعفها الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى 12، واليوم 60 جسرا فوق قناة السويس، ولا يوجد هذا العدد الكبير من الجسور في القاهرة رغم أن أكثر من 15 مليون شخص يعيشون على جانبي نهر النيل".

وذكر ديكال أن “المصريين اتخذوا أيضا قرارا إستراتيجيا بزيادة الأسطول المصري، والذي أعتقد أنه يهدف إلى قطع خطوط الشحن إلى إسرائيل في حالة الطوارئ، وقد حاولوا القيام بذلك سابقا في حرب أكتوبر 1973 ونجحوا جزئيا بمنع الوقود عنا من إيران حينئذ”.

وسبقه نشر قناة “i24NEWS” الإخبارية الإسرائيلية فيلما وثائقيا من جزءين تحت اسم “بركان الغضب” تحذر فيه من "تعاظم قوة الجيش المصري وتسليحه المتقدم والمخاوف من المستقبل حال تغير توجه النظام في مصر".

وأكدت فيه أنه "منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر عزز الجيش المصري قوته وعظمها وأصبح من أقوى وأكبر الجيوش في الشرق الأوسط".