قبل عودة ترامب وتزامنا مع حملة جنين.. لماذا أوقفت سلطة عباس بث الجزيرة؟

حسن عبود | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

سيرا على خطى الاحتلال الإسرائيلي، قررت السلطة الفلسطينية، في الأول من يناير/كانون الثاني 2025، وقف بث قناة الجزيرة وتجميد أعمال مكتبها وعامليها في فلسطين، بزعم مخالفتها للقوانين المحلية.

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية إن "القرار جاء بعد عبث الجزيرة وتدخلها في الشؤون الداخلية وبث مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة"، وفق تعبيرها.

وأضافت أن "قرار وقف بث الجزيرة جاء لمخالفتها القوانين والأنظمة المعمول بها في فلسطين"، بحسب زعمها، مشيرة إلى أن وقف بث القناة سيكون بشكل مؤقت "إلى حين تصويب وضعها القانوني".

تزامن مشبوه

وجاء إغلاق القناة بعد أسبوع من حملة تحريض شنتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي تقود السلطة برئاسة محمود عباس ضد الجزيرة وصحفييها.

وبدأت الحملة عبر مهاجمة مراسل الجزيرة محمد الأطرش على خلفية تغطية الاشتباكات بين قوى الأمن الفلسطينية ومقاومين فلسطينيين في جنين.

وعلى غير العادة، صعدت الجزيرة من تقاريرها المنتقدة للعملية التي بدأتها السلطة مطلع ديسمبر/كانون الأول 2024، للقضاء على فصائل المقاومة في جنين شمال الضفة الغربية.

وبدأت قوى أمن السلطة العملية لتحاول أن تثبت قدرتها على إدارة الأمن في المناطق المحدودة التي تسيطر عليها بالضفة الغربية، في حين تسعى إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب.

وتمثل هذه الحملة خطوة غير عادية للسلطة المدعومة من الغرب والمنبوذة من الولايات المتحدة، والمستبعدة من قبل إسرائيل لأداء دور أكبر في الضفة وغزة.

وتأتي الحملة مع قرب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما يرتبط بذلك من أمنيات إسرائيلية بضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة ونسف خيار حل الدولتين إلى الأبد.

كما يأتي قرار السلطة الفلسطينية بعد إغلاق سلطات الاحتلال مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية في سبتمبر/أيلول 2024 واقتحامه بموجب أمر عسكري، صادرت على أثره الأجهزة والوثائق كافة في المكتب ومنعت العاملين فيه من استخدام سياراتهم.

وكانت الحكومة الإسرائيلية صادقت في مايو/أيار 2024 على اقتراح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الاتصالات شلومو كرعي إغلاق مكاتب قناة الجزيرة في إسرائيل.

ودخل القرار حيز التنفيذ بشكل فوري بتوقيع وزير الاتصالات، بموجب ما أطلق عليه "قانون الجزيرة".

تغير المزاج

وعلى مدار سنوات عملها، لم تتعرض الجزيرة للسلطة الفلسطينية وتساوق مكتبها بالضفة الغربية مع روايتها في أمر أعاده كثيرون إلى الخلفية الفتحاوية لعدد من صحفييها أو خوفهم من إضرار أمن عباس بهم.

لكن حملة جنين التي تعد أشرس عملية مسلحة للسلطة منذ تأسيسها قبل ثلاثة عقود من الزمن، اضطرت القناة لتصعيد اللهجة ضد مقر المقاطعة في رام الله.

وقال تقرير تلفزيوني جريء للقناة: "أن يقتل الفلسطيني الفلسطيني، هنا ستكون المأساة أكبر من قدرة اللغة على وصفها، وسيكون أعسر من ذلك على القاتل موضعة فعله في سياق أي مشروع وطني".

وتابع التقرير الذي قال ناشطون إنه كان السبب في إغلاق القناة: "تحت اسم حماية وطن، ظلت قوات الأمن الفلسطينية على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، تلاحق المقاومة في مخيم جنين فقتلت واعتقلت منهم في مشهد يعبر عن ضلال البنادق وحيرتها حين لا تفرق بين الأخ والعدو".

وأردف: "هل تتساوى يد سيفها كان لك بيد سيفها أثكلك؟ لقد تساوت اليدان، اليد الفلسطينية والإسرائيلية في ملاحقة المقاومة".

وغرد الكاتب الفلسطيني إبراهيم حمامي قائلا: "هذا هو تقرير قناة الجزيرة الذي ثارت بسببه ثائرة سلطة رام الله وقررت بسببه حظر القناة في الضفة".

وأردف: "هذا ما أوجعهم: فضح ما يقومون به من ممارسات لا تختلف عن ممارسات الاحتلال، فلا فرق بين الاحتلال وأدواته!! انشروه، شاركوه، وزعوه ما استطعتم، لا نامت أعين الجبناء".

ويبدو أن سلطة عباس تحارب هذه المرة كل من يقف في طريقها أو ينتقدها سواء كانت جهات معارضة أو وسائل إعلامية ضمن أكبر اختبار لإثبات جدارتها في الضفة ثم غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي.

وعن أهدافها، قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية في 22 ديسمبر: "تحاول السلطة الفلسطينية، بدعم من الدول الغربية، إثبات قدرتها على إدارة الأمن في الضفة الغربية، كتذكير للعالم بأنها تسعى أيضا إلى السيطرة على قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب".

وقال مسؤول فلسطيني مقرب من الرئيس للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته، إن عباس قرر أن السلطة "ستفرض سلطتها ولا عودة إلى الوراء".

وقد استبعد نتنياهو عودة السلطة إلى غزة، في وقت تدفع شخصيات رئيسة في ائتلافه اليميني المتطرف إلى ضم جزء أو كل الأراضي الفلسطينية.

ولكن في الجولة الأخيرة من مفاوضات وقف إطلاق النار، وافقت إسرائيل على السماح للسلطة بتولي إدارة معبر رفح بين غزة ومصر لفترة قصيرة، وفقًا لمسؤول مصري سابق تحدث لواشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويته.

ويبدو أن السلطة تحاول تقديم أوراق اعتمادها لدى الإدارة الأميركية الجديدة وإسرائيل معا، عبر العملية الأخيرة لإثبات أنها شريك يمكن الوثوق به، وذلك في ظل التردد والانقسام الإسرائيلي بشأنها.

ومنذ بدء العدوان على غزة، ربطت حكومة نتنياهو عملية طوفان الأقصى بالسلطة الفلسطينية وأكدت أنها "لا تختلف عن (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في ممارسة الإرهاب" وأنه لن يكون لها أي دور في مستقبل القطاع بعد تنفيذ المهمة.

وهو ما دفع السلطة للسير في مسارات عديدة كان آخرها محاولة لملمة البيت الفتحاوي وتعيين حكومة جديدة بالضفة الغربية للإيحاء بوجود تغيير، وإيجاد حل مع حماس من أجل تنحيتها من إدارة غزة، ولكن دون الوصول إلى نتائج حقيقية حتى الآن.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن “هناك أيضاً خلافات حادة بين الجزيرة والسلطة الفلسطينية التي يهيمن عليها حزب فتح العلماني”.

 فقد اتهم مسؤولو فتح القناة أحياناً بأنها تشكل حصناً منيعاً لدعم حماس التي طردت فتح من غزة في عام 2007، وفق ما أضافت الصحيفة الأميركية في الأول من يناير 2025.

وبدا أن التوترات تصاعدت في الأسابيع الأخيرة بعد أن شنت السلطة الفلسطينية عملية جنين. وعندما سئل منير الجاغوب، أحد مسؤولي فتح، عن أمثلة على التحريض، أشار إلى مقطع فيديو بثته الجزيرة ينتقد حملة السلطة كدليل.

ومن خلال مشهد ساخر، اتهم الفيديو السلطة الفلسطينية بالتعاون مع إسرائيل لقمع المقاومين الفلسطينيين الذين يقاتلون إسرائيل.

قانونية الخطوة

وعن مدى قانونية هذه الخطوة، يقول المحامي والخبير في الشؤون القانونية والحقوقية عصام عابدين إن “الأمر لا يحتاج إلى الكثير من العناء لإدراك أن هذا القرار يُشكل انتهاكاً مؤكداً لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين”.

لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية التعبير والحريات الإعلامية، وفق ما نشر عابدين في منشور مطول على فيسبوك. 

ورأى أنه “مهما كانت المبررات المطروحة لتبرير هذا القرار، فإنه يعكس انزلاق الحكومة الفلسطينية التدريجي نحو نفق مُظلم، فالحريات الإعلامية تُمثل العمود الفقري لحرية التعبير والمقياس الحقيقي للأداء الديمقراطي وحال الحقوق والحريات العامة”.

وأكد أنه وفقاً للمادة (27) الفقرة (3) من القانون الأساسي المعدل، في الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات العامة، ينص الدستور بوضوح على أنه "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي".

وبالتالي، فإن أيّ تقييد للحريات الإعلامية يتطلب تحقق "شرطين دستوريين" معاً، وجود نص قانوني، وصدور حكم قضائي فاصل في الدعوى.

وفي ظل غياب الشرط الدستوري الثاني (الحكم القضائي) لا جدوى من البحث في القوانين والأنظمة التي أشار إليها هذا القرار. 

وعليه، فإن قرار اللجنة الوزارية (السلطة التنفيذية) بوقف الجزيرة يُعد انتهاكاً صريحاً وغير دستوري، قولاً واحداً، بحسب عابدين.

بدوره، يعتقد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن قرار السلطة وقف بث قناة الجزيرة غير صائب ولا يفيد حتى من اتخذوه.

وأكد في مقابلة على قناة الجزيرة أن “المحطة بكل قنواتها أكثر من غطى نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وكشفت وعرّت الجرائم الوحشية للاحتلال”.

تساوق مع الاحتلال

ولاقى القرار انتقادات واسعة على تقدير أن تل أبيب سبقت السلطة الفلسطينية إليها، في خطوة تعد بمثابة الضربة الأخيرة للقناة في إسرائيل والضفة الغربية من خلال إغلاق المكاتب وفي غزة كذلك عبر قصف مكتبها وقتل صحفييها.

ولطالما وصف المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، الشبكة بأنها "بوق" لحركة حماس التي نفذت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما اتهمت إسرائيل عددا من الصحفيين العاملين في طاقم الجزيرة في غزة بالانتماء إلى حماس. 

وفي يوليو/تموز 2024، قتل جيش الاحتلال مراسل الجزيرة في غزة إسماعيل الغول، في غارة جوية، مدعيا أنه عضو في الجناح العسكري لحركة حماس. ورفضت القناة كل هذه المزاعم ووصفتها بأنها لا أساس لها من الصحة.

وقال نتنياهو مطلع أبريل/نيسان 2024 إن "الجزيرة ألحقت الضرر بأمن إسرائيل وشاركت بفعالية في مذبحة 7 أكتوبر، وحرضت ضد جنود الجيش".

وفي يوم صدور قرار السلطة، نددت الجزيرة بالخطوة، وقالت إنه "محاولة لثنيها عن تغطية الأحداث المتصاعدة في الأراضي المحتلة"، بحسب بيان لها.

ودعت السلطة إلى إلغاء القرار والسماح لصحافييها بالتغطية بحرية من الضفة الغربية دون ترهيب.

وفي اليوم التالي، أدانت حماس القرار وقالت إنه "انتهاك صارخ لحرية الصحافة وعمل قمعي يهدف إلى إسكات الأصوات". 

ووصفت حماس القرار بأنه "غير قانوني وإهانة مباشرة لمهنة الصحافة والإعلام في وقت حرج يتطلب تسليط الضوء على جرائم الاحتلال بغزة والضفة".

وطالبت الحركة السلطة الفلسطينية "بالتراجع الفوري عن هذه الخطوة"، وحثت منظمات حقوق الإنسان والإعلام على معارضة ما وصفته بـ"الممارسات القمعية التي تتناقض مع قيم الحرية والديمقراطية".

كما قالت حركة الجهاد الإسلامي إن الخطوة تأتي "في وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني وقضيته بشكل عاجل إلى منصة لنقل معاناته إلى العالم". 

وكتبت نجوان سمري، مراسلة القناة القطرية في القدس، على إكس: “كبرت على صوت الجزيرة وكبرت فيها.. وكانت هذه الدقائق من أصعب المواقف التي تعاملت معها أثناء عملي”.

فيما قال مراسل القناة في غزة أنس الشريف على إكس إن تعليق الشبكة القطرية في هذا الوقت "قرار مؤسف ومخجل"، مضيفًا “الجزيرة صوتنا وصوت أهل غزة في هذه الأيام الصعبة”.

أما الكاتب علي أبو رزق، فقد علق قائلا: “بعد أن تحالفت السلطة عسكريا مع الاحتلال لتدمير وكسر مخيم جنين، ها هي اليوم تتحالف سياسيا وإعلاميا وتغلق مكتب قناة الجزيرة بالكامل في مدينة رام الله”.

وبين أن ما يجري “رسالة عنوانها البؤس والاستبداد والخيانة، خيانة لدماء شهداء الجزيرة التي سالت على ثرى فلسطين، خيانة لدماء شيرين أبو عاقلة، وسامر أبو دقة وإسماعيل الغول وأحمد اللوح وحمزة الدحدوح وأخته وأمه وأخيه”.