التنكيل بالسياسيين في مصر.. كيف أصبح أبو الفتوح نموذجا للاضطهاد؟

داود علي | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

يعيش السياسي المصري الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب "مصر القوية"، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، قصة صراع لا تنتهي خلف قضبان سجون النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي الذي جعل من القمع دستورا، ومن التنكيل سياسة. 

أبو الفتوح، السياسي الذي لطالما حمل شعلة الوسطية والتغيير، منذ سنوات شبابه، يجد نفسه في مواجهة طوفان من بطش السلطة، جعله على مشارف الموت داخل الزنازين، كغيره من السياسيين الذين شهدوا نفس المصير منذ الانقلاب العسكري عام 2013. 

وهو الأمر الذي ترك تساؤلات عن أسباب انتقام نظام السيسي من أبو الفتوح، ولماذا تجاوز حتى مسألة اعتقاله إلى التنكيل به، وقتله قتلا بطيئا عن طريق الإهمال الطبي.

تدوير واستغاثة

وقررت نيابة أمن الدولة العليا، في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تدوير السياسي المصري عبد المنعم أبو الفتوح في قضية جديدة هي الثالثة له عن اتهامات مماثلة في القضيتين السابقتين، لتحبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات.

وأعلن محاميه الخاص نبيه الجنادي، أنه حضر التحقيقات مع أبو الفتوح، الذي اشتكى في بداية الجلسة من تدهور حالته الصحية بشكل كبير، وسوء مكان اعتقاله الذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة الآدمية.

بعدها بيوم، كتب نجله أحمد عبر حسابه في “فيسبوك”: "أبويا النهاردة بعد 7 سنوات، سجن انفرادي وعزلة.. في واحد قلق منامه وقال له تعالى في قضية من 2020، هيتحقق معك فيها، أنت عملت حاجات وأنت في زنزانة 2 متر في 3 متر محبوس انفرادي ومعزول عن العالم تستوجب التحقيق". 

وأضاف: "قرار النيابة حبس 15 يوما تبدأ بعد ما يخلص حكم 14 سنة في 2023! ممكن من السادة الأفاضل المسؤولين عن حبس أبويا اللي (الذي) في عامه 74 يقفلوا (يغلقوا) شباك الزنزانة بالمشمع (غطاء بلاستيكي يمنع تسرب الهواء) علشان الجو برد". 

وفي 29 ديسمبر، ذكرت مصادر حقوقية مثل منظمة "الجبهة المصرية" لحقوق الإنسان، أنه في التحقيقات الأخيرة معه، اشتكى أبو الفتوح من أنه رهن الحبس الانفرادي منذ اعتقاله عام 2018 وحتى اليوم.

وتحدث للنيابة العامة عن كونه يعاني أمراضا "خطيرة" و"مزمنة"، ويحتاج إلى فحوصات يطالب بها منذ ستة أشهر، دون أي استجابة من إدارة السجن التي ترفض علاجه أو إدخال الأدوية له.

ووصف الأمر بأن "هناك تعمدا لقتلي ببطء"، وتابع: "لولا أنني طبيب لكنت مت، جراء هذا التعسف". 

حي أم ميت؟

وكان الناشط المصري أحمد دومة (المعتقل سابقا)، قد ذكر ما يتعرض له أبو الفتوح، ضمن سلسلة تغريدات عبر موقع "إكس"، تحمل شهادته عما يتعرض له السياسيون المعارضون في سجون السيسي. 

ومما قاله: "لن أنسى أنه أصيب بنوبتين قلبيتين في ليلة واحدة لما تم الاعتداء عليه بدنيا من أحمد زين رئيس المباحث وأحمد الوكيل، مفتش المباحث في مزرعة طرة".

وأضاف: “لحظة خروجي حصلت معركة لساعتين، فقط علشان (لأجل) أقدر أشوف الزملاء في الزنازين المجاورة وأسلم عليهم، وبينهم الدكتور أبو الفتوح، اللي بكى وقال لي: انت خارج؟ طيب مين هيطمئن كل يوم إني عايش؟” 

وأكمل: "عشان كنت بانده عليه كل يوم ثلاث مرات أشوفه بخير ولا لأ (أنا آسف، لكني الحقيقة كنت اطمئن إنه لسه عايش وما حصلهوش حاجة)".

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وصف أبو الفتوح ظروف احتجازه داخل سجن بدر، قائلا: "الوضع قاتل".

 وفي 22 أكتوبر 2023، أيدت محكمة مصرية (جنايات أمن الدولة طوارئ)، الحكم بالسجن 15 عاما على المرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح.

وذلك في حكم نهائي غير قابل للطعن، وأدانته بـ "نشر وإذاعة بيانات وأخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن القومي للبلاد".

وكان الحاكم العسكري قد صدق في 29 مايو/أيار 2022، بمعاقبة أبو الفتوح بالسجن المشدد 15 عاما.

جرأة غير عادية 

ويعد أبو الفتوح من السياسيين المصريين البارزين في العقود الأخيرة، حيث عُرِف بالجرأة والشراسة في معارضة الأنظمة.

وقد حفلت حياة أبو الفتوح بالمواجهات مع الأنظمة المصرية بداية من الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، حينما كان الأول قياديا طلابيا.

ثم عاش مواجهات أشد مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما كان طبيبا وأمينا عاما لنقابة الأطباء واتحاد الأطباء العرب، وقياديا بجماعة الإخوان المسلمين حتى مارس/ آذار 2011.

وله واقعة شهيرة، إذ إنه خلال مؤتمر حضره السادات في فبراير/ شباط 1977، تحدث كممثل لطلاب جامعة القاهرة منتقدا سياساته.

وفي معرض حديثه عن منع السلطات للشيخ محمد الغزالي من الخطابة بمسجد عمرو بن العاص، واعتقال طلاب تظاهروا في الحرم الجامعي، قال حينها للسادات في جرأة غير مسبوقة إن من يعملون حوله "مجموعة من المنافقين".

ليرد عليه السادات غاضبا ومنفعلا: "قف مكانك" في إشارة له أن يلزم الصمت.

وبسبب موقفه الرافض لتوقيع السادات معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل، كانت أولى أزمات أبو الفتوح مع الاعتقالات.

إذ نالته حملة السادات الشهيرة في سبتمبر/أيلول 1981، لعدة أشهر مع سياسيين ومسؤولين وصحفيين وإسلاميين.

رفض الانقلاب

وفي عهد المجلس العسكري الحاكم في مصر إثر ثورة يناير (2012- 2013) صعد نجم أبو الفتوح بشدة ونافس على رئاسة مصر.

ورغم أن حزبه "مصر القوية" دعا إلى مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، مطالبا الرئيس الراحل المنتخب محمد مرسي بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، فقد رفض إعلان 3 يوليو/ تموز 2013، ووصفه بـ"الانقلاب"، ورفض فض اعتصام "رابعة العدوية".

تلك المواقف جعلت أبو الفتوح موضع هجوم النظام، بل إنه ومع فوز السيسي المزعوم بالدورة الرئاسية الأولى في 2014، تراجع ظهوره إعلاميا في مصر، وجرى تصنيفه كمعارض.

وفي تسريب أذاعته وسائل إعلام ومواقع مصرية عام 2013، بين السيسي والصحفي المقرب منه "ياسر رزق"، وصف رئيس النظام أبو الفتوح حينها بأنه "إخواني متطرف".

وتساءل: “واحد زي عبد المنعم أبو الفتوح لو نجح هيعمل معانا إيه؟” ليجيب رزق: بأنه “سيعلقنا زي الذبيحة!” وكشف هذا التسريب بوضوح، ما يكنه السيسي للمعارض المصري.

وجاءت لحظة الانتقام في 14 فبراير/شباط 2018، عندما اعتقلت قوات الأمن أبو الفتوح بتهمة نشر أخبار كاذبة عقب عودته من المملكة المتحدة إثر مقابلة مع فضائية "الجزيرة" انتقد فيها حكم رئيس النظام ووصف حقبته بـ"دولة الخوف".

لماذا أبو الفتوح؟ 

وصف الحقوقي المصري مصطفى عز الدين فؤاد، ما يحدث للمرشح الرئاسي الأسبق عبد المنعم أبو الفتوح من انتهاكات وتنكيل، أنه فعل ممنهج من النظام لقتل رمزية الزعيم أو القائد السياسي المتصدر للعمل العام. 

وقال لـ"الاستقلال": “إن أبو الفتوح يمثل النموذج المزعج لأي نظام استبدادي، لأن غاية المستبد والديكتاتور، قتل السياسة ووأدها داخل المجتمع”.

فعندما يكون هناك نموذج لسياسي بما تحمله الكلمة من معنى مثل أبو الفتوح، فبطبيعة الحال سيكون مستهدفا، وعرضة للتعذيب والانتقام، وفق وصفه. 

واستشهد الحقوقي مصطفى عز الدين فؤاد بما حدث مع شخصيات وتجمعات سياسية أخرى في مصر.

وذكر هنا قضية تيار الأمل عام 2019، عندما شن النظام حملة قمعية ضد سياسيين ليبراليين ورموز محسوبة على هذا التيار المدني منهم زياد العليمي وشادي الغزالي حرب وحسام مؤنس، وعمد إلى اعتقالهم إضافة إلى اقتحام وتصفية 19 كيانا اقتصاديا. 

وتابع: "أيضا القضية 621 و441 أمن دولة عليا، اللتان استهدفتا كثيرا من الناشطين والسياسيين والصحفيين والحقوقيين، مثل شادي أبو زيد وشريف الروبي ومصطفى الأعصر وعزت غنيم وغيرهم، وكان الغرض منهما كبح السياسيين وتدمير مستقبلهم". 

وأكمل: “مع ذلك لا بد أن نشهد بأن لعبد المنعم أبو الفتوح خصوصية، أولا لكونه شخصا توافقيا، ويمتلك كاريزما هائلة، إضافة إلى كونه من الإسلاميين ومقربا من الليبراليين وغيرهم”.

ولا يغفل أن عددا كبيرا من الشباب أحاطوا به وتبنوا خطابه ومنهجه، لذلك جعله السيسي على قمة قائمة خصومه جنبا إلى جنب مع الإخوان والإسلاميين، وسائر دعاة الحرية والديمقراطية، بحسب تقديره.