حل الأزمة السورية.. كيف كشف "فراغ" الأجندة السياسية للمعارضة التركية؟

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ونهاية حكم "حزب البعث" لسوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، على يد قوات المعارضة بدخول العاصمة دمشق، شكّل لحظة تاريخية فارقة في تاريخ المنطقة. 

كما كان لهذا السقوط انعكاسات إقليمية ودولية متعددة، لا سيما في الجارة الشمالية تركيا، التي تأثرت بالأزمة السورية من أوجه عدة. 

وعلى مدار السنوات الماضية، استغلت أحزاب المعارضة التركية وتحديدا حزب “الشعب الجمهوري” ملف اللاجئين السوريين، ووضعت مفردات الكراهية والعنصرية ضدهم كأساس لأجندتها وخطابها السياسي، وحملتهم كل أسباب الإخفاق والأزمات في الداخل. 

وبلغ الأمر أنه في 6 سبتمبر/ أيلول 2023 قام رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو بتحميل المهاجرين ومنهم السوريون، مسؤولية "نقص المياه" في المدينة.

فيما اقترح رئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري أيضا، أن تفرض البلدية رسوما تزيد بنسبة 10 أضعاف على فواتير المياه الخاصة بالسوريين.

وخلال الانتخابات الرئاسية عام 2023، رفع مرشح المعارضة، رئيس حزب الشعب الجمهوري (آنذاك) كمال كليجدار أوغلو شعار "السوريون سيرحلون". 

سجال سياسي 

وكانت واحدة من المعارك والسجالات السياسية الحادة التي اندلعت على الساحة السياسية التركية بين الحكومة والمعارضة؛ بسبب السوريين، تلك التي حدثت في 19 سبتمبر 2024 بين بلال أردوغان نجل الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال. 

وقتها كان بلال يتحدث مع مجموعة من الشباب في مخيم شبابي ضمن فعاليات مهرجان الاتحاد الدولي للرياضات التقليدية، ثم تطرق في حديثه إلى أن معدلات الجريمة بين اللاجئين السوريين أقل منها بين المواطنين الأتراك. 

وأوضح أن سبب ذلك راجع إلى أن اللاجئين أكثر حذرا في تجنب الأنشطة غير القانونية؛ لأن ارتكاب أي جريمة قد يؤدي إلى ترحيلهم إلى بلدانهم.

وقال: "بصفتي خبيرا اقتصاديا، أؤكد أن الدول عادة ما تحقق مكاسب اقتصادية على المدى المتوسط بفضل وجود اللاجئين بشرط إدارة الأمور بشكل سليم".

ثم وجه اتهامات لاذعة لبعض الأطراف بأنها تعمل على “استغلال قضية اللاجئين لإثارة الفتنة”، قائلا "هناك من يحاول تقسيم الناس وزرع الكراهية بينهم لتحقيق مكاسب سياسية".

حينها سارع زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزال للرد خلال تجمع حاشد لأنصاره في مدينة بالكسير.

وقال: "السيد بلال يقول إنه لا يقبل اتهام السوريين بأنهم سبب زيادة الجرائم في تركيا، ويؤكد أن معدل الجريمة بين السوريين أقل منه لدى الأتراك، وكأنه يريد الاحتفاظ بهم هنا".

ثم احتدَّ أوزال في حديثه إلى درجة التوعد، عندما قال: "أسأل بلال أردوغان: ما الحكمة في الثناء على السوريين بوصفهم عمالة رخيصة في وقت يعاني فيه شبابنا من البطالة؟ السيد بلال إن كان السوريون سيبقون، فإننا سنبدأ بالتخلص من حكومة والدك أولا، ثم إعادة السوريين إلى وطنهم".

كان هذا السجال الذي تداولته وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع، قبل نحو شهرين فقط من تحرير سوريا. 

مأزق المعارضة 

أما بعد حل الأزمة السورية؛ فقد تبدلت الأوضاع كثيرا في شكل الخطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة. 

وللمفارقة، فمن نفس المدينة بالكسير في 27 ديسمبر 2024، رد الرئيس أردوغان خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية، على تهديد ووعيد أوزال. 

وقال أردوغان: "شعبنا لقّن الذين يظنون أنهم سيصلون للحكم عن طريق العنصرية والكراهية ضد اللاجئين درسا". 

وأضاف: “السقوط كان لنظام الأسد في سوريا، ومراسم الحداد حاليا في مقر أحزاب المعارضة التركية، ولولا الخجل لأطلقوا أغاني الرثاء في سقوط الأسد.. هل تعلمون لماذا؟”

وأكمل: "لأن معارضتنا تدخل الانتخابات دون مشاريع حقيقية، وكل مشاريعهم كانت قائمة على العداء للأجانب واللاجئين السوريين".  

وتابع أردوغان: "هم في حالة رعب حاليا من استقرار الأوضاع في سوريا، وعودة اللاجئين لبلادهم".

وعلل ذلك بقوله: "لأن هذا يفقدهم ملزمتهم السياسية الوحيدة التي كانوا يستخدمونها في كل استحقاق انتخابي وفي كل مواجهة".  

وأضاف الرئيس التركي: "وهذا يعطينا درسا أنه مهما تعرضت لضغوط عليك أن تقف ثابتا عند موقفك وستحصد النتيجة".

واختتم: "لو وصلت المعارضة للحكم في الانتخابات الأخيرة لما شاهدنا أحدا اليوم يطرق باب أنقرة ولا أحدا يسأل عنها، ولبقينا في زاوية نشاهد الأحداث حولنا ولأصبحنا في طي النسيان".

ورطة المعارضة 

ومما أحدثته التحولات في سوريا داخل أحزاب المعارضة التركية الرئيسة، أنه بدأت بذور الخلاف تظهر فيما بينهم. 

خاصة بين بعض رموز تحالف "الأمة"، أو "الطاولة السداسية" الذي كانت تتكون من 6 أحزاب خاضت الانتخابات ضد تحالف "الجمهور" بقيادة أردوغان. 

ففي 21 ديسمبر 2024، قام أحمد داود أوغلو، رئيس حزب المستقبل المعارض، ورئيس الوزراء الأسبق، وأحد أعضاء "الطاولة السداسية"، بالتغريد عبر منصة "إكس" معلقا: "محافظ حلب المعين حديثا هو عزام غريب، وهو خريج جامعة بينغول". 

وأضاف: “هل سيعتذر السياسيون المحرّضون الذين كانوا يريدون طردهم (يقصد السوريين) من الجامعات وقطع المياه عن منازلهم ونقلهم عبر الحدود بالحافلات؟”

وتابع: "على أية حال، دعوهم يزوروا حلب ويشربوا القهوة التركية التي يقدمها لهم المحافظ، الذي سيستقبلهم باللغة التركية الجميلة".

واختتم: "عليهم أن يعلموا أن تلك القهوة ستكون رمزا للذاكرة والأخوة التي لن تدوم أربعين عاما، بل أربعين قرنا".

يذكر أنه في 31 ديسمبر 2024 أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، مغادرة نحو 35 ألف لاجئ سوري تركيا عائدين إلى وطنهم منذ سقوط الأسد.

وقال لقناة "إن تي في" التركية إن "هذا يعني أن عدد الأشخاص الذين غادروا تركيا منذ بداية ديسمبر يعادل نفس عددهم في فترة ثلاثة أشهر عادية".

سقوط الأقنعة 

وفي 29 ديسمبر 2024، كتب الصحفي التركي حسين ليك أوغلو مقالا لصحيفة "ترك برس" عن صدمة المعارضة من سقوط نظام  الأسد.

وقال: "سقط النظام في سوريا والأقنعة في تركيا، ففي الوقت الذي كان فيه الشبيحة المتخفون في تركيا يستهدفون اللاجئين السوريين الذين اضطروا للفرار، كانوا يصفقون للنظام المدعوم من إيران الذي كان يرتكب المجازر".

وتابع ليك أوغلو: "كانوا يرددون ليذهب السوريون ويقاتلوا من أجل بلدهم، وها هي المعارضة السورية قد تمكنت بعد 13 عاما من المقاومة من الإطاحة بالنظام الاستبدادي".

وأضاف: "المعارضة التي طالبوها بالقتال، قاومت وحررت بلادها، أما الشبيحة (يقصد المعارضة التركية) الذين سقطت أقنعتهم؛ فقد بدأوا في الوقوف علنا إلى جانب بقايا النظام السوري".

وأكمل: "هم يقومون حاليا بالترويج للأكاذيب مدعين أن العلويين يقتلون في سوريا".

وأضاف: "لو استطاعوا لجلبوا بشار الأسد من موسكو وأعادوه إلى السلطة في سوريا".

وفي 2 يناير/ كانون الثاني 2025، نشر "معهد الدراسات الاجتماعية" التركي أول استطلاع للرأي العام للعام الجديد، وكشف البحث الذي أُجري بمشاركة 1500 شخص عن مدى قبولهم لسياسة حزب العدالة والتنمية "الحاكم" تجاه سوريا. 

وفي نطاق الاستطلاع، كان السؤال المطروح على المشاركين هو “هل تجدون سياسة حزب العدالة والتنمية في سوريا ناجحة؟

وأجاب 77.4 بالمئة من المشاركين عن السؤال بأنهم "ناجحون للغاية" و"ناجحون".

كما بلغت نسبة الذين قالوا "إن تأثير إسقاط الأسد على تركيا سيكون جيدا جدا أو جيدا 59.6 بالمئة".