ماذا تعني استعانة نظام السيسي بحرس مبارك القديم لإنقاذ الاقتصاد المأزوم؟
"كانت أمور مبارك مستقرة إلى أن ظهر هؤلاء! حالة تخبط، وفأل سيئ"
في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2024، اجتمع رئيس وزراء النظام المصري مصطفى مدبولي بعدد من رجال الأعمال داخل المقر الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، لبحث “التحديات التي تواجه الاستثمار والقطاع الخاص في مصر”.
وكان لافتا في قائمة الحضور وجود عدد من أهم رجال أعمال نظام الرئيس السابق حسني مبارك المعزول عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، على رأسهم "هشام طلعت مصطفى" و"أحمد عز" و"حسن هيكل".
وهو ما أثار تساؤلات عن سبب الاستعانة برجال دولة مبارك الذين تورطوا في الفساد والتلاعب؟ وماذا يمكن أن يقدمه هؤلاء لإصلاح الاقتصاد المصري؟
هشام طلعت
وباستعراض القائمة التي كانت على طاولة رئيس الوزراء المصري، فإن هشام طلعت مصطفى أحد أبرز رجال الأعمال في عهد مبارك.
وهو الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة طلعت مصطفى، كما يعد من الوجوه المقربة من الإمارات.
وعلاقة طلعت بالإمارات قديمة حيث أدين في قضية مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، في دبي عام 2008، قبل أن يخرج بعفو من عبد الفتاح السيسي عام 2015.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن هشام طلعت من المتصدرين للشراكة مع الإمارات في المشاريع العقارية الكبيرة، التي تنفذها مجموعة طلعت مصطفى بالتعاون مع شركات إماراتية.
ومن هذه المشاريع، مشروع "مدينتي"، الذي يعد من المشاريع السكنية الكبرى في مصر.
وتشارك فيه شركة "ADQ" الإماراتية القابضة، من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية والخدمات.
كذلك مشروع "العاصمة الإدارية الجديدة" حيث تقوم مجموعة طلعت مصطفى بتطوير جزء منها بالتعاون مع مستثمرين إماراتيين.
وفي 12 يناير/ كانون الثاني 2024، أعلنت "القابضة" (ADQ) ومجموعة "أدنيك" الإماراتيتان عن توقيعهما على الاتفاقيات النهائية للاستحواذ على حصة 40.5 بالمئة في مجموعة "آيكون"، وهي ذراع قطاع الضيافة التابع لمجموعة طلعت مصطفى القابضة المصرية.
أما عن بعض الروابط بين هشام طلعت ونظام مبارك، فهناك قضية فساد اعترف بها رجل الأعمال عام 2011، أمام جهاز الكسب غير المشروع.
وهي بيع مشاريع سكنية بثمن بخس لجمال وعلاء مبارك نجلي الرئيس المصري حسني مبارك، بهدف التوسع واستغلال تلك الأسماء في تدعيم استثماراته.
أحمد عز
الاسم الثاني على طاولة مصطفى مدبولي، كان أحمد عز، المعروف بـ "إمبراطور الحديد"، وكان أحد كبار رجال نظام مبارك قبل الثورة.
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 وأسقطت نظام مبارك بعد 3 عقود، لم يصدق أغلب الناس تهاوي رموز حكمه بهذه السرعة.
وكان في الواجهة عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني (المنحل) أحمد عز، المقرب من جمال مبارك، الذي كان يستعد لوراثة حكم أبيه.
نفوذ عز المتمدد (آنذاك) تسبب في التأثير على مجالين رئيسين في البلاد، المجال الاقتصادي والمجال السياسي.
فصار نموذجا لتزاوج رأس المال بالسلطة، وفي 3 أبريل/ نيسان 2010، رأت حركة مواطنون ضد الغلاء، أن أحمد عز "عدو المستهلكين رقم واحد في مصر" لتلاعبه بالمواطنين.
وكان أحمد عز في ذلك التوقيت، قد وضع خطة إدارة حملة انتخابات مجلس الشعب عام 2010، التي اتسمت بالتزوير الفاضح وكانت من أسباب سقوط نظام مبارك.
بعدها تم اعتقاله في أبريل 2011 بعد منعه من السفر وتجميد أرصدته.
وفي سبتمبر/ أيلول 2011 حكم عليه بالسجن المشدد عشر سنوات وغرامة 660 مليون جنيه.
وفي مارس/ آذار 2013 حكم عليه بالسجن 37 عاما بتهمة الاستيلاء على مصانع حديد الدخيلة.
لكن في 7 أغسطس/ آب 2014 بعد أشهر قليلة من حكم السيسي عقب الانقلاب العسكري، بدأ الإفراج عن رموز نظام مبارك رغم قضايا الفساد، فخرج حينها عز بكفالة مالية قدرها 250 مليون جنيه.
وفي 12 أغسطس/ آب 2018 أعلن عز التصالح مع الحكومة وتم إزالة منعه من السفر.
وفي 20 يناير 2022 أعلن موقع أحوال مصرية، عودة أحمد عز للسيطرة من جديد على صناعة الحديد في مصر، وذلك بعد إتمامه شراء 18 بالمئة من أسهم شركة حديد المصريين.
حسن هيكل
الرجل الثالث على طاولة رئيس الوزراء المصري، كان "حسن هيكل"، مؤسس سلسلة متاجر كازيون، والرئيس التنفيذي السابق لـ "إي إف جي هيرميس"، وهو نجل الكاتب الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل.
كان حسن متهما بقضايا فساد تتعلق بالتلاعب بأسهم البورصة المصرية خلال عهد مبارك، وعرف أنه من الشخصيات المرتبطة بـ "علاء مبارك" نجل الرئيس المخلوع، الذي كان نشطا في الاقتصاد.
وفي التسريب الذي أذاعته قنوات مصرية معارضة عام 2014 لعدد من قيادات القوات المسلحة، على رأسهم السيسي ومدير مكتبه (آنذاك) عباس كامل.
طلب محمد حسنين هيكل منهم التدخل لدى القضاء، لتسوية قضية الفساد المالي لنجله حسن، وقام عباس كامل بالاتصال بالنائب العام في حضور اللواء محمود حجازي (صهر السيسي)، حتى يتدخل للسماح لنجل هيكل بالسفر، وتسوية القضية المتهم فيها.
ومن خلال التسريب يظهر أن النائب العام هشام بركات (آنذاك) لم يبد معارضة، ولم يستفسر حتى عن طبيعة القضية والتهم الواردة فيها، ووعد كامل بالتدخل وحل الأمر.
بقية الحضور
ومن بين الذين حضروا إلى اجتماع مصطفى مدبولي، رجل الأعمال "شريف الخولي"، الشريك والمدير الإقليمي لشركة أكتيس، لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
كذلك "ياسين منصور"، رئيس مجلس إدارة شركة "بالم هيلز"، وهو ابن عم آخر وزير إسكان في عهد مبارك "أحمد المغربي"، وقد تم منعه من السفر عام 2011 بقرار من النائب العام.
وقتها أعلن عاصم الجوهرى مساعد وزير العدل لشؤون جهاز الكسب غير المشروع ، أن اللجنة القضائية توصلت إلى معلومات تؤكد تورط منصور مع كل من علاء مبارك وزهير جرانة وزير السياحة الأسبق، في عدة اتهامات من بينها جرائم غسيل الأموال.
لكن في 1 يوليو/ تموز 2012 سقطت التهم عن منصور، بعد أن رفع النائب العام اسمه من حظر السفر، حيث قام بدفع 250 مليون جنيه.
وأيضا كان رجل الأعمال "أحمد السويدي" الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة "السويدي إلكتريك"، ضمن قائمة حضور اجتماع العاصمة الإدارية.
وأحمد هو شقيق "هشام السويدي" الذي تورط في قضية التلاعب بالبورصة مع نجلي مبارك جمال وعلاء، التي أثيرت عام 2011.
فأل سيئ
هذه القائمة دفعت سياسيين وناشطين للتعليق، منهم الفنان عباس أبو الحسن، الذي كتب "إكس" قائلا: "مؤتمر امبارح (الأمس) ده بيفكرني بصاحب الشغل اللي (الذي) بيداري (يخفي) خيبته وكسله وانعدام مبادئه فيرجع يعين الموظفين اللصوص اللي كان طردهم وسجنهم عشان قلبوه (سرقوه) وقلبوا الشركة سنين، بذريعة المثل الباطل (حرامي شاطر ولا أمين خايب)".
وأضاف: "أنتم عايزين تدوسوا على الناس اقتصاديا ومعنويا وجسديا وفكريا لحد فين؟ ثورة مسروقة وألف قتيل وعمر ضايع لإزاحة نظام أخطبوطي فاسد، بعد 14 سنة راجعين تصدروا وتلمعوا وتستعينوا بنفس دراعات الأخطبوط ؟!.. شيء سريالي تعيس وذميم".
أما الصحفي سليم عزوز فكتب: "أخرجوا أحمد عز من القمقم، وظهر غيره من رجال لجنة السياسات على الشاشات، البحث عن بدائل ولو رجال جمال مبارك بدون جمال مبارك! هؤلاء كانوا عناصر توتر، لا عناصر أمان، وهؤلاء هم من دمروا الحياة السياسية وفتحوا الباب للثورة"
وأكمل: "كانت أمور مبارك مستقرة إلى أن ظهر هؤلاء! حالة تخبط، وفأل سيئ".
الوضع الاقتصادي
ويأتي اجتماع مدبولي برجال أعمال دولة مبارك، في وقت تعاني فيه الدولة المصرية من تفاقم الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات.
وقد أعلن صندوق النقد الدولي في 4 ديسمبر 2024، التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممدد.
مما سيمكن مصر من الحصول على حوالي 1.2 مليار دولار، لكن تحويل المبلغ سيكون رهن موافقة المجلس التنفيذي للصندوق.
وأنهت مصر المراجعة الأولى مع الصندوق، وحصلت على شريحة بقيمة 347 مليون دولار، ثم تبعته بالشريحتين الثانية والثالثة بقيمة 820 مليون دولار لكل شريحة.
ليبلغ مجموع ما حصلت عليه مصر من قروض حتى نهاية المراجعة الثالثة 1.98 مليار دولار.
وفي مارس 2024 أقدم البنك المركزي المصري على تحرير سعر صرف الجنيه في قرار هو الخامس من نوعه منذ عام 2016.
وانخفضت قيمة العملة المحلية أمام الدولار، لتسجل وقتها 48 جنيها، قبل أن يقترب الجنيه من حاجز الـ51 خلال الأيام الأخيرة.
ويأتي قرار المركزي في إطار تنفيذ اشتراطات صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضا قيمته 8 مليارات دولار.
التي تضمنت بجانب تحرير سعر الصرف بيع أصول مملوكة للدولة والقوات المسلحة.
وارتفعت الديون الخارجية المصرية إلى أكثر من 160 مليار دولار في السنوات الماضية.
وتحجب الدولة المصرية أرقام الفقر منذ سنوات، وكانت آخر نسبة معلنة للفقر في مصر بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قد صدرت في ديسمبر 2020، وقدرت بـ 29.7 بالمئة من إجمالي عدد السكان.
فيما أعلن البنك الدولي من جانبه زيادة الفقراء إلى نسبة 32.5 بالمئة بنهاية العام 2022، في آخر إحصاء صدر منه.
نموذج للفشل والفساد
وتعليقا على المشهد، وصف الباحث الاقتصادي أحمد يوسف، استعانة نظام السيسي برجال مبارك بأنه "نموذج للفشل الإداري، والفساد الممنهج في معالجة أزمة اقتصادية طاحنة"، قال عنها: "قد تعصف بأركان الدولة المصرية برمتها إذا استمرت كما حدث في سريلانكا والأرجنتين من قبل".
وقال: "النظام الحالي لديه أزمة كبرى مع المستثمرين، لأنه أسس قواعده الاقتصادية على أساس أن تتحول المؤسسة العسكرية وكبار الضباط إلى اقتصاد موازٍ لاقتصاد الدولة، وأن يكونوا هم المتحكمين بلا منازع في عجلة الاقتصاد، وهي ممارسة احتكارية أسهمت في تدمير الشكل الاقتصادي القديم للدولة، والذي كان مترهلا بالأساس".
وأكمل الباحث المصري: "الإشكالية جاءت بعد ذلك أن الاقتصاد المصري الذي كان في حاجة إلى قوة دافعة، وأن يغير جلده من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد قائم على الإنتاج والصناعة والاستثمار، دخل في حالة جمود وفشل وتضارب، هذا إلى جانب القروض والديون، أوصلنا إلى هذه النتيجة".
وتابع: "هنا نأتي إلى سؤال عودة رجال دولة مبارك، أو تمكينهم اقتصاديا، وهم نموذج مثالي للسيسي، أولا لكونهم أبناء الدولة ويستطيع التحكم بهم والاتفاق والتفاهم معهم، ثانيا لامتلاكهم خبرة اقتصادية وعلاقات إقليمية مع السعودية والإمارات".
واستطرد: "هم بالنسبة للمؤسسة العسكرية أفضل من نموذج ساويرس على سبيل المثال، أو نموذج محمد فريد خميس، لأن كلا النموذجين لن يستطيع التحكم بهما، والنظام العسكري لا يتعامل إلا مع من يثق به بنسبة مئة في المئة".
واختتم: "ومع ذلك فإن فتح المجال وتوسع رجال أعمال مبارك لن يفضي إلى شيء إيجابي منتظر، قد يكون حجرا في المياه الراكدة، لكن وضع الاقتصاد المصري في حاجة إلى ثورة إنقاذ، أشبه ما تكون بتركيا بعد ركود التسعينيات، مصر في حاجة إلى تحرر اقتصادي كامل من العسكر، وفتح أبواب الاستثمار، مع انفتاح سياسي يدفع بعجلة البلاد إلى الأمام".