مقترحات لجنة تعديل قانون الأسرة بالمغرب.. لماذا أثارت الجدل؟
“ما دام المجتمع ينظر إلى الإصلاحات بعين الشك فإن أي إنجاز قانوني سيظل ناقصا”
استقبل الشارع المغربي خلاصات عمل “اللجنة المكلفة بتعديل مدونة (قانون) الأسرة” بكثير من التفاعل، بين مرحب ومنتقد ومحذر من تبعات بعض المقترحات التي وصفت بـ"الخطيرة على المجتمع".
واستقبل الملك محمد السادس أعضاء اللجنة رفقة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، والتي قدمت أمامه خلاصات اشتغالها على المدونة.
وفي 24 ديسمبر، عقدت اللجنة مؤتمرا صحفيا لعرض أبرز ما ورد من تعديلات، في أفق إدخالها في قانون التشريع، بعد صياغتها كمشاريع قوانين تُعرض للتصويت البرلماني.
بيانات متفاعلة
وبالمناسبة، قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، إن القضايا التي رُفعت للمجلس العلمي الأعلى بشأن تعديلات مدونة الأسرة، شملت عشر قضايا وافق عليها المجلس كما اقترحتها اللجنة.
وهذه القضايا شملت سن الزواج المحدد في 18 سنة مع الاستثناء لسن 17 سنة، وشهادة الشاهدين المسلمين في الخارج، والنيابة الشرعية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، ووجوب نفقة الزوجة بالعقد.
والعمرة الإجبارية للسكنى للزوج الباقي حيا، ومرتبة ديون الزوجين المتعلقة بالأموال المكتسبة، وبقاء حضانة المرأة التي تزوجت، والمتعة للمرأة طالبة التطليق، والمساواة بين أبناء الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة مهما نزلوا.
وذكر الوزير أن هناك ثلاث مسائل رفضتها اللجنة، ويتعلق الأمر بنسب الولد خارج الزواج، والوصية للوارث إذا لم يجزها باقي الورثة، وإلغاء التعصيب في حال ترك البنات دون الأبناء.
وأوضح التوفيق أن هناك مسألتين أعطت فيها اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب، ويمكن لولي الأمر أن يقرر فيها ما يراه محققا للمصلحة، أولاهما التوارث بين الزوجين مختلفي الدين، وثانيهما هي التوارث بين الكافل والمكفول.
وقال إن “هناك مسألة لا يمكن تجاوز رأي اللجنة فيها إلا بقرار من ولي الأمر بتقدير المصلحة، وتتعلق بإدراج شرط موافقة الزوجة الأولى في حالة التعدد”.
وفي السياق، سارعت بعض الأحزاب المغربية إلى التعبير عن موقفها من التعديلات المقدمة على المدونة، خاصة حزبي “العدالة والتنمية” الإسلامي، و"التقدم والاشتراكية" اليساري.
وفي هذا الصدد، عبر “العدالة والتنمية”، عن ارتياحه للمقترحات المقدمة لمراجعة مدونة الأسرة، والتي كرست احترام المرجعية والثوابت الدينية والدستورية والوطنية، والالتزام بالضوابط التي حددها الملك وعلى رأسها ضابط "عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام".
ودعا الحزب عبر بيان في 24 ديسمبر 2024، الحكومة إلى "توخي الأمانة والحكمة والدقة في بلورة هذه المقترحات وصياغتها في مشروع قانون".
من جانبه، أشاد حزب "التقدم والاشتراكية"، بما وصفها بـ"التعديلات الإيجابية الكثيرة التي أسفر عنها هذا مسار عمل اللجنة، خاصة اعتماد عقد الزواج لوحده في إثبات الزوجية، وتحديد أهلية الزواج في 18 سنة كقاعدة واستثناء في 17 سنة مع تشديد شروط ذلك، وإقرار تقييدات إضافية على تعدد الزوجات خاصة من خلال إجبارية موافقة الزوجة".
وأضاف "واعتبار الحضانة حقا مشتركا بين الزوجين مع تعزيز حق المحضون في السكنى، وإقرار عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها رغم زواجها، وجعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين كقاعدة، وتثمين عمل الزوجة بالمنزل مع تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزواج".
واسترسل الحزب: "وكذا إقرار حق الزوج في الاحتفاظ ببيت الزوجية في حال وفاة الزوج الآخر، وإقرار إمكانية الهبة للوارثات وعدم اشتراط الحيازة الفعلية، والمساواة بين الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة مهما نزلوا، ومراجعة معايير تقدير النفقة مع وجوبها بالعقد".
وأردف "وتقليص أنواع الطلاق والتطليق وتحسين آجال البت في الدعوى ذات الصلة، وإحداث هيئة غير قضائية للصلح أو للتوفيق بين الزوجين في ما يترتب عن الطلاق الاتفاقي من آثار، وتعزيز الحماية القانونية لأموال القاصرين".
وكذا "إقرار التوارث بين الكافل والمكفول بالحيازة أو الهبة أو الوصية، وتبسيط إجراءات إبرام عقد الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج ودون الإلزام بحضور الشاهديْن المسلميْن، وإمكانية الهبة أو الوصية أمام الزوجيْن في حال اختلاف الدين".
مخالفات شرعية
غير أن "رابطة علماء المغرب العربي"، عبرت عن رفضها للعديد من المقتضيات الجديدة المعلنة، مشددة على أنه "لا يجوز الخروج عن أحكام الشريعة الاسلامية حتى لا يصبح القانون مصادما للشريعة".
وذكرت الرابطة أن ما جاء في هذه التعديلات "مخالف لإجماع المسلمين، ومن تلك المسائل أن عقد الزواج لا يتم إلا بشهادة شاهدين مسلمين"، مشددة على أن إسقاط هذا الشرط "مبطل لأصل النكاح".
وأضافت "كما أن ولاية الأب ثابتة على أبنائه بعد الطلاق وقبله، وتخويل اﻷم الحاضنة النيابة القانونية ظلم للزوج وحرمان له من حق من حقوقه الثابتة.
وشددت الرابطة على أن "ديون الزوجة منفصلة الذمة عن ديون الزوج، ولا يجوز تحميل أحد الزوجين ديون اﻵخر إلا إن قبل بذلك، وإلزام أحد الزوجين بدين الآخر واستخلاصه من الإرث مخالف لإجماع المسلمين، وفيه إجحاف كبير بالورثة، وأولهم أم الزوجة التي هي امرأة أيضا".
وذكرت أن "عدّ عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية أموال الزوج من أجل تقاسم أمواله في حال الطلاق، قول علماني غربي لم يقل به أحد من الفقهاء، وهو مخالف ﻷصل الزواج في الإسلام".
في السياق ذاته، قالت الرابطة إن "إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة مخالفة صريحة لكتاب الله، واقتطاع من أموال الورثة بغير حق، وظلم لأم الزوج وأخته وسائر ورثته الذين سيحرمون من حقهم في هذا البيت مع أن أمه قد تكون أشد حاجة لهذا البيت من زوجته، وهو اجتراء على أحكام الإرث التي تعد من المحكمات في دين الله".
ورأت أن "ما جاء في هذه التعديلات لم ينبع من نقاش فقهي أو اجتماعي، وإنما هي ضغوط دولية فرضت على المغرب وعلى غيره من البلدان الاسلامية، وأن نتائج هذه التعديلات لن تخدم اﻷسرة ولا المجتمع ولا المرأة نفسها، بل سيزيد عزوف الشباب عن الزواج، ويتصاعد الشقاق والنزاع داخل اﻷسرة، فتكون المرأة أول المتضررين".
ولفتت إلى أن "التحاكم إلى هذا القانون في -حال تطبيقه- يعتبر من التحاكم إلى الطاغوت الذي حرمه الله عز وجل في كتابه، وأن أحكامه لن يكون لها النفاذ الشرعي، فالقانون متى خالف الشريعة بطلت أحكامه، ولا يجوز للناس التقاضي به ولا قبوله ولا العمل بما جاء فيه، فالقاضي لا يحل حلالا ولا يحرم حراما".
وأكدت الرابطة أن على "العلماء اليوم مسؤولية تاريخية تجاه دينهم وشريعة ربهم، ولا يسعهم اليوم إلا أن يقولوا كلمة الحق، ﻷن هذه أعراض المسلمين وأموالهم، فمن سكت عن الحق الذي علمه، فقد أسقط عقده مع الله عز وجل".
وأضافت "كما أن على القضاة والمحامين رفض هذه التعديلات والوقوف في وجهها بكل الوسائل المتاحة، حتى لا يتحملوا وزر تنفيذ هذه القوانين الجائرة على الناس".
ودعت الرابطة، "المجتمع المدني بكل شرائحه أن يقف وقفة صادقة لله ثم للتاريخ، فإن ثمن هذه الأخطاء يدفعها المجتمع جيلا بعد جيل".
تفاعلات مجتمعية
العديد من الأصوات خاصة منها الدعوية والإسلامية نظرت إلى التعديلات المقدمة نظرة سلبية، وركزت على المخاطر التي تتضمنها ضد الأسرة والمجتمع المغربي.
وفي هذا الصدد، انتقد أستاذ الدراسات الإسلامية، رشيد بن كيران، "تشديد المجلس العلمي الأعلى في تعديد الزوجات، ورفع سن الزواج، وتسهيل التطليق وليس الطلاق فحسب".
واسترسل ابن كيران في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 25 ديسمبر 2024، "يأتي هذا في ظل العزوف عن الزواج والعنوسة المرتفعة، وأن 40 بالمئة من النساء دون زوج".
وأضاف: "كذلك يعرف المجتمع شيخوخة ديموغرافية مخيفة، مع معدل نمو سنوي قدره 0.85 بالمئة، وانخفاض معدل الخصوبة إلى 1.97 طفل لكل امرأة، وهو أقل من عتبة تعويض الأجيال المحددة في 2.1".
كما انتقد ابن كيران عد المجلس العلمي الأعلى "ديون الزوجين التزامات مشتركة بشكل مطلق"، مشددا على أن "هذا الرأي ليس له أساس شرعي واضح".
وتابع: "بل يتعارض مع عدد من المبادئ الشرعية، ومنها مبدأ الاستقلال المالي، ومبدأ العدالة، ومبدأ الغرم بالغنم".
كذلك الشأن للرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، في تفاعله مع التعديلات، حيث أكد أن عموم هذه الاختيارات الفقهية/ القانونية تقع ضمن ما يمكن فيه النظر والاجتهاد والتعديل.
ورأى الريسوني في تصريح نقلته وسائل الإعلام المحلية، أن "المشكلة تكمن في هذا الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمَد، وهو التضييق والضغط على الرجل: قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق وبعد الممات...".
وأضاف أن "المشكل الذي سيتفاقم جراء هذا التوجه، وسيرخي بمزيد من آثاره السلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، هو دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، وإلى الخوف من الزواج.. في مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة، المتاحة لحياة العزوبة والعلاقات الحرة".
وأردف العلامة المقاصدي: "نعم، ستجد المرأة أمامها مزيدا من الحقوق والمكاسب والصلاحيات، لكن وجود الزوج نفسه سيصبح عسيرا أكثر فأكثر، وربما سنحتاج في النهاية إلى الحل الهندوسي، وهو أن المرأة تدفع للرجل مهرا كبيرا حتى يقبل الزواج!!".
العديد من الدعاة المغاربة والمشتغلين بالحقل الديني والفكر الإسلامي عبروا عن انتقادهم لمضامين وردت في تعديلات المدونة.
وفي هذا الصدد، تفاعل الداعية الإسلامي محمد الفزازي، مع الخبر بقوله: "هنيئا للمطلقة بالحضانة المستمرة، وبالنفقة ولو بعد زواجها برجل آخر، وهنيئا لها ببيت زوجها الذي لا يُقسم مع التركة بعد وفاة الزوج".
وأضاف الفزازي في تدوينة عبر فيسبوك في 25 ديسمبر، "وهنيئا لها بحمايتها من الضرات. لا ضرة بعد اليوم إلا في أحوال خاصة جدا… وفي المقابل هنيئا للرجال بنعمة العزوبة، وهنيئا للعوانس بعنوستهنّ فلن يجرؤ على الزواج أحد بعد اليوم؟".
وأضاف: "بل من يجرؤ من المتزوجين على الطلاق أصلا حتى إن دعا الداعي واقتضى الحال…؟ وهنيئا أكثر وأكثر للنسويات والحداثيين والتقدميين على هذا النصر المبين".
بدوره، قال الباحث في الفكر الإسلامي إدريس الكنبوري، إن "المدونة الجديدة انعكاس لواقع نعيشه منذ أزمنة بعيدة، واقع أن القوانين غريبة عن الناس".
وأضاف الكنبوري في تدوينة على فيسبوك، "فلا هي تترجم طموحاتهم ولا هي تحميهم ولا هي مرآة لثقافتهم، وعندما تصبح هناك غربة بين المجتمع وقوانينه ينهدم الاجتماع المدني".
ورأى أن "آفة مجتمعاتنا هي البحث المستمر عن إرضاء الآخر، حيث يصبح المجتمع في الدرجة الثانية بعد المنظمات الدولية، وينعكس هذا الترتيب على الداخل حيث تصبح الأغلبية في الدرجة الثانية بعد الأقلية".
إشكاليات متعددة
في تقييمه لهذه التفاعلات، قال الكاتب الصحفي يونس مسكين، إن الانتقادات التي رافقت الإعلان عن المقترحات الجديدة “لم تكن مجرد اعتراضات عابرة على بعض الجزئيات”.
وأضاف مسكين لـ"الاستقلال"، بل هي شهادة حية على الفجوة العميقة بين رؤية السلطة التي تحدد الأولويات من منظور فوقي، وبين احتياجات المواطن التي تُختزل في تفاصيل حياته اليومية ومخاوفه الوجودية".
ورأى أن “هذه الفجوة لا تعكس فقط اختلافا في الأولويات، بل تُظهر أيضا أزمة ثقة متجذرة تجعل أي مبادرة للإصلاح، مهما كانت طبيعتها أو نواياها، تواجه بجدار من الشكوك والارتياب”.
وأردف: "كما تعبّر عن فقدان السردية المشتركة التي تربط الدولة بالمجتمع، والتي تجعل من الإصلاح مشروعا جماعيا يُحرك الأمل بدل أن يُثير القلق".
وتابع مسكين: "ما يفاقم هذا الوضع، أن مشروع إصلاح مدونة الأسرة، الذي يُفترض أن يكون خطوة نحو المزيد من العدالة والإنصاف، جاء في ظل مناخ اجتماعي يعاني من الإحباط والانقسام، مما جعل ردود الفعل تجاهه تعكس خليطا من التشكيك والنقد وحتى الغضب".
واستطرد: "كما لا يمكن إغفال أن ضعف التواصل الرسمي حول أهداف الإصلاح وآلياته، والذي أسهم في تعميق الهوة بين الأطراف المعنية".
وشدد مسكين على أن "المؤسسات التي تولت مهمة الإعداد لهذا المشروع لم تفلح في بناء سردية مقنعة حول ضرورة هذه التعديلات، ودخلت في صراعات صغيرة حول تمرير المقترحات والتصوّرات…".
ولذلك، رأى الكاتب الصحفي أنه، “رغم الإيجابيات التي يمكن استنباطها من النقاش المجتمعي الدائر، إلا أن تآكل الثقة يجعل من الصعب بناء توافق واسع حول أي مشروع إصلاحي كبير”.
ويرى أن "مصدر الخطورة هنا، أن الإصلاحات التي يُفترض أن تأتي لمعالجة اختلالات قائمة قد تُصبح، في ظل غياب الثقة، مصدرا جديدا للتوتر والانقسام".
وأكد مسكين أن "هذا الانغلاق يجعل الإصلاح يبدو وكأنه قرار مفروض من أعلى، لا نابعا من إرادة جماعية تعبّر عن تطلعات المجتمع ككل، وبدلا من أن يكون التغيير قانونيا واجتماعيا شاملا، فإنه يُخاطر بالظهور كمشروع تقني أو بيروقراطي يفتقر إلى الروح المجتمعية التي تمنحه الشرعية".
وذكر أن "الإصلاح الحقيقي ليس مجرد تعديل في النصوص القانونية، بل هو مشروع متكامل يُعيد تعريف العلاقة بين الفرد والدولة وبين الدولة والمجتمع".
وعليه، يردف مسكين، "ما دام المجتمع ينظر إلى الإصلاحات بعين الشك، فإن أي إنجاز قانوني سيظل ناقصا، بل وقد يتحول إلى مصدر جديد للصراعات".