"يدي نظيفة وبريئة من دم المصريين".. لماذا يردد السيسي الأكذوبة مرتين منذ سقوط الأسد؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

للمرة الثانية منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، يتحسس رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي رأسه ويقدم تصريحات غير معهودة يحاول فيها التبرؤ من دم المصريين وأزماتهم.

ففي تصريحات تظهر قلقه من تكرر السيناريو السوري في مصر، قال السيسي خلال مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد المجيد بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة: "لو المسؤول عنكم إيده ملوثة بدم الناس خافوا على بلدكم".

وأضاف في 6 يناير/كانون الثاني 2025: "لو كان المسؤول عنكم إنسان مش كويس خافوا على بلدكم، لو إيده ملوثة بدم الناس خافوا على بلدكم، ولو إيده تأخذ أموال الناس خافوا على بلدكم.. والحمدلله مفيش حاجة من دي موجودة".

وسبق أن قال السيسي خلال لقاء جمعه مع قادة القوات المسلحة والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية المختلفة والصحفيين بمقر القيادة الإستراتيجية بالعاصمة الإدارية، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2024،  إن يديه “لم تتلطخا بالدم” كما "لم تأخذا مال أحد".

وجاء ذلك فيما يبدو تعليقا على التطورات في سوريا، حيث أطاحت قوى الثورة بنظام الأسد في 8 ديسمبر، بعد نحو 14 سنة من انطلاق الثورة وحكمه بقبضة حديدية، في حالة تبدو مشابهة لما يجري في عهد السيسي بمصر.

ورد حينها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، على تصريحات السيسي بإطلاق وسوم عدة أبرزها #ايدك_متعاصه_بدم_المصريين، #المتعاص، #الرئيس_المتعاص سلطوا خلاله الضوء على الجرائم التي ارتكبها منذ انقلابه العسكري، وذكروا فيه بالأموال والأصول التي استولى عليها.

وعاود الناشطون تفعيل هذه الوسوم بقوة مع التفاعل مع وسوم أخرى تتوعد بإسقاطه وإنهاء حكمه كما حدث مع الأسد، أبرزها #لازم_يمشي، #جاك_الدور_يا_دكتاتور، #ثوره_تحرير_مصر، وغيرها.

وبرز نعت السيسي ووسمه بلقب "المتعاص" مع التعليق على خطابه بعبارة "كاد المُريب أن يقول خذوني"، وتعديل البعض لنصها لعبارة "كاد (المتعاص) أن يقول خذوني".

وعد ناشطون تكرار السيسي لعبارات يتبرأ فيها من القتل والسرقة ومحاولة تأكيده نظافة يده من الدم والنهب، دليل خوف وهلع من القادم.

دلالات الخطاب

وعن دلالات خطاب رئيس النظام المصري قالت الكاتبة شيرين عرفة إن السيسي كرر تصريحاته للمرة الثانية وبنفس الصيغة "وهنا تعلم أنه وصل لحالة من الرعب والهوس والجنون، أفقدته السيطرة على ما يصدر منه من أقوال وأفعال".

ودعت لملاحظة الهيئة التي ظهر بها السيسي وهي "عيونه المنتفخة وتعبيرات وجهه المتشنجة، لتعلم حجم الأرق والتوتر الذي يحياه".

وعدت الكاتب الصحفية آيات عرابي، تصريحات السيسي بهذه الطريقة وإصراره على تكرار هذا الكلام هو أكبر اعتراف منه بارتكاب هذه الجرائم بالإضافة لجريمة الخيانة العظمى لصالح الكيان الصهيوني.

وقالت: "ليس هو فقط، بل وجيشه المصرائيلي وداخليته وكل مراكيب سهرة 30 يونيو (مظاهرات داعمة لانقلابه عام 2013) والذين كانوا مطية الصهاينة للمجيء برعاع العسكر ليستعبدوا الشعب ويسفكوا دماء المسلمين ويحاربوا الإسلام علانية دون أي مواربة"، وفق تعبيرها.

وأكدت عرابي، أن هؤلاء جريمتهم حتى، أكبر من جرائم السيسي لأنهم كانوا يعلمون تماما أن عصابة العسكر المجرمة ستوجه سلاحها (على أقل تقدير) لصدور خصومهم السياسيين.

وتساءل الخبير الاقتصادي مراد علي: “هل لغة جسد السيسي ومحتوي كلمته الدفاعي وتأكيده أنه (شريف وأمين ونزيه)، بالإضافة لتعبيرات وجه  البابا، تبعث على الاطمئنان أم تثير مزيدا من القلق؟، وهل هناك ما يجعلنا نصدق ما قاله أن الأمور ستكون بخير في مصر في السنة الجديدة؟”

وتابع تساؤلاته: لماذا يصر الرئيس السيسي في كل مناسبة على تكرار رسالة أنه "أمين" و "شريف" و "نزيه"!!"، مؤكدا أنها هذه الرسالة سلبية جداً، الأصل أن الشعب يثق في نزاهة وشرف حاكمه وأنه لا يستبيح الأموال والدماء.

وتوقع علي، أن مستشاري الرئيس طالبوه بالتوقف عن هذه السردية، وحاولوا إقناعه بأسلوب أداء أفضل في كلماته.

وأردف: "لا يصح لرئيس جمهورية مصر أن يبدو لينا بهذا الشكل حتى يظن البعض أنه يتمسكن، فذلك يفقده المصداقية ولا يكسبه شعبية كما يعتقد".

كما تساءل الممثل السينمائي عمرو واكد: "ما هذا الرعب الذي خرج علينا به السيسي اليوم في الكاتدرائية؟"، قائلا: “حسيت إنه لو يعني سيبناه شوية هيعترف بكل حاجة لوحده ومن غير أي ضغوط، هو أكثر واحد عارف جرائمه كويس، وسبحان مسلط النفس على النفس”.

وأكد صاحب حساب نحو الحرية، أن السيسي خائف أكثر من أي وقت مضى، والخوف يلازمه في كل ظهور وتصريح وهو يعرف بأن النهاية اقتربت.

تحليلات نفسية

وفي تحليل نفسي لتصريحاته، ذكر المستشار القانوني بمركز مونتجمري للدراسات السياسية سعيد عفيفي، أن هذه هي المرة الثانية التي يتحدث فيها السيسي عن الدماء والأموال دون أن يكون هناك أي داع لهذا الكلام ولم يتهمه أحد بأي من هذه الأمور.

وأوضح أن علم النفس لديه تفسير علمي لهذا الأمر يسمى الدفاع بالإنكار اللفظي، وتعني أن الشخص يحاول الدفاع عن نفسه بإنكار أفعال فعلها دون أن يسأله أحد عنها.

وقال عفيفي، إن السيسي متأكد في قرارة نفسه بأنه قتل ونهب، وأن هناك فئة كبيرة تعلم هذا، وحالة استحضار الأفعال داخليا طوال الوقت جعلته يتحدث دون ضوابط ولا أسباب.

وأوضح رئيس تحرير صحيفة وموقع وطن، نظام المهداوي، أنه في علم النفس، يُطلق على سلوك السيسي مصطلح الإسقاط العكسي أو الدفاعي، مشيرا إلى أنه أحيانا يُربط بآلية الدفاع النفسي مثل "الدفاع الإسقاطي".

وقال إن هذا النوع من السلوك يشير إلى حالة يكون فيها الشخص مُدركًا على مستوى ما لصفة أو ذنب بداخله، لكنه يحاول نفيها أو التخلص من القلق المرتبط بها عبر إنكارها بشكل مفرط أو غير مبرر، حتى لو لم يُواجه اتهامًا مباشرًا.

ورأى وزير خارجية تونس الأسبق رفيق عبدالسلام، أن إكثار السيسي من الحديث عن الإخلاص والشرف والنزاهة وعدم التورط بالدماء ونهب المال العام، أشبه ما يكون بامرأة تحمل عقدة ذنب نتيجة التورط في علاقة محرمة فتجدها تدمن الحديث بمناسبة وغير مناسبة عن الشرف والعفة. 

وأوضح أن هذا يسمي في علم النفس بصوت العقل الباطني أو اللاشعور الدفين، حيث يكون الإثبات دليلا على النفي، قائلا إن الحديث عن الصدق والنزاهة وعدم التورط في الدم يعني نقيضه أي الكذب والسرقة والتورط في الدماء.

رد بالأدلة

وردا على أكاذيب السيسي، قال السياسي والحقوقي أسامة رشدي: "إيديك غاصت في دماء عشرات الآلاف من المصريين حتى تجلس على الكرسي الذي اغتصبته!! وإيدك ملوثة بالفساد والسرقات والفشخرة!!".

وخاطب السيسي قائلا: "سجونك في إجرامها لا تقل عن سجون بشار الأسد التي شاهدها العالم، تختطف فيها عشرات الآلاف من شرفاء مصر رجالا ونساء كرهائن!!، ودمرت نظام العدالة وحقوق الإنسان".

وقال الباحث محمود جمال، إن على السيسي ومستشاريه أن يعلموا أنه منذ يوليو 2013 إلى الآن مدّة ليست بالطويلة والدماء التي سالت في عهده لم تجف ومحفورة في الأذهان ومسجله بالصوت والصورة، وإعلام عبد الناصر ليس إعلام عالمنا المعاصر.

واستنكر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبدالشافي، ما قاله السيسي في كلمته، ونعته بالمجرم والقاتل والمرعوب.

سخرية واستهزاء

وبرزت تعليقات ساخرة على تصريحات السيسي استهجن خلالها ناشطون إصراره على إنكار جرائمه وتبيض يداها منها.