اغتيالات إسرائيل لقادة حزب الله.. هل تؤثر على "النووي" الإيران؟
"إيران لا تزال بعيدة عن تكنولوجيا الردع القوية”
تحوّلت إسرائيل في الآونة الأخيرة من عدوانها على قطاع غزة إلى لبنان و"حزب الله" مما فتح نقاشا حول إيران ومستقبل الحزب بعد اغتيال زعيمه، حسن نصر الله.
ونشر مركز "إيرام" التركي مقالا للكاتبة، أمينة توبراك، ذكرت فيه أن "الأعمال الشاملة التي قامت بها إسرائيل، مثل هجمات أجهزة الاتصال في لبنان، تشير إلى أنها تسببت في أضرار كبيرة لحزب الله".
ولفتت توبراك إلى أن “اغتيال نصر الله، في 27 سبتمبر/ أيلول2024 والذي كان يتولى قيادة المنظمة لمدة 32 عاما، قد أضعف حزبَ الله على الأقل في المدى القصير”.
واستطردت: "يمكن القول إن حزب الله، الذي تأسس عام 1982 وأثبت نفسه كلاعب مهم في الشرق الأوسط من خلال أساليب القتال المثيرة للجدل، ربما يواجه لأول مرة تهديدا كبيرا بهذا الحجم".
حرب شاملة
وشددت الكاتبة التركية على أنه “من النادر أن يتم هزيمة هذه الأنظمة من خلال قتل قادتها الرئيسين، بالإضافة إلى ذلك لم تكن هذه أول مرة يواجه فيها حزب الله العمليات الإسرائيلية”.
وأضافت: “بل على العكس، كان الحزب يتعرض للعديد من الهجمات الإسرائيلية على مر السنين نتيجة لاحتلال إسرائيل للبنان كرد فعل على الصراع”.
وأردفت الكاتبة: "يمكن القول إن الهجمات الأخيرة لإسرائيل تختلف عن السابق لسببين: التغيير الجذري في اتجاه إسرائيل نحو حزب الله، والدلائل التي تشير إلى تقويض شرعية وقوة حزب الله".
وأوضحت أنه “بالنسبة للأول، يبدو أن إسرائيل قد بدأت حربا شاملة ضد هيكل حزب الله على جميع المستويات التقنية وغير التقنية”.
وعلى سبيل المثال، أعلنت إسرائيل في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 عن مقتل محمد يوسف عنيسي، أحد كبار المسؤولين في مشروع صناعة الصواريخ التابع لحزب الله.
من ناحية أخرى، يُزعم أن الشخص الثاني الذي تم الإعلان عنه كزعيم للمنظمة بعد مقتل نصر الله، هاشم صفي الدين، قد قتل أيضا، وسط نفي للحزب.
أما بالنسبة للسبب الثاني، فقد بدأ حزب الله المشاركة في السياسة الداخلية، ولكنه لم يقدم بديلا قويا للطبقة الحاكمة الفاسدة في لبنان وبدأ بالانخراط في الفساد.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ المزيد من اللبنانيين في رفض رؤية حزب الله لجعل المنظمة اللاعب الرئيس في نظام الحرب في البلاد وتحويل لبنان إلى ساحة للحروب المدمرة في المنطقة.
وأخيرا، أصبح حزب الله في الفترة الأخيرة بمثابة هيكل فاسد، يرتبط بأخطاء إستراتيجية وبنية عسكرية فارغة، وفق الكاتبة توبراك.
لهذه الأسباب، يبدو أن الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل على لبنان “قد تسبب في تغيير دائم في الردع العسكري لحزب الله وجعل المنظمة غير فعالة بشكل كبير”.
تأثير ضعف
على مستوى الخطاب، تتشكل عقيدة الأسلحة النووية الإيرانية من خلال فتوى دينية تحظر بشكل صارم إنتاج وشراء وتخزين واستخدام جميع أشكال أسلحة الدمار الشامل.
وفي حين أن الخطاب يعني ضمنا أن إيران ترفض الأسلحة النووية رفضا قاطعا، فإنه لا يمثل فهما واقعيا لأنشطة البلاد النووية الطويلة الأمد على الأرض.
وأضافت الكاتبة التركية أن "التغيرات الجذرية في البيئة الأمنية الإقليمية تؤثر على مدى اعتقاد إيران وتفضيلها للأسلحة النووية".
فمن المعروف أن طهران أنهت أبحاثها وتطويرها المتعلق بالأسلحة النووية عام 2003.
وفي عام 2015، وقعت إيران اتفاقا نوويا شاملا يعرف رسميا بالاتفاق الشامل المشترك، ووافقت على اتخاذ إجراءات مقيدة بشأن أنشطتها النووية.
ثم بدأت في تسريع أنشطتها النووية بدءا من عام 2019، ولكنها "لم تتجاوز الحاجز النووي بعد".
وعلى ما يبدو لم يكن لدى إيران قرار متسق بشأن الحصول على الأسلحة النووية رغم وجودها لفترة طويلة.
ومع ذلك، قد يعني ضعف حزب الله بشكل واضح أن إيران ستقوم بتحديث مذهبها النووي، فالردع والقوة اللذان يعدان أساس أمن إيران وبالتالي أمنها القومي يتعرضان لتهديد جدي.
في هذا السياق غير المستقر يمكن أن يؤدي التقدير الزائد للتهديد إلى دفع إيران لتجاوز الحاجز النووي.
وتابعت: “يعد التغير الجذري في البيئة الأمنية واحدا من أقوى العوامل التي تدفع بعض الدول لتطوير الأسلحة النووية”.
“لا تزال بعيدة"
وشددت توبراك على أن "المخاوف الأمنية القريبة تعد مصدرا مهما للتحفيز لاتخاذ قرار بدء برنامج أسلحة نووية.
وأضافت أنه “وفقا لنفس الفهم، يعد الحصول على الأسلحة النووية أكثر طريقة فعالة لضمان البقاء في النظام الدولي الفوضوي”.
ومع ذلك، فإن هذا الطريق ليس بهذه السلاسة، فرغم أن الأمان هو العامل الأول والأكثر أهمية الذي قد يدفع إيران نحو الأسلحة النووية، إلا أن هذا العامل وحده ليس كافيا كمحفز.
فالأسلحة النووية، التي تعد وظيفتها الرئيسة هي الردع، لا توفر ضمانة للحماية الإستراتيجية دون توفير قدرة الضرب الثانوية/الردع الثاني.
فحتى يكون الردع النووي فعالا، يجب أن يكون لدى الدولة التي تمتلك الأسلحة النووية نية وقدرة معقولة على استخدام الأسلحة النووية كردع ورد فعل على هجوم محتمل (بما في ذلك الهجوم التقليدي).
وتشمل أسس الردع النووي زيادة عدد رؤوس الحرب النووية، وتنويع وسائل الإطلاق النووي، والاستعداد الدائم للهجوم النووي، ونشر آليات الإطلاق في مناطق مختلفة، ونظام قيادة وسيطرة آمن وقوي.
لذلك قبل تطوير قدرة ردع قوية من المحتمل أن تجد إيران نفسها معرضة للتدخل الوقائي.
ووفقا للمعلومات المتاحة يبدو أن إيران “لا تزال بعيدة عن هذه التكنولوجيا”.
فعند تحليل الجدول الزمني لتسليح إيران النووي، يتم التركيز عادة على أنشطة تخصيب اليورانيوم، أو بمعنى آخر تحويل الوقود النووي.
فرق كبير
وقالت توبراك: “يجب أن نذكر أن تخصيب اليورانيوم على مستوى السلاح هو الخطوة الأكثر صعوبة وأهمية في صنع الأسلحة النووية”.
واستدركت: “من المعروف أن إيران حققت تقدما ملحوظا من خلال الاستثمارات التي قامت بها على مدى أكثر من 30 عاما في هذا المجال”.
وفي الوقت الحالي يُقدر أنه إذا قررت إيران الحصول على كمية كافية من المواد النووية على مستوى السلاح لعدة أسلحة نووية، فإنها يمكنها الحصول عليها في غضون بضعة أسابيع.
ومع ذلك، هناك فرق كبير بين صنع الأسلحة النووية ونشر قدرة نووية تشغيلية.
ووفقا لتقديرات المخابرات الغربية والإسرائيلية لعام 2021، فإنه إذا اتخذت إيران قرارا سياسيا بالانتقال إلى صنع نووي، فإنها ستحتاج إلى حوالي عامين لبناء ترسانة نووية كبيرة.
وقالت توبراك إن “تقديرات مجتمع المخابرات الأميركي لعام 2024 تشير إلى أن إيران لديها القدرة على تطوير أسلحة نووية، ولكنها لا تشارك في أنشطة تسليح مهمة”.
ورأت أن "قرار إيران بأن تصبح قوة نووية يتناسب مع قدراتها النووية بالإضافة إلى مخاوفها الأمنية".
وفي ظل التغيرات الجذرية في البيئة الأمنية في المنطقة، قد ترى إيران الأسلحة النووية كبديل قوي لاستعادة ردعها وضمان بقائها.
ومع ذلك، يجب عدم الاستهانة باحتمالية مواجهة التدخل الوقائي حتى تكتسب إيران قدرة ردع عملية.
وشددت توبراك على أن “امتلاك إيران لعدد قليل من الأسلحة النووية التي يمكن اختبارها في المختبر لن يوفر لها الردع والحماية التي تحتاجها بالكامل”.