لا تشبه حزب الله أو الحرس الثوري.. ما هي الإستراتيجية الجديدة لشيعة العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تطرح القوى الحليفة لإيران في العراق، إستراتيجية جديدة لإدارة الدولة تجعلها تحتفظ بمبدأ ما يسمى بـ"المقاومة" الذي تتشارك فيه مع عدد من القوى والدول في الشرق الأوسط، لا سيما إيران وحزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد في سوريا.

وتثير هذه الخطوة تساؤلات عدة عن طبيعة النموذج الذي تتحدث عنه المليشيات المرتبطة بإيران وتوقيت طرحه، وإلى أي مدى يمكن تطبيقه في ظل دولة عراقية حليفة لأميركا التي أسست نظامها السياسي بعد احتلالها البلاد وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

"الدولة المقاومة"

وفي 7 أبريل/ نيسان 2023، كشف قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" الموالية لإيران، أن القوى المسلحة الشيعية وبعد نقاشات داخلية، اتفقت على إستراتيجية خاصة بها، لأنه لا يمكن تكرار تجربة الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني في العراق.

وأوضح الخزعلي خلال مقابلة فيدوية مع إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، أن الحرس الثوري الإيراني فلسفته تقوم على أساس الارتباط بالولي الفقيه (المرشد الأعلى) وليس برئيس الجمهورية، وأن المرجعية الدينية (الشيعية) في النجف لا تسمح للذهاب بهذا الاتجاه، لذلك لا يمكن نسخ تجربته في العراق".

أما تجربة حزب الله اللبناني، يضيف الخزعلي، فإنها "تقوم على أساس أن الشيعة في لبنان هم أقلية وبحاجة إلى أن يحصنوا وضعهم في خصوصيات معينة، لكن شيعة العراق هم الأكثرية"، حسب زعمه.

وتابع: لذلك المنطق يقول إن الأسلوب والإستراتيجية الصحيحة في العراق هي "الدولة المقاومة"، وأن أي إستراتيجية غيرها هي خطأ، ولا تصب في مصلحتنا ولا بمصلحة الدولة. هذا الموضوع نحن ندركه.

وأشار الخزعلي إلى أن مليشياته لم تشارك في الانتخابات البرلمانية قبل عام 2012، على اعتبار كان هناك وجود للقوات المحتلة الأميركية- رغم قناعتنا بالعملية السياسية- لكن بعد انسحابهم شاركنا في انتخابات عام 2014، وحصلنا على مقعد واحد، وحاليا لدينا 13 مقعدا.

ولفت إلى إن "العراق قدره أن يكون دولة، بل هو أقدم دولة في التاريخ، وأن الشعب العراقي مؤمن بالدولة ومؤسساتها ويتفاعل معها، وإذا بحثنا عن المصلحة الشخصية والشعبية، فلا يمكن تطبيق تجربة الحرس الثوري وحزب الله اللبناني".

وأردف: "لا يمكن تحقيق هذه المصلحة إلا بوجود مؤسسات الدولة حقيقية، لذلك نحن مقتنعون تماما بالعمل داخل الدول وتقوية مؤسساتها بكل ما يلزمها وإن كان بعض الأمور تحتاج إلى وقت معين لكن الإيمان موجود بهذه المسألة". 

وسبق للخزعلي أن تحدث عن الموضوع ذاته خلال مقابلة تلفزيونية عام 2019، اذ أقرّ في وقتها بأن الفصائل المسلحة التي لا تملك القدرة على التكيّف مع المجتمع العراقي ستضمحل، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه لا يجب التخلي عن السلاح بشكل فجائي.

كما رأى الخزعلي في وقتها أن "استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في العراق من الناحية المنطقية خاطئة، إذ إن تجربتهم اعتمدت على صناعة دولة داخل دولة"، مبينا أن "ذلك يؤدي إلى إضعاف الدولة الأم".

عباءة للاختباء

وعن طبيعة هذه الإستراتيجية، قال الباحث العراقي علي المساري، إن "طرح الخزعلي يندرج ضمن التبريرات التي يطلقها حلفاء إيران، لإقناع جمهورهم عن سبب توقفهم عن مهاجمة المصالح الأميركية بالعراق، سواء سفارتها أو القواعد العسكرية التي توجد بها قواتها".

وأوضح الباحث أن "هذه التبريرات جاءت بعد تسلمهم وزارات سواء في حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي أو الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، ومحاولة إقناع أتباعهم بأنهم باقون على نهج المقاومة الذي يدعونه، لكنها اليوم أصبحت عبر الدولة ومؤسساتها".

وحصلت "عصائب أهل الحق" على حقيبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وسمي لها المتحدث السابق للمليشيا الموالية لإيران، نعيم العبودي، في الحكومة الحالية برئاسة، محمد شياع السوداني، التي تشكلها الإطار التنسيقي الشيعي في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وتساءل المساري، قائلا: "من يقاومون وكيف، فالعراق حليف لأميركا التي أسست النظام السياسي الحالي في البلد، والاتفاقيات العديدة المبرمة بين بغداد وأربيل؟ إضافة إلى تأكيدات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يمثل قوى الإطار التنسيقي الشيعي، بأنهم أصدقاء للولايات المتحدة".

وفي مطلع فبراير 2023، وصف السوداني الولايات المتحدة خلال مقابلة مع صحيفة "الصباح" العراقية الرسمية، بأنها "بلد صديق وشريك إستراتيجي للعراق، وإن جميع القوى السياسية تؤيد ذلك (في إشارة إلى الإطار التنسيقي)"، وذلك في معرض حديثه عن العلاقة مع واشنطن.

وقبل ذلك، دافع السوداني في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" نشرتها في 15 يناير/ كانون الثاني 2023 عن وجود قوات أميركية في بلاده مؤكدا أن الحاجة للقوات الأجنبية لا تزال قائمة وأن القضاء على تنظيم الدولة يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وتوقع الباحث العراقي أن "تصريحات الخزعلي لا تبتعد عن كونها خطوة لكسب ود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فربما حلفاء إيران متخوفون من عاصفة قادمة- بظنهم- تحد من قوتهم في العراق".

وتابع: "فهم من المستحيل أن يضربوا إسرائيل أو أميركا ومصالحها، وبيدهم الحكم في العراق، فما المقاومة التي يتحدثون عنها، بل العكس هم كانوا وبالا على المقاومين الحقيقيين الذين قاوموا الولايات المتحدة وغالبيتهم من أهل السنة، وهم كانوا عملاء لدى المحتل لتعقب المقاومة والتنكيل بها".

وأشار المساري إلى أن "الإستراتيجية الجديدة هي فرصة للمليشيات الموالية لإيران للاختباء تحت غطاء الدولة، ومحاولة إبعاد أنفسهم عن العقوبات، والعمل والتحرك بأريحية ضمن عباءة الرسمية".

علما أن حكومة السوداني تواجه منذ أكثر من شهرين قيودا مالية من قبل الفيدرالي الأميركي، على خلفية تقارير بشأن تهريب الدولار إلى النظام الإيراني الذي يواجه عقوبات غربية قاسية.

تهديدات سابقة

وطالما طالب الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم مليشيات مسلحة بضرورة إجلاء القوات الأميركية من العراق، لا سيما بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، بغارة جوية قرب مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

ففي 5 يناير 2020، صوت البرلمان العراقي في جلسة استثنائية عقدت بطلب من حلفاء إيران على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي بقيادة واشنطن وإنهاء أي وجود للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية.

وفي 20 نوفمبر 2020، قال قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" المنضوي ضمن "الحشد الشعبي" في العراق، إن "هدنة الفصائل المسلحة مع الجانب الأميركي قد انتهت".

وأضاف الخزعلي، في مقابلة صحفية بثها التلفزيون الرسمي العراقي، أن "انتهاء هدنة الفصائل جاء بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، فضلا عن عدم تحقق الشروط التي حصلت على أساسها الهدنة".

وأردف أن الشروط التي تتوقف بموجبها العمليات العسكرية تتمثل "بعدم إبقاء أية قاعدة عسكرية غير عراقية في البلاد، وأن تكون السيادة العراقية على الأرض والسماء، مع وجود فني (أميركي) تحدده الحكومة العراقية".

وكشف الخزعلي، عن "وجود اختلاف في وجهات النظر بين الفصائل المسلحة إزاء قصف المنطقة الخضراء" التي تضم مقار حكومية ودبلوماسية، بينها السفارة الأميركية، مؤكدا أنه "يتبنى الاتجاه الذي لا يفضل قصف السفارة واشنطن".

وتعرضت المنطقة الخضراء وسط بغداد في 11 نوفمبر 2020 لهجوم بالصواريخ هو الأول من نوعه خلال نحو شهر ونصف، إثر إعلان جماعة تطلق على نفسها اسم "المقاومة العراقية"، إيقاف عملياتها ضد القوات والمصالح الأجنبية وخاصة الأميركية في العراق، لإتاحة الفرصة أمامها للانسحاب من البلاد.

وجاء الهجوم بعد وقت قصير على إعلان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة كريستوفر ميللر، خلال مؤتمر صحفي، قرار بلاده سحب 500 جندي من العراق من أصل 3000.

وكانت "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" أعلنت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تبنيها لهجمات استهدفت مصالح أجنبية في البلاد، في أول إعلان من نوعه بعد تصاعد الهجمات في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، موضحة "وقف الهجمات بشروط".

وهذه الهيئة غير معروفة في العراق، ويعتقد أنها تضم فصائل شيعية مسلحة بينها "كتائب حزب الله العراقي"، و"عصائب أهل الحق"، و"حركة النجباء"، بحسب مصادر محلية نقلت عنها وكالة "الأناضول" التركية في نوفمبر 2020.

وعلى الدوام تتهم واشنطن فصائل عراقية مسلحة مرتبطة بإيران بالوقوف وراء الهجمات التي تستهدف سفارتها وقواعدها العسكرية التي ينتشر فيها الجنود الأميركيون في العراق بعد مقتل قاسم سليماني، وأبي مهدي المهندس بغارة أميركية.