تدعم مرشحا عسكريا.. ماذا وراء مناورة فرنسا لملء الفراغ الرئاسي اللبناني؟

12

طباعة

مشاركة

بالتوازي مع حراك القوى اللبنانية للتوصل لصفقة مرضية لكل الأطراف حول اختيار رئيس جديد للجمهورية ينهي حالة شغور المنصب بقصر بعبدا، تبدو فرنسا أنها حسمت أمرها في اختيار مرشحها الرئاسي المفضل.

وفي ظل فشل مجلس النواب اللبناني للمرة العاشرة في انتخاب خلف للرئيس السابق ميشال عون منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2022، تدفع باريس باسم قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية.

حراك فرنسي

وعبر وكلائها في لبنان تدعم فرنسا وصول قائد الجيش اللبناني الحالي لملء الفراغ الرئاسي الذي يعطل تعيين حكومة جديدة وعودة الدعم العربي والدولي لهذا البلد الغارق في أزمة اقتصادية منذ عام 2019 أودت بـ80 بالمئة من المواطنين في جحيم الفقر.

وتؤكد مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن فرنسا تنسق جهودها مع قطر، التي استطاع الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارتين له إلى الدوحة لحضور مباريات بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، لتشكيل دعم للجنرال عون.

وأوضحت في تقرير لها نشرته في 26 ديسمبر، أن حراك فرنسا يهدف لجلب دعم دولي لملء الفراغ الرئاسي بلبنان عبر مرشح تفضله مقابل المرشحين الذين يدفع بهم حزب الله اللبناني وحلفاؤه لضمان مصالحهم وإبقاء نفوذهم.

ولذلك، حرص ماكرون خلال مؤتمر بغداد الثاني الذي استضافه الأردن في 20 ديسمبر، على بحث أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، كما فتح الأمر ذاته مع أمير قطر تميم بن خليفة آل ثاني في 14 من الشهر نفسه قبيل مباراة نصف النهائي بين فرنسا والمغرب.

وجاء حديث ماكرون مع أمير قطر، بعد زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الدوحة في 10 ديسمبر، لعقد سلسلة من الاجتماعات الفنية العسكرية.

لكن سرعان ما أخذت الزيارة طابعا رسميا حيث التقى عون بالأمير تميم لشكره، بعد أن خصصت قطر 60 مليون دولار في يونيو/حزيران 2022، لدعم الجيش اللبناني.

ويكاد عنوان لبنان العريض راهنا هو البحث عن رئيس توافقي ترضى به قوى المعارضة، والثنائي الشيعي (حزب الله - حركة أمل)، والتيار الوطني الحر المسيحي الماروني بقيادة صهر الرئيس السابق، جبران باسيل الطامح لتولي الرئاسة بدعم من حزب الله.

ولهذا تشيد فرنسا بأداء جوزيف عون كقائد للجيش اللبناني منذ عام 2017، وتوظف دعمها للجيش كوسيلة أساسية لتعزيز نفوذها في لبنان، فجهوزية الجيش ضرورية للحفاظ على استقرار البلاد.

وباع فرنسا في لبنان طويل جدا، لا سيما أن المساعدات العسكرية الفرنسية للجيش اللبناني اتخذت أشكالا مختلفة تشمل التدريب والتمويل وتقديم المعدات والتجهيزات.

إذ تقدم باريس تلك الحزم من المساعدات من خلال السفارة الفرنسية في بيروت مع وجود قوة عسكرية فرنسية في لبنان ضمن قوة الأمم المتحدة على الحدود مع فلسطين المحتلة.

وتسمح هذه المساعدات للفرنسيين بالعمل بشكل وثيق مع جوزيف عون، وحضرت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريلو إلى باريس في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 لتقديم تقرير حول هذه العلاقات.

كما قام وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو نهاية ديسمبر 2022 بزيارة رسمية إلى لبنان، واستمرت لأيام والتقى فيها قائد الجيش جوزيف عون، ووزير الدفاع موريس سليم، ورئيس البرلمان نبيه بري.

وحينها ذكر بيان للسفارة الفرنسية، أن زيارة لوكورنو تأتي تأكيدا على "الدعم الفرنسي للقوات المسلحة اللبنانية" وكذلك "تمسك فرنسا بنهوض لبنان الذي يمر عبر احترام الاستحقاقات الدستورية من أجل تبني الإصلاحات الضرورية".

المرشح المفضل

من جانبه، زعم ماكرون في 23 ديسمبر 2022، أن تكثيف فرنسا دعواتها إلى المسؤولين السياسيين اللبنانيين لاحترام الاستحقاقات الدستورية يهدف لاختيار رئيسين نزيهين للجمهورية والحكومة".

وقال ماكرون في مقابلة مشتركة مع صحف "النهار" اللبنانية و"لوموند" الفرنسية و"وول ستريت جورنال" الأميركية: "سأتخذ مبادرات في الأسابيع المقبلة حول كل الصعد (بشأن لبنان) وسأبذل جهدا كبيرا لذلك".

وأضاف قائلا: "ما يهمني هم اللبنانيون واللبنانيات لأن الطبقة السياسية التي تعيش على حساب البلد لا تمتلك الشجاعة للتغيير".

ومضى يقول: "نريد المساهمة في إيجاد حل سياسي بديل عبر إقامة مشاريع ملموسة وفي الوقت نفسه عدم التساهل مع الطبقة السياسية".

وبحسب "إنتيليجنس أونلاين"، فإنه رغم الدعم الفرنسي- القطري لجوزيف عون، فضلا عن الدعم الأميركي المستمر له؛ حيث إنه يزور البنتاغون بشكل متكرر، إلا أنه لا يزال بحاجة لبذل الكثير من الجهد لتجاوز الأزمة السياسة اللبنانية وإقصاء منافسيه.

وهما سليمان فرنجية مرشح حزب الله وحركة أمل، وميشال معوض مرشح القوات اللبنانية، وجبران باسيل صهر الرئيس السابق ميشال عون الذي أنهى ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

كما ستكون هناك منافسة أخرى مع مرشحين مستقلين كرجل الأعمال نعمة أفرام الذي يحاول الحصول على الدعم الفرنسي حيث سافر إلى باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ورئيس شركة CMA CGM الملاحية في مرفأ بيروت الفرنسي- اللبناني رودولف سعادة.

وأمام الرغبة الفرنسية في وصول جوزيف عون لسدة الرئاسة، إلا أنه لم يعلن ترشحه للرئاسة.

إذ لا يتيح له منصبه في قيادة الجيش الإدلاء بمواقف سياسية، إضافة إلى أن انتخابه يتطلب تعديلا دستوريا، كونه من موظفي الفئة الأولى الذين لا يمكن انتخابهم إلا بعد عامين من استقالتهم أو تقاعدهم.

لكن مع ذلك فإن عون (58 عاما) الذي ينحدر من أسرة من الطائفة المارونية المسيحية، تجمعه علاقات جيدة مع مختلف الأطراف السياسية، رغم وجود قوى رئيسة عدة تعارض أن تكون قيادة الجيش ممرا إلى قصر بعبدا الرئاسي.

مرشح تسوية

وينظر محللون إلى عون بوصفه مرشح تسوية في حال فشل التوافق على مرشح آخر، وقد حدث في عام 2008 أن قام البرلمان بتعديل الدستور وانتخاب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان مرشحا توافقيا بعد أزمة طويلة وانقسامات سياسية حادة.

وتؤيد فرنسا تعاون جوزيف عون مع مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي، ولا سيما في إطار مكافحة حركة الفرار من الخدمة العسكرية التي ظهرت في الآونة الأخيرة.

إذ تقدر بعض المصادر أن ما يصل إلى 2500 جندي فروا من الجيش منذ عام 2020، نتيجة نقص الخدمات وتردي قيمة رواتبهم الشرائية بشكل هائل.

ولأسباب استعمارية وجيوسياسية تحاول فرنسا تحقيق اختراق إيجابي في قضية إنهاء حالة الشغور الرئاسي، في وقت لا يملك فيه أي فريق سياسي أكثرية برلمانية تخوله فرض مرشحه.

خاصة أن إمعان الطبقة السياسية الحاكمة حاليا، في عرقلة انتخاب رئيس حتى الآن، يؤشر إلى أن العملية الانتخابية قد تستغرق وقتا طويلا، في بلد نادرا ما تحترم المهل الدستورية فيه، الأمر الذي يعمق مشاكله الاقتصادية ويزيد من مستوى الفساد وتآكل الدولة.

وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة الأخبار اللبنانية في تقرير لها نشر بتاريخ 25 نوفمبر 2022، أن "فرنسا أخفقت في الحصول على موافقة أميركية وسعودية لعرض مبادرة للحل".

ونقلت الصحيفة عن مطلعين على الاتصالات الفرنسية، قولهم: "إن خلية لبنان الفرنسية التي تضم المستشار الدبلوماسي إيمانويل بون ورئيس الاستخبارات الخارجية السفير برنار إيمييه تنطلق من حسابات تقوم على معارضة أي تسوية يستفيد منها حزب الله والتيار الوطني الحر".

وتضيف أن "السعودية تصر على أنها لن تكون معنية بالملف الرئاسي إلا في حال كان هناك خيار واضح يقود إلى انتخاب رئيس معارض لحزب الله مع وعود واضحة بتركيبة حكومية وإدارات عامة ورؤساء للأجهزة الأمنية تكون كلها بعيدة عن أي وصاية للحزب".

ويؤكد المتابعون أن "العلاقة بين السعوديين والفرنسيين غير مستقرة وأن الخلافات حول عدد من الملفات تمنع حتى الآن تحقيق أي تقدم في المبادرة التي تحاول باريس أن تحولها إلى تسوية"، وفق الصحيفة.

ويرى مراقبون أن فرنسا تعمل على إيجاد تسوية سياسية تشمل انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة وإرفاق ذلك بخطة اقتصادية اجتماعية لمنع لبنان من الانهيار الاقتصادي الكامل.

تقديم ضمانات

لكن باريس لن تحصل على موافقة أميركية سعودية على المرشح الذي تريده، ما لم تقدم ضمانات حول انخراطه في برنامج يبدد هواجسهما في لبنان الذي ما تزال إيران لها حصة الأسد فيه عبر ذراعها العسكري حزب الله.

وفي 16 ديسمبر 2022، ذكرت مواقع لبنانية أن لقاء فرنسيا سعوديا عقد في باريس للتباحث في وضعية الشغور الرئاسي اللبناني ومحاولة إيجاد ورقة مشتركة بين الطرفين، علّها تكون مفتاح التوافق.

وضم اللقاء كلا من المستشار الرئاسي باتريك دوريل والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا ورئيس المخابرات خالد الحميدان ومسؤولين آخرين من الجانبين"، إلا أن مصادر مطلعة قالت إن "اللقاء لم يثمر عنه أي اتفاق".

وأمام ذلك، يبقى خيار فرنسا في جوزيف عون كمرشح توافقي للرئاسة، قابلا للتحقق كما يرى بعض المراقبين، في حال ضمن حزب الله الذي يهيمن على لبنان بقوة السلاح الإيراني، شروطه.

إذ سبق لزعيم الحزب حسن نصر الله أن قال في كلمة خلال احتفال في 11 نوفمبر 2022 بمناسبة "يوم الشهيد"، إنه "يرغب في أن يكون للبنان رئيس جمهورية غير خاضع للولايات المتحدة ومطمئن للمقاومة".

وفي هذا الإطار قال الكاتب اللبناني سعد إلياس في 8 يناير/كانون الثاني 2023: "من هذا المنطلق، يفهم كلام نصر الله حول رئيس لا يطعن المقاومة أي أنه يريد رئيسا لا يوفر الغطاء للجيش لضرب حزب الله".

وأضاف قائلا: "بل يريد رئيسا يمون عليه كالرئيس ميشال عون أو الرئيس إميل لحود ولا يريد رئيسا يتجرّأ عليه كما فعل الرئيس ميشال سليمان ويدفعه إلى الموافقة على إعلان مثل (إعلان بعبدا) يلزمه بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة أو يستدرجه للموافقة على إستراتيجية دفاعية تضع سلاحه وقرار الحرب والسلم بإمرة الدولة اللبنانية وجيشها اللبناني".

ومضى يقول: "أما إذا استبعد خيار سليمان فرنجية (مرشح حزب الله) كليا وفُتح الباب أمام خيار التسوية التي تأتي برئيس يطمئن إليه الحزب وإلى ضماناته، ففي الانتظار لا يضع الحزب في مواقفه العلنية فيتو على قائد الجيش جوزيف عون ولا يقطع الطريق أمامه بل يبقي الخطوط مفتوحة".